الاثنين، أغسطس 25، 2008

شانل تو©

مررت اليوم أمام مكتبة "الجهاد الإسلامي"..

أنت لا تعرفها، هي هناك في قنا، أو لمراعاة القواعد النحوية واللغوية، هي "هنا" في قنا.. فأنا "هناك" الآن..

تعال أنت، واسأل أي طفل صغير عنها، وسيدلك على مكانها بمنتهى البساطة، فهي – للمفارقة – بجوار مبنى مديرية الأمن، وبابها يسبق باب مكتب أمن الدولة..

مررت اليوم هناك.. وتذكرت سعاد.. رغم أني لم أكن بحاجة إلى ذلك.

وسعاد، إن كنت لا تعرفها، هي زميلتي في سنة أولى كلية، والتي قضيتها كلها في قنا متوهماً أنني طالب مواظب على دروسه وتعليمه، وقد كنت كذلك بالفعل، حتى أني قبل نهاية العام بقليل حصلت على جائزة الطالب المثالي من مجلس الكلية، وفي نهاية العام نفسه، رسبت في ثلاث مواد تسببن في بقائي طالباً بالصف الأول، إلا أن سعاد نجحت وقتها بامتياز وصعدت للصف الثاني.. وانتهت صداقتنا!

ما العلاقة إذن بين مكتبة الجهاد وسعاد؟؟

لا علاقة على الإطلاق، فقط كانت المكتبة هي المكان الوحيد الذي تباع فيه المصاحف بـ"قنا"، وقد اشتريت من هناك واحداً بعد أن طلبت مني سعاد شراء مصحف والبدء في حفظ القرآن معها.

ففي نهاية العام، كان اضحاً أن ثمة تغييرات طرأت على صديقتي، فهي للمرة الأولى مسكت موبايلاً غير موبايلي، حيث استلمت أخيراً مكافأة التفوق من إدارة الكلية، وأكملت عليها مائة جنيه لتشتري جهاز مستعمل إلا أن حالته كانت لا تزال جيدة.. بحيث يمكنها من إرسال الرسائل واستقبال المكالمات والاستفسار عن الرصيد كل قليل متظاهرة بأنها تجري مكالمة مهمة مع صديقة لها قصدتها في خدمة.

كما أنها أخبرتني على الهاتف الأرضي، فقد كان طبيعي أن يكون هناك هاتفاً أرضياً بمنزلها، ما لم يكن طبيعياً هو أن يكون هناك هاتف في شقة الطلبة التي سكنت بها في قنا طوال عامي الأول، والحقيقة أنه لم يكن هناك هاتف، فقد استعنت بأحد أصدقائي الموهوبين، بحيث استطاع سرقة خط الشقة المجاورة، والتي كان سكانها مسافرين في زيارة دائمة للقاهرة..

أخبرتني سعاد على ذلك الهاتف، أن أبوها تمكن أخيراً من قبض الجمعية التي دخلها مع زملاءه في شركة المهندس للتأمين، وستذهب معه مساء الجمعة لشراء "دش" كامل، بطبق صغير نسبياً، كما أنه – أبوها - أحضر مساء الخميس كهربائي متخصص، أعاد تشغيل التليفزيون القديم مع تركيب ريموت كونترول جديد له، وقد توقف الريموت عن العمل مساء الأحد التالي، وذهب والد سعاد للخناق مع الكهربائي، الذي أكتفى برد 10 جنيهات من ثمن الريموت، ولعن اليوم الذي دخل فيه بيت أبو سعاد، رغم أنها أخبرتني في مكالمة تالية، أنه كان ينظر لها نظرات لها معنى واضح، مبدياً إعجابه بأناقتها، حيث ارتدت في ذلك اليوم "جيبة" أختها المتزوجة، والتي كانت تكشف عن ساقيها حتى منظقة ما بعد "السمانة".

شهر كامل أتى بعد ذلك، وأنا أسمع من سعاد حكايات لا تنتهي عن القناة الثانية، والتي تصر على تسميتها "شانل تو" رغم انجليزيتها المكسرة (شأن إنجليزيتنا جميعاً)..

