‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتابة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتابة. إظهار كافة الرسائل

السبت، ديسمبر 25، 2010

نسيان

منذ شهرين، حصلت على هدية من صديقة.

بروازين للصور، كلاهما زجاجي، الإطار مرآة عاكسة، وأحدهما توضع فيه ثلاث صور متوسطة الحجم، والثاني توضع فيه صورة واحدة كبيرة مستطيلة.

تعرف صديقتي مدى حبي للأشياء الصغيرة، انبهاري الدائم بالتفاصيل. يجب هنا أن أؤكد أني عرفت عن نفسي بمرور الوقت أن التفاصيل تبهرني فقط، وأن لا قدرة لدي على التركيز بها.. أقصى ما يمكنني فعله هو تدوين الملاحظات حول تفاصيل بعينها..

كانت لدي رغبة في استخدام البروازين، بمراجعتي لأدراج المكتب، لاحظت أني لا أملك صوراً شخصية في مكتبي، فكرت أنه من المناسب أن أجلب من البيت صورتين أو ثلاثة لوضعها داخل البروازين.. في البيت، لاحظت أني لا أملك أية صور، لا صورة لي، لا صورة لزوجتي، ولا صورة لطفلتي الصغيرة.. فكرت.. هل يعني هذا أي شيء؟.

بمرور الوقت تولدت لدي رغبة حقيقية في تغيير شكل الغرفة التي أعمل بها، نقلت أباجورة من مكتب مجاور، وضعتها بجوار الباب، فتحت الشباك الذي ظل مغلقاً طوال شهور سابقة، وخصصت ركناً وضعت به جهازاً إليكترونياً تخرج من الموسيقى باستمرار، وبصوت خفيض.

نظفت مكتبي جيداً، وأخرجت المبخرة القديمة من الدرج، وأشعلت عودين، وجلست أمام البروازين أحدق، من أين يمكن أن أحصل على صور مناسبة؟.

كعادة الأسئلة الصعبة، أهرب بأفكاري إلى بعيد. هل اختفاء الصور يعني أن الذكريات في خطر؟، الشخص المتهكم الذي يجلس داخلي سخر من السؤال.. ما علاقة الذكريات بالصور؟، الصور، وإن لم تكن مطبوعة، فإنها محفوظة على قرص جهازك المحمول.. مئات الصور لك وللأصدقاء، لزوجتك وأصدقاء المقهى.. ما العلاقة؟ لعلك أصبحت رومانتيكياً بغيضاً.

لعلي فعلاً أصبحت كذلك، فقد اخترت في النهاية أن أترك البرواز فارغاً، كدلالة على عجزي عن إيجاد صور مناسبة تعني شيء ما لوضعها داخله.

اخترت مكانين متباعدين في الغرفة لوضع البروازين، ثم سألت نفسي عن اسم الصديقة التي أهدتني هذه الهدية المتعبة.. لاحظت أني صرت رومانتيكياً بغيضاً، ليس فقط لأني عاجز عن توفير الصور، ولا أني اخترت وضع البرواز دون صورة، بل لأني نسيت اسم صديقتي.

السبت، ديسمبر 05، 2009

فشنك

المشهد التقليدي..

(رجل يخرج من بيته. يتجه إلى سيارته. تظهر سيارة أخرى في عمق الشارع. تسير بجواره. ينزل زجاج خلفي ببطء. تظهر فوهة بندقية حديثة. تنطلق رصاصة بصوت مكتوم. يلتفت الرجل في بطء ليرى. تخترق الرصاصة جسده. فيسقط بهدوء. ويبدو أن الحي غير مسكون. بحيث لا نسمع أصوات أخرى سوى صرير عجلات سيارة مسرعة. وتمر دقيقة كاملة. قبل أن يطل أحدهم من شباك عمارة مجاورة. لمعرفة سبب الجلبة).

للرجل الميت بالطريقة السابقة مكانة في قلبي. ممممم، أو مكانتين في الحقيقة.

(1)

أشفق عليه. فطريقة موته مؤلمة في الواقع. خاصة وأنه ربما ذهب ضحية لسبب مجهول. يبدو وكأنه غير مقصود شخصياً. كان يمكن أن يكون الميت شخص آخر غيره. لكنها المصادفة ولعبة القدر. جعلته يظهر في لحظة مرور الشباب الطائش الذي يحاول أن يفرض سيطرته على الحي الهادئ لأسباب غير معروفة.

(2)


أحسده. أتأمل حاله وأرى. أن الحظ السعيد للإنسان يمكن أن يظهر في صورة يد تحمل بندقية. وتتدخل في أحداث الحياة فجأة لتنهيها.

أحياناً. يكون من المناسب معرفة أن أحد سيناريوهات المستقبل الجيدة، هي أن يتم التخلص فجأة من كل شيء بكبسة زر – أو زناد – واحدة. وتتساوى الاحتمالات.

لن يكون مهماً أن تكون أنت صاحب الكبسة، أو أن يكون جسدك مستودع الرصاصة في النهاية.

الخيوط تشابكت. والأفكار تعقدت. وأصبح بإمكان الواحد أن يتصالح مع مصيره الأسود دون أن يبدو قلقاً. معتبراً أن شيء يمكن أن يحدث لن يكون بحال، أسوأ من الأشياء التي سبق وأن حدثت بالفعل.

أو كما قال زميل الدراسة الثانوية المجهول.. "مش عايز أسقط.. بس مش خايف"..

.......................

ملحوظة :

السطور السابقة، لا تعبر عن الإحباط.

الأربعاء، سبتمبر 02، 2009

عن التقدير الإلهي للأفلام الوثائقية.
(أعمال السنة)

(1)

سألتني. "عايش ليه؟".

أخبرتها بالحقيقة. كان الوقت مناسباً للصدق. قلت "عشان أشتغل". اعتدلت في جلستها بحيث واجهت عيوني. وسألت باهتمام. "ولما تقابل ربنا يوم القيامة.. هتقوله إيه عن حياتك؟".

صدمني السؤال. ليس لأنه صادم. بالعكس. بل لأنني اكتشفت أن زوجتي قادرة على طرح هذا النوع من الأسئلة، وكنت حين قررت الزواج، أفتش عن فتاة لا تحب الأسئلة الكبرى. فكرت أن هذه مهارة جديدة لها. وأنها لم تكن تطرح هذه الأسئلة من قبل. قررت أيضاً أن أعطي لهذا التغير قدر من الإهتمام في المستقبل. فأن تسألني زوجتي سؤال كهذا في 2009. يجعلها تطرح أسئلة أكبر وأعمق في السنوات التالية. إن عشنا وكان لنا عمر.

فكرت أن أتهرب من الإجابة. لكن عيونها في مواجهة عيوني منعتني من المحاولة. فكرت في اختلاق أي كذبة صغيرة تصلح كإجابة عن السؤال الكبير. ثم أدركت أن زوجتي باتت تعرفني حين أكذب، وهذه مهارة جديدة أيضاً، أو لعلها مهارة قديمة لكني أدركتها متأخراً.

وجدت أن الفرصة قد تكون جيدة للإجابة. قلت "هقابل ربنا. ومعايا شوية إسطوانات دي في دي. وأقوله يا رب أنا عشت حياتي أعمل أفلام وثائقية. ومن وجهة نظري الضعيفة. شايف يا رب إن الأفلام دي حاجة كويسة ومحترمة وعمل صالح. لكن وأنا بعمل الأفلام دي يارب. يمكن مكنتش عبد مثالي ونموذجي. وبالتالي لو الحساب هيركز على العبادات أنا عارف سكتي إلا لو هنال رحمتك. لكن لو ممكن يتم وضع الأفلام دي جنب العبادات. أعتقد ممكن تظبط معايا شوية".

ضحكت، يبدو أن أدائي التمثيلي عجبها. قطعت ضحكتها بسرعة وقالت "أستغفر الله". رددت وراءها. سألتني "أفلامك دي زي أعمال السنة يعني؟". قلت "يعني" ثم هربت من عيونها وأزحت جسدي للخلف. وقررت أن أفتح لها جزء جديد من قلبي.

(2)

حين كنت صغيراً – ولا زلت – سمعت للمرة الأولى في المسجد فكرة أن الله يحاسبنا على أعمالنا. ولا أدري وقتها ما الذي دفعني في سن كهذا للإعتقاد أن الأعمال المقصودة ليست مجرد عبادات كالصلاة التي نقابل فيها الله 5 مرات في اليوم، أو الزكاة التي نعطي فيها للفقراء نسبة ضيئلة للغاية من أموالنا، أو الصوم، وهو مجرد امتناع عن الأكل والشرب والجنس من الفجر للمغرب. وما إلى ذلك.

قادني عقلي الصغير وقتها – ولا زال – إلى فهم أن النجار سيدخل الجنة بالأبواب الجيدة التي صنعها. وأن الميكانيكي سيدخل النار في سيارة لم يجيد تصليحها. وأن قطعة الجبن الجيدة يدخل فيها الجنة سبعة. صاحب الجاموسة ومن قام بحلب اللبن إلى الشخص الطيب الذي لف لي قطعة كبيرة بأربعة جنيهات، حين كان كيلو الإسطانبولي بثمانية جنيهات لا غير.

وبمرور الوقت. وحين بدأت خطب المسجد تتحدث عن الكفار. الذين لا يؤدون العبادات. وسيدخلون النار، مع المسلمين. الذين سيقفون أمام الله بـ"أعمال" سيئة. سألت سؤالين. الأول : "بما أن الله قرر منذ زمن أن الكفار سيدخلون النار وأننا كمسلمين سندخل الجنة، فلماذا يحظى الكفار في الدنيا بالمال والنجاح، ونحظى نحن بالعيال والكفاح؟". والثاني : "طيب. هؤلاء الكفار الذين – رغم كفرهم - ينتجون أعمالاً جيدة. يدخلون النار كهؤلاء الذين كفروا ولم ينتجوا. بالتأكيد هناك فرق؟".

ثم سؤال ثالث لم أجد له إجابة حتى الآن. شخص مثل بيل جيتس. الكافر الذي لم يسجد سجدة ولا صام إثنين ولا خميس. يدخل النار. فقط لأنه ولد لرجل مسيحي اسمه جيتس. ولأم مسيحية اسمها ليس فاطمة. ثم أصلا يمكن أن يكون "بيل" ولد وعاش وسيموت وهو لا يعرف أي كلمة عن الإسلام. لا هو درسه في مادة التربية القومية الأمريكية. ولا شاهد برنامج "حديث الروح" بعد مسلسل الثامنة وقبل نشرة التاسعة.

بمعنى آخر. هل هي مسؤليته أنه لم يعرف أن هناك دين اسمه الإسلام. أم مسؤلية هؤلاء الذين لم يكلفوا خاطرهم أن يهتموا أكثر بالكفار؟.

الأربعاء، أغسطس 12، 2009

سرياؤوسي يكتب كما يشاء

أين ذهبت الكتابة؟. ومن أين كانت تأتي أصلاً؟.

جرب أن تكون كاتباً. وتتوقف فجأة. أن تفتح صفحة بيضاء جديدة. وتحاول أن تكسر بياضها بسطورك وكلماتك. تفشل. تشعر أنك عاجز. وترى بياض الصفحة يسخر منك. كأنه زوجة شبقة. تطرح سؤالها المنطقي على زوجها في ليلة خميس صيفية.. "مالك يا راجل".

أفتح صفحة أخرى. أكتب. أكاد أنتهي. أتذكر رسالة على الموبايل جائتني منذ شهور. "مثلما يمنعون اللاعب من اللعب بقدم مكسورة خوفاً على صحته، عليهم أن يمنعوا الكاتب من الكتابة بنفس مكسورة خوفاُ على موهبته.. بلال فضل". أمسح ما كتبت. واسأل نفسي عما كسرها. فلا أحصل على إجابة.

أحاول من جديد. يحفزني تعليق على المدونة، أو إتصال تليفوني من صديق يطمئن. عتاب لطيف من زميل عمل. أو إيميل قارئ محترم، ورسالة على الفيس بوك من شخص مجهول. أحاول تحت الضغط. فأكتب من جديد. وأمسح. وأعيد قراءة رسالة بلال فضل. ولا نتيجة.

