الاثنين، سبتمبر 07، 2009

حكايات الحفر

مفاتيح القراءة :

- جميع الأحداث لا تمت للواقع بصلة. وأي تشابه بينها وبين الواقع فهو من قبيل.. "إن راح منك يا عين.. هيروح من قلبي فين".

- نظراً لطول السطور التالية. يمكن التأكيد على أن البعض لن يفقد الكثير حال تجاوزها وعدم البدء في قراءتها.

- للقارئ ضعيف الملاحظة.. "العامل البدين".. هو أنا!

(1)
كانت لدينا ماكينة للحفر. وكنا جميعاً نعمل على ظهرها.

يحتاج المشهد إلى وصف تفصيلي.

الجبل السحري الضخم. الذي إذا انكسرت منه قطعة. يعود مكان الكسر كما كان، تعاوننا جميعاً. وحملنا ماكينة الحفر الجديدة لنضعها في مواجهة الجبل. ونبدأ العمل.

الحق يقال. "المعلم" هو صاحب الفكرة.. يمكن أن تقرأ الكلمة بشكلين. المعلم. المدرس الأستاذ القائد. والمعلم. صاحب المحل و"الأسطى" و"الصنايعي" الأكبر.

كنا ننظر إليه فنهدأ. نراقب حركاته وأفعاله فنتعلم. كان مشهد جلوسه على مقعد قيادة الماكينة، وإدارته للمحرك. خلاباً بما يكفي. ليقتل داخلنا أي شعور بالغيرة أو التطلع أو الحسد.

لم يكن "المعلم" قديساً ولا صوفياً زاهداً. كان معلماً بقدر ما يمكن لمعلم أن يكون. وكنا – عمال الحفر – نكره القديسين بطبعنا ولا نصدق أصحاب النفوس الزاهدة. ولعل هذا ما جعلنا جميعاً نؤكد، في البداية، أن العلاقة علاقة عمل، وأن الصداقة التي تربطنا بمعلمنا شيء. ومصلحة العمل شيء آخر. فرق كبير بين موقع حفر في مواجهة جبل، وموقع مقهى بجوار ترعة حيث نحب التدخين.

ما الذي يستحق أن يوصف في المشهد إذن؟. أقول لك. وأخبرك بداية أني العامل البدين، عادة ما تجدني جالساً على ظهر ماكينة الحفر، كانت مهمتي، الكبيرة الصغيرة، أن أواظب على مسح الزجاج الخلفي للماكينة من غبار الحفر، وفي بداية العمل، لا أخفي أني أبديت تذمري واعتراضي، حين نظرت لمهنتي كونها أبسط من أن يتفرغ لها بدين مثلي، لكن جلسة هادئة مع "معلمي" على المقهى، أخبرني فيها بأهمية موقعي وخصوصيته، غيرت نظرتي للأمور، وأكسبتني طموحاً واسعاً، في أن أكون مع الأيام أفضل من يمسح الزجاج الخلفي لماكينات الحفر. وهو أمر لم ولن يحدث.

يبدأ الحفر في منتصف اليوم. لم نكن عمالاً ناشطين. كان يروق لنا أن نأخذ قهوة صباحية في طريقنا للعمل. نتوقف قليلاً في الطريق بين بيوتنا في أطراف القرية، والجبل على ضفاف النيل قرب وسط المدينة. نشرب القهوة وندخن السجائر، نقرأ الجرائد ونتبادل أخبار الليلة الماضية، نناقش ما عرضته الفضائيات، ويمكن أن يأخذ كل عامل حظه في سرد أهم ما جاء بخناقته الليلية مع زوجته. كانت همومنا مشتركة، وأفراحنا أيضاً. كنا نتفق سريعاً – قبل القيام وإستئناف الطريق إلى العمل – على خطط السهرة. كنا نقدس السرمحة، ولا زلنا. لولا أن بعضنا سيكرهها حين يدرك – بمرور الوقت – أن عشقه للسرمحة في حقيقة الأمر كان عشقاً لصحبة العمال والمعلم. ويا لها من صحبة.

