الخميس، يونيو 15، 2006

درس العقل.. بيطلعلي!

بدأت أخاف جدا الكام يوم اللي فاتوا.. والألم بدأ يزيد..

ورغم إن أعراض الخوف والألم شيء طبيعي ومعتاد في حالتي ومعروف عن كل من يصابون بـ"طلوع" درس عقلهم إن الأعراض السابقة من خوف وألم تصيبهم..

رغم ذلك فإن خوفي وألمي مختلفين "سنة" عن خوف وألم أي شاب وأي فتاة (بطريقة اللمبي) بيطلعله درس العقل..

أولا خوف من الأسم.. فلفظ "العقل" يوحي بأني على مشارف مرحلة جديدة في عمري، مرحلة هتخلى فيها عن جنوني السابق، وهيتم سلب مني حرتي وفطرتي في إني أعمل أي شيء بدون ما تكون ليه حسابات منطقية أو.. عاقلة!

الشيء الثاني.. إني أصلا بخاف من كل شيء جديد "طالع"، خوف غريب من "المطالع"، وحب أزلي للـ"منازل"..

الألم بقى سببه إن درس العقل حضرته لما فكر إنه يطلع، قرر إنه يكون هو والدرس اللي جنبه متلازقين جدا، وطبعا الدرس اللي جنبه لإنه مش عاقل زي صاحبنا، رفض إنه ينزاح بسهولة قليلا حتى يطلع العقل وهو مرتاح، وهو ما عمل بينهم مشاكل كتيرة.. وطبعا أنا الخسران الوحيد في معركتهم غير العاقلة..

على العموم.. درس العقل بيطلعلي.. إدعولي

السبت، يونيو 10، 2006

بعترف .. قدام حروفك



بعترف..

أيوة مضطر اعترف وأقول الحقيقة من غير ما أخبي أو أداري..

بعترف إنك.. يا ورقة يا صغيرة .. يا اللي مطبقة وموجودة حاليا في المحفظة السودا الجلد الطبيعي جنب البطاقة وقريب قوي من صوري وأنا صغير..

يا ورقة يا صغيرة يا اللي موجود في المكان ده

بعترفلك إنك أهم وأحلى وأجمل ورقة شفتها الأسبوع ده..

أجمل من ورقة الامتحان، ومن ورق اللحمة، ومن ورق الحائط، ومن المناديل الورق..

إنتي بالنسبة ليا حاليا كل حاجة.. وأهم حاجة..

احتياجي ليكي يشبه احتياج هند الحناوى للورقة العرفي اللي كانت بينها وبين أحمد الفيشاوي عشان تثبت بيها حقها في حياة كريمة هي وبنتها..

إنتي ببساطة الورقة اللي بتربط بيني وبين حياتي كلها..

حياتي اللي موجودة في بر مصر الشمالي.. في مصر السفلى.. حتى ولو كانت مصر السافلة.. برضه أنا عايز أعيش هناك

18 يوم..

بعيد عن القاهرة، وعن ولاد البلد، وعن دعاء، وعن أبويا وأمي وبيتي، وعن مصعب، وعن جهازي ومكتبي، وعن كل حاجة بحبها..

18 يوم..

بتنفس فيهم تحت الشمس..

بغرق في عرقي، وبحاول أركز في المذاكرة..

مش عارف أقرأ أو أكتب..

18 يوم..

من غير مظاهرات ولا فاعليات ولا نزول للشارع والقعدة ع القهوة..

راجعلك يا قاهرة.. ياللي قهرتي قلبي بحبك..

وبيني وبينك.. هتفضل الورقة الصغيرة اللي موجودة فوق، هي ورقة جوازنا العرفي ودليل وجود علاقتنا السرية..

بحبك يا ورقة يا صغيرة..

قنا – قبل يوم من السفر

لو تعرفوه


لو تعرفوه..

لو يوم يقابلكوا اسألوه..

ليه الأيام ياخدوه..

لو تعرفوه..

لو يوم شفتوه كلموه..

عن ناس هنا بيحبوه..

وفكروه..

فاتني وبستناه..

وكمان بقى عرفوه..

من فات حبيبه تاه..

وابقوا اسألوه..

ازيه وازي حاله..

في باله أو مش في باله..

منساش هوانا، وأمانة..

كل اللي اتقال قولوه..

.........

لو تعرفوه..

لو كان في بينكم كلام..

حد يسلملي عليه..

لو تعرفوه..

قولوله ببعتله السلام..

لعنيه ولقلبه وليه..

وفكروه..

فاتني وبستناه..

وكمان بقى عرفوه..

من فات حبيبه تاه..

وابقوا اسألوه..

ازيه وازي حاله..

في باله أو مش في باله..

منساش هوانا وأمانة..

كل اللي اتقال قولوه..

..............

السطور السابقة - لو لم تكن تعرفها - هي كلمات أغنية جديدة لمطربة اسمها إليسا، لو لم تكن تعرف الأغنية فأنت بالتأكيد تعرف إليسا..

أنا عن نفسي أعرف الأغنية وأعرف إليسا، لكن ما لا أعرفه وأتمنى معرفته فعلا، هو اسم كاتب هذه الكلمات، فرغم أنها ليست عبقرية مقارنة بكلمات أغاني أخرى، لكنها مليئة بالإحساس، ولحنها صادق إلى أبعد الحدود.. وهو ما يدفعني للبحث عن اسم الملحن كذلك..

في الأغنية، تكلم إليسا رفاقها وأصدقائها، تكلم البشر جميعا، تبحث بينهم عن شخص يعرف حبيبها الغائب، البعيد عن عينها والقريب من قلبها وعقلها..

تحملهم بالأسئلة التي تنتظر منه إجابة عنها، عن أحواله، وعما إذا ما كان ماذا يذكرها ويذكر حبهما وما بينهما من عهود..

وتلح عليهم أن يجعلوه يتذكر كل الأشياء التي ربما يكون نساها يوما ما، وأن يتذكر دائما، إن من فات حبيبه تاه، وأنها مازالت تنتظره وعليه أن يفهم أن راحته في الرجوع إليها..

وأخيرا تطلب منهم أن يسلموا لها عليه، على قلبه الذي ينبض بحبها، وعلى عينه التي لم تكن تبصر غيرها، وعليه هو شخصيا الذي رضى بالبعد على أن يبقى بجورها..

.................