في الأسبوع الماضي. دخلت مكتبي فتاة ترغب في العمل معدة. سألتها الأسئلة المعتادة. وأجابت كما يقول الكتاب. وأضافت – ضمن حديثها المتصل عن مواهبها المتعددة – أن لها مجموعة قصصية مطبوعة. ورواية وديوان تحت الطبع. وأنها كتبت في عدة مجلات ومجالات. وجدتني أشجعها. وفي محاولة للظهور بشكل أفضل أضفت "أنا كمان كنت بكتب".

الفتاة في الحقيقة أعطتني أكثر مما أستحق. فسألتني. "فين؟". أجبت "عندي مدونة اسمها وأنا مالي". فابتسمت نصف ابتسامة. وقالت "سمعت مرة عنها". كدت أنفجر من الضحك. أعرف هذه الإجابة. حتى إن كنت اخبرتها أن مدونتي تحمل اسم "سرياؤوسي يكتب كما يشاء" لكانت ابتسمت ذات الإبتسامة، وعلقت نفس التعليق.

لم يشغلني ما فعلته الفتاة. بقدر ما توقفت أمام جملتي "أنا كمان كنت بكتب". للمرة الأولى أضبط نفسي متلبساً بالإعتراف. داخلي شيء ما يمنعني إذن. داخلي جزء ينظر للكتابة باعتبارها فعل ماضي انتهى ولا يملك القدرة على الإستمرار.

ثم أن داخلي شيء آخر يمنعني من التحول إلى "سيرياؤسي" قادر على كتابة ما يشاء وقتما شاء. في معتقداتي الداخلية. توجد صورة لشخص يحمل اسم "سيرياؤسي" وهو كائن بشري يملك صفات اسطورية. تتلخص في "القدرة". القدرة على فعل أي شيء في أي وقت بأي شكل والتغلب على أية عواقب أو موانع.

حتى المرة الوحيدة التي ظهر فيها شخص اسمه "سيرياؤسي" في السينما جسد شخصيته الفنان لطفي لبيب. وكان في أحد المشاهد يمشي في الشارع في زي سوبر مان، وهو ما يعني أن لديه بالفعل قدرة "سيرياؤسية" على فعل أشياء ما كان لشخص في سن وجسم وظروف لطفي لبيب أن يفعلها لو لم يكن اسمه "سيرياؤوسي".

ما يمنعني على التحول إلى هذا الـ"سيرياؤس" هو الإقتناع بأن أحدهم سيأتي ويقرأ بعد سنوات. وأن الوسوسة كنز لا يفنى. وأن الكتابة الجيدة. هي تلك التي جاءت بعد "شوقة". وأن الجملة الجميلة. هي التي مسح قبلها عشر جمل ليست على المستوى ذاته من الجمال.

إذن. أين ذهبت الكتابة؟, ومن أين كانت تأتي أصلاً؟.

أفتش الآن عن إجابة. فلا أجد. نسيت كل ما يتعلق بقدرتي السابقة. أقرأ لنفسي الآن فأشعر أن غيري كتب. أستحسن بعض السطور وأكره بعضها. واسأل. كيف كان هذا البني آدم قادر على الكتابة. من أين تأتي كتابته. ماذا الذي كان يفعله ليكتب بغزارة وينشر بثقة. وما هي مشاعره وهو يرى في نفسه قدرة على الإنتاج. إنتاج الأفكار والسطور والكلمات والتدوينات. إنتاج الكلام بشكل عام.

الكلام.. فالكتابة لم تذهب وحدها. الكلام المنطوق أيضاً. هل يمكن تصديق أن هذا البدين الذي إن أمسك طرف الحديث ابتلعه حتى نهايته أصبح كثير التلعثم غير قادر على إكمال جملة أو توصيل معنى. هل يمكن تخيل هذا الشخص عاجز عن الفهم من أول مرة. ومتعثر في قراءة صفحتين ثلاثة لرضوى عاشور أو إبراهيم أصلان. هل يمكن تخيل هذا البدين منحني أمام لاب توب يقرأ باهتمام في مدونة فتاة مصرية عادية تماماً ليس فيها ما يدهش أو يجذب. وهو الذي كان يعتقد – بل ويعلن إعتقاده على الملأ – أن التدوين في مصر ظاهرة ذكورية وأن نصيب البنات في التدوين بسيط لا تدعمه إلا دار الشروق التي اختارت مدونات بناتية فقط لنشرها في سلسلتها المعروفة. هل يمكن تخيل هذا البدين وقد بدأ يعيد النظر في أمر البدانة وكان قد قرر منذ سنوات أن يأخذ البدانة طريقة ومذهب ونظام. حين كان يرى في البدانة جمال وخفة وأيقونة إبداعية جديرة بالإحترام.

هل يمكن تخيل هذا البدين وقد أصبح خيال قابل للتخيل. هل يمكن؟

هل يمكن تخيل كاتب يسأل عن كتابته. ومتكلم يسأل عن كلامه. وقارئ يسأل عما يقرأه.

هل يمكن أن يتجسد العجز في صورة أعجز من ذلك؟.

أنا أعرف الإجابة. لكن شيء ما يقف بين وبين كتابتها. سحابة كثيفة. مياة بيضاء. ارتعاش في الأصابع وعجز عن حفظ أماكن الحروف على لوحة المفاتيح. حالة كاملة من ضياع كل مفاتيح الأبواب المهمة، والأدراج التي تحوي أشياء قد تفسد إن ظلت مخزنة.

إذن. وللمرة الأخيرة. أين ذهبت الكتابة ومن أين كانت تأتي أساساً؟.

لا يشغلني الأمر للدرجة. لست مهتماً بقضية الكتابة للنشر والطبع والتأليف وحفلات التوقيع وتعليقات المدونة والزملاء "السيرياؤسيين". تعلمت في السنوات السابقة الكتابة بالصورة وللصورة ولعلها تطفئ قدراً من نار حيرتي.

لكن ما يشغلني أمر آخر. فحين كانت الكتابة سهلة. متاحة وموجودة. يسيرة متيسرة. كنت أخطط لحياتي بطريقة سهلة. العمل حتى الثلاثين. تحقيق قدر من النجاح والتحقق. ثم الكتابة والكتابة والكتابة. التفرغ لها وفيها وبها.

يبدو الجزء الأول من الخطة قابل للتحقق. العمل على ما يرام. ولازلت في الرابعة والعشرين. تبقى سنوات ستة إذن – إن عشنا وكان لينا عمر – ويبدأ الجزء الثاني. إن ضاعت الكتابة. فما الذي يمكن أن أفعله بعد الثلاثين؟.

السؤال صعب ومر. لا أحتمل عناء التفكير في إجابة له. الأفضل أن أعيد طرح الأسئلة الأسهل. أين ذهبت الكتابة. ومن أين كانت تأتي؟. وأين يمكن الحصول على إجابة؟
..

الجمعة، فبراير 27، 2009

قبلات مسجونة.

إذن، فأبويا مسجون في سجن المرج منذ شهرين وأكثر، بقرار من وزير داخليتنا باعتقاله و150 شخص قرروا التظاهر يوم جمعة لفتح معبر رفح.. وقد انتهت الحرب، ولا يزال أبي معتقلاً.

أزوره كل خميس، وأجد نفسي مجبراً على مراقبة ما يحدث في الساعتين – مدة الزيارة – داخل القاعة الواسعة، التي تجمع المساجين والزائرين، مقسمة إلى قسمين، واحد للجنائي وآخر للسياسي، وهو تقسيم غير مرئي، فالجميع في حقيقة الأمر يجلسون في قاعة واحدة، كل نوع في ركن. تميزهم الألوان، الأزرق للجنائي والأبيض للسياسي، ولشخص مثلي، متفرغ للملاحظة، فإن ثمة أشياء أخرى تفرقهم.

في الخميس السابق للسبت، يوم الفالنتين، أدهشتني الكمية الكبيرة من الورود في يد زوجات لمعتقلين سياسين، لم أكن أعلم أن الإخوان يحتفلون بالعيد الرومانسي، الذي يحمل اسم قديس مسيحي، زوج الشباب سراً في وقت منعت فيه الدولة الزواج، فأعدم، وخلده العاشقين بعيد يحمل اسمه.

في اليوم السابق قرأت خبراً عن حملة لشباب الإخوان في جامعة القاهرة، تزامناً مع عيد الحب، مفادها أن حب الله ورسوله هو الحب الحقيقي، وكان رد فعلي متناسباً مع ما قرأت.. وفي المساء ذاته، توقفت قليلاً لشراء بضعة حاجات من سوبر ماركت على ناصية شارعي، فوجدت في الداخل شاشة تليفزيون مثبتة على قناة "الناس" وبها شخص ضخم، يجلس في منتصف الكادر، ويقول "يا مسكين.. تعرف إنت إيه عن الحب.. تعرف تحب ربنا؟ تعرف تحب الرسول.. أنت متعرفش حاجة عن الحب".. كان مظهره أقرب من الداعية لمدرب كرة السلة في النوادي المحلية.. سألت البائع في براءة بعد أن لاحظ وقوفي أمام الشاشة دقيقة أودقيقتين "مين الكابتن ده؟".. فرد باستهجان واضح "كابتن إيه يا كابتن.." وسكت برهة واستعد لقول شيء جديد.. إلا أني سحبت حاجاتي بسرعة، ورحلت.

لكن في داخل قاعة الزيارة كان الأمر مختلفاً.

رأيت من بعيد شاب معتقل يخرج لتوه من الباب الفاصل بين العنابر والقاعة، يبدو في حالة جيدة، هو على الأرجح استحم منذ قليل، ويضع عطراً جميلاً، يبدو متأنقاً، رغم أن ثيابه بالكامل بيضاء، تراه فتعرف أنه اهتم لأمر نفسه قبل أن يأتي إلينا.

ألقى بنظرة واسعة على المكان، يبحث عن أهله، حدد موقعهم وبدأ يتجه إليهم، هم أيضاً فعلوا، والتقوا في منتصف الطريق.

أتى إليه هذه المرة، أبوه، وأمه، وزوجته الشابة، وطفل صغير عمره أقل من عام، ينام معظم الوقت.

قبل رأس أبيه، واحتضنه بقوة، وكذلك فعل مع أمه، وكنت قد عرفت أنه لن يفعل ذلك مع زوجته، مراعاة للزحام، ولكونه من الإخوان المسلمين، الذين يتحدثون خارج السجن عن حب الله والرسول فقط.. أيضاً وجود الأب والأم يضفي على اللقاء جواً من الإحترام والرسمية..

لكن، وكأني مراهق يشاهد فيلم "تيتانك" للمرة الأولى، جذب الشاب زوجته تجاهه، بقوة، وكانت قد سلمت رضيعها إلى حماتها قبل ذلك بثانية، وأسكنها بين ذراعيه في حضن، ستحذفه الرقابة إن وجدته في فيلم لتامر حسني ومي عز الدين.

هي مخمرة، لها عيون جميلة، وأقصر منه ببضعة سنتيمترات، وتحبه، ويظهر ذلك في عيونها المثبتة تجاهه.. وفي هدوئها بين ذراعيه.

وهو رفيع، طويل، بشرته سمراء، وذقنه محددة ومهذبه، قصيرة للغاية، ستحتاج بعض الوقت لتعرف إن كان يتركها كعنوان إلتزام أم ضرورة روشنة.. يعشقها، سيظهر ذلك في أمرين.. القبلة القصيرة التي سيعطيها لها بعد الإحتضان.. ويده التي ستتحرك بعد ذلك مباشرة، تجاه بنطلونه، تشده لأسفل، وكأنها تحاول أن تداري تضخم عضوه.

وسينتهي الحضن والقبلة، وسيجلسون.

وسترى، إن كنت معي، في ركن الجنائيين، فتاة في العشرين، تقبل هي الأخرى يد أبيها.. وستخبر نفسك بقدر من التخمينات اللاإرادية.

تبدو الفتاة وكأنها غير موجودة، تنظر لساعتها كل دقيقتان، ولا تتحدث على الإطلاق.. كما أنها تثبت نظرها تجاه "طفاية حريق" معلقة على الحائط المقابل، وكأنها ترى فيها أمر يستحق الإهتمام عن أبوها الجالس إلى جوارها.

ستفهم أنها قررت في لحظة سابقة أن تلغي هذا الجزء من حياتها، ألا تصنع فروقاً بين زيارة أبيها في السجن، وزيارته في القبر، تغلق هذا الجزء وتضعه ضمن ذكريات الطفولة القديمة.

