الاثنين، أكتوبر 24، 2011

عن الحكايات والسجائر

تقول الحكاية، أنه بينما كنت أفكر في الماضي، كان صديقي يفكر في المستقبل.

سيقرأ الأصدقاء سطوري، فيعتقد أحدهم أنني أقصده هو، ويعتقد آخر أنني أقصد صديقنا الأول، فيما يظن الثالث أنني أقصد صديقاً آخر رحل بعيداً منذ زمن. شخص آخر، (وهو ليس صديقي بأي حال) سيرى أنني لا أقصد أحد بعينه، بل ربما يستغرق في القراءة معتقداً أنني أقصد نفسي تحديداً، وأن ذلك الصديق، الذي يفكر في المستقبل، لا وجود له في الواقع، هو مجرد ظل داخلي، تطورت علاقتنا بحيث صار صديقي.

جميع الإجابات صحيحة.. جميع الإجابات خاطئة.

(؟)

تقول الحكاية، أنه بينما كنت أفكر في المستقبل..

ذلك أنني أفكر وأفكر وأفكر، فلا أمل، أي لا يصيبني الملل، ولا أمل، أي أنه لا يوجد أمل في أن ينتهي التفكير بالوصول إلى نتيجة.

أفكر، وأكتب، وأفكر، هل كتبت أولاً، أم أن الفكرة خلقت الكتابة، أظل أفكر، وأكتب، وتتوالى الحكاية، تفكير كتابة، كتابة تفكير. حتى إذا ما تعبت، فكرت، أنه من الملاءم التوقف عن الكتابة والتفرغ للتفكير.


تقول الحكاية، أنه بينما كان صديقي يفكر في الماضي، كنت أفكر في المستقبل.

جاءتني هذه الجملة وأنا أغادر المقهى البارد الدافئ. بارد لأن الجو بارد، ودافئ لأني لم أكن وحدي.

لماذا أفكر في المستقبل إذن بينما يفكر صديقي في الماضي؟.

ذلك، أن البدايات مهمة، لكن النهايات أهم. يقولون هذه الأيام أشياء كثيرة تتعلق بأن النهايات حتمية، فكل شيء ببداية له نهاية، هذه حقيقة. لكن البدايات عادة تبقى مفهومة وقادرة على شرح نفسها. أما النهايات، فهي العبث الكامل. وبين البداية والنهاية، تظل الأسئلة (بينهما) تتعلق بـ : "كيف ينتهي الأمر بنا؟"، لا نسأل عادة أنفسنا عن الطريقة التي بدأت بها الأمور. البدايات غير مهمة، المهم، كيف يمكن أن تنتهي الحكاية دون أن ننتهي نحن؟. هذا هو المهم.

لهذا، ربما، أهتم بالمستقبل، رغم أني لا ألوم صديقي أبداً، على اهتمامه بالماضي.

(!)
أكتب وبين أصابع يدي اليمنى سيجارة. سحبتها الآن من علبة سجائري الثانية (اشتريت علبتان فقط طوال عام كامل). أصبحت أشتري السجائر وأدخنها ببطء بينما أنقر وأكتب. (لماذا؟)، رغم أني تعلمت تدخينها منذ قليل.. ربما لأملك القدرة على طلب سيجارة من صديق على المقهى أو زميل بالعمل. تلاءمني جملة "هات سيجارة".. أحبها، أشعر بود حقيقي بينما يفتح أحدهم علبة سجائره ويناولني واحدة.

أصبحنا في عالم منحط، وقح، من الممكن أن يعطيك أحدهم سيجارة بأريحية شديدة، لكنه يراقب نفسه بينما يسمح لك (دون أن يسامحك) بأخذ قدر قليل من مشاعره. صارت السجائر أرخص من المشاعر. وصرت تعيساً لأني أحب أن يعطيني أصدقائي أشياء تخصهم، ويأخذون حكاياتي في المقابل. أحب تبادل التفاصيل بين الأصدقاء. فالتفاصيل الصغيرة، بداية واضحة لحكايات لطيفة، أنا أحب اللطف، فمن اللطف، تولد الدهشة.. ولا قيمة لهذه الحياة دون دهشة.. إذن، لا قيمة لهذه الحياة دون حكايات.

(@)
تقول الحكاية، أنه بينما كنت أهتم بالعبث، كان صديقي يهتم بالمنطق.

رغم أن المنطق مصنوع من العبث. فقبل وجود المنطق، كانت الحياة عبثية، وبمرور الوقت، تراصت مجموعة من العبثيات بشكل عبثي آخر، بحيث أمكن لنا أن نرى في وجودها متلاصقة منطقاً ما. فاخترعنا المنطق، ونسينا بمرور الوقت، أنه في الأساس عبارة عن عبث.