رغم أني سمعت الأغنية عشرات المرات قبل ذلك، في الميكروباص، وفي الـDJ العالي أثناء افتتاح محل الجزم المجاور لمنزلي، وفي نجوم أف أم المسموعة في القاهرة وضواحيها وشوارعها ومحلاتها وأتوبيساتها، ومن سماعات زميل لي في العمل لا أعرفه على وجه التحديد..

رغم أني سمعتها أكثر من مرة، لكنها المرة الأولى التي أركز في كلماتها بهذا الشكل، لأن إليسا عودتني على أن يكون صوتها جميلا، وألحانها رائعة، لكن على كلمات غير مفهومة تجمع بين المصرية واللبنانية في MIX غريب...

لكن عقلي يرفض أن يصدق أن هذه الكلمات من الممكن أن تغنى لشخص عادي مثلي ومثلك ومثلنا جميعا..

فالـ"بني آدم" الذي يستحق هذه الكلمات – بغض النظر عن أن إليسا هي التي تنطق بها – هو بالتأكيد شخص غير عادي، يملك في قلبه الكثير ليعطيه لمن حوله، والدليل أن الكلمات تمتلىء بمثل هذا الحب..

هو شخص علاقاته متعددة، كثيرة، طيبة مع الجميع، فهي تسأل الناس كلها في ثقة، من منكم يعرفه، لكن السؤال الحقيقي الذي يظهر من بين السطور، ومن هذا الذي لا يعرف حبيبي، ولا يعرف قصتنا..

لماذا أطيل عليكم...

سأقول باختصار ما حدث..

للمرة الأولى التي ركزت فيها في كلمات الأغنية السابقة، وجدتني أبكي، وفي عقلي وقلبي وعيني مجموعة من الصور.. إليكم بها..

1- لو تعرفوه.. محمد القصاص:

أعرفه منذ سنوات طويلة، مجرد اسم يتردد أمامي أثناء فترة عملي مع أبي في سوق نشر الكتب، لم أقابله، أو ربما قابلته، لا أذكر على وجه التحديد المرة الأولى التي قابلته فيها.. لكن ما أعرفه جيدا، أن علاقتي بدأت معه بعد أن سافر صديق مشترك لنا لخارج مصر.. قابلته للمرة الأولى على قهوة أبو أمين بشارع التحرير في الدقي، طلب لنفسه عناب، وبدأنا الحديث..

جلس يستمع لحكايات كل الجالسين، يطلق قفشاته حين تكون لها مناسبة، أو يصمت ويركز في كلام المتحدث لو تبين له أنه ذو أهمية..

وفي كل مرة قبل القيام من على القهوة ذاتها، لا ينسى أن يشتبك في حوار سريع مع علي علبة القهوجي، ما عرفته عن قصاص (هكذا نناديه متناسيين اسمه الأول) أنه لا يترك شخصا دون أن يتحدث معه، بغض النظر عن أهمية الشخص أو أهمية الحديث، لكنه يعرف جيدا أن كل الموجودين يتمنون الحديث معه، وينتهزون الفرصة ليفعلوا ذلك..

بصراحة، أنا لا أعرف قصاص جيدا، فمقابلتي الأولى معه على القهوة كانت من حوالي عام واحد لا أكثر..

لكن الحكايات التي يحكيها أصدقاءه عنه، تجعلني أشعر أني كنت مثلهم، صديقه في المسجد، وزميله في الجامعة، ورفيقه في السجن..

قصاص، يملك مشاعر أبوية تجاه الجميع، ستجده يجلس في اليوم الواحد مع عشرة على الأقل، يسمع من كل واحد منهم عن مشكلته، ويعطيه رأيه، الذي ستجد في النهاية أنه الأقرب إلى الصواب، رغم أنه بعيد عن تخصصه، لكن الحقيقة، أن قصاص لا يعرف تخصص معين، بل هو ضد التخصص ككل، يفهم في كي شيء، وله في كل شارع صاحب، وعلى كل مقهى ذكريات، وفي كل عمل تجارب..

هذا هو قصاص، هو الآن نزيل زنزانة لا أعرف رقمها في مزرعة طرة.. لو كنتم تعرفوه، فبلغوه عني ما تقوله إليسا لحبيبها..

2- لو تعرفوه.. عبد المنعم محمود:


لم أقابل يوما اسكندرانيا واحدا ونسيته، اكتشفت هذه الحقيقة وأنا أحاول الكتابة عن عبد المنعم، أو "منعم" كما اعتدت على مناداته..

عبد المنعم اسكندراني حتى النخاع، لكنك في كل مرة تقابله فيها تعجز عن تصديق أنه ينتمي لتلك المحافظة.. فهو لا يأكل السمك، ولا يعرف عن الإسكندرية ربع معلوماتك، ومرات نزلوه للبحر يعدها على أصابعه..

أراه منذ أكثر من سنتين، يدخل في صمت، يذهب للحديث مع أحمد زين، يسلم علي في الدخول والخروج، ويختفي..

لكن فجأة، أصبحنا أصدقاء، بدون أي تخطيط مني أو منه..

يجمعنا حوار طويل عن الإعلام والإخوان وكفاية والمعارضة والطلبة والمظاهرات..

أذهلني نشاطه، هو "رويتر الإخوان" كما يحب أن يسمي نفسه، أسأله في الثالثة صباحا عن مكان تواجده في العاشرة من صباح اليوم التالي، يجيب في ثقة، "أيووووووه، عندي ميعاد الساعة سبعة في المكتب، بعدها هروح النقابة، وأطلع من هناك على اسكندرية وأرجع بكرة الصبح عشان عندي... "، ويكمل حديثه عن مواعيده وارتباطاته التي لا تنتهي..

في الصيف الماضي، كلمني بسرعة على الموبايل : بقولك إيه، تيجي نروح نصيف 24 ساعة في اسكندرية..؟... أجبت في سرعة.. : طبعا..

كان ذاهبا إلى هناك لتغطية مؤتمر نقابي، ذهبنا سويا، واستمتعت معه بنصف ساعة في البحر قبل أن يحين موعد رجوعنا، وتمشية طويلة على الكورنيش، وفضفضة غريبة من نوعها.. حدثت بيننا للمرة الأولى..

على هاتفه، ستسمع رنته المفضلة "عصفور طل من الشباك"، وستسمعه وهو يطلب مراسل رويتر، أو الفرنسية، أو قناة الجزيرة، ويقول الجملة ذاتها.. "سلام عليكم.. معاك عبد المنعم محمود.. بتاع الإخوان المسلمين"..