لهذه الفتاة صديق في الخارج، لا يعرف شيئاً عن أمر أبيها المسجون، وهي تمنعه من زيارة البيت، وستقبل الزواج منه دون علم الأهل.. أما عن القبلات التي وضعتها على يد والدها، فهي – على أفضل الأحوال – عادة طفولية قديمة، تشبه قراءة الفاتحة أمام القبر.

ستفكر في التخمينات السابقة، وتلوم نفسك، وسترى في الركن السياسي مشهد مطابق، فتاة أكبر قليلاً تقبل يد والدها، وستضع التخمينات ذاتها، وستتوقف عن لوم خيالك.. وترك له العنان.

وفي الركن السياسي أيضاً، وفي مكان منزوي به، سترى زوج وزوجة، أكبر من السابقين، تجاوزا الأربعين بقليل، وأمامهما طفلان، ينظران إليك، وظهرهما للأب والأم، المقتربان قليلاً وثمة حركة أيادي خفية في الأسفل يكاد لا يلمحها أحد.. وإن راقبت أكثر، فسترى قبلات مسروقة بين الفمين، وستعرف أن ممارسة الجنس بعد الأربعين ليست كابوساً كما كنت تتخيل.

سألت أبي، "كلكم هنا إخوان؟"، فقال "أيوة، واحد بس سلفي هناك أهو".. ونظرت إلهي، يرتدي ترينج أبيض من ماركة يرتديها الجميع اسمها "SKY TOP SPORT" وتباع في التوحيد والنور بمقاسات متعددة، لكنه يرفع بنظلونه إلى أعلى، ويثني أطرافه عند القدمين، فلا فارق بينه وبين أي سلفي في الطالبية بالهرم.

ويقف أمام زوجته المنقبة، التي ترتدي نقاباً أسود وأسفله يظهر بنطلون جينز، وحذاء رياضي أبيض، وتقف في مواجهته تماماً، وبينهما مسافة أقل من المسافة التي سيتركها المخرج بين ممثل وممثلة في فيلم رومانسي أمريكي يعرض للكبار فقط.

فضفاضة الجلباب التي ترتديه الزوجة، لا يسمح لأحد بالتفكير في أن الجسدين متلاصقين، لكنهما كذلك، وهناك قبلات كثيرة تؤخذ من ناحية اليسار حيث لا يجلس أحد، كما أن الشفايف تتلامس وبينهما نقاب، وهو أمر جيد.

أدرت نظري، فرأيت الشاب الأول وزوجته، يقفان بجوار البوابة بعيداً عن الزحام، ويمسك الشاب بشيكولاتة، ويكسرها أجزاء صغيرة، فيمسك بجزء جزء، يضعه في فمه، ويقطم نصفه، ويسكن النصف الثاني في فم الزوجة الشابة.

في الجانب الآخر، السياسي أيضاً، كان شاب وفتاة أصغر في السن، أخبرني أحدهم بأنهم كانوا على وشك الزواج، إلا أنهم "كاتبين كتابهم"، كانت الفتاة تريح رأسها إلى كتفه، وكان هو يمسك أطراف كفها، ويعبث بأظافرها الطويلة المهذبة.. وعلى وجه كل منهما، ابتسامة مطمئنة.

....

في طريق العودة، سألتني زوجتي، خدت بالك؟.. قلت "طبعاً، وكان أمراً مثيراً".. سكت قليلاً، ورأيت أن أصلح المعنى، فقلت أنه كان جميلاً أن أرى وجه أخر لهؤلاء، وأني اسمتعت بتلك الحرية الجماعية التي قرر الجميع ممارستها.. وأضفت أشياء كثيرة.. منها أن ما رأينها ليس أكثر من قبلات حلال مسجونة.. في سجن المرج.

الخميس، فبراير 05، 2009

عمق المأساة!




ما الذي فعله مطاوع حين غادرت زوجته إلى منزل والدتها؟

من الطبيعي أن نتوقع الكثير، فداخل مطاوع يجلس نموذج صغير للشيطان، صنعه مطاوع بنفسه، ومنحه بعضاً من قدرته السحرية على التفلسف والتمنطق والتنظير، لذا فالنموذج يعطيه الأفكار، ويدله على الطريق الصحيح للخطيئة، كما أنه يهون عليه من آثار الـ"عط"، ويجعله في كامل إدراكه، بأن ما سوف يحدث، لن يكون بأي حال، أسوأ مما حدث بالفعل.

لدى السيد مطاوع يوم كامل من الحرية، المرح، القدرة على التجاوز والطيران، السهر، مرافقة هؤلاء السفلة في شوارع وسط البلد، التدخين داخل المنزل، والنوم بملابس العمل، والضغط على علبة المعجون من أي مكان، ورفع صوت التليفزيون، والحديث مع الصديقات حتى الفجر، وطلب دليفري من أي مطعم وبأي كمية، والإستماع لشريط هيفاء وهبي في السيارة، وأشياء أخرى يمكن التغاضي عن ذكرها..

لكن السيد مطاوع اختار، بإرادة حرة كاملة، وبإدراك كامل لحجم المغامرة، أن يجلس بجوار الدفاية، بملابس قطنية منزلية أنيقة، ويمسك بكتاب ضخم لـ"ميلان كونديرا" عن فن كتابة الرواية، ويشاهد فيلم "The Leading Man" على أو تي في، ومتابعة تقارير إخبارية مختلفة على الجزيرة والعربية، ثم النوم مبكراً، والإستيقاظ بفارق ساعة زائدة عن موعد استيقاظه الذي طالما حددته زوجته دون رغبة منه أو رضا.

فقط دخن سيجارة صغيرة، وطلب وجبة بسيطة من كوك دور، وخلع فردتي شرابه في الصالة، دون وضعهما في المكان المخصص، السلة البلاستيكية الخضراء في الحمام.

في الصباح، لم يختلف الأمر كثيراً، استيقظ وحده، ارتدى الـ"بورنس" على اللحم، وجلس يشاهد الجزيرة، قرأ صفحتين من كتاب "كونديرا" في الحمام، وأخذ "دشه" اليومي، ثم نزل إلى العمل.

يمكن هنا الإنتقال للسؤال التالي مباشرة، ما الفارق إذن الذي صنعه غياب زوجة مطاوع؟.

لا شيء على الإطلاق، فقط حصل مطاوع على حقه الطبيعي في الهدوء والسكينة والراحة والحرية، وهي أشياء لم يكن مطاوع يهتم لها في الحقيقة، كان يعتقد أنه يحب الضوضاء، ويكره السكينة ويمقت الراحة، ولا يحتاج الحرية. لكنه – كزوج يفكر جدياً في أن يصبح مخلصاً لزوجته – أدرك أن الإستغناء عما سبق ترف لا يقدر عليه.

وهل يجتمعان؟، مممم.. تفهمني؟.. اسألك.. هل تجتمع الزوجة مع الراحة والسكينة والهدوء والحرية والمتعة والفرحة والكسل اللذيذ؟..

فيما سبق، ظن مطاوع أن زوجته على علم بما يحتاج، هي أخبرته بذلك، هل اختلفت احتياجاته إذن؟. أم أن قدرة زوجته على المعرفة أصابها شيء ما.

ستنزعج زوجة مطاوع فور علمها بأن زوجها قضى ليلته جالساً في المنزل وحده يشاهد التلفزيون ويقرأ الروايات.. هل لأن زوجته تكره ميلان كونديرا، هل لأنها تخشى على زوجها من مشاهدة بعض الـ"مزز" في قنوات القمر الصناعي الأوربي "الحمامة الساخنة" أو "hot bird"، الحقيقة أنها ستنزعج لأنها تعرف – دون أن يخبرها أحد – أن قضاء زوجها ليلته في المنزل وحده، يعني فردتي شراب في مكان غير صحيح، وبقايا طعام من كوك دور على الأرض، وطفاية سجائر على مسند الكنبة، كما أنها متأكدة من أن زوجها لن يهتم لأمر ترتيب شلت الكنبة بعد قيامه، فهو يرى أن المظهر العشوائي للشلت على الجنبة أجمل وأرق.

يحتاج مطاوع من زوجته هذا الإنزعاج ولكن لأسباب مختلفة، يحتاج منها أن تفكر في السؤال الذي طرحته عليه مساء الأربعاء الماضي "مطاوع، هو أنت فعلاً بتنتهز الفرصة عشان تفضل وقت أطول برة البيت؟".. لم يرد مطاوع وقتها لكنه أعطاها إشارات بصرية ولفظية بأنه يوافق على ما قالت.

إن فكرت زوجته في سؤال ليلة الأربعاء، فستعلم بالتأكيد أن هناك أشياء بسيطة يمكن منحها له لضمان وجوده لمدة أطول. وهي أشياء، يرى مطاوع كأي ذكر، سهولة منحها. وضرورة الحصول عليها.

أثناء كتابة هذه السطور، تتصل زوجة مطاوع لسؤاله.. "آجي النهاردة ولا بكرة؟"، يجيب بصراحة وصدق نادرين، "النهاردة طبعاً.. ليه تستني لبكرة؟".. يدرك مطاوع أنه حصل على جرعته التي يريد، وأن الفرار من القدر سيزيد من عمق المأساة.

الأحد، نوفمبر 30، 2008

بقاء..


في الحلم رأيت نفسي أجري مكالمة هاتفية قصيرة مع رجل عجوز، تربطني به صلة قرابة، وكنا قد اتفقنا – في وقت سابق من الحلم نفسه – على أن نموت سوياً، فهناك مرض بدأ ينتشر، ويقتل كل الناس، والإيمان بالله جعلنا نقتل أنفسنا قبل أن يقتلنا المرض باعتبار أننا أموات في كل الحالات.

في لحظة فارقة – في الحلم – قررت أنني لن أستسلم للموت، وأني أفضل البقاء ورؤية العالم بعدد أقل من البشر، والموت بشكل طبيعي والذهاب للذين ماتوا مبكراً وإخبارهم بما حدث بعد أن رحلوا.

اتصلت بالرجل العجوز الذي تربطني به صلة قرابة. قلت له أنني أعتذر عن موعد الموت المشترك لنا في الغد، امتعض، قال "إزاي يعني.. إحنا مش متفقين نموت سوا.. هو كلام عيال ولا إيه؟".. قلت له "معلش يا خالي.. موت إنت لوحدك.. وأنا هبقى أخلص شوية حاجات في إيدي وأحصلك على طول".. كنت صادقاً.. لم أكن أسخر منه بأي حال. هو أيضاً سألني باهتمام.. "حاجات إيه؟"..

فكرت، وقررت الإجابة على السؤال بصدق.. قلت له "يا خالي أنا عندي بنت لسه مكملتش سنة.. وكمان عندي شوية حاجات عايز أكتبها.. ومحتاج شوية وقت عشان أركز وأقعد اخلصها.. نفسي يا خالي أشوف بنتي وهي عندها سنة ونص وبتقولي يا بابا وبتمشي لوحدها.. ونفسي أكتب الكلام اللي أنا عارف إنه أهم من أي شيء كتبته قبل كدة"..

بكيت وأنا أكلمه، هو أيضاً لم يجادلني، أغلق الهاتف في هدوء، وساد صمت طويل.. في الحلم.

رأيت نفسي بعدها أشارك في طقس رحيل الرجل العجوز.. نائم هو على الأرض وسط دائرة كبيرة من الأقرباء والمعارف. ويتولي قريب آخر عملية الإعدام، يضرب حقنة صغيرة في وريده، بها سائل يبدو أنه الطريق السريع إلى الموت الهادئ. تقلب الرجل يميناً ويساراً، بدا أنه كان يتألم، أو أنه يرسل إلى الحضور رسالة بأن الموت يصاحبه ألم ما.. وهو ما جعل المسؤلين عن تنظيم عملية الإعدام ممتعضين من تصرفات العجوز، فقد كانوا يروجون للأمر باعتباره سهلاً بسيطاً، يخلص الفرد من الألم، وينقله إلى الراحة.. حتى أني كنت أسمع صوت أصالة بأغنية "أكتر من اللي أنا بحلم بيه" في خلفية المشهد.. هنا لاحظت أن الأمور تتجه نحو العبث، وأدركت أنني أحلم، وأني أملك القدرة على الإستيقاظ والخروج من كل هذا..

