عمرو ورضوى.. فرح بتذاكر!
لعنت الأمن المركزي في سري، وتذكرت لقاءاتي الأولى مع العريس وعروسه، "عمرو عزت" صاحب مدونة "ما بدا لي"، و"رضوى أسامة" صاحبة مدونة "هكذا أنا".. اللقاء كان في المكان الطبيعي لتواجد المدونين.. ولتواجد عربات الأمن الخضراء.. مظاهرات وسط البلد ضد تمديد فترة رئاسة مبارك..
بعدها فترة طويلة من المعرفة الانسانية عبر المدونات، ولقاءات متقطعة في فعاليات للمعارضة على طول العام الماضي..
ثم.. "عمرو" و"رضوى" سيتزوجان قريبا..
نتابع أخبارهما عبر المدونات، مرة "عمرو" يصالح "رضوى" بأغنية قديمة لـ"شكوكو" اسمها "انتي شمعة وقلبي فانوس".. ومرة "رضوى" تحكي عن فستانها الأبيض الذي سترتديه في حفل زفافها..
لكن لم يكن أحد يتوقع أن يكون حفل الزفاف هذا في "حديقة الأزهر"، حيث جلس العريس والعروسة على النجيلة الخضراء.. في حين كانت العروسة خائفة – مثلي – من أن يفسد نظام مبارك فرحتها بعربات خضراء – بلون النجيلة – داخلها جنود للأمن المركزي لا تعرف قلوبهم الرحمة ولا أياديهم شيئا غير الضرب المؤلم..
"فرح بتذاكر"..
كنت هذه ه هي الجملة التي علقت بها واحدة من المدونات الشابات وهي تعبر بوابة "الأزهر بارك"، فقد دفع كل معزوم تذكرته بنفسه، في اكتفى العريس بشراء مجموعة من علب البيبسي وتوزيعها على الحضور..
البداية كانت حين أعلن "عمرو" و"رضوى" عن أن مكان حفل زفافهما سيكون مختلف جدا، فسيتم عقد القران في مسجد الشرطة، بعدها يترك العريس والعروسة الأهل، وينتقلون لحديقة الأزهر وهناك يلتقون بأصدقاءهم من المدونين ليحتفلوا سويا في الحديقة المفتوحة..
دخول الحديقة كان مشهد يراه الجميع للمرة الأولى لدرجة أن مجموعة من السائحين تقدموا في خجل لتصوير المنظر..
كان عود "عمر مصطفى" صاحب مدونة "تجربة" هو الآلة الموسيقية الوحيدة في الحفل، وعزف عليه مجموعة من الأغاني الفلكلورية الشعبية بمساندة كل الحضور، في حين ساعدته "دعاء الشامي" صاحبة مدونة "بنت بلد" بغناء أغاني الأفراح القديمة التي كانت تحفظ بعضها..
"وائل عباس" هو الآخر استخدم كاميرته التي كانت – للمرة الأولى ربما – ترصد فرح العروسين وانطلاق الحضور وتصفيقهم..
ثم كان لحضور "علاء عبد الفتاح" طابع خاص، حيث يعتبره كثير من المدونين أب روحي لحركة التدوين في مصر عبر مدونته هو وزوجته "علاء ومنال"..
شرقاوي هو الوحيد الذي أحضر هدية معه للعريس، وكانت هدية قيمة فعلا لولا أنها لا تناسب حفل زفاف، فقد أحضر شرقاوي لـ"عمرو" مجموعة من الإصدارات الأدبية الحديثة من معرض الكتاب.. وفرح عمرو بها جدا للدرجة التي جعلته يضعها على الأرض أمامه طول الوقت.. واستغل انشغال للمعازيم عنه ليجلس يتصفحها.. وبذلك يكون العريس الوحيد الذي جلس يقرأ في الكوشة..
لم يكن هذا هو الشيء الغريب الوحيد الذي فعله عمرو، فالذين يعرفوه أدركوا أنه شخص هادئ وخجول جدا، ولعل هذا ما جعله يترك عروسه وحدها وسط البنات.. ويجلس وحده في ركن على باب الجنينة.. يا عيني يا عمرو.. من يرى الصورة لا يصدق أبدا أن الليلة فرحك على حبيبتك..
لكن عمرو لم يكن هو وحده صاحب التصرفات الغريبة، رضوى هي الأخرى حاولت أن تؤكد نظرية أن الطيور تقع على أشكالها، وطلبت من عمر تجربة صاحب العود أن يغني لها "بقرة حاحا" وهي اغنية لمن لا يعرفها كتبها فؤاد نجم وغناها الشيخ إمام تقول في بدايتها "ناح النواح والنواحة على بقرة حاحا النطاحة".. شوفتوا الرومانسية..
غياب أهل العروسين كان ملحوظا، لكن وجود أخوة للعريس والعروسة خفف من حدة غيابهم حيث أكتفى الأهل بحضور عقد القران وترك فرح الجنينة للشباب وأفكارهم المجنونة..
كانت رضوى قد كتبت في تدوينتها الأخيرة قبل الزواج عن شكوى أهلها من عدم وجود فرح بالشكل الطبيعي.. واتهموها هي وزوجها بسرقة فرحتهم وقتلها.. لكن اعتذار "رضوى" الرقيق كان كفيلا بأن يختفي حزن الأهل..
بصراحة، الكتابة عن تلك اللحظات التي عشتها – كمدون – بين جيل من الشباب يجمعهم الانترنت والتدوين، ويساهمون جميعا من أجل بقاء فكرة "البوح" و"الكلام" باقية.. الكتابة عن هذا أمر غير عادي.. ويبدو لي أنه من الصعب الاستمرار فيه..
فقط يبقى المشهد الذي سيعلق في عقلي للأبد.. مشهد دخول الشباب من باب الحديقة، وكل واحد يذكر اسمه طريقته الخاصة، "أنا دعاء بنت بلد"، "وأنا براء وأنا مالي"، "وأنا مالك مالكوم أكس"، "وأنا أيوب الراقص"، "وأنا شرقاوي صوت حر"..
لأن معظم هؤلاء لم يلتقوا من قبل في الواقع، مكتفيين بأن تجمعهم صفحات المدونات، لكن هذه المرة.. كانت روح "البلوج سبوت" مسيطرة.. وفرحانة بالتأكيد..
والله وحده يستحق الحمد، على أن العربات الخضراء المكتظة بالجنود.. لم تكن موجودة هذه المرة..
.
* صور الفرح موجودة هنا