من العبث مثلاً، أن نسمح لأنفسنا بخسارة الأصدقاء، خاصة، ونحن ندرك يقيناً أن الحياة دونهم تعيسة. لكن من المنطق، أن ندرب أنفسنا تدريجياً على الوحدة. على البقاء وحدنا لأطول وقت، بحيث، يزول ألم الفراق سريعاً، ونبدأ في مصادقة أنفسنا.

ذلك أن الصداقة هذه الأيام، صارت كمخدر قوي، يمنعنا من الإحساس بألم وقاحة الحياة وانحطاطها. لكن الحقيقة، أن الحياة تبقى وقحة ومنحطة. نكتشف هذا فقط حين تفاجئنا الوحدة صباحاً، ونلاحظ، كيف أن علينا البقاء وحدنا لوقت طويل، دون أصدقاء، دون حكايات، دون تفاصيل، دون لطافة أو دهشة.. مع اللاشيء.

تقول الحكاية، أنه بينما كنت أهتم بالمستقبل، كان صديقي يهتم بالماضي. مع أن علينا سوياً، أن نهتم لأمر أنفسنا.

أفكر، في الابتسام بوجه الأصدقاء والزملاء، وسؤالهم بشكل مباشر.. "هات حكاية".. هل يسحب الواحد منهم علبة حكاياته، ويعطيني واحدة. بذات الرحابة والأريحية، التي يناولني فيها سيجارة من علبة سجائره.


علي أن أتوقف عن طلب السجائر والحكايات. ففي المقابل يجب أن أعطيهم شيئاً ما، سجائر أو حكايات أيضاً. وأنا لا أحمل علبة سجائر عادة، كما أن حكاياتي نفذت. تبقى واحدة وحيدة في العلبة. ممنوع علي حكيها أبداً، ذلك أن البقاء دون حكاية، أسوأ كثيراً من البقاء دون سيجارة، لكن كلاهما مؤلم.

في المرات التي أطلب سيجارة، فيفتح الصديق / الزميل العلبة، ويجد سيجارة وحيدة، يصبح من الواجب أن أتظاهر بعدم الرغبة في التدخين، ليس من اللائق إطلاقاً سحب السيجارة الأخيرة من علبة أحدهم. لكن صديقي / زميلي يتظاهر هو الآخر بأن علي عدم التردد في سحبها، قائلاً أن هناك علبة أخرى جديدة في مكان ما. لكن سحب حكاياتي الأخيرة من علبة الحكايات، يعني، أن الحكايات نفذت بالفعل، وأن علي المواجهة.. وفي الحياة الوقحة المنحطة، عليك، بكافة الأشكال، أن تتجنب المواجهة.

تقول الحكاية أن هناك حكاية واحدة باقية. وأن عليها أن تظل باقية، كما أن عليها أن تبقى وحيدة.

هناك 8 تعليقات:

غير معرف يقول...

like

غير معرف يقول...

ثقافة الهزيمة .. عصابة البقرة الضاحكة‏ 3

وأنا تقديري الشخصي لهذه العملية الخاصة بسعاد حسني أنه لم يكن ثمة ما يدعو لأقتحام الغرفة عليها أثناء وجودها مع ممدوح والأكتفاء بمواجهتها بالصور التي حصلنا عليها من عملية الكنترول خاصة وأن الأقتحام تم أثناء ممارسة أوضاع جنسية وكانت سعاد عريانة،

وأذكر أنه في مرحلة من مراحل العملية كانت سعاد وممدوح متغطيين بملاية وكان ذلك من ضمن الأسباب التي دفعت إلى التفكير في الأقتحام أنما هذا لا يمنع من أننا ألتقطنا لهم صور قبل ما يتغطوا بالملاية، وقد كانت هذه العملية الخاصة بسعاد حسني هي أول عملية نلجأ فيها إلى هذا الأسلوب في التجنيد وهو ضبطها متلبسة.

باقى المقال ضمن مجموعة مقالات ثقافة الهزيمة ( بقلم غريب المنسى ) بالرابط التالى

www.ouregypt.us

Entrümpelung wien يقول...

شكرا على الموضوع ,,))

Firmenumzug Wien يقول...

Thank you for your topic and great effort

entrümpelung يقول...

شكرا ع الموضوع

العاب فلاش يقول...

nice blog

اخبار مصر يقول...

مدونة رائعة اتمني زيارة موقعي
اخبار مكان
أخبار مصر و الشرق الأوسط و العالم مع تغطيات سياسية و رياضية واقتصادية

ركن الامثل للخدمات المنزلية يقول...





شركة تسليك مجارى بالدمام
شركة تسليك مجارى بالخبر
شركة تسليك مجارى بالقطيف
شركة تسليك مجارى بالجبيل
شركة تسليك مجارى بالاحساء
شركة تسليك مجارى بصفوى وسيهات وراس تنورة
شركة تسليك مجارى بالرياض
شركة تنظيف وشفط بيارات بالدمام والخبر
شركة رش دفان بالدمام
شركة رش مبيدات بالدمام