......

تحت الماء الساخن أثناء الاستحمام اليومي الصباحي فكرت.. أكانت هذه أسباب كافية للبقاء على قيد الحياة.. رؤية الطفلة تكبر وكتابة بعض الأشياء؟..

الاثنين، يوليو 14، 2008

صرت كبيراً.



سأصير كبيراً فجأة، سأفيق يوماً، لأكتشف أنني أصبحت في عمر الناس العادية.

لدي نظريتي الخاصة، أشعر، أنني أصغر من الجميع، جئت مبكراً عن كل الناس، فطنت للبديهيات بسرعة، فكنت الصغر سناً والأكبر حجماً، وكان سؤال "تديني كام سنة؟" يعطيني لذة مدهشة، أمام النظرات الحائرة، والإجابات الخاطئة من نوع.. "أواخر العشرينات"، "أكيد 30"، "25"، أو أسئلة استيضاحية – كوسائل مساعدة – من نوع "أنت أكبر أخواتك طيب؟"، "لو قلتلي برجك إيه أقولك على طول كام سنة"، "أنت أكيد شكلك مش بيدي نفس سنك، قولي، الناس عادة بتفتكرك أكبر ولا أصغر؟"..

أشعر أيضاً، كأن الكبار كلهم من مواليد عام واحد، كلهم متماثلين في السن والعمر وساعة الولادة وربما اسم الأب والأم، لدي عنصرية تجاه الكبار جميعاً، وأحاول حالياً – بصدق غريب – أن أعالج نفسي بنفسي، ولا أظنني سأنجح.

كذلك، أشعر أن الصغار كلهم أخوتي، كلنا ولدنا في شهر 8 من عام 1985 في ساعة متأخرة من الليل.. أما الصغار الذين أكرههم، فإن عنصريتي تساعدني على الاعتقاد بأنهم ولدوا في وقت مبكر، قبل العام المقدس 85، وأنهم ينتمون إلى الكبار أكثر من انتمائهم إلى جيلي أنا.. جيل الصغار، الذين سيظلون صغاراً إلى الأبد، دون تأثر من عوامل التعرية والتغطية الزمنية.

لكني هذه الأيام، ومع اقتراب احتفالي بعيد ميلادي رقم 23، بدأت أفقد بعض الاعتزاز بعام مولدي، وبدأت، أشعر بنفسي اقترب رويداً من جيل أكبر، أفعل أفعالهم، وأفكر بأفكارهم، وأقول كلماتهم، وأجلس في أماكنهم.

فقد كان الإعتقاد الثابت عندي، أنني مجرد لص صغير، نصاب هاو غير محترف، يجيد تمثيل دور الأكبر منه سناً، ويحقق بذلك بعض المكاسب الصغيرة التي لن تضر أحداً كان، كان ليناردوا دي كابريو في "Catch Me If You Can" يمثل لي قدوة ما، سرقات عديدة، ومكاسب ضخمة، ثم ينتهي كل شيء فجأة، بالقبض عليه، وهو لا يزال تحت السن القانوني الذي يسمح بمعاقبته كراشد على جرائمه غير المؤذية.

الشيء الوحيد السيء في قصة بطل الفيلم، هو أنه – وبعد فترة طويلة من المرح – يصبح رجلاً كبيراً فجأة، ويتحول إلى مستشار للشرطة في مسائل التزوير التي طالما برع فيها.. وهو أمر مزعج للصغار، إن كان الكبار لا يعلمون.

كنت أشعر، أنني كسارق صغير علي أن أتوخى الحذر، فسيتم طردي في لحظة، وسيأتي أحد الكبار، ويخبرني بغطرسة لا متناهية، أن المكان الذي أشغله يخصه، وأنني تطاولت بما يكفي، وشغلت حيز من الفراغ لا يخصني.

كان هذا القلق، يمنحني قدراً ما من التميز ربما، كان الخوف، يدفعني للإسراف في التركيز، والإفراط في الدأب، والتعمق في الأمور العادية التي لا تحتاج.

سأفقد كل هذا، فسأكبر فجأة، سأصحو ذات يوم لأكتشف أن عمري أصبح 30، وأن هناك سنوات سبع من عمري، سيتم سرقتها، بحق السرقات التي قمت بها صغيراً، ولم يعاقبني عليها أحد.

بدأ القلق يختفي الآن، بدأت أدرك أن المكان الذي أشغله هو مكاني بالفعل، أن الحيز هذا حيزي، وأن الأفعال أفعالي، والأقوال لا تخص أحد غيري، والأماكن بدأت تنتمي إلي، وأنتمي إليها، أصبحت فجأة أملك الأماكن، وأوقع الأوراق، وأستقبل أسئلة الصغار، التي كنت أطرحها يوماً على الكبار، بحثاً عن نصيحة، أو فرصة، أو رغبة في صناعة علاقة مع كبير ما، استحسنته، بحيث ظننت أنه من مواليد 85، فيما كان هو ليس كذلك.

الجمعة، يوليو 11، 2008

ليل - خارجي




الأشقياء فقط، والأتقياء أيضاً، يعرفون معنى قضاء ليلة خميس في وحدة خلف شاشة كومبيوتر في محاولة لكتابة أي شيء بدون هدف.

الأشقياء فقط، والأتقياء أيضاً، يترقبون ليلة الخميس من الأسبوع إلى الأسبوع، ويعلنون صباح كل جمعة، أن لديهم خططاً جديدة لقضاء مساء خميس مقبل، بشكل مختلف عن شكل الليلة السابقة..

الأشقياء، وأنا لست منهم، والأتقياء، وأنا أكتفي بمعرفتهم من بعيد.. سيستمرون في قضاء ليالي الخميس خلف الشاشات، ينقرون بشكل منتظم، في محاولة للكتابة، دون هدف.. لكني لن أفعل.

الطريق من المكتب إلى كورنيش المعادي ليس طويلاً كما كنت أتخيل، حتى وإن كان طويلاً، فهذا لا يعني أنك ستصاب بالتعب إن قررت اتخاذه على قدميك وتجاهل التاكسيات على اليمين والشمال في سرعة بطيئة ومحاولة لإغراءك بالإشارة والركوب.

الطريق من المكتب إلى الكورنيش يشعرني بأنه منحدر لأسفل بشكل سحري، أكاد لا أشعر بالمسافة، أخرج من الباب، لأكد نفسي – فجأة - أتنفس هواء الكورنيش بصدر مفتوح.. بعض الطرق تنحدر لاسفل، بحيث تجبرك على السير فيها.. قليل من الفلسفة سيجعلني أشبه الطريق من المكتب إلى الكورنيش، ببعض الطرق التي مشيت بها في حياتي فقط لأنها تنحدر لأسفل ولا تحتاج مجهوداً – أو هكذا ظننت – للسير فيها كل مساء.

أخرج من المكتب، أحرص على ترك حقيبتي بأعلى، أريد أن أستمتع لدقائق بمرجحة يداي بجوار جسمي، أشعر أنني رشيق، وأنني فقير، فقير جداً، العرق، والسير في الشوارع المظلمة، والتي تمرق فيها السيارات الحديثة بسرعة، كلها أشياء تشعرني بالفقر، أنا الآن فقير، ورشيق أيضاً، مرجحة يداي تمنحني شعوراً بالسعادة، كأني سأنطلق الآن، وأملك القدرة – فجأة – على الطيران.

.........

أريد أن اتحدث مع أحدهم..

لا أعرف على وجه التحديد اسم الشخص الذي أحتاج للحديث معه الآن، ولا أعلم حتى موضوع الحديث، لكني أعرف أنني حين أشعر بالسعادة – أو الحزن – تمتلكني رغبة لا نهائية في الكلام، أي كلام، على أن أجد من يشاركني فيه..

أصارحك القول، في مساءات ماضية كثيرة، وحين شعرت في بعضها بالفرح الشديد، وفي بعضها الآخر بالحزن الشديد، جربت، أكثر من مرة، أن أفتش في لائحة أرقام الأصدقاء على تليفوني، لأكتشف، أن معظمها لا يرد، وأن عدداً منهم قرر قضاء ليلة الخميس في "ربما يكون مغلقاً"، وأن البعض، مثلي، يحتاج إلى الحديث مع أحدهم، وقد تمكن من تحقيق أمنيته، ولهذا فإن صفارة خاصة تخترق أذني من سماعة التليفون لتأكد أن الطرف الآخر مشغول.

أتحدى الظروف، وأقرر أن الوقت يحتاج إلى "أحدهم" لأتحدث معه، أقرر أن أكلم أي شخص، أمي، أبي، أي أحد.. أسأل الأسئلة العادية الغبية، "عاملين إيه.. نتيجة رحمة طلعت.. هتروحي عند تيتة بكرة.. هتروحي الساعة كام؟"، الحقيقة أن لا أحد يصدني، يخبروني بأن نتيجة رحمة ظهرت منذ شهر، وأنهم أخبروني بها أربع مرات على الأقل.. وتخبرني أمي بأنها ستذهب لـ"تيتة" لأنها تفعل ذلك كل جمعة، وأنها ستكون هناك – كما أعرف – في الواحدة ظهراً.

أستمر في إجراء المكالمات الغبية، أكتشف أن الوقت أصبح متأخراً فجأة، وأن بعض المكالمات أصبحت غير مسموحة، خاصة تلك التي استهدف فيها صديقات وزميلات من أزمنة وأمكنة مختلفة، في المرة الأخيرة أخبرتني زميلة بشكل مهذب.. "أنا م بستقبل مكالمات بعد الساعة 11"، وقد كنت – لفرط غبائي – أتصل بها في الثانية إلا عشرة صباحاً.

سأصل إلى الكورنيش إذن بسرعة، ستضيع جرعة الحزن – أو الفرح – دون فائدة، هل أصبح هذا العالم بخيلاً جداً لدرجة أنني لا أستطيع إجباره على منحي شخص واحد جدير بان أتحدث إليه قليلاً في أمور غاية في الأهمية كالفرح أو الحزن.

أستطيع أن أجزم الآن بأني – مثل أي شخص آخر – لا أستطيع إجبار العالم على فعل أي شيء، كما أني لم أنجح في إجباره في المرات الكثيرة السابقة، كما لم ينجح أحد.

أقرر أن الخطة البديلة تحتم علي أن أسلك طريقاً بديلاً، بأن أسير داخل المعادي قليلاً، بموازاة الكورنيش، قبل أن أقرر الإنحراف يساراً في أي شارع جانبي يصلني إلى طريق الكورنيش، في هذا إطالة للطريق والمدة، ومحاولة لإبقاء نفسي داخل الحالة الجميلة، الحزن، أو الفرح.

لا أزال أحرك يداي بشكل منتظم، أستمتع بمراقبة نفسي أتنفس، أتدخل بإرادتي لتنظيم أنفاسي، أسحب الهواء الساخن داخل صدري حتى يمتلئ، وأفرج عنه زفرة واحدة، أكتشف أني صحتي ليست على ما يرام، فلم أعد أستطيع تكرار الحركة مرات عديدة.. أكتشف أن موبايلي يدق.. أحدهم يبحث عني.. أحدهم قرر أنه يحتاجني.. أدقق النظر إلى الرقم.. أفهم أن الحاجة المطلوبة مني شيء من إثنين.. "هات برتقان معاك عشان مليكة"، أو "بعت الميل ولا لسه؟"..

الأربعاء، يوليو 02، 2008

بلاد تركب الميكروباصات!

تكتشف، أنك نازل نازل، ستبارح مكانك بين لحظة وأخرى، تأهب.. لا أمان على الإطلاق.

نزولك لا علاقة له برغبتك في فعل ذلك، تخضع عملية النزول من الميكروباص لعوامل طبيعية وبشرية، تخضع لقانون الصدفة، والفوضى.. الخلاق منها.. وما هو غير ذلك.

ستنزل مرة، لأن قلبك الطيب لم يحتمل أن تمر الفتاة الجميلة الجالسة في الكنبة خلفك، بجوارك، وهو ما سيسبب احتكاك قوي بينكما، ترفضه أنت بكرم أخلاقك، فتقرر النزول وإفساح الطريق.

وستنزل مرة أخرى، لأن البدين الجالس بجوارك يريد المرور، وأنت، بجسدك المتعب من يوم عمل كامل، تحاول الإختفاء والإنزواء في مقعدك، دون فائدة، فالبدين، يبحث عن كل "ملي"، ليملأه بدهونه وأعضاءه.