نصل للجبل ويبدأ الحفر. لماذا كنا نحفر أصلاً؟. ستطرح هذا السؤال على العامل البدين حين ترانا نحفر بتراخي واستمتاع. ستدرك أن هذا لا يمكن أن يكون آداء عمال في محجر أو جبل حقيقي. ستفهم أن في الأمر خدعة ما. وسأجيبك بكلمة واحدة. "المعلم". هو وحده علمنا الحفر باستمتاع وانسجام وتلذذ. قال، فيما قال من حكم وأقوال ومواعظ طيبة، "يا شباب. العمال في العالم كله يحفرون ويكسبون قوت يومهم بما حفرت فئوسهم. لكنا يا شباب لسنا عمالاً عاديين. نحفر لأننا نحب الحفر، لا تفرحوا إن غادرتم الجبل وقد تركتم فيه حفرة واسعة. افرحوا فقط بالحفر الصغيرة الجميلة. الحفر الكبيرة سيئة المنظر وقبيحة. وهي تؤذي الجبل وتهدد بانهياره، احفروا برفق. ارفقوا بأنفسكم وبالجبل. وابتسموا حين الحفر. فإني أحب ضحكاتكم".

أخبرك بسر. بكيت بعد كلام "المعلم" بحرقة. وآمنت به، وبماكينة حفره. كانت لدي أمنياتي الخاصة، شأن كل البدناء. لكني، وبعد خطبتين أو ثلاثة من المعلم، تصالحت مع طموحي، واخترت أن أكون مجرد عامل بدين على ماكينة حفر تحمل اسم المعلم وصورته. تصالحت مع نفسي. ورضيت بأن أهب نجاحي لمعلمي. وقررت أن حياة كالتي رأيتها بين دموعي بعد الخطبة. تليق ببدين مثلي. ومسحت زجاج الماكينة باهتمام، واختلطت دموعي بغبار الجبل، وشممت رائحتها للمرة الأولى.

(2)

ينتهي الحفر عند الثامنة. هذا يعني أن ساعات العمل الرسمية كانت ستة أو سبعة. مع حساب استراحات الشاي وصلاتي العصر والمغرب.

يجتمع الجميع فور انتهاء العمل، يختار كل عامل منا قطعة من الحجارة المكسورة. ويعرضها على المعلم، فيقلبها المعلم بين يديه. ويبدي ملاحظاته القصيرة. طوال عملي مع المعلم لم يستحسن قطعة حجر أو يثني على عامل، لكن والحق يقال، فقد كان يمتنع عن إبداء الملاحظات السيئة أو توبيخ عامل على اختياره قطعة غير مناسبة. كان المعلم يرضى. وحدثنا في طريق نزولنا من الجبل، عن كون الرضا نعمة. وعن أحلامه، أن تصبح ماكينة الحفر واحدة واثنين وثلاثة. ويرى كل عامل منا يجلس على مقعد قيادة مثله. وكنا نفرح بالأحلام، ونتغذى عليها. كنا نأكل الأحلام والحجارة، فنشبع ونبتهج، لم نكن نرى في الحجارة خشونة ولا في الأحلام ميوعة. كنا نشبع، ونأخذ للبيت ما يكفي عيالنا. وصفت ماكينة حفرنا بالـ"جنة". وشبه أحدهم فريقنا بالنادي الأهلي. ورأينا جميعاً في المعلم شخص "أبو تريكة".

تعلمنا أشياء كثيرة. راقبنا ماكينات الحفر الأخرى، تمنينا لها التوفيق، لكنا سخرنا منها في الوقت ذاته. كنا نرى الجميع يحفرون بطريقة خاطئة. علمنا المعلم، وسنعرف بعد مرور الوقت قيمة ما تعلمناه، أن إبداء الملاحظات أمر مطلوب، وأن النقد نعمة مثل الرضا، وأن موهبة إلتقاط الزوايا والصور، هي ما يميز فريقنا المتماسك.

هل قلت متماسك؟. أمنحني لحظة للتفكير... نعم متماسك. ومتماسك جداً. تحدثني عن خلافات العمال بينهم وبين بعض. تحدثني عن صوتي العالي الذي يتزامن مع الحفر. أنا أقول لك. كل العمال أخوة. والخلاف حول الحفر يا صديقي. حول تجويد العمل وتكسير عدد أكبر من الحجارة. ثم أسألك. هل علا صوتي على صوت الماكينة؟. هل توقف الحفر بسبب الخلاف. لم ولن يحدث.

كانت المقهى في المساء ساحة لقتل أي فتنة. لم تتشكل قلوبنا بأشكال الحجارة. تعرف. وهو سر سأخبرك به أنت وحدك.. تعاهدني.. تمام.. كنا جميعاً نبكي في لحظات الضيق. نبكي. نحن عمال الحفر الأشداء الأقوياء، نبكي كأطفال رضع. ونمسح دموع بعضنا. الحفر علمنا أن الحياة تستحق. وأن توقف الحفر لحظة. سيجعله قابلاً للتوقف دائماً.

(3)

وجاء من أقصى المدينة سيد يسعى..

