الأربعاء، أكتوبر 12، 2011

في مسألة الموت لأجل الوطن

في القاهرة، يمكنك أن تسمع هذه الأيام كلام غريب عن أن الوطن يجب أن يعيش حتى وإن كان المقابل أن نموت نحن.

هنا فقط، يصبح الشاب أكثر أهمية لأنه قتل في المظاهرة وأوصى قبل وفاته بأن تمر جنازته على ميدان التحرير، أيقونة الثورة الأولى.

هنا فقط، نهتم لأمر الشهداء. فقط لا غير. ونسأل أنفسنا ليل نهار، ما الذي قدمناه لهم بعد موتهم.

في بلادنا، توجد لجنة لتعويض أسر الشهداء والجرحى خلال الثورة، اللجنة تضم بعض الوزراء، وبعض رجال المجلس العسكري، وبعض رجال القانون، بالإضافة إلى عدد من الأسماء المعروفة والمشهورة.. من الممكن أن نقول أن اللجنة تضم الجميع، لكنها في النهاية، مجرد لجنة.

هنا، في القاهرة، تتحول حكايات الضحايا إلى مواد للتسلية، نصنع عنها الأفلام، وتشتد المنافسة بين صناع الأغاني.. من يبكينا أكثر ونحن نتذكر شهداء الوطن؟.

ثم، نفكر في الأمر من زوايا مختلفة. فحين تهتم برامج التليفزيون بالشهداء أبناء الطبقات المتوسطة والعليا، يهتم نشطاء الإنترنت بشباب جاءوا من المناطق العشوائية، فتبقى القاهرة عدة أيام لا تنطق بغير "الفقراء أولاً".. لماذا الفقراء أولاً؟، لأنهم قدموا شهداء في الثورة، طيب، وإن كانت الثورة قامت وانتهت بلا شهداء، ما الذي كان سيحدث؟، وما الذي كان سيتغير؟.

ثم، أننا نمارس حيلة عاطفية قذرة، حين نترك الموضوع الأساسي ونجلس للبكاء، مات هذا الشاب وهو يدافع عن زوجته، لهذا المهندس طفلة لديها شهر واحد، كان هذا الشهيد يحلم بالهجرة إلى الخارج.. وهكذا..

طيب، بعض الأحياء أيضاً لديهم زوجات، وبعضهم لديهم زوجات وأطفال، وبعضهم لديهم زوجات وأطفال ويحلمون بالهجرة.. من يهتم لأمرهم؟.. في الواقع هم لم يصبحوا شهداء بعد. من الممكن أن نهتم فقط لأمر القتلى، رغم أن حكمة مصرية قديمة تقول أن الحي أبقى من الميت.

كأنك تظن أني معترض على تكريم الشهداء أو تعويض أسرهم، إطلاقاً. بل على العكس. من الممكن أن نظل نكرمهم ونبكى عليهم ونطلق أسماءهم على شوارعنا وندفع نصف ميزانية الدولة لأسر الجرحى.. طبعاً.. هذا حقهم، لقد ضحوا بأفضل ما لديهم، حياتهم.

ما المشكلة إذن؟، المشكلة فقط، أن علينا ونحن نفعل ذلك، أن نتأكد أيضاً من اليوم سيمر دون مزيد من الشهداء. فتكريم الشهداء جزء منه، أن يبقى الشرف لهم وحدهم. دون أن يتم استهلاك الأمر. انتهت أحداث الثورة الأولى ونحن لدينا مائة شهيد مثلاُ.. فلنهتم بهم، بأن نجعلهم مائة فقط، لكننا نستمر في إضافة المزيد للرقم حتى ننام في القاهرة ونحن عاجزين عن حساب عدد شهداء اليوم الواحد.

الله، خلقنا كي نعيش، والأوطان موجودة كي تحيا ونحن بها، لأنها تحيا بنا ونحيا بها. كيف وصلنا إذن إلى حال نرى فيه الشهادة حل؟.. الشهادة وسيلة. لكن علينا أن نذكر، أن الوطن الذي نموت فيه، ليس وطناً، من الممكن أن يكون مقبرة جماعية..