وستكتشف، أن بقدرتك الإنتقام، حين تقرر إنزال الشخص الجالس بجوارك، بحجة أن المسافة لا تكفيك، وفي الحقيقة، فإنك تبحث بالكاد عن فرصة لملامسة كتف الفتاة في المقعد الأمامي، وتخشى أن يكشفك جارك، فتقرر إنزاله للحصول على لحظات من المتعة المسروقة.

وستنزل مرة أخرى، دون إرادتك، لأن المركبة – التي هي الميكروباص – تسير بسرعة أكبر من أن يحتملها قلبك الضعيف، وستنزل مرات، لأنها – المركبة – تسير بمعدل بطيء.. أبطأ من أن يطلق عليه "سرعة".. ستقرر النزول، وإكمال الشارع على قدميك، لتصل في وقت أقل.

وستنزل مرة، لأن أحدهم قرر الإفراج عن هواء بطنه فجأة، مستغلاً الزحام، والسرعة العالية، والشبابيك المفتوحة، والقدرة المعدومة لدى الركاب على اكتشاف الفاعل، فالكل مدان، والجميع بريء.

وستنزل مرة، لأنك تبت إلى الله تعالى، وفي المقعد الأمامي، فتاة مسيحية، أنت تخمن دينها فقط، دون تأكد، تفوح منها رائحة عطرة، تغلب رائحة البنزين، وقد أخذت لتوها دشاً بارداً في بيتها، ونزلت على الفور دون التأكد من حسن تنشيف قطرات الماء على شعرها، فبدت كأنها تتأهب للقاء جنسي ساخن مع رجل غيرك، أو كأنها فرغت للتو من ذات اللقاء، ستنزل لأنك غير قادر على إحتمال كل هذا، كما أنك – دون أن تدري – وجدت نفسك تعبث في شعيرات لها، تدلت أمام يديك، دون أن يلمحها أحد، ودون أن تشعر صاحبة الشعر المبلول، بيديك العابثتين.

وستنزل، لأنك تركب ميكروباص يمر بخط خطير، من الهرم إلى المعادي على سبيل المثال، وهناك كمين دائم فوق الكوبري ينتظر أمثالك، أنت تنتمي – دن قصد منك أو عمد – إلى نوع من المواطنين يشعر رجل الكمين تجاههم بأمر ما، يجعله يقرر إنزالهم فجأة، وإعطاء الأوامر للسائق بالرحيل دونهم، ويستمتع بجعلهم يقفون على الرصيف، حتى يتأكد – بطريقة لا يعلمها إلا الله وحبيب العادلي – من كونهم مواطنين صالحين لا يهددون النظام العام والخاص.

وستنزل مرات، لأن السائق قرر ذلك، قرر أنك راكب غير صالح، لا يستحق نعمة الركوب، يعرف ذلك حين يلمحك تناقش زملاءك – الركاب – عن أمر الربع جنيه الزائد عن الأجرة المعتادة الرسمية، هنا يقرر القضاء على المعارضة بالإقصاء، أو النفي.. تكتشف، وأنت تغادر وسيلة مواصلاتك الوحيدة، أن السائق يشبه شخصاً آخر، الشبه بينهما يكاد يكون تطابق، تقرر أن تخبره بذلك – فالأمر خطير – لكنك تخشى أن تتسبب بملاحظتك تلك بشيء من الإهانة للشخص الذي تقصده، أو حتى للسائق نفسه.

ستنزل لأنك وصلت أخيراً للمكان الذي كنت تقصده حين ركبت أصلاً، ستذهب إلى مقصدك، وستعرف، أن الغاية لم تكن لتستحق وسيلة المواصلات، لا شيء في بلادك يستحق مشقة ركوب الميكروباص مرتين أو أكثر كل نهار، لا شيء يستحق الركوب بنية النزول، لا شيء يستحق الإفتراضات اللا نهائية، والإختيارات الإجبارية، حول طريقة مغادرة المركبة، بقرارك مرة، وبقرار غيرك مرات..

الثلاثاء، يوليو 01، 2008

صياعة في الجنة!

عندما قرر الأستاذ محمد أن يجري اتصالاً هاتفياً بأبي في المنزل، بخصوص سلوك ابنه الأكبر، الذي هو أنا، وعلاقاته المشبوهة مع ثلاث فتيات يدرسن في الفصل ذاته بالمدرسة الثانوية التي أدرس بها، والتي كان الأستاذ محمد مدرس اللغة العربية الوحيد بها.. عندما قرر.. لم يكن يعلم!

لم يكن يعلم وقتها أن أبي سيغضب بشدة ويلطمني على وجهي عدة مرات قائلاً أني أصبحت بـ"وش مكشوف"، وقد كنت وقتها عاجزاً بالفعل عن فهم معنى الكلمة..

أيضاً، لم يكن الأستاذ محمد يعلم، أن علاقتي بالثلاثي، والتي طالما أثارت ضيقه، ستتحول بين يوم وليلة، من مجرد علاقة صداقة جميلة بين شلة ولاد وبنات، إلى "قضية"، و"مبدأ"، و"اختيار"، وهي أشياء لم يكن الأستاذ محمد ليدرك أنها قابلة للتواجد في حياة طالب ثانوي مثلي.

فالأستاذ محمد، كان يعتقد، ولازال ربما، أن الإنسان نزل إلى الأرض للصلاة، فهو، كغيره من مدرسين العربي، يعطينا حصص الدين الإسلامي بجوار حصص العربي، قد أخبرنا بوجهة نظره الشخصية في مسألة "لماذا خلق الله الإنسان وأنزله إلى الأرض؟"، فبعد أن شرح وجهة نظر العلماء والفقهاء بسرعة مبالغ فيها، استغل باقي وقت الحصة، بل وحصص أخرى تالية، لشرح نظريته.

قال الأستاذ محمد، أن الصلاة لا تنقطع عن الأرض، بينما تنقطع باقي الأمور، بمعنى أن الإنسان يعمر الأرض في الصباح فقط، أما الصلاة، فهي مستمرة صباح مساء، كما أن فروق التوقيت تجعل هناك ميقات للصلاة دائم في مكان ما في العالم، صلاة الفجر في مصر تقابلها صلاة المغرب في أمريكا، وعصر الأردن عشاء ماليزيا.. وهكذا!

أخبرت أصدقائي وقتها، بأن الأستاذ محمد ليس مسلماً على الإطلاق، بل هو على أغلب الظن مسيحي متزمت، بالطبع كان السؤال على لسان أصدقائي "مسيحي إزاي يا فالح واسمه محمد؟"، أخبرتهم وقتها بأن الممثل محمد صبحي مسيحي هو الآخر رغم أن اسمه محمد، حكيت لهم القصة التي انتشرت وقتها، عن أن صبحي كان الابن رقم عشرة لأب وأم من أبناء الكنيسة، وقد مات قبله تسعة من الذكور، فقررت الأم تسمية ابنها القادم محمد عله لا يموت، وهو ما حدث.

لم يقتنع أحد من أصدقائي، لكني أخبرتهم، من باب التأكيد، أن المسيحيين هم فقط من يعتقدون أن الله خلقنا لنصلي، وقد قال لي شادي – زميل الفصل – وقتها أنني أقول هذا الكلام لأني لا أصلي، ولأني أحمل في رأسي أفكاراً فاسدة بسبب الإفراط في قراءة كتب "أنيس منصور"..

أخبرته أنني ذهبت خلال الأجازة الصيفية إلى دورة في التنمية البشرية، وأن المدربة كانت اسمها فاطمة، وقد أخبرتنا في الحصة الأخيرة، أن اسمها الأصلي "سحر"، وأنها دخلت الإسلام منذ عام واحد، بعد أن تركت دينها الأول، المسيحية.

أخبرتنا فاطمة، أن رجال من الدين المسيحي جلسوا معها لمراجعتها في قرارها، ليتأكدوا من عدم تعرضها لأي ضغط عاطفي أو مادي أو سياسي، وأنها سألتهم "هي الجنة بتاع ربنا المسيحي فيها إيه؟"..

أخبروها بأنها مليئة بالمؤمنين الذين يقضون الوقت في الصلوات والترانيم والدعاء لله، قالت لنا أنها ضحكت ضحكة غير مهذبة قائلة لهم "يعني أنا مفروض أعيش في الدنيا أصلي وأتلو الترانيم وأدعي أدعية كتير، عشان أدخل الجنة بعد ما أموت عشان أدعي وترانيم وصلوات وكلام من ده؟؟.. لا لا دي جنة مؤدبة قوي".. اقتربت أكثر منهم، هامسة، "عارفين جنة المسلمين فيها إيه؟"..

بفضول رجال الدين، وبحكمة من هم فوق الخمسين، سايروها فيما تقول، سألين.. "ها.. فيها إيه جنة المسلمين؟".. ضحكت سحر، أو فاطمة كما أصبح اسمها قائلة "منتهى الصياعة.. حريم للرجالة ورجالة للحريم، وأكل ومرعة وقلة صنعة، والمؤمنين بيقابلوا ربنا كل خميس وجمعة، والأصحاب بيتقابلوا يلفوا شوية في الجنة، وممكن أقابل كل الأنبياء من أول آدم لحد محمد، وكمان فيها شجر عليه كل أشكال الفاكهة اللي مفيش زيها في الأرض.. بذمتكم.. أسيب كل الحاجات دي وأروح جنة تانية كلها صلاة من غير أي حركات"..

تقول فاطمة، أنهم أدركوا وقتها إن مفيش فايدة، وتركوها تفعل ما تريد، قال راعي الكنيسة التي كانت تصلي فيها سحر لأمها أن بنتها تحسبها حسبة مختلفة، وإنها لا هتدخل جنة المسلمين ولا جنة المسيحين، وعندما وصل الكلام لفاطمة – عن طريق صديقة لها والدتها تعرف أمها - ضحكت وهي تلبس الحجاب للمرة الأولى قائلة، "يروح يتشطر في الجنة بتاعته، ملوش دعوة بجنة المسلمين".

كانت القصة مسلية بالنسبة لشادي، وبالنسبة إلى كل مراهق مثلنا، يفرح عندما يقرأ الإمام سورة "يوسف" في الصلاة، ويترقب الجزء الخاص بـ"هيت لك"، ويبحث عن تفسير لتلك السورة بالذات في كتب الدين بمكتبة المدرسة.

قصة مسلية، لأطفال غادروا لتوهم مرحلة الإبتدائية القريبة، والتي كان بلطجي الفصل يفتخر بأنه يقف على صدر طالب مسيحي، ويسأله.. "هتسلم ولا لأ يا مرقص.. رد يا مرقص.. عندكم أسلحة في الكنيسة ولا لأ يا مرقص؟"..

القصة مسلية بالفعل لشادي، وإن كان لا يعرف أي علاقة بين كل ما أقوله، وبين الأستاذ محمد الذي يرى أننا خلقنا للصلاة، فيما أرى أنا أنه كلام مسيحيين، كنت وقتها لا أعرف شيء عن فكرة "عمارة الأرض"، التي هي الهدف الحقيقي من وجودنا، لكن على كل حال، فإن هذا لم يجعلني أتراجع ولو لحظة واحدة، كانت علاقتي بالأستاذ محمد لا تسمح لي بأي تراجع من أي نوع.

دخلت إلى المدرسة الثانوية وكلي آمال تتعلق بأنها فرصة حقيقية لتغيير حياتي، كان أدائي بشعاً في المدرسة التي قضيت فيها مرحلتي الإبتدائي والإعدادي، كنت أحتاج إلى تغيير حقيقي يلاءم أهدافي وأحلامي.. وكم كان جيداً أن ألاحظ، منذ اليوم الأول للدراسة، أن مدرستي الثانوية مدرسة مشتركة للبنين والبنات، وهو ما يعطي للتحدي بعداً جديداً، يتعلق بالمراهقة والجنس اللطيف..

ثم ظهر الأستاذ محمد، نموذج للدرعمي الريفي الذي لا يرى أبعد من السبورة، ولا يحلم بأكثر من مجموعتين من الطلاب في الدروس الخصوصية تمكنه من الإنفاق على زوجته وطفله الصغير.