نعرفه بهكذا اسم.. "السيد". برداء رسمي غامق اللون. وابتسامة صفراء مستمرة، وبكلمة "حبيبي" يلقيها على الجميع. وبأسماء دلع لكل الموجودين. جاء يسلم على المعلم لعلاقة صداقة قديمة بينهما. وتشاءمنا جميعاً لدخول رجل بملابس رسمية مكان الحفر. وجلوسه قرب ماكينتنا. وزاد تشاؤمنا حين اعتذر المعلم عن قهوة المساء وجلسة التدخين. فسيذهب مع صديقه القديم لمناقشة بعض الأفكار الخاصة بتطوير العمل.

صباح اليوم التالي كان المعلم يخبرنا بأن السيد سيصبح شريكاً له في مشروع استثماري كبير بجوار ماكينة الحفر، وأنه – المعلم – يشعر بقدر من التعب، وأن صديقه سيأتي لإضافة بعض الأفكار التطويرية على أسلوب حفرنا، للحصول على "أفضل إنتاج يومي". ونسينا جميعاً يومها كلام المعلم القديم عن الإستمتاع بالعمل، والتلذذ بالحفر لأجل الحفر. والترفق بالجبل وبانفسنا.

صباح يوم تالي، وبعد زيارات مستمرة من جانب السيد المحترم. كلها بالملابس الرسمية الغامقة. تم تحديد ليلة الخميس للجلوس في المكتب – وليس المقهى – لعرض ملاحظات السيد التطويرية. وسأخبرك بصراحة أني فكرت صباح الثلاثاء في مراجعة الطبيب النفسي بعد أن داهمتني كوابيس متتالية أرى فيها السيد يخلع رداءه الرسمي، يضربني بقوة ويهتك عرضي وهو يبتسم ذات ابتسامته الصفراء الواسعة، ويقول "يا حبيبي أنا بس بأطور آداءك".

(4)
وقوف العمال فوق ظهر الماكينة يلوث البيئة. ومهامهم بسيطة ولا تتناسب مع أجورهم. ويمكن للماكينة أن تعمل دون أن يكون زجاجها الخلفي ممسوحاً. وسيتم ربط الأجور بحجم ما يتم تكسيره من حجارة. لا توجد منحة شهرية ولا سنوية. ولا زيادة في الأجور. ممنوع الضحك أثناء العمل. ونحن في أزمة مالية عالمية. الكل مهدد بالرحيل. وآداء الجميع من سيء إلى أسوأ.

تلك ملاحظات السيد. فيما كان لديه قراراً واحداً. ينزل العمال من أعلى الماكينة. ويحضرون فئوساً من بيوتهم، ويحفر كل عامل بجوار الماكينة، وتحفر الماكينة أيضاً بحيث يتضاعف الإنتاج، ويصبح لكل عامل "ماكينة حفر صغيرة". تنتج قطعاً أكثر من الحجارة. ونقضي على تلوث البيئة.

لعلمك. إن سألتني عن علاقة تلوث البيئة بوقوفنا السابق أعلى ماكينة الحفر، فسأزورك في أحلامك ليلاً. وأطور أداءك. طبعاً لا أعرف العلاقة. وظني أنه لا توجد علاقة أساساً. لكن السيد كان يأتي في الأيام الأولى وفي يده مجلد ضخم بغلاف أزرق، مكتوب بالإنجليزية. كان يفتحه ويقرأ. ثم يملي علينا قراراته. فهمنا وقتها أن الكتاب ربما يحوي نصائح إدارية مهمة. ثم أخبرنا عامل زميل، بعد شهور، أنه دخل لغرفة السيد خلسة. وفتح الكتاب، وأكتشف أنه دليل قديم لهواتف المدينة.

لم يعترض أحد.. ثواني، اسحب ابتسامتك الحمقاء. ستقول أن عدم اعتراضنا هو السبب. لا يا فالح. السبب هو اختيار يوم الخميس للإعلان عن كل هذا. ويوم الخميس إن لم أكن أخبرتك من قبل، هو موعد نزهتنا الأسبوعية برفقة المعلم. يولع السيد إذن وكتابه وقراراته وملاحظاته. ولنمنح قلوبنا قليل من الفرح والبهجة. وصباح الأحد ليس ببعيد.

(5)
"تعرف تعد لغاية كام؟".. سألني المعلم. فجذبت نفساً من سيجاري ونظرت له أخبره أني "مش هرد". يعلم المعلم أن لساني ينعقد أمامه. وأن كلامه أهم من أن يقاطعه عامل بدين مثلي.