منعم وأنا، بيننا شراكة من نوع غريب، كل منا يعرف أنه يحتاج الآخر في حياته وعمله، المرة الأخيرة التي قابلته فيها كانت في رويال باكري المجاور لعشرينات..

هناك كنا نحتفل بعيد ميلاد دعاء، وهناك عرف هو للمرة الأولى أني سأتقدم لخطبتها.. وكانت آخر جملة سمعتها منه قبل رحيله.. "أيوووه.. كنت بعقلك يا براء"..

لم تكن تلك المقابلة هي الأخيرة تحديدا، فبعدها بيومين، جاء لعشرينات مبتسما على غير عادته، عودنا أن يدخل وهو منهك من المشي والتنقل طول النهار.. دخل، داعب الجميع بقفشاته السريعة، وطلبني للحديث معي لدقائق في الخارج، وهناك قال.. بقولك إيه.. "أنا مطلوب القبض عليا ورايح أسلم نفسي بكرة.. هبعتلك خبر القبض عليا عشان تبعته للمواقع اللي هقولك عليها".. لم أستوعب ما قال.. لأنه قالها في بساطة وهدوء لم أعرفهما عنه، ولأنه كان المسجون الوحيد في العالم تقريبا، الذي يكتب خبر القبض عليه بنفسه..

عبد المنعم سلم نفسه، وترك لنا على ايميله رسالة تصلنا كل يوم، تقول.. "آسف لعدم ردي على رسائلكم، لقد قمت بتسليم نفسي لجهاز أمن الدولة"..

منعم أخبرني أنه بعد الانتخابات سيبدأ التفكير في الزواج، لكنه لم يفعل، وأنه يستعد لفتح مكتب إعلامي خاص به، لكن القبض عليه لم يمنحه الفرصة..

المكالمة الأخيرة التي تلقيتها منه، كانت صباح اليوم التالي لزيارته الأخيرة لعشرينات، وفيها قال.. "براء.. أنا رايح دلوقتي.. ما تيجي معايا.. لا إله إلا الله"..

عبد المنعم محمود، منعم، لو تعرفوه.. قولوله ببعتله السلام.. لعينه ولقلبه وليه..

3- لو تعرفوه.. هشام الباسطويسي..


في العناية المركزة كان يرقد منذ أيام..

كانوا يعالجون قلبه الذي لم يحتمل كل ما يحدث لهذا البلد، يعالجون قلبه الذي يرفض أن ينبض بحب النظام، لأنه ينبض بحب الوطن..

معرفتي به لا تزيد أو تنقص عن قدر معرفة أي واحد منكم به.. آخر مرة سمعت فيها صوته كانت على الهاتف.. حين فكرت أن أخبره عن حملة ولاد البلد "طفي النور يا بهية" لمناصرة القضاة..

في المكالمة، سمعت صوتا مليئا بالحماس، مليء بالغضب، مليء بهذا الوطن..

شكرني بشدة، ورفع صوته بالدعاء.. ربنا يكرمك ويوفقكم.. أنا متشكر جدا..

أحاول الكتابة عن هشام البسطويسي، لكن أشعر أني مهما كتبت لن أعطي الرجل حقه.. لكن ما يستحقه فعلا مني ومن كل مصري، هو الدعاء، وأن نرد له جملته التي قالها بسرعة في المكالمة الوحيدة بيني وبينه.. "أنا متشكر جدا"..

بعد صدور حكم المحكمة بتوجيه اللوم له، لم أفهم الحكم في البداية، وهل يعني البراءة، أم سيتم اتخاذ إجراء ضده.. لكن ما شعرت به ساعتها، أني أرفض هذا اللوم بشدة، لأني ببساطة لا أقبل أن يتم لوم رجل مثله على شيء لم يفعله.. بل أن فكرة اللوم نفسها مرفوضة، لأننا اعتدنا على لوم الأشخاص الأقل منا شأنا وسنا وقدرا.. والبسطويسي.. ليس كذلك.. بل هو أكبر من الجميع!

لسيادة المستشار.. أنحني.. وأوصيكم.. لو تعرفوه.. فبلغوه عني السلام.. وطمنوني عليه!

............

تلك هي الصور التي قفزت في عيني بعد سماعي للأغنية.. وأنتم.. لمن تغنوها..؟

الاثنين، يونيو 05، 2006

اللي اتغرب


بكرة الثلاثاء.. "ولاد البلد" هينشر كليب تم تصويره بالكامل داخل شقة الطلبة اللي أنا ساكن فيها دلوقتي أثناء الامتحانات .. يا ريت تتفرجوا عليها.. هبقى أجيب لكم لينك من هناك أول ما تنزل..
لكن دلوقتي أنا هنشر هنا الكلام اللي كتبته عن الشقة دي وعن أحداثها.. اتفضلوا اقرووووووه..
............

آه يا لاللي.. يا عيني يا لاللي.. ع اللي اتغرب راح ولا جالي..

حين سمعت هذه الأغنية للمرة الأولى، لم أكن أعرف أن إعجابي بها ستكون نتيجته أن أعيش كلامتها لحظة بلحظة منذ عشرة أيام، ولمدة أسبوع آخر قادم..

لم أكن أعلم أني سأتغرب دون أن تغادر قدمي أرض المحروسة..

ورغم أني سافرت إلى قنا طوال أربع سنوات ماضية، إلا أنها المرة الأولى التي أشعر فيها بالغربة..

ربما لأن السنوات السابقة لم أتغرب عن أشياء تحظى بنفس أهمية الأشياء التي أتغرب عنها هذا العام..

فأنا الآن، متغرب عن أبي وأمي وبيتي، وعن "ولاد البلد" وعن خطيبتي، وعن عبد الخالق ثروت واعتصاماته، وعن مكتبي "الصغنن" في عشرينات، وخناقاتي اليومية مع هبة على الجهاز..

وربما لأن الجو هنا لم يكن أبدا بمثل هذه الحرارة، ولأن جسمي لم يكن قبل ذلك بمثل هذه البدانة، وأن الحرارة والبدانة جعلاني أشعر فجأة إني "غريب عن روحي" والعرق النازل سيول من جبهتي ومن كل مسامة (مفرد مسام) في جسمي يجعلني أشعر من البلل أني.. عملتها على روحي!

لم أكن أتخيل أن أقابل إسماعيل وعمرو ووليد وهيثم وعيد ومراد.. وكلهم موجودين في هذه المدينة منذ أكثر من شهرين، ومشاعر الغربة تملأهم.. ولأن الغربة معدية، فقد انتقلت هذه المشاعر كلها لي بعد أن قضيت معهم أول ليلة نحكي فيها عن القاهرة وعن الأشياء الحلوة التي تركناها فيها..