لم يكن الأستاذ محمد يفهم أن الجالسين أمامه يحملون داخلهم أحلام تمثل كوابيس حقيقية بالنسبة إليه، كنت أنا، وزملائي جميعاً، ندخل في رهان مفتوح يتعلق بعدد البنات الذي يستطيع كل واحد منا أن "يعلقه"، كانت نظريتي الشخصية مبنية على أن المدرسة بها 3000 طالب وطلبة، ألف واحد من الذكور، وألفان من الإناث، إذن فمن حق كل طالب أن "يعلق" بنتين على الأقل، وقد أخبرت أصدقائي أن هذا حق مشروع للجميع، وأن البنات يعرفن بالتأكيد تلك المعلومة التي تنظم العلاقة بين الجنسين في المدرسة المشتركة.

على كل طالب إذن أن يستخدم كل الأساليب الممكنة لتعليق البنتين، بل عليه أيضاً، أن يطور أدائه مزيداً من هذا الرقم، خاصة وأن بجوار مدرستنا مدرسة فنية ثانوية مشتركة، فيها النسبة ذاتها بين أعداد الولاد والبنات.

كان قراري أن طالب بدين مثلي، تكمن كل مناطق سحره في عقله، وليس في إجادته للخناق، أو شرب السجائر، أو لعب الكرة، أو المعاكسة الصريحة، أو حتى الشياكة منقطعة النظير، كل تلك الفنون لم أكن أجيد أي منها، مكتفياً بمحاولاتي الأولى لكتابة الشعر والقصة، والجوابات العاطفية بالتأكيد.

كان قراري، بعد أن قمت بدراسة متأنية لنفسي، أنني أحتاج لغزو العالم الجميل للفتيات، أن أصنع لنفسي سفراء داخل هذا العالم، وأني – وإن كنت لن أتمكن من لعب دور الحبيب – سأجيد لعب دور الصديق المخلص، كاتم الأسرار، المستمع الجيد، حلال المشاكل، العاطفية بالتحديد.

والصدفة وحدها قادتني، لأصبح بين يوم وليلة الصديق الصدوق لـ"رحاب"، "عزة"، و"داليا"، اللاتي يسكن الديسك الأول من الفصل الذي أدرس به، واللاتي تمكن خلال أسابيع الدراسة الأولى من أن يصبحن صداعاً حقيقياً لكل مدرس يدخل الفصل ويعاملنا معاملة غير لائقة.

كل هذا كان يجعلني في نظر الأستاذ محمد فتى شرير، أرعن، تلزمه علقة بالفلكة تعيده إلى صوابه، خاصة وأنه كان زميل أبي في الكلية، وكانا شريكان في سرير واحد بأحد معسكرات الجوالة، وهو ما جعله يشعر تجاهي بشيء من المسؤلية، لا أعرف سببها.

في العام الدراسي الثالث، كانت علاقتي به قد وصلت بالفعل إلى طريق مسدود، لا أعتقد أنني كرهت شخصاً بقدر كرهي له، لم أكن أحب أياً من تفاصيله، وقد كانت النتيجة أنني طلبت نقلي لفصل أبلة "راندا"، التي يطلق عليها أصدقائي "لمبة" نظراً لطريقتها الغريبة في نطق الحروف، وقد كان.. ومع أن راندا كانت بشعة بكل تفاصيل الكلمة، إلا أنها رحمتني من فكرة مقابلة الأستاذ محمد مرة كل يوم.

كما العادة، مضى الوقت، وأصبحت أنظر الآن لكل هذا باستخفاف غير ملائم.. وبسخرية كبيرة.. لكن الأمنية الباقية من كل هذا.. هي أن أقابل الأستاذ محمد مرة أخرى الآن، أخبره عن أمر نفسي، عن السنوات التي تفصل بيننا الآن، وبين لقائنا الأخير، في مدرستي الثانوية..

لا أنظر إلى هذه الأمنية بأي استغراب، هي فقط رغبة طالب ثانوي وحنين منه، في مقابلة هؤلاء الذين ساهموا في تكوينه.. بشكل.. أو بآخر.

الاثنين، مايو 05، 2008

يلا بينا!

حين يأتي، يخبرني أن أمامي خمس دقائق فقط للرحيل، سأبتسم في وجهه، مدركاً أنه لا شيء يستحق أن يفعل في الدقائق الخمس الأخيرة، سائلاً إياه أن نرحل حالاً، موفراً وقته ووقتي، فلا داعي للإنتظار.

............
حين تنتهي الحكايات مثلك، سأقول أي شيء، سأعيد حكي الحكايات القديمة بلغة أخرى، سأكذب، أحكي أشيائاً لم تحدث، ولن تحدث، أختلق مواقف طريفة، وأخرى غاية في الكآبة، حين تنتهي الحكايات، سأكذب على نفسي، فإن أدركت نهايتها، أدركت نهايتنا.

الخميس، أكتوبر 18، 2007

رحمة..

أنتم جميعاً لا تعرفون "رحمة".. لكني أعرفها جيداً.. وسأحكي لكم عنها..

سأقول لكم في البداية أنني وأنا صغير كنت أعتقد أني لست صبياًً، كان لدي إحساس أني فتاة، وأن هناك خطأ ما في المسألة..

السبب في ذلك ليس له علاقة بالـ"جنس"، له علاقة فقط بأني كنت أقلد أمي في كل أشيائها الصغيرة، ولم أبدأ في تقليد أبي إلا في مرحلة ما بعد الإعدادي..

جلسة أمي وطريقة كلامها، انفعالتها وربما طريقة تفكيرها، وحتى الآن، أكتشف نفسي أفعل أشيائها الصغيرة، وهو اكتشاف يزعجني بقدر ما يدخل على قلبي الفرحة.

ما علاقة هذا بـ"رحمة"، ومن هي "رحمة" أصلاً..

العلاقة أن "رحمة" أيضاً تفعل ذلك، و"رحمة" هي أختي الصغرى، لكنها الأخت الأكبر بين ثلاث بنات يحملن اسم أبي.. وبنت واحدة تحمل اسم رجل آخر.. لكنها تحمل اسم أمي.

عندما لاحظت للمرة الأولى الشبه بين أختي وأمي، لم يشغلني الأمر للحظة، فهي البنت الأولى، و"إقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها"، لكن كيف أخذت "رحمة" من أمها كل هذه التفاصيل، إذا كانت أصلاً لم تحيا معها في بيت واحد إلا عامين أو ثلاثة لتنتقل بعدها للعيش في بيت أبي، حيث أنا وأخوين آخرين، وأم أخرى هي في الواقع زوجة أبيها..

بمزيد من التفكير، عرفت أنني السبب، فالفتاة الصغيرة عرفت أمها من أخيها الأكبر، في حين كان هذا الأخ لا يزال يلاحظ أنه يشبه أمه في كل تفاصيلها..

عن "رحمة" أحكي لكم.. عن أختي الصغرى التي تشبهني..

عن الفتاة البدينة الجميلة، المليئة بالطيبة، والتي تعرف أن الله وضع لها في جسدها أشياء أكثر من تلك التي وضعها لصديقاتها الرفيعات، وهي تعلم أن "ربنا ما بيعملش حاجة وحشة"، وأنها حكمة منه ستفهمها "بعدين".

تعلم "رحمة" أنها ستحقق معجزة ما، تماماً كأخيها الأكبر، فهو في سنها، كان لا يزال معتاداً على النظر لأسفل، والبكاء في حضن المخدة كل مساء، والشكوى إلى الله من أفعال "الكبار"..

كان لا يزال يجلس على مائدة الطعام وظهره مقوس، حتى ينفرد بضربة من يد العم الصغير، وصرخة بأن "إفرد ضهرك، هيطلعلك قتب"..

كان لا يزال يتلقى تعليمات الذين هم أكبر سناً، وينفذ بهدوء، مطلقاً لعقله العنان، سارحاً في صورة واحدة، المسدس الصغير سهل الاستخدام، وهؤلاء الكبار في صف واحد، ثم خطبة طويلة، فيها تذكير بكل الخطايا، ثم إعلان للعفو التام، بشرط واحد، أن يتركوه يرحل وحيداً عنهم، بدراجته فقط، وكيس من ساندوتشات "الجبنة بالقوطة" التي يكرهها.

كان لا يزال عاجزاً عن إتقان أي عمل من أعمال النظافة في المنزل، فبغض النظر عن رفضه للفكرة باعتباره رجلاً، فقد كان سرحانه الدائم يفسد أي عملية تنظيف، حتى تنظيف جسده بنفسه، فشل فيه لفترة حتى تعمله بصعوبة بعد ذلك.

كان لا يزال – ولا يزال – يدمن الجلوس أمام التليفزيون، يشاهد الأفلام العربية القديمة، والأجنبية الحديثة، ويغمض عينه ليحلم بعمله بعد سنوات كمؤلف شاب يصنع عشرات الأفلام التي تحكي للعالم عن طفولته ومراهقته القاسية.

كان لا يزال – ولا يزال – يعجز عن سماع أي صوت غير صوت التلفزيون أثناء المشاهدة، يعجز عن التركيز في أوامر الأب والعم والجدة والأم وزوجة الأب والإخوة الصغار.

كان يخبر الكبار بحلمه الشخصي في دراسة الإعلام والعمل صحفي، ويتألم لضحكاتهم المصحوبة بكلمات مشجعة من نوعية "إتلهي على عينك"، و"أجري إلعب بعيد"، و"عملت إيه أنت عشان تبقى صحفي"..

كان لا يزال يقف في معسكرات الكشافة، لحظة تقسيم الفرق، يبكي دون أن يراه أحد، فهو "الشبل" الوحيد الباقي دون أن يختاره أحد القادة في فرقته، والسبب أنه لا يجيد لعب كرة القدم، لكنه في الوقت ذاته يرفض "الوقوف جون".

كان لا يزال يدمن الصمت، وكانت متعته الوحيدة المتعلقة بالكلام تقتصر على صناعة أصوات غريبة ليلاً، حين يرسله أحد الكبار لشراء "بجنيه عيش فينو من الفرن، وكيلو لبن من عند محل العمة زينب"، يصنع تلك الأصوات بقوة، ويجري دون أن يلحظه أحد، متخيلاً نفسه نجح بالفرار بالدراجة وكيس الساندوتشات، وباقي العشرة جنيه القادرة على سد احتياجاته ليومين ثلاثة حتى يجد عمل مناسب في أحد مطاعم الفول والطعمية.

لكن العشرة جنيه تسقط من يده دون أن يلحظ، فيقرر تمزيق جيب البنطلون، ويخبر الكبار في البيت بأن هذا لاثقب هو السبب، لكنه لا يفلت من العقاب القاسي، ولهذا، فإن بناطيل الأخ الأكبر كلها، بجيوب مثقوبة.

لكن هذا الأخ الأكبر حقق معجزته، نجا من كل ذلك فجأة، ترك مدرسته القديمة، وانتقل لأخرى قريبة من المنزل، وفيها عرف الطريق إلى "ميكروفون الإذاعة"، وجماعة الصحافة، وحلقات المناظرة، وفريق المسرح، وكلها أشياء تصنع معجزات.

أدرك الأخ الأكبر وقتها أن ما كان يفعله كان يستحق العناء، كل الكتب التي قرأها خلسة في أوقات المذاكرة أتى الوقت للاستفادة منها وتحقيق ما تعلمه من سطورها..

سيأخذ خطوته الأولى كسيناريست حين يكتب لمسرح المدرسة مسرحيات قصيرة وساذجة تحمل اسم "السلمة المكسورة" و"الأرض هي الأم"، وذلك في إطار احتفال المدرسة بـ"الإسراء والمعراج" و"عيد الأم".

سيفعل أشياء لم يكن يتخيلها، سيحظى ببعض الأصدقاء، وسيتنافس زملاؤه في الفصل على الجلوس بجواره، فهو يلقي النكات الجميلة، يكتب الشعر الرومانسي، وإن كان لا يجيد لعب كرة القدم، ولا يزال يرفض "الوقوف جون".

رحمة الأن، تعيش تجربة الأخ الأكبر السابقة، تفعل كل ما كان يفعله، ويحدث لها كل ما كان يحدث له، لكن الله يعطي لرحمة أشياء أخرى لم يعطها لهذا الأخ.