كنا نجلس على المقهى صباح السبت. وهو يوم عطلة. حدثته عن قرارات السيد. وكان على علم بها. وسألني سؤاله عن العد. ثم أضاف "أنت عارف السيد بيوفر لي كام في الشهر بقراراته دي؟". ثم قال رقماً كبيراً.. أكبر من أن أستوعبه. ثم سحب عدة أنفاس متتالية من سيجارته. وقال كلاماً كثيراً مفاده النهائي أن علي أن أنصرف مبكراً من مكان جلوسنا. فالسيد على وشك الوصول. ويفضل ألا يراني. كما أن علي أن أنام مبكراً بعد أن أجهز فأسي لأن "الحفر الفردي" سيبدأ في الصباح.

بمرور الأسبوع الأول حدث التالي. توقفت عن التدخين. وصرت أنام مبكراً ففقدت سهرات المعلم. وتم تسريح عشرة من العمال. وبناء كشك خشبي للسيد وحصل على لقب مدير الموقع. ازداد شكل قطع الحجارة سوءاً، لكن المعلم. الذي كان يحفر بالماكينة وحده. كان سعيداً أكثر، وقد حاولت الإستمرار أكثر لرؤيته أكثر سعادة.

صوت الماكينة كان أهدأ. ولأول مرة. سيعلو صوتنا على صوتها.

بنهاية يوم الخميس. أدركت أن طموحي القديم بدأ يؤلمني. وأني لست سجيناً كي أحفر بهذه الطريقة. وسمعت تغير في صوت محرك ماكينة المعلم. وتداخلت الأصوات والصور في رأسي. سقطت على الأرض. وكان السيد قد أوقف التعامل مع شركة التأمين الصحي توفيراً للنفقات. وسيكتشف المعلم. أن ما حدث مع شركة التأمين جرى مع ورشة صيانة الماكينة.

(6)

في سحور رمضاني يسألني عامل سابق. لماذا توقفت عن الحفر؟ فأجيبه بأني لم أخلق لأحفر بهذه الطريقة. وأني فقدت متعتي. يقول، ولماذا توقف المعلم رغم أن لديه ماكينته. أخبره أن الماكينة كانت تأنس لوجودنا على ظهرها. وأن محركها كان ضعيفاً وكان حملنا الثقيل يمنعه من التوقف. وأن المعلم نفسه أخبرني ذات مرة. حين اعترضت على تفاهة دوري. بعيب خطير في المحرك يجعل لوقوفي في مكاني وأنا البدين الثقيل أهمية خاصة.

أفتح علبة الزبادي وأفرغ ما بها من مياة في طبق مجاور. ثم أضيف "كنا نعمل معه.. فأصبحنا نعمل لديه.. لم يفهم أن حبنا له.. هو ما جعلنا نحتمل"..

ينظر زميلي في ساعته ويتأكد من أن الوقت لازال مبكراً قبل آذان الفجر. ويسأل : أخبار ماكينتك الجديدة إيه؟. يعلم أني اشتريت واحدة وأقودها بنفسي.

أخلع نظارتي. أفرك عيوني من التعب. أجذب شعرة بيضاء ظهرت بين خصلات شعري. أقول "لسه بدري على ما أكون معلم.. المعلم معلم يا صديقي"..

كان الفجر قد أذن. وافترقنا أنا والعامل السابق صديقي. مررت على الجبل قبل الذهاب للمنزل. لمست ماكينة الحفر القديمة. صعدت وجلست مكان وقوفي القديم.. مسحت الزجاج الخلفي.. بكيت. وأخبرتها بسري الخاص..

"المعلم وحشني قوي".

(7)

توقف الحفر.

فجلسنا جميعاً نحافظ على البيئة.

الأربعاء، سبتمبر 02، 2009

عن التقدير الإلهي للأفلام الوثائقية.
(أعمال السنة)

(1)

سألتني. "عايش ليه؟".

أخبرتها بالحقيقة. كان الوقت مناسباً للصدق. قلت "عشان أشتغل". اعتدلت في جلستها بحيث واجهت عيوني. وسألت باهتمام. "ولما تقابل ربنا يوم القيامة.. هتقوله إيه عن حياتك؟".

صدمني السؤال. ليس لأنه صادم. بالعكس. بل لأنني اكتشفت أن زوجتي قادرة على طرح هذا النوع من الأسئلة، وكنت حين قررت الزواج، أفتش عن فتاة لا تحب الأسئلة الكبرى. فكرت أن هذه مهارة جديدة لها. وأنها لم تكن تطرح هذه الأسئلة من قبل. قررت أيضاً أن أعطي لهذا التغير قدر من الإهتمام في المستقبل. فأن تسألني زوجتي سؤال كهذا في 2009. يجعلها تطرح أسئلة أكبر وأعمق في السنوات التالية. إن عشنا وكان لنا عمر.