ورغم أن تلك الأشياء ليست على هذا القدر من الحلاوة، لكن عادة البني آدم اللي مش هيتشتريها، أن يجعل من كل الأشياء التي تركها قبل سفره حلوة وبتنقط سكر!

هيثم ومراد يحكون عن الأقصر، وعيد عن المنيا، وعمرو واسماعيل ووليد عن همنا المشترك.. القاهرة..

وأنا اسمعهم كلهم، وأدون حكاياتهم، وأنسى حكاياتي..

لقد اجتهدوا فعلا في أن يجعلوا غربتهم "الداخلية" بسيطة وهينة وسهلة، أجهزة كومبيوتر، أغاني، أفلام، دي في دي، هزار وتهريج، كاميرا تسجل كل ما يفعلونه، صحبة حلوة ولمة ظريفة، نكت عمال على بطال، انترنت كافية مجاور للـ"شات" مع الأصحاب..

لكن على رأي محمد هنيدي في "همام في أمستردام".. (دي الغربة صعبة، واصل، وحشاني يا مصر، واصل)..

لكن همام كانت حالته أحسن كتير، لإنه في أمستردام بجوها وخروجاتها وموتسيكلاتها وبناتها، وكلها أشياء ترجمها هنيدي أيضا في أغنيته.. "تعرف هولندا وبنات هولندا"..

لكن في قنا، فإن أجمل خروجه ممكن تخرجها هي زيارة عم علي بتاع الفول، وطبق فول بالسمنة، ومتشبعش، فتضرب واحد كمان بالزيت والطحينة والخل والليمون والبصل.. وألف سلامة على معدة سيادتك والقولون!

سينما قنا، باعتبارها مكان ترفيهي، يعرض حاليا فيلم انتهى عرضه (الفاشل) في القاهرة من شهرين، اسمه "بالعربي سيندرلا"، بطولة العملاق حسن حسني، واللولبية.. بوسي سمير..!

ولأن قنا أهل كرم، فالسينما كريمة بطبعها، فهي تضع فيلمين في بروجرام واحد، الأول وعرفته، والثاني اسمه الدمار الرهيب، بطولة ممثلين معرفتش اقرأ اسمهم من على الأفيش، لإن الفيلم تقريبا إنتاج سنة 80!

بالنسبة للفسح، فتقدر تقول إن المكان المناسب للفسحة في قنا هو الكورنيش، وده تقريبا نسخة قريبة جدا من كورنيش المعادي، لكنه أوسع، وفااااااااااااااااضي!

بالنسبة للأكل، فأولا أنت محتاج تعمل Delete لكل المطاعم اللي تعرفها في حياتك، كوك دور، كنتاكي، العامودي، حضر موت، آخر ساعة.. هنا تقدر تاكل في "الشيف" أو في "أبو سرور"، وده طبعا بجانب عم علي المذكور من فقرتين فوق!

طيب، بما إن سينما مفيش، فسح مفيش، أكل مفيش، يبقى هتقعد فين.. في الشقة يا بطل!

حاليا أنا قاعد في الدور الأول الشقة اللي على اليمين وأنت طالع على السلم في عمارة مشهورة جدا في قنا، واسمها.. العمارة الخضرا!

هي اسمها كدة، فصاحبها الحاج "مبارك" – هو برضه اسمه كدة – لم يجد اسم أفضل للعمارة غير اللون الذي تم دهان العمارة به.. الأخضر..

وطبعا عمارة من الخارج خضرا، يبقى أكيد من جوة.. حمرا أكيد.. زي البطيخة.. ومعاها بذر أسود.. والطلبة تقريبا هما البذر ده.. يادي القرف!

عايز أحكيلك عن يوم في الشقة، بس مش عارف ابدأ منين..

خليني ابدأ من النوم..
فقرة النوم هنا بتبدأ الساعة 6 صباحا، بعد صلاة الفجر ومذاكرة ساعة، وساعة عند عم علي لأكل الفول الخطير، والنوم بعدها... والذي يستمر في الأحوال الطبيعية حتى الساعة 3 عصرا، وفي الموجات الحارة حتى السادسة مساء.. وفي حالات نادرة فإن عمرو وأنا قد تمتد ساعات نومنا للثامنة.. والسبب أننا أصلا ننام صباحا في وقت متأخر..

استيقاظ، صلاة للفروض التي فاتتك أثناء نومك.. و.. شد الهمة ونبدأ مذاكرة..

بمجرد أن تبدأ المذاكرة، تبدأ معتدتك في المطالبة بحقها الدستوري في وجبة هنية تكفي مية، بعد أن أنجزت مهمتها وهضمت طبق عم علي بتاع الفول...

لموا فلوس، واعملوا "ميز"، وده مصطلح يتم إطلاقه على الفلوس التي تم جمعها لشراء طعام للجميع، وغالبا يكون الطعام شوية جبنة ولانشون، وطبق كبير فيه كيس الفول أبو جنيه الذي تم شراءه من عند مين يا ترى .. برافو.. من عند عم علي بتاع الفول.. أشكرك على ذكائك!

طبعا لو كانت الحالة المادية ميسورة، فإن الأكل في أي مطعم من المطاعم المذكورة سيكون هو البديل، لو عند أبو السرور فالنصيحة التي يقولها لك صديقك هي أن تطلب وجبة كاملة وتختم بأيس كريم من المحل المجاور له..

أما لو في “الشيف”، فكل الساندويتشات التي تحبها، وابتعد عن الفطائر والبيتزا لأنها لا تغني ولا تسمن من جوع، وحلي بأجمل وأطعم وأحلى كنافة بالقشدة.. وقول آه يا بطني من التخمة..!

دقات منتصف الليل هي البداية الحقيقية للمذاكرة، وغالبا يدخل البيت في حالة سكون، ويبدأ المعسكر كله في المذاكرة، وتمشي في الشقة تلاقي كل الأحبة اتنين اتنين..

وعند سؤال أحد العالمين ببواطن أمور المذاكرة (مش أنا طبعا) عن سر ظاهرة المذاكرة الثنائية أفاد بالآتي..

كل واحد بيذاكر مع زميله اللي بيشاركه عاداته المذاكرية..

عمرو بيحب السكون أو القرآن أو حلقات رأفت الهجان، إذن يذاكر مع نفسه لأن لا أحد يشاركه عادته، هيثم ومراد يحبون الصمت والتركيز، عندهم غرفتهم، أما عيد، فلإنه يحب الطراوة، فلديه البلكونة ليجلس فيها مع من يحب الطراوة هو الآخر..