رحمة الآن تقرأ "هاري بوتر وأسطورة سجين أربكان"، في حين كان الأخ الأكبر يقرأ في سنها "البوابة السوداء" و"سراديب السيطان".. وبينما تبدأ قراءة "رجل المستقبل" و"ملف المستحيل" كان هو يبدأ قراءة أعداد مجلة الدعوة، والجزء الثاني من "مذابح الإخوان في ليمان طرة".

رحمة الآن تجادل أبوها بشأن إدخال الـ(DSL) إلى المنزل، أو السماح لها بالذهاب مع إخوتها إلى السينما.

رحمة الآن تعلق صورة تامر حسني في دولابها، بينما كان الأخ الأكبر يستمع لأول أغنية في حياته، عبر نسخة مسجلة من شريط سميرة سعيد "ليلة حبيبي" بأقل درجة صوت ممكنة، فالبيت وقتها كان يسمح بمواد صوتية ومرئية معينة.. القرآن.. الأناشيد.. الأفلام الأجنبية مساء الجمعة على القناة الثانية.

رحمة لا تعرف "أبو مازن" و"أبو راتب" ولا "عماد رامي"، ولا تحفظ "نعم إن أول غيثي الندى"، رحمة لا تعرف "مدرسة الجمعة"، ولا "اليوم الرياضي"، كما أن أحداً لم يخبرها بـ"سنخوض معاركنا معهم"..

لكنها تذكر أن أول كلمة نطقت بها كانت "حبيبي يا نور العين يا ساكن خيالي"، وأن مسلسل الثامنة هو المفضل لها، وأن الرسم على السيراميك يهدئ أعصابها كثيراً، وأنها لن تتخلى عن صديقتها "شاهندة" رغم أن أبوها أمرها بذلك، في حين تخلى أخيها الأكبر عن "أحمد محمود"، ابن الممثل، وزميل الفصل، وذلك بعد علقة ساخنة من الأب.

رحمة لديها فكرة عن المكياج، لكن الأخ الأكبر كان يضع "الجل" في "بير السلم" حتى لا يراه أباه، الذي يعتبر "الجل" رعونة، وشيء لا يليق بأخ مسلم.

رحمة جاءت بعد ثلاثة أولاد، لكن الأخ الأكبر جاء وحيداً، فكان فأر التجارب الأوحد، وهي تجارب فشلت كلها، حتى قبل أن يولد.

رحمة لا تعرف شكل التليفزيون الأبيض وأسود، ولم تشاهد فيلم "ديسكو ديسكو" ولا أفلام "الشحات مبروك" لكن الأخ الأكبر شاهدها، ويحفظها..

رحمة ستصنع معجزة.. ستمسك القلم بعد قليل، وستكتب أشياء ستعرفونها من خلالها، لعلكم ستقولون أنها تذكركم بأخيها الأكبر، لكن هذا الأخ واثق من أنها ستصنع معجزتها الخاصة، وتجربتها الفريدة.

رحمة لا تعرف أنني أحبها جداً، وأنني بكيت منذ أيام عندما فكرت أنني بالنسبة إليها واحد من "الكبار"، الذين يعذوبون الأطفال بدافع التربية، ويضربون الظهور المقوسة على مائدة الطعام بحجة "هيطلعلك قتب"، ويلقون المحاضرات الطويلة عن البدانة المفرطة وعيوبها، وإنها "مش هتلاقي عريس يبصلك وإنتي تخينة"..

رحمة لا تعرف أن أخاها الأكبر يشعر بالفخر أنها أخته الصغرى، وأنه يتقدم لها بطلب بسيط، ألا تعتبره من "الكبار"، فهو لا يزال يحلم بالهروب على الدراجة، ومع كيس الساندوتشات، رحمة بالتأكيد تحلم بذلك.. فقد أخبرتني.. وقالت.. "ده سر بينا يا براء".

الأربعاء، أكتوبر 03، 2007

أغاني فرنسية قديمة.. لا تفهمها

جربت اكتئاب ما قبل الفطار.. أنا أخبرك عنه..

بما أنك امتنعت عن الأكل والشرب بأمر إلهي واجب التنفيذ، وبما أن فرصة العبث مع إحداهن معدومة، حيث يعتبرن "هن" العبث من المفطرات، ويؤنبك ضميرك كل لحظات، فتغلق الهاتف وتفكر جدياً في مسح أرقامهن.. لكنك لن تفعل.

بما أنك ستدرك عبثية الإتصال بأحدهم في هذه الساعة، كما أن ازدحامات الشوارع ستحرمك من متعة العبث مع الحصى على الرصيف بقدمك.

بما أنك ستجلس في مكتبك وحيداً، فأنت تعلم أن اليوم له اسم معين.. الثلاثاء.. الأحد.. ربما الجمعة.. وأنك مجبر على تناول الطعام بعد ساعة مبتسماً بين أشخاص يعرفون جيداً ما تكنه لهم من مشاعر.. الحب ليس أحدها!

بما أنك تجلس الآن.. تكتب هذه السطور.. تبحث عن شيء تفعله.. تضيع به الوقت.. تقتل به الدقائق الباقية حتى الآذان..

أنت لست جائعاً.. فقط مللت الجلوس هكذا دون فعل مختلف.. يوحشك الأكل ربما.. أو حتى تستعجل جلوسك الطويل أمام أربع مسلسلات رمضانية تعرض متتالية بحيث لا تترك لك فرصة لفعل شيء آخر غير الذهاب بسرعة للتبول واقفاً أثناء الفقرات الإعلانية..

بما أنك تفكر في أحداث يومك، الذي بدأ عند السحور، مروراً بنوم قصير، واستيقاظ متعب، ورحلة طويلة بين البيت والعمل، ومحادثة على الماسينجر مع شاذ أضاف اسمك منذ قليل، يسألك، "موجب ولا سالب؟؟"، بعدما أعجب بصورتك على مدونتك، قائلاً "انت تخين.. والتخان كلهم طيبين"، وعارضاً عليك أن تنسى أنت وهو أن اسمه الحقيقي رامي، معلناً تغييره إلى "نرمين".. جاهلاً أنه أحد الأسماء التي تكرهها أنت بشدة.

بما أنك تفكر في أحداث يومك فتدرك.. أنه لم يحدث شيء يستحق.. سوى أنك انتظرت بعض المكالمات.. لكنها لم تأت.. ولن تأتي.. فقد أخبرك صديقك في المرة الأخيرة "هبقى أتصل بيك لما أرتب جدولي"، وأخبرك زميلك في العمل "لما يحولوا الفلوس هبقى أتصل بيك"، وأخبرتك صديقتك السرية "هقفل دلوقتي عشان ماما داخلة عليا.. وهكلمك كمان خمس دقايق".. لكن هذا حدث منذ عام كامل.. ويبدو أن والدة صديقتك ظلت في غرفتها.. بحيث لم تتمكن هي من الإتصال أبداً...


بما أنك تفعل كل ذلك.. وتدرك كل هذا..

فاستمتع إذن بنوبة اكتئاب حقيقية وصادقة.. بدون دموع أو آهات.. فقط.. الاستماع لأغاني فرنسية قديمة لا تفهمها.. والتجول في المدونات.. ملقياً السباب والشتائم واللعنات.. على هؤلاء الذين تركوا صفحاتهم ليوم آخر دون تحديث.. على أنك تسامحهم في النهاية قائلاً.. "ربما هم مكتئبون".. لتواصل الإستماع للأغانية.. متذكراً دروس الفرنسية في الثانوي، ومحاولاً البحث عن ترجمة.. على صديقك جوجل..

الأحد، سبتمبر 09، 2007

الانطباعات الأولى تدوم.. حتى تبدأ الثانية

أقول..

أنني عندما قابلتك بالأمس، وعلى إيقاع ضحكاتك المتكررة..

عدت بذاكرتي إلى الوراء..

وتذكرتك قبل سنوات حين إلتقينا للمرة الأولى..

كم كنت مختلفاً يا صديقي..

وبالأمس، عندما شاهدتك عن قرب.

وجدت وجهة نظري القديمة فيك تتغير.

وكم كنت سعيداً أن هذا يحدث لي..

تقنية تغيير الآراء بسهولة في الأشخاص... ادركتها بالأمس.

أخبرتك بكل هذا عند رحيلنا من المقهى إلى المنزل..

وقد ابتسمت وقلت : "ابقى أكتب عنها تدوينة"..

قررت أن أكتب فعلاً، وأن اسأل الذين قابلوني للمرة الأولى منذ سنوات..

أن يقابلوني مرة أخرى.. على المقهى ربما..

وعندما أضحك.. فليشاهدوني عن قرب..

تماماً كما فعلت معك بالأمس.. وأدركت التغيير

الأربعاء، سبتمبر 05، 2007

المحطة القادمة.. مسرة


نكتة سياسية لم تأخذ حقها الطبيعي في الإنتشار، شأنها شأن باقي النكات التي يجسد الرئيس مبارك دور البطولة فيها، ورغم أن النكتة مغمورة، إلا أنها بطريقة ما معبرة عما يجري في مصر هذه الأيام..

تقول النكتة أن الرئيس مبارك كان في زيارة عابرة لمستشفى المجانين، ضمن جولة له للإطمئنان على صحة "المواطن المجنون المصري"، وخلال الجولة، وكما اعتاد الرئيس في النكات الأخرى، كان لابد أن يبدأ حوار بين الرئيس والمجانين، وقد رشح المخبرين ثلاثة من المجانين للحديث مع الرئيس، فلا يعقل أن يتحدث الرئيس مع أي مجنون، بل يجب اختيار المجانين بدقة بحيث لا يتفوه أحدهم بما قد يغضب الرئيس.

أما المجنون الأول فقد أقسم ثلاثة للرئيس إنه عاقل، وأعقل منه هو شخصياً، ولما كان الأمر يمثل تحدي للرئيس، فقد طلب منه أن يقول ما يثبت عقلانيته، فقال المجنون، أنا أعرفك، وأعرف من قبلك.. ولما ذكر المجنون للرئيس اسمه كاملاً "محمد السيد السيد إبراهيم مبارك"، واسم من قبله "محمد انور السادات"، أصدر الرئيس أمر مباشر بالإفراج عن المجنون بعد ان أثبت قوة عقله غير المتناهية.

ثم المجنون الثاني الذي قال مثل ما قاله الأول، عدا أنه أضاف اسم الرئيس السابق للسادات، عبد الناصر طبعاً، ليصدر الرئيس أمره بالإفراج عنه هو أيضاً، وليبدأ في النظر إلى المجنون الثالث بنظرة شك وريبة، تشبه تلك التي نظرها بطل إعلانات ميلودي إلى الطفل الصغير بعد أن أخبرته المزة أنها رزقت بطفل أسمر بشعر كنيش خلال فترة غيابه.. هنا نطق المجنون الأخير وقال : أنا يا ريس أعرفك.. وأعرف اللي قبلك.. وأعرف اللي بعدك".

سرت همهمة في صفوف المخبرين المجانين، والمخبرين غير المجانين، والوفد المرافق للرئيس، إلا أن الرئيس نفسه كان لا يزال محتفظاً برابطة جأشه، ليقترب من المجنون ويهمس.. طيب قولي بقى.. مين قبلي ومين بعدي.. فقال المجنون لا فض فوه "اللي قبلك السادات، وأنت مبارك.. واللي بعدك ياريس معروف جداً.. مسرة".

تحولت إلى الهمهمة في صفوف المخبرين والمجانين والوفد المرافق إلى ضحكات وصراخ وزعيق وكركرة، لكن الرئيس ظل كما هو، بدون أي "ري أكشن" (رد فعل بالإنجليزي)، وانصرف بسرعة، ليجذب أحد المسؤلين من بدلته، ويسأله في سرية، "في حد من المعارضة اسمه مسرة يا محسن؟؟"، فيرد محسن "أبداً يا فندم"، "طيب في حد في الحكومة اسمه مسرة يا محسن؟؟"، فيرد محسن بطمأنينة "طبعاً لأ يا ريس"، فيسأل الرئيس مرة أخرى "طيب أنا خلفت عيل وسميته مسرة يا محسن؟؟"، فيبتسم محسن "لا يا ريس مفيش حاجة زي كدة حصلت"، فيسأل الرئيس بنفاذ صبر "أومال مين مسرة يا محسن؟؟"، فيقول محسن وقد شعر بالفخر حيث عرف إجابة سؤال الرئيس "دي محطة المترو اللي بعد محطة مبارك على خط شبرا"، فسأله الرئيس بإنزعاج "وأنا إزاي معرفش حاجة زي كدة؟؟"، فرد محسن "لإن حضرتك مش بتركب المترو يا ريس!".