كانت معلوماتي عن القناة الثانية تقتصر على الفيلم الأمريكي الذي تتم إذاعته مساء كل جمعة، وبعض برامج المنوعات التي شاهدت عليها للمرة الأولى أغنية فيلم تيتانيك، التي سحرتني كلياً رغم عجزي عن فهم كلمة واحدة، حيث أني لم أحاول أصلاً.

أخبرتني سعاد بقصص أفلام "شانل تو" كلها، "الآخرون"، و"السرعة"، و"اقتل الجرس" و"المهمة المستحيلة".. وهي أفلام عرفت بعد ذلك أنها نفسها "The Others" و"Speed" و"Kill Bill".. وللأسف ضاعت مني نمرة سعاد لفترة، بحيث لم أستطع أن أخبرها أن "Bill" ليس بجرس، بل هو بني آدم طبيعي مثلي ومثلها، لكنه شرير بعض الشيء.. بحيث يريد الآخرون قتله.. لكن بالتأكيد أن أحدهم أخبرها، فمن الصعب على فتاة مثل سعاد أن تعيش حياتها وهي مقتنعة بأن "Bill" مجرد جرس.

كانت سعاد مصرة على أن صديقي "علي" يشبه الممثلة الأمريكية المعروفة "نيكولاس كيدج"، ولأني لا اعرف من ممثلات أمريكا غير جوليا روبرتس وراشيل كوري ومادلين أولبرايت، فقد أخبرني "علي" في لحظة صراحة أن نيكولاس راجل ملو هدومه، وبالطبع لم أصدقه، فكيف تكذب سعاد ولديها في البيت "شانل تو"..

ذات مرة، عشت مع سعاد تجربة فريدة، كان ذلك مساء الثلاثاء، وهو ذاته اليوم الذي يسهر فيه والدها في العمل لساعة متأخرة، وهو أيضاً موعد مكالمتنا الليلية الوحيدة في الأسبوع، لكن سعاد كانت مرتبطة وقتها بمشاهدة فيلم مهم على "شانل تو"، لم أعرف اسمه حتى الآن، أعرف فقط أنه "مهم".. وهي عادة علمتها لي سعاد، فلا يوجد فيلم "حلو" وفيلم "وحش".. الفيلم إما "مهم".. أو أن يكون غير ذلك.

وقد اقترحت على سعاد أن تجمع بين الحسنيين، تشاهد الفيلم، وتحكيه لي في الوقت نفسه، وسأبقى أنا على السماعة أسمع صوت الفيلم من ناحية، وصوت سعاد من ناحية أخرى.. وبذلك تكون هي شاهدت فيلمها، وأكون أنا استمتعت بالمكالمة.

كان عندي أمل بسيط في أن تمر قبلة سريعة أو مشهد رومانسي خلال الفيلم المهم، بحيث استغل الفرصة واقترب أكثر من سعاد وأصارحها بحبي لها، الذي هو في الحقيقة لم يكن أكثر من مجرد رغبة في ممارسة الجنس عبر الهاتف بأي شكل ومع أي شخص، بعد أن قرأت عنه في مجلة "الشبكة"، خلال خبر قصير عن اكتشاف شبكة دعارة تقدم خدمة الجنس عبر الهاتف.. وكانت الشبكة تباع وقتها في مدخل محظة القطار، كما أنها كانت أول شيء أشتريه عند وصولي قنا قادماً من بيت أبي في القاهرة، وهو بيت لا تدخله سوى مجلة "الوعي الإسلامي" و"العربي" و"الأزهر الشريف".