أما إسماعيل، فيحب أن يذاكر بجوار جهازه، ومعه وليد زميله في الدفعة..

طبعا السؤال الذي يطرح نفسه، والذي أسمع بعضكم يهمس به خوفا على مشاعري، هو عني أنا، بذاكر مع مين..

الحقيقة يا أصحابي .. (على طريقة بكار)، أنا بذاكر مع عمرو لما يكون مشغل رأفت الهجان، وبذاكر مع وليد لما يكون بيلعب جيم، وبذاكر مع هيثم ومراد.. لما أكون صاحي.. وكلمة واحدة زيادة في الموضوع ده.. هزعل جدا!

فقرة المذاكرة تنتهي (في غير أيام الامتحانات) قبل الفجر بدقائق، وبعد الصلاة تتم مباحثات سريعة بشأن الفدائي الذي سينزل البلد لعربية فول عم علي ليأتي بالمؤن التي غالبا ما يتم طلبها من كل شقق العمارة والعمارة المجاورة أيضا.. وبعد تجميع الفلوس نقضي ساعة في انتظار رجوعه.. وناكل.. وننااااااااااااااااام!

وصفة سريعة جدا، واستعراض مخل (بالآداب) لشقة طلبة فيها 6 سراير، و6 ترابيزات، و7 بني آدمين، بيناموا في وقت واحد، ولأن عمرو هو السابع فتلاقيه بيسيب كل السراير وييجي ينام جنبي مدعيا (كذبا وزورا وبهتانا) إني أرفع واحد في الشقة!

نتيجة كذبة عمرو خسرنا في الأيام السابقة عدد 3 ألواح سرير (ملة سرير بالبلدي)، وبقيت أنا وعمرو بنحاول نقنع اتنين تانيين غيرنا في الشقة إنهم أرفع اتنين موجودين وإنهم يتاخروا شوية والسرير ياخد من الحبابيب ألف!

طولت عليكم..

حقكم عليا، لكن الكتابة وحشاني جدا وأنا في قنا عمال أكتب عن نظريات الإتصال، ودور الإتصال الشخصي في تغيير الاتجاهات النفسية والعصبية بالعباسية، والنظم السياسية الحاكمة للإعلام في القرن الأفريقي قبل الميلاد.. وأشياء من هذا القبيل وهذه القبيلة..

على العموم في جاليري صور كبير فيه صور خطيرة ونادرة من داخل الشقة اللي جنب السلم في العمارة الخضرا الدور الأول أول بلكونة..

وفي كمان كليب لبعض الأحداث الهامة التي مرت في تاريخ هذه الشقة.. وإدعولي أرجع بالسلامة، وأنجح، وأحول من قنا لآداب الخرطوم، لإنهم بيقولوا إن الجو هناك ألطف من هنا.. وأهي تبقى غربة بجد.. وآآآآآآآآآآآآآآآآآه.. يا لاللي!

الأحد، يونيو 04، 2006

عارفة.. (قصة قصيرة قوي.. ومعروفة)


كإن في كلام جوايا عايز أقوله ومش عارف..

على العموم أنا بحاول أكتب.. عملا بنصيحة قديمة بتقول إن الكتابة أسهل كتير من الكلام.. باعتبارها (الكتابة) أعظم وأهم اختراع للبشرية زي ما عمنا جمال فهمي بيقول في الدستور.

سيبك من البداية اللي مش رومانسية دي.. ومين قال إن كلامي هيبقى رومانسي.. أنا متأكد إني مبقتش رومانسي خالص الأيام اللي فاتت.. بلدنا الحال فيها بقى بيحاصر الرومانسيين، سواء اللي بيحصل في عبد الخالق ثروت في وسط البلد، وفي أول شارع ضيق شمال وإنتي داخلة من شارع رمسيس، هناك هتلاقي نادي القضاة، صغير محندق، وعلى بابه، بتتقتل كل يوم الرومانسية، وعلى سلم المبنى الأصفر الضخم اللي جنبه، دي النقابة يا حبيبتي، بيتم اغتصابها، وفي وسط الشارع، بيتهتك عرضها..

بلاش كلام في السياسة.. أنا عارف إنك مبتحبيش السياسة وحكايتها، وإننا أصلا مختلفين قوي، إنتي بتحبي كفاية، وأنا من يومي بكره اللون الأحمر والعلم الأحمر والأفكار الحمرة.. وحتى الشتيمة القبيحة بتاعة.. (..) حمرة!

عارفه، بعيد عن السياسة، في حاجات تانية كتير بتخليني أبقى مش رومانسي..

في الشغل، انتي عارفة اللي بيحصل، المدير وعاميله، وشغل النسوان عمال على بطال، والزن بين الموظفين والموظفات، فاكره أول ما حبيتك، كان لازم تسيبي الشغل بعد أسبوع بس.. نظراتهم بتخنقنا، وهمسهم كل يوم وإحنا خارجين سوا بتزعق في ودانا وبتخليكي تعيطي كل يوم في التليفون.. لازم تخطبني!

حتى في الخطوبة..

طبعا إنتي عارفه الجزء ده كويس قوي

عارفة طبعا.. مامتك واللي عملته معايا أول زيارة، مع إنها كانت تعرفني، والأستاذة سعاد قريبتك دي اللي شغالة معانا في الشركة صاحبتها، وهي كلمتها قبل ما أزوركم، وشكرت لها في أخلاقي، لكن مقابلتها معايا خلتني أظن إن مدام سعاد مشكرتش في أخلاقي، لأ دي عملت حاجة تانية على وزن "شكرت" برضه.. بس عيب إني أقولهاك.. بس إنتي عارفاها!

فاكره ماما قالت إيه ولا أقولك.. إنتي عارفة يا حبيبتي وفاكره كمان..

مامتك قالت : يا بت ده تخين قوي..!

ومن يومها وإنتي بتزني عليا كل يوم أروح الجيم اللي جنب الشغل، وإنتي عارفه برضه إن الجيم ده بـ200 جنيه في الشهر، وأنا مرتبي كله 750، أمي بتاخد مني 400 أول كل شهر للجمعية، وإنتي بتاخدي 50 جنيه بستلفهم منك كل شهر.. وعمرك ما بتسامحيني فيهم، رغم أن الأكل كل يوم على حسابي، وتذاكر السينما، وأجرة الميكروباص، والتاكسي لما تكوني تعبانة أو كعب الصندل مكسور، مع إني قلتلك بطلي تلبسي كعب، وإني بحبك وإنتي قصيرة..