بعد أن ترك الرئيس محسن أمر أحد أتباعه المخلصين بأن يسكن محسن المستشفى حيث بدأ الرئيس يشعر بالقلق من المعلومات التي لديه، كما طلب قائمة بأسماء محطات المترو كلها، وقيل أنه راجعها بدقة.

انتهت النكتة، التي كنت أذكرها صباح كل يوم خلال أسابيع شائعة "غياب" الرئيس، ورغم أن غياب الرئيس أمر طبيعي، تماماً كغياب طالب أصيب بأنفلوانزا الطيور، فقلقت عليه أمه فأغابته من المدرسة، أو غياب طالب ثانوي قرر استبدال حصص الفيزياء المهمة بفيلم "عندليب الدقي" في السينما المجاورة للمدرسة برفقة زميلته الأنتيخ، أو حتى كغياب المدير في شركة خاصة نظراً لأنه قرر السفر لشرم لأخذ ويك إند طويل هرباً من حر "تكييفات" القاهرة، أو غياب موظف حكومي اشتكى من رئيسه المباشر فاختفى لأسابيع اكتشفوا بعدها صلة القرابة بين المدير وبين ظابط مهم في أمن الدولة.

بكل بساطة أدركت أننا لا نعرف أي شيء عما سيحدث إن غاب الرئيس وطالت غيبته، ويكفينا الله شر الغيبة والنميمة فهما من المهلكات كما نعلم، لكن غياب الرئيس وهو أمر سيحدث يوماً ما باعتبار أن "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"، أصبح سيناريو غير محتمل لدرجة أننا حتي لا نتعامل مع "ما بعد مبارك" بالجدية اللازمة، ونكتفي فقط بالقول أنها ستكون "مسرة" على أعتبار أن غياب الحاكم يجلب مسرة على قلة مندسة من الشعب.. انا شخصياً أنتمي لهذه القلة.

الخوف، كل الخوف، ان تتحول المسرة إلى مسـ(خـ)ـرة، بإضافة حرف خاء اعتاد المصريون النطق به عند الاعتراض على شيء ما حدث ولم يروقهم، لكن المصريون زهقوا من حرف الخاء، تماماً كما زهقوا من أسماء محطات المترو الحالية، الذي "يركبونه" رغم ذلك.

السبت، سبتمبر 01، 2007

حب بالمايوة

الدكتور : جربت قبل كدة حب المصايف.. ؟؟

أنا : مرة أو مرتين..

الدكتور : ورأيك فيه؟؟

أنا : اجمل حب في حياتي..

الدكتور : كان فيه جنس؟

أنا : أبداً..

الدكتور : أومال حلو إزاي.؟؟

أنا : تعرف حلاوة حب المصيف، لما ترجع تاني لشغلك في القاهرة، تقضي الشتا في المعتاد، ولما ييجي الصيف ترجع تاني تصيف، ويكون عندك أمل تلاقي البنت بتاع الصيف اللي فات.. وكل محاولاتك تنتهي بالفشل.. تليفون بيتهم اتغير، وأكيد زمان مكنش فيه موبايلات، وهتعرف بعد كدة إنها وأهلها مش هيصيفوا السنة دي لأن عندهم حالة وفاة في العيلة.. المهم.. تفضل تدور.. لحد ما تلاقي بنت تانية شبهها.. تحبها طول الصيف، وترجع بعدها بسنة تدور عليها ومتلاقيهاش..

الدكتور : أنا مش فاهمك قوي..

أنا : أنا برضه يمكن مش فاهم قوي.. بس عارف.. نقدر نقول إن أحلى حاجة في حب المصايف.. إنه ليه وقت محدد.. وإنه بيبدأ وينتهي بدون أي إلتزامات من الطرفين..

الدكتور : أقولك أنا إيه أحلى حاجة في الحب ده..

أنا : قول يا عم..

الدكتور : إنه بدون ملابس رسمية.. يبدأ وينتهي.. وأنت وهي لابسين المايوة..


*من جلسة علاج نفسي مررت بها في حلم الأمس، والتدوينة إهداء لأصدقائي الذين شاركوني نزوتي في الحلم نفسه.

السبت، أغسطس 25، 2007

محطة "الريحة الوحشة"


مواطن 1 : وهو قالك هننزل فين بالظبط؟؟

مواطن 2 : قالي تركب الميكروباص من المرج، وتطلع الدائري، وتفضل راكب، لحد ما تلاقي ريحة وحشة، تستنى لما الريحة تختفي، وتعد من واحد لعشرة، وتقول على جنب يا أسطى..

مواطن 1 : إيه الوصفة السهلة دي..

مواطن 2 : يا عم لا سهلة ولا حاجة..

مواطن 1 : ليه يا عم، مش قالك بعد الريحة الوحشة.. أدينا مستنيين..

مواطن 2 : ما هي المكلة إني شامم ريحة وحشة من ساعة ما ركبت، والريحة مش عايزة تروح..

* حوار حقيقي حدث في ميكروباص ماركة الجمعية بين اتنين قادمين من خارج القاهرة، في اتجاههما لفرح قريب لهما، وقد صادف أني ركبت الميكروباص نفسه وأنا عائد من كفر الشيخ ليلة الخميس الماضي.

الثلاثاء، أغسطس 21، 2007

بايني كبرت


[1]

الزفة اشتغلت .. واشتغلت
ف دماغي الذكرى ف لحظتها
مين كان يتخيل أن أختي ..
الليلة فرحها ودخلتها
كت تركب كتفي وتتنطط
لو أرفض .. تزعل وتبوز
جريت أيامنا المجنونة
والليلة بشوفها بتتجوز
يا ما كتبي اتقلبت لمراكب
والباقي بأجيبه من الشارع
وأنا خارج تمسك رجليّ
وتعيط .. ما أقدرش أمانع
سيبت المعازيم .. سيبت الزفة
وأخدت الذكرى ف أحضاني
وركنّا ف ركن لوحدينا
جريت أسئلتي ملحقاني
هو احنا زماننا اللي استعجل؟!
والا احنا كبرنا وبنداري ؟!
طب ليه مش قادر تستوعب ؟ّ!
ما تكونش كبرت ومش داري ؟؟

[2]
ومعدي الشارع فلمحته
ف الأول ما عرفتش شكله
اترقّص قلبي من الفرحة
فكرني بعهد انا مشتاق له
أستاذ العربي ف اعدادي
كان أصغر واحد ف الهيئة
الضحك ملازم لشفايفه ..
وملامحه تمللي كانت رايقة
وبقرّب منه ما صدقتش
ودماغي دي لفت ميت لفة
الشيب متبسم ف شعوره
وشه ف تجاعيده بيتخفى
عديت له الشارع وحضنته
بصعوبة اتذكر أيامي
سلمت لعقلي ف سرحانه
وسؤالي اتنطط قدامي
هو احنا زماننا اللي استعجل؟!
والا احنا كبرنا وبنداري ؟!
طب ليه مش قادر تستوعب ؟ّ!
ما تكونش كبرت ومش داري ؟؟

[3]
ف المترو لقيتها بتتقدم
بتمد إيديها وبتسلم
طاقة اتفتحت لي على الذكرى
أول ما ابتدأت تتكلم
أيام كان لسه البال رايق
لو ح أنسى لا يمكن ح أنساها
وهمومنا كانت لسه بتحبي
أسوار الجامعة محاوطاها
كان طعم الضحك ما مررشي
ولا حد مكشّر ولا سارح
أيام باللحظة وعشناها
وكإني سايبها من امبارح
قطعت سرحاني بكلمتها
"سلم على أونكل يا حبيبي"
إبنك ؟! جاوبتني ابتسامتها
حسيت العمر بيجري بي
بصيت له لقيته مادد إيده
عفريت بيسلم ويلاغي
سلمت وبوسته وف دقيقة
أسئلتي اشتغلت ف دماغي
هو احنا زماننا اللي استعجل؟!
والا احنا كبرنا وبنداري ؟!
طب ليه مش قادر تستوعب ؟ّ!
ما تكونش كبرت ومش داري ؟؟
دا باينّي كبرت ومش داري !!
----------
قصيدة لأحمد عبيد منشورة على عشرينات من زمن، أنشرها كإحتفال شخصي بعيد ميلادي الـ22.. والعاقبة عندكم في المسرات

الخميس، أغسطس 02، 2007

ضحكت

ظبطت نفسي أتصل بالأستاذ بلال فضل من كام يوم أخبره أني ضحكت على إفيه كتبه في الدستور، الإفيه كان قوي بما فيه الكفاية، حوار بينه وبين سواق تاكسي عن مدى حرمانية إن السواق يبوس الفلوس بعد ما ياخدها من إيد الزبون..

السواق سأل بلال باعتباره صاحب "دقن" وهو ما يوحي بأنه شيخ حالي .. أو حتى في طريقه إلى المشيخة (رغم إن بلال كان نازل التحرير.. بعيد جداً عن المشيخة).. لكن الإفيه اللي كتبه بلال فضل في نهاية مقاله كان الأقوى من نوعه.. حين قال للسواق بمنتهى البساطة : الفلوس اللي أنت بتبوسها دي حلال ولا حرام؟؟"، ولما رد السواق بإنها حلال 100% تماماً مثل التونة المذبوحة حسب الشريعة الإسلامية، رد عليه بلال "مدام حلال يبقى بوسها براحتك.. ولو حابب.. نام معاها كمان"..

ضحكت مش كدة؟

الغريب إني كنت مهتم قوي أتصل بيه أقوله إني ضحكت، ولقيتني بفتكر إني بعمل الموضوع ده كل ما أقدر، خصوصاً مع الناس اللي بتضحكني بجد، والغريب، إن ناس منهم ممكن أكون مختلف معاهم إنسانياً أو فكرياً، بس مش عارف ليه لما حد بيضحكني.. بنسى أي شيء عمله.. وبكتفي بالنظر له باعتباره إنسان عظيم.. تمام كما أشعر أنا بأني عظيم عندما أتمكن من إضحاك أي بني آدم..

ربما يكون كل هذا سببه أني أضحك بصعوبة.. يمكن، وربما أيضاً لأني أقدس الضحك جداً، لدرجة أني كنت أرسم ابتسامة على وجهي خلال صلاتي وأنا صغير (5 أبتدائي مثلاً)، وعندما ظبطني أبي مرة مبتسماً، نهرني بشدة، وفشلت محاولتي لإقناعه إني أعتقد أن مقابلة ربنا أثناء الصلاة بابتسامة وقورة شيء لا غبار عليه، خاصة وإن "ربنا ميستاهلش إننا نكشر في وشه".. هكذا قلت..

ومازلت حتى الآن أرسم نفس الابتسامة على وجهي على باب كل دار مناسبات أذهب له لتقديم واجب عزاء، والحمد لله أن المرات السابقة كلها مرت دون أن ينهرني أحدهم باعتبار إن "البعيد معندهوش دم".

ولازلت أفشل في الابتسام "زي مخاليق ربنا" في كل صورة أذهب للأستديو خصيصاً لإلتقاطها، ربما لأني أشعر أن ابتسامتي لابد وأن تكون مقدسة بحيث لا أفعلها "ع الفاضية والمليان"..

وحين استمعت إلى "ضحكت يعني قلبها مال، وخلاص الفرق ما بينا اتشال" التي يغنيها عمرو دياب في ألبومه الحالي، شعرت وأنه يتحدث عني أنا شخصياً، فبإمكان أي بني آدم أن يأسرني (ويطلب فدية) في حال تمكنه من إضحاكي بقوة.. وقليلون هم من يفعلونها..

على كل حال.. تذكرت كل هذا.. وأان أتجول على اليوتيوب، وأشاهد هذا المقطع من فيلم محمد سعد الأخير كتكوت (باعتبار أن كركر ليس فيلماً)، وقد أضحكني هذا امقطع بشدة، لدرجة اني عندما خرجت من السينما وأخبرت أحمد زين أنه لم يعجبني.. لم يصدقني حيث وجدني (وقد جلس بجواري أثناء العرض) "فطسان من الضحك" في مناطق معينة من الفيلم.. أهمها هذا المقطع العبقري..

شاهدوه معي..