لكن الفيلم كان من نوع الأكشن السياسي، وهو نوع اخترعته بنفسي، فالمشاهد التي يتضمنها الفيلم إما قتال عنيف، أو نقاش عنيف، وبالطبع فإن العنف لم يكن بأي حال من الأحوال يصلح كمدخل للجنس الهاتفي، فلا أنا ولا سعاد كنا نفضل الطرق السادية وقتها، (أخبرتني بهذا بعد ذلك، بعد أن اشترت جهاز كومبيوتر ودخلت على النت وشاهدت مواقع إباحية عديدة، وكان أبوها قد فكر في مشروع الكومبيوتر بعد أن شاهد إعلاناً على شانل تو يفيد بأن جدول الأفلام متاح على موقع القناة على الإنترنت)..

مر الشهر الأول لشانل تو، وبدأت أسمع كلمات أخرى باعتبارها أسماء قنوات، منها mbc التي هي في الحقيقة "شانل وان".. أيضاً طلبت منها مرة أن تسمعني صوت "الجزيرة" فقد كان هذا هو اسم المحطة الوحيد الذي أعرفه، وقد طلبت منها ذلك باهتمام، مؤكداً أن أبي محافظ لدرجة أنه عندما ركب الدش في بيتنا بمصر (القاهرة) حذف كل القنوات وترك الجزيرة لأنها مهمة ومفيدة وبتتكلم في السياسة وبتشتم حسني مبارك وعمرو موسى وشعبان عبد الرحيم.

والحقيقة أن أبي كان يرفض مسألة الدش بالكامل، حتى رضخ أخيراً لرغبة أمي بشراءه، وكانت رغبة أمي تلك هي الشيء المشترك الوحيد الذي يجمعها بسعاد..رغم أن أمي لا تعرف شيئاً عن شانل تو.. كما أنها تعرف أن "Bill" ليس بجرس.

كانت أمي تريد الدش لمشاهدة "عمرو خالد" على شانل إقرأ.. وكذلك فعلت سعاد، فبعد شهر ونصف، اكتشفنا سوياً اقرأ، وقد كنت معها على الهاتف، وسمعت صوت الشيخ عمرو خالد للمرة الأولى، وبمرور الوقت، بدأنا نسمعه سوياً، أو بمعنى أدق، تسمعه سعاد، وأسرح أنا على الهاتف، مركزاً كل فترة، لعله يتحدث عن "أداب ليلة الزفاف" أو "النكاح في الإسلام" فهي مداخل مناسبة لفكرة الجنس الهاتفي التي كانت لا تزال مسيطرة على عقلي.

كما أن خطب الجمعة التي كنت أحضرها في المسجد كانت عادة تتناول مثل هذه الموضوعات، وقد كانت وقتها وسيلة جميلة بالنسبة لشاب مثلي يطلق لخياله العنان، مفكراً فيما يقوله الشيخ، ومستغرباً أنهم وجودوا مرة بعد الصلاة شاب يكبرني قليلاً يتأوه وهو يمارس العادة السرية في حمام المسجد.

أنا نفسي فكرت في فعل ما فعله ذلك المراهق، خاصة بعد خطبة حضرتها حكى فيها الشيخ قصة، عن زوج كتب لوحة وعلقها في صالة بيته، مكتوب عليها إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، محاولاً لفت نظر زوجته إلى أنها غير مهتمة بنظافة البيت، فما كان من الزوجة إلا أن خلعت اللوحة، وعلقتها على سريرهما، في إشارة إلى أن الزوج لا يرضي زوجته على السرير.. وكم كانت فكرة الزوجة المحرومة مثيرة بالنسبة لشاب مثلي..

أما الشيخ عمرو، فهو لا يفعل مثل شيوخ المسجد، ويخذلني في كل حلقة، حتى أني بدأت اسأل سعاد عن إن كانت اقرأ تعرض برامج للشيخ علي الطويل، أو سعيد المستكاوي، وهم من أشهر شيوخ منطقتنا، إلا أنها أجابت بالنفي.

بدأت ألاحظ أن سعاد لا تسميه "الشيخ"، فقد قال هو في إحدى حلقاته أنه لا شيخ ولا مفتي، بل هو داعية، وقالت لي أنهم يكتبون اسمه على الشاشة مسبوقاً بكلمة "الأستاذ".. وبدلاً من أن تناديه بكلمة "أستاذ" أو "داعية" أو "شيخ".. أكتفت باسمه الأول "عمرو" لتصبح جملتها على الهاتف معتادة "شششش ششش عمرو بدأ".