أروح الجيم وأخس، ولا أحوش عشان أشتري أوضة النوم اللي فيفي قريبتك جابت زيها من محل اسمه طويل ورخم أنا مش فاكره، مع إن أبويا بيأكدلك إن الأوضة نفسها موجودة في دمياط بنص السعر.. وإنتي عارفة أنها فعلا موجودة.. بس إنتي بتحبي فيفي قوي، ونفسك تجيبي أوضة زيها لإنكم حلمتم سوا بكدة وإنتم بنات صغيرة بتلعبوا سوا قدام بيتكم في أمبابة..

فاكرة إنك من إمبابة، وإنك كذبتي عليا أول ما عرفتك وقولتيلي إنك من المهندسين، وكنتي بتنزلي معايا كل مرة أروح أزور فيها جدتي وتمشي من ميدان سنفكس لحد وزارة الثقافة وتركبي من هناك عشان معرفش مكان بيتكم..

ولما جيت أزورك أول مرة..

خليتي مامتك تقابلني في بيت أم فيفي قريبتك، واللي اكتشفت بعدها إنها لا قريبتك ولا حاجة، وإنها كانت بتاخد معاكي درس في إعدادي وثانوي، وإنها خطفت منك أول ولد كان بيحبك، لإنه كان من المهندسين.. جارها!

إنتي عارفه كل ده.. وعارفة كمان إني عارف.. بس أنا مكنتش بحب أقولك.. كنت فاكر إني رومانسي.. ولازم أسكت عشان مجرحش مشاعرك..

بس أنا مش عارف أبقى رومانسي يا هوبة خالص..

يا هبة أنا مش عارف أعمل أي حاجة زي ما أنا عايزها..

أديني مستني كل الحاجات تيجي لوحدها.. منتظر كل حاجة..

صاحبي اللي جاي من أبو ظبي عشان يشغلني معاه في الشركة اللي هيفتحها بتحويشة غربته، والجمعية اللي مش عارف أسدد فلوسها وأمي مش عايزة تساعدني ومفروض أقبضها كمان أربع شهور وأشتري البوتاجاز والسخان وطقم المعالق..

طقم المعالق يا هوبة..

أنا اللي هشتريه يا هبة.. رغم إنك عارفة كويس.. أيوه إنتي عارفة كويس.. بلاش إنكار.. إنتي عارفة كويس إن طقم المعالق على العروسة مش على العريس... صح يا هوبة ولا لأ.. بس إنتي قلتيلي إنه على العريس.. ومامتك كمان قالت كدة.. وأنا أمي زعلت قوي لما عرفت إني هجيبه، وأنا ضحكت عليها وقلتلها إني خلاص مش هجيبه.. بس إنتي عارفه يا هوبة إني هجيبه..

وعارفه كمان إنك رفضتي أجيبلك شوية معالق من وسط البلد بدل العلبة اللي بـ 400 جنيه، اللي إنتي اخترتيها آخر مرة كنا في معرض السلع المعمرة بتاع نقابة الأطباء.. لما هنشتري باسم الدكتور عزت قريب أبويا..

يومها إنتي قعدتي تلفي كتير قوي، واختارتي العلبة دي بعناية، وقلتيلي ساعتها إنها نفس اللي عند فيفي.. ولما قلتلك إنها مش عجباني.. قلتي برومانسية شديدة.. مش مهم!

فاكرة.. وعارفة.. وامبارح تقوليلي إنك يا مطاوع مبقتش رومانسي زي زمان..

طيب أبقى رومانسي إزاي يا هوبة..

إنتي عارفه.. وأنا كمان عارف، ومامتك، وفيفي، وجوزها اللي كان بيحبك، وأمي، ومدام سعاد، وزمايلنا في المكتب.. كل الناس دي عارفه..

عارفة يا هبة.. وإنتي كمان عارفة..

إنك اتصلتي بجوز فيفي.. محسن، وطلبتي منه يشغلك معاه في شركته اللي فتحها من فلوس أمه بعد ما خلص جامعة خاصة في أكتوبر..

اشتغلتي معاه من غير ما تقوليلي إنتي اشتغلتي فين بعد سبتي الشركة اللي كنا شغالين فيها سوا..

فيفي كلمت مدام سعاد، ومدام سعاد لمحتلي، لكن ابن اختها سيد صاحبي قوي، وهو حكالي على كل حاجة..

فيفي حاسة بعاطفتك ناحية محسن، محسن بيستعبط لإنه واد معفن من يومه، وإنتي رايحه معاه وجاية ومش هامك حد.. وأمي عرفت لما شافتك في كارفور وهي بتشتري طلبات البيت بالـ 400 جنية اللي أنا بدفعهم لها كل شهر عشان الجمعية وهي بتضحك عليا وتروح تشتري بيهم سمنة وزيت وبرجر وبطاطس نص مقلية.. أمي شافتك إنتي وهو ، وإنتي كنت بتضحكي جامد معاه، وكنتي لابسه الجيبة الجينز الضيقة من ورا اللي أنا مش بحبها، واللي اتفقت معاكي قبل كدة إنك مش هتلبيسيها تاني..

فاكرة.. وعارفة إني عرفت.. لإنك شوفتي ماما، وإنتي عارفة إن ماما مش بتحبك من ساعة حوار فستان الخطوبة اللي ضهره عريان، وإنتي عارفه كويس.. أيوة عارفة إن ماما عملت قبل كدة عمرتين وحجت مع خالي سعيد اللي قاعد في الكويت من 20 سنة واللي مش عايز يبعتلي الفيزا، لإني مبحبش فاطمة بنته، واللي عايز يجوزهالي بالعافية..

إنتي يا هوبة اللي مبقتيش رومانسية زي زمان..

إنتي يا هوبة اللي نستيني عشان الواد محسن..

واللي بعتي الخاتم أبو ألفين ونص جايزة النقابة السنة اللي فاتت في القصة القصيرة ورحتي اشتريتي بيها لبس عشان شغلك الجديد مع محسن، إنتي يا هوبة اللي نسيتي أحلامنا.. بس لعلمك.. أنا عارف إنك هترجعي.. وإنك عارفة إنك هترجعي..


صح يا هوبة..