فكرت أن أتهرب من الإجابة. لكن عيونها في مواجهة عيوني منعتني من المحاولة. فكرت في اختلاق أي كذبة صغيرة تصلح كإجابة عن السؤال الكبير. ثم أدركت أن زوجتي باتت تعرفني حين أكذب، وهذه مهارة جديدة أيضاً، أو لعلها مهارة قديمة لكني أدركتها متأخراً.

وجدت أن الفرصة قد تكون جيدة للإجابة. قلت "هقابل ربنا. ومعايا شوية إسطوانات دي في دي. وأقوله يا رب أنا عشت حياتي أعمل أفلام وثائقية. ومن وجهة نظري الضعيفة. شايف يا رب إن الأفلام دي حاجة كويسة ومحترمة وعمل صالح. لكن وأنا بعمل الأفلام دي يارب. يمكن مكنتش عبد مثالي ونموذجي. وبالتالي لو الحساب هيركز على العبادات أنا عارف سكتي إلا لو هنال رحمتك. لكن لو ممكن يتم وضع الأفلام دي جنب العبادات. أعتقد ممكن تظبط معايا شوية".

ضحكت، يبدو أن أدائي التمثيلي عجبها. قطعت ضحكتها بسرعة وقالت "أستغفر الله". رددت وراءها. سألتني "أفلامك دي زي أعمال السنة يعني؟". قلت "يعني" ثم هربت من عيونها وأزحت جسدي للخلف. وقررت أن أفتح لها جزء جديد من قلبي.

(2)

حين كنت صغيراً – ولا زلت – سمعت للمرة الأولى في المسجد فكرة أن الله يحاسبنا على أعمالنا. ولا أدري وقتها ما الذي دفعني في سن كهذا للإعتقاد أن الأعمال المقصودة ليست مجرد عبادات كالصلاة التي نقابل فيها الله 5 مرات في اليوم، أو الزكاة التي نعطي فيها للفقراء نسبة ضيئلة للغاية من أموالنا، أو الصوم، وهو مجرد امتناع عن الأكل والشرب والجنس من الفجر للمغرب. وما إلى ذلك.

قادني عقلي الصغير وقتها – ولا زال – إلى فهم أن النجار سيدخل الجنة بالأبواب الجيدة التي صنعها. وأن الميكانيكي سيدخل النار في سيارة لم يجيد تصليحها. وأن قطعة الجبن الجيدة يدخل فيها الجنة سبعة. صاحب الجاموسة ومن قام بحلب اللبن إلى الشخص الطيب الذي لف لي قطعة كبيرة بأربعة جنيهات، حين كان كيلو الإسطانبولي بثمانية جنيهات لا غير.

وبمرور الوقت. وحين بدأت خطب المسجد تتحدث عن الكفار. الذين لا يؤدون العبادات. وسيدخلون النار، مع المسلمين. الذين سيقفون أمام الله بـ"أعمال" سيئة. سألت سؤالين. الأول : "بما أن الله قرر منذ زمن أن الكفار سيدخلون النار وأننا كمسلمين سندخل الجنة، فلماذا يحظى الكفار في الدنيا بالمال والنجاح، ونحظى نحن بالعيال والكفاح؟". والثاني : "طيب. هؤلاء الكفار الذين – رغم كفرهم - ينتجون أعمالاً جيدة. يدخلون النار كهؤلاء الذين كفروا ولم ينتجوا. بالتأكيد هناك فرق؟".

ثم سؤال ثالث لم أجد له إجابة حتى الآن. شخص مثل بيل جيتس. الكافر الذي لم يسجد سجدة ولا صام إثنين ولا خميس. يدخل النار. فقط لأنه ولد لرجل مسيحي اسمه جيتس. ولأم مسيحية اسمها ليس فاطمة. ثم أصلا يمكن أن يكون "بيل" ولد وعاش وسيموت وهو لا يعرف أي كلمة عن الإسلام. لا هو درسه في مادة التربية القومية الأمريكية. ولا شاهد برنامج "حديث الروح" بعد مسلسل الثامنة وقبل نشرة التاسعة.

بمعنى آخر. هل هي مسؤليته أنه لم يعرف أن هناك دين اسمه الإسلام. أم مسؤلية هؤلاء الذين لم يكلفوا خاطرهم أن يهتموا أكثر بالكفار؟.