الشهداء سيدخلون الجنة، لأن هذا حقهم عند الله، للكن حقهم لدينا، أن نمنع أنفسنا من التحول لشهداء واحد تلو الآخر. حتى هذه اللحظة، أبكي على الشهداء بنصف عين، ربما لأني لم أفقد في الثورة صديقاً مقرباً.. لكن، إن مات أحد أصدقائي مقتولاً لأجل الوطن، لعلي أفقد القدرة على البكاء. وأملك القدرة على كراهية الوطن.

معظم أصدقائي يعتقدون أن الحياة دون وطن، أفضل من الموت لأجل الوطن. لأن الله وهبنا الحياة أولاً ثم اختار لنا الوطن. فمن الممكن أن نعيش بدون وطن. لكن من المستحيل أن نشعر بالوطن ونحن نموت – فقط – على أرضه، دون أن نملك القدرة للحياة بشكل حقيقي فيه.

الموت كريه. ما الفائدة من محاولة تجميله؟، ما الفائدة من القول بأن الشهداء يعيشون الآن حياة أفضل؟.. هذا غير حقيقي. الشهداء ماتوا. ينالون قدر كبير من المتعة في السماء، لكنهم ماتوا. قتلوا. اخترق الرصاص أجسادهم. الشهداء تألموا، والأمهات مصابات بالقهر.. الموت كريه، وسيبقى كريه، حتى وإن كان لأجل الوطن.

ثم أننا نفضل دائماً أن نبكي فقط، هل فكرنا يوماً أن لدينا مسئولية ما عن هؤلاء القتلى؟، هل حافظ الآباء على حقوقنا قبل أن نولد، هل اجتهدوا لإقامة مجتمع يمكن أن تحل فيه المشاكل بطرق أخرى غير القتل؟، هل دافعنا عن قيمة الحياة؟، هل اعترضنا على القتل بشكل عام، هل نكره حوادث الطرق والعبارات الغارقة والقطارات المتصادمة والأوبئة المنتشرة.. نحن نفقد احترامنا التدريجي للموت. رغم أن الموت هو الموت.

منذ عامين، كانت الصحف اليومية تتنافس في إضافة رقم جديد في عداد ضحايا فيروس حمل اسم أنفلونزا الخنازير.. بعد مرور أسبوع، أصبحت الزيادة في الرقم عادية.. بل أننا لاحظنا في الأسبوع الخامس أن الرقم يزداد ببطئ، فحمدنا الله أن الوباء انتهى.

ما فائدة شهداء العبارة إذا كانت العبارات تسير بعدها دون صيانة؟، ما فائدة شهداء القهر إذا كان القهر مستمر؟، وما فائدة شهداء الفتنة إذا كانت الفتنة لم تعد أشد من القتل؟.. ما فائدتنا كأحياء وقد صرنا نلتقي في الجنازات وحفلات التأبين، وكفانا الله شر الحياة.

ما الفائدة من أن نصنع في اليوم التالي لاستشهاد صديقنا صفحة على الإنترنت نسميها "كلنا صديقنا".. ثم ينضم لها الملايين. في الواقع، ربما يكون من الأفضل أن نسميها "كلنا هنا حتى نمنع أنفسنا من أن يلاقي واحد آخر منا مصير صديقنا". لأن صديقنا نفسه كان يتمنى أن تستمر حياته، وهو قد يشعر بالسعادة حين يعلم أننا صنعنا هذه الصفحة. سيشعر بالسعادة، لكنه.. لن يشعر بالحياة.

قبل أن نصنع للموت هذه القيمة، من الأفضل، أن نصنع للحياة قيمة أكبر. وقبل أن نسأل أنفسنا، ما الذي قدمناه للشهداء بعد رحيلهم، من الممكن أن نسأل، ما الذي قدمناه لهم وهم أحياء؟. وقبل أن نقول أن الوطن يجب أن يعيش وإن متنا نحن، علينا أن نفكر.. هل يستحق هذا الوطن الحياة، وهو يقتلنا واحد تلو الآخر، ولأسباب متعددة..

المجد للشهداء، وللأحياء أيضاً.

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

الموضوع مش متركب صح افكارك مشوشه المره دي

Wohnungsräumung يقول...

Thank you for your wonderful topics :)

Entrümpelung wien يقول...

شكرا على الموضوع ,,))

yoast يقول...

Great post, I read your nice post