عارفة.. أنا بحبك قوي، ونفسي نتجوز بقى، ونقعد نبني في بيتنا ونسدد أقساط أوضة النوم اللي هنشتريها بالتقسيط.. من المحل أبو اسم طويل ورخم، بعد ما محسن بيه اتوسط عشان ناخدها بالتقسيط، مع إنك عارفه، وأنا عارف، إنه هو اللي دفع الفرق، وكمل على الخمس تلاف اللي كانوا معانا، وقالنا إنها بالتقسيط، وكل ده عشان خاطرك يا هوبة..

يا هوبة أنا لسه رومانسي..
لإني عارف كل ده وساكت..
ولأنك إنتي كمان عارفة.. سايباني لوحدي..

خطيبك : مطاوع
من مكتب جريدة الحقيقة بسوهاج، بعد ما مدام سعاد قررت تنقلني، لما محسن كلمها، وقالها، إن مرتبي لازم يزيد، حتى لو هيتم نقلي.. والمرتب زاد الحمد لله، وبقى 825... أنا راجع أول الشهر.. استنيني..!

الصعيد الخارجي.. والداخلي.. والجواني



في نشرة الأخبار ستجد دائما هذه الجملة.. "وعلى الصعيد الداخلي".. أو "وعلى صعيد خارجي آخر"..

في طفولتي لم أكن أفهم أن هناك اختلافا كبيرا بين الصعيد المذكور في نشرة الأخبار، والصعيد الذي أنا متواجد فيه الآن.. على اعتبار أن كلها "أصعدة" (جمع صعيد)!

الشيء الملاحظ، هو أن الصعيد الجواني هو الوحيد الذي لا يتم ذكر اسمه في النشرة، وكأنه من بلد ثانية غير بلدنا.. فأنت لا تشاهد أن الرئيس قام بجولة تفقدية للصعيد مثلا، أو أن مؤتمر علمي أقيم في قنا مثلا، أو أن أسيوط تشهد مظاهرات لحركة كفاية..

بشكل لا إرادي تغيب أحداث الصعيد عن النشرة، بل وعن الحياة المصرية القاهرية أصلا.. يتم التعامل مع الصعيد باعتباره بلد مجاور لا يمت لنا بصلة..

أتذكر الآن فيلم النوم في العسل.. عندما دخل النائب الصعيدي - والذي أدى دوره الممثل الجميل أحمد عقل - على مكتب الصحفية الشابة – شيرين سيف النصر - ليسألها.. "يا بنتي الإشاعة دي حقيقية ولا لأ.. الرجالة كلموني من البلد وقالولي إن الفلوس جاهزة يعملوا سور بينا وبينكم من بعد بني سويف"..

لا أعرف إن كان وحيد حامد – مؤلف الفيلم – كان يقصد المعنى الذي وصلني أم لا، لكن ما أتخيله، هو أن الصعيد، وخصوصا جنوبه، مؤهل لأن يصبح دولة أخرى داخل الدولة دون أن ندري..

هم يعيشون هموما غير همومنا، وتشغلهم قضايا غير قضايانا، ويفكرون بأسلوب آخر غير ذلك الذي يسيطر عل عقولنا.. هم لا يعرفون عنا غير اسم رئيسنا، والنكات التي نطلقها عليهم كل لحظة.. هم يشعرون دائما أنهم هناك ونحن هنا.. أنهم الماضي ونحن الحاضر والمستقبل.. أنهم الـ"بعيد" ونحن الـ"قريب"..

ونحن لا نعرفهم عنهم أي شيء، فقط كل ما نعرفه أنهم "تحتنا" على الخريطة، وطبعا بما أننا "فوق" في الخريطة ذاتها فإن منظومة الـ"فوق وتحت" تحكم دائما نظرتنا لهم، ونتعامل معهم باعتبارهم "بلاد جوة" بنظرة سياحية مليئة بالجهل.. والازدراء!

ركز قليلا، في صورة الصعيد المحفورة داخلك، وتذكر أنك لم تقرأ عنه سوى مذكرات نائب في الأرياف لتوفيق الحكيم، أو مذكرات دكتور في الصعيد الجواني لنبيل فاروق..

تذكر أنك اندهشت حين قرأت خبر "قطار الصعيد" للمرة الأولى، السؤال الأول الذي قفز إلى عقولنا جميعا.. هو من أين أتى الـ 3000 بني آدم الذين ركبوا هذا القطار، وكيف لم نسمع من قبل عنهم..

قد تكون نظرتي قاصرة، بل هي كذلك بالفعل، فأنا لا أعرف عن الصعيد أي شيء، رغم أني أدرس فيه منذ 4 سنوات كاملة، كنت أستغرق فيها في نظرة السائح، وأحلم (ولا زلت) في أن أصنع يوما فيلما تسجيليا عن قنا المدينة الوحيدة التي شاهدتها في الصعيد وأسميه.. (قنا.. عذاب النار)..

أتذكر الآن أيضا ما ورثته أفلام السينما في عقولنا عن الصعيد، ويمر في ذهني سريعا، ما حدث في الثمانينات من إرهاب وفتنة، كان الصعيد هو مسرح أحداثهما.. ولعل تلك الأحداث هي آخر احتكاك حقيقي بيننا وبينهم!

لن أطيل عليك في الحديث عن علاقتنا بهم وعن نظرتهم لنا، أنا متأكد من أن شخص ما كتب عن هذا من قبل.. لكن ما أريد أن أحكي لكم عنه، هو عن الطريقة العظيمة التي نستخدمها "نحن" هنا.. للسيطرة عليهم هناك..

فمئات الكيلو مترات التي تفصل بيننا، تجعلهم في وضعية الاستعداد لأن يكون هم "هم" ونصبح نحن "نحن" بشكل حقيقي، فما الذي يجبرنا على الارتباط، وما الذي يجبرهم على الاحتمال؟!

أضف إلى ذلك أن حصص الجغرافيا وتاريخ الثورات التي درسناها، تقول جميعها أن "الجنوب" دائما ما يفكر في الانفصال، ولديه دائما حججه التي تتعلق بالاضطهاد أو القمع، أو حتى تجاهل أهل الشمال له.. وهو ما يحدث معنا فعلا..

نظامنا الحاكم نظام عسكري قبل أي شيء، تعلم أن كسب المعركة يتعلق في النهاية بالـ"سيادة" على أرض العدو..

وفي السيادة، فإن لنظامنا أساليب مبتكرة، تعالى معي لتعرف كيف يسود "هنا"..(لأول مرة أتنازل عن "هناك").. في صعيد مصر وجنوبها..