الإيشارب القصير الذي كان يغطي نصف شعر سعاد، والتي كانت تقضي نصف يومها في جذبه على شعرها من الوراء إلى الأمام، حيث اعتاد الإيشارب الانسدال وحده للخلف، كاشفاً عن صبغتها الكستنائية التي كانت تثيرني، ذلك الإيشارب اختفي فجأة، وعرفت سعاد طريقها إلى الخمار الطويل، وقابلتني في الجامعة قبل الامتحانات.. وسألتني أن اشتري مصحفين من مكتبة الجهاد، واقترحت أن نحفظ القرآن في الأجازة.

وفي مساء اليوم ذاته، وكان يوم الأربعاء، أول مايو، أجازة عيد العمال، اتصلت سعاد بي، طالبة تخفيض عدد المصاحف من اثنين إلى واحد، حيث وجدت هي مصحفاً جيداً في المنزل، بحجم مناسب بحيث تستوعبه حقيبة يدها، كما أن به رسوماً عثمانية كثيرة، لذا "اشتري أنت مصحف عشانك، وهبقى آخد منك الخمسة جنيه بتاعتي اللي كنت هتجيب بيها مصحفي أول يوم امتحانات.. ششش ششش عمر بدأ"..

بشكل ما انقطعت علاقتي بسعاد..

لكن.. كيف وصل الحال بنا إلى الوضع الحالي، وكيف أخبرتني أنها لا تفضل السادية في الجنس وإن كانت لا تمانع في تجربتها مرتين ثلاثة.. أنا أخبرك.. إن لم تكن علمت من سعاد..

لمشاهدة كأس العالم، طلب أخوها من أبوها تركيب طبق أكبر يسمح بالتقاط اشارات الـ"هوت بيرد"، أو الطائر الساخن، وقد حدث، وتزامن مع أجازة طويلة لـ"عمرو" من شانل اقرأ..

وعلى الطائر الساخن شاهدت سعاد قناة "الجنس في المنزل" وحلقات "الجنس والمدينة" واتصلت بي في القاهرة، لنبدأ رحلة طويلة من الكلام على التليفون باستخدام كروت "مفتاح الزيرو"، والتي تكفي بالكاد لنا بممارسة مرتين تلاتة من الجنس الهاتفي الممتع، أحدها على الأقل تنتمي للنوع السادي المؤلم، وهو نوع أصبحت أفضله أنا وسعاد، بعد أن طلبت من أبي مشاهدة كأس العالم على التليفزيون، رغم أني.. "مليش في الكورة"..

ورغم أني امتنعت وقتها عن شراء "الشبكة" فقد عرفت الطريق إلى موقعها "المجاني" على الإنترنت ومواقع أخرى عديدة، ورغم أني زرت قنا بعدها مرات عديدة، وفي كل مرة كانت الفرصة متاحة لتحويل ما يجري على الهاتف بيني وبين سعاد إلى واقع ملموس ومحسوس، رغم ذلك، بقيت علاقتي مع سعاد مقتصرة على الهاتف، سواء على الخط الأرضي و"مفتاح الزيرو" أو حتى دقيقتين ثلاثة على الموبايل، فقد كنا نفهم الغرض من المكالمة من توقيتها ومن اللحظة الأولى لفتح الخط..

اليوم، وأثناء مروري أمام "مكتبة الجهاد الإسلامي"، تذكرت سعاد.. رغم أني لم أكن في حاجة إلى فعل ذلك، فقد غادرت منزلها منذ لحظات، حيث رقصت ومرحت وضحكت.. فالليلة فرح سعاد، على جارها، والذي يعمل والده كهربائي، كان قد صلح لأبوها التليفزيون منذ سنوات، مبدياً إعجابه بشياكة بنته.. التي هي سعاد.

قنا
11-1-2008

الأحد، أغسطس 10، 2008