في قنا.. ستجد صورة الرئيس تحاصرك في كل شارع.. بل أن الصور موجودة على كل رصيف، وبين كل صورة وصورة.. يوجد عامود نور .. وصورة ثالثة.. وتضيء الصور الثلاثة بوجه الرئيس وبالإنارة النيون (التي كانوا محرومين منها حتى خمس سنوات مضت) وبابتسامته الدافئة، والتي يزيد دفئها من حرارة الجو حتى تشعر أن الرئيس هو السبب في الحرارة وليست الشمس..

كأنها – الصورة – تقول لكل مواطن جنوبي صعيدي قنائي (يكتبونها هكذا وليس "قناوي").. أنا الرئيس لا كذب أنا ابن محمد حسني مبارك..

صورة الرئيس، تجدها على لوحات مغروسة في الأرض، على عكس أخواتها في القاهرة الموجودة "فوق" على عواميد الإنارة.. غرسها في الأرض يوحي بأنها اثبات لملكيته لها... تماما كتلك المكتوب عليها "أرض ملك فلان وغير معروضة للبيع"..

لاحظ معي، أن عدد رجال الأمن والشرطة في قنا يكاد يزيد عن عدد المواطنين أنفسهم، في قنا، ستكتشف أنها المحافظة الوحيدة في مصر التي يوجد في كل شارع بها عسكري.. وأنك لو ناديت بطريقة اسماعيل ياسين الشهيرة .."يا بوليس.. يا شاويش".. فسيأتي البوليس والشاويش ليأخذا لك حقك.. وربما ليأخذاك أنت ومن ظلمك على القسم وهناك تتفاهمون!

الأمن الكثيف، يعطي لكل بني آدم قنائي دائما إحساس أنه في خطر، وأن هؤلاء موجودون لحمايته، أو احساس آخر أكثر صدقا أنه هو نفسه خطر، وأن هؤلاء موجودين لحراسته ومحاصرته.. ومراقبته!

واقعة شهيرة، يحكيها كل أبناء قنا، عن اليوم الذي انتشرت فيه إشاعة قوية بوجود قنبلة مزروعة في الساعة الكبيرة في ميدان الساعة أهم ميادين قنا.. الساعة 2 ظهرا، ساعة خروج الموظفين، تمت محاصرة الميدان بالكامل، وغلق كل المنافذ، وشل حركة المرور ساعة كاملة، كنت هناك بالصدفة.. وسألت أحد المارة.. "في إيه يا خال".. رد في حزم.. "جنبلة.. جنبلة"...

العالمين ببواطن الأمور يؤكدون لي (وأنا أصدقهم) أن القنبلة كانت وهم ليس أكثر، وأنها فقط رسالة للناس هنا، ليفهموا أن الأمن موجود، وأنه مسيطر.. ويسود!

أنا أصدقهم لعلاقتهم القوية بالأمن من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التوقيت ذاته كان مناسبا لمثل هذه الرسالة.. فالبلد تم تجديدها بالكامل، وعمل المحافظ الجديد بدأ يؤتى ثماره، وبدأت المحافظة تباهي أخواتها بجمالها وحلاوتها، وحصلت المدينة على جائزة أوربية كأفضل مدينة في العام ذاته، ولأول مرة.. بدأت مظاهرة في الجامعة ضد احتلال العراق.. والمظاهرات (كما يفهمها الأمن) دليل على أن الناس تفكر، والناس تفكر حين لا تجد ما يشغلها.. ولا شيء يشغل المواطن الصعيدي أكثر من العنف.. والـ"جنابل"..

اسأل أي مواطن قناوي عن المحافظ الجديد، سيقول لك كلاما كثيرا لا يعنينا، لكن لاحظ في عباراته الضمير الذي يتحدث به عن "هم" الذين أرسلوه له كي يصبح محافظ..

سمعتها أكثر من مرة خلال أيام.. "لقد أرسلوه كي يفعل.."، دائما تحيط هذه النظرة بالمسئولين القادمين من القاهرة كي يحكموهم.. وتسيطر الفكرة التي تؤكد أن شكل وطبيعة المحافظ الجديد هي التي تحدد مدى رضاء النظام (في القاهرة) عنهم!

في قنا مثلا، وفي صورة جديدة من صور "السيطرة"، ستجدهم يحترمون إشارات المرور الصارمة (والغبية)، وستجدهم يدفعون ببساطة شديدة أول كل شهر مبلغ ما للمحافظة للمشاركة في رصف شارع أو إنشاء كوبري..

أبسط الأشياء التي تؤكد لك أن الذين يحكمون هذا البلد الصغير يدركون جيدا ما يفعلونه بأبناء الصعيد، هو السياسة العقيمة في إغلاق الشوارع وفتحها.. فهو لا يغلق شارع معين لحاجة مرورية بحتة، لكنه يفعل ذلك حتى يفسد سيطرة عائلات بعينها على شوارع أخرى.. وهو ما يدركه أبناء الصعيد أنفسهم..

لست أنا وحدي صاحب الملاحظات السابقة، لكنها كلها (تقريبا) سمعتها من رجال ونساء يعيشون في هذا البلد ويشعرون بكل الذي مضى.. ويسكتون عليه!

نتيجة كل هذا أن الأستاذة (أ) وهي مدرسة ومثقفة ولها علاقة بمثقفين قنا، عندما جلست تتكلم معي عن الأوضاع الآن أخذت تشرح لي كيف أنهم "يقرأون" ما يحدث "لدينا" وما تفعله المعارضة "عندكم" مع النظام..

كلها ألفاظ تفصل بينهم وبين ما يحدث الآن، هم ينتظرون الصحف الصادرة في القاهرة، ليتابعوا أخبار القاهرة، والمعارك التي تحدث في القاهرة، وما تفعله معارضة القاهرة بنظام القاهرة في أزمة قضاة القاهرة..

هذه هي الحقيقة للأسف.. لأن صورة الرئيس، والعسكري الموجود في شارع، والغرامات التي يدفعونها، والنظام المروري الغبي.. والمحافظ الذي يأتي من "عندنا".. كل هذه الأشياء تجعلهم غير مهتمين كثيرا بما يحدث هنا، باعتبارها معاركة بشر آخرون غيرهم.. وأن نتيجة المعركة.. ستصلهم يوما.. لكنها.. متأخرة كالعادة!

يبقى أن أقول أن كل ما جاء في السطور السابقة ينطبق على قنا فقط دون غيرها من بلاد الصعيد، لأني لا أعرف غيرها، وإن كانت الحكايات التي تتردد عن تلك البلاد.. لا تختلف كثيرا..