الجلسة الثانية : عزت والكشاف
من أين حصل عزت على الكشاف؟
كشاف كهربائي أصفر اللون، غريب بعض الشيء، لا يعمل بالبطارية، لا يعمل بالكهرباء. ذلك أنهم في وطن الكشاف الأصلي، هناك في الصين، اخترعوا طريقة تجعل الكشاف يعمل بالشحن اليدوي.
يوجد في جانب الكشاف مكان يمكن الضغط عليه بشكل مستمر لشحن البطارية الداخلية بالطاقة، وجعل الكشاف قادراً على الإنارة.
ما الذي يجعل عزت يحتفظ بكشاف كهذا؟، هل اشتراه من راديوشاك مثلاً، بالطبع لا، لأن عزت لا يعلم ما هي ضرورة وجود محل مثل راديوشاك في الحياة، لم يدخله إلا مرة واحدة، وفشل في فهم طبيعة المحل، وغادره بعد أن لاحظ أن أسعاره غالية بشكل غير مبرر.
ثم أنه من الصعب تخيل عزت يدخل خصيصاً إلى محل لشراء كشاف.
هل حصل عليه – إذن – كهدية من صديق؟.
وهل يمكن أن يعطي أحدهم لصديقه هدية عبارة عن كشاف أصفر يعمل بالشحن. ثم أن عزت يعيش دون أصدقاء.
هل سرقه عزت من أحدهم؟
يمكن تخيل شخص مثل عزت يسرق فعلاً، هو لا يعتبر السرقة فعلاً مشينا بالكامل، عادي يعني. من الممكن سرقة إحدهم إذا كان هذا ضرورياً. لكن، ليس من المفيد أن نسرق كشافاً.
كيف إذن؟
ما حدث، هو أن عزت كان يجلس على مقهى اسمها "الفرافيش"، وهي تقع بجوار ممر البورصة الممتلئ عن آخره بالمقاهي.
وقف أمام عزت شاب لطيف، طلب منه أن يأخذ من وقته دقيقة، وكان يحمل في يديه مجموعة من الأشياء الصغيرة وبعضها يضيء وينطفئ بانتظام.
أخبره عزت أن أياً ما كانت السلع التي يبيعها فهو لن يشتري منه شيئاً. أخبره بذلك بلطف وصدق وهدوء وأدب.
فقرر البائع الشاب أن يرفع الحرج عن الزبون الذي لم يعد زبوناً، بعد أن رفض فكرة الشراء من أساسها. قال : "على فكرة يا باشا.. القهوة دي بتاعة الشواذ". ثم هم بالإنصراف.
كان عزت على استعداد لقبول أي شيء على نفسه. إلا فكرة الجلوس على مقهى يجلس عليه الشواذ، والسبب بسيط، عزت يخاف من كل ما يمكن أن يكون غير طبيعياً. الشواذ، الأقزام، والغرباء بشكل عام.
فكر عزت أن عليه أن يشتري أي شيء من البائع الشاب اللطيف. كان يحمل ماكينة حلاقة كهربائية، وعزت يحلق بانتظام عند الحلاق، ثم مضرب بلاستيكي أحمر يضيء بلون أزرق، فهم بعد ذلك أنه صاعق للناموس، لكن عزت يعيش في منطقة لا ناموس فيها.
ثم كشاف أصفر يعمل بطريقة مبتكرة، قرر شراءه، بعد أن أخبره الشاب أن سعره في المحلات عشرة جنيهات، لكنه سيبيعه له بخمسة، وسيعطيه معه طقم مفكات صغير هدية.
اكتشف عزت أنه لم يستخدم المفك أبداً في حياته، لكنه لم يجد حرجاً في أن يمتلك طقماً للمفكات، قد يستخدمه يوماً لسبب أو لآخر.
في غرفته بالمنزل، فتح عزت الدرج الأخير في مكتبه، ووضع الكشاف بجوار طقم المفكات، وكلاهما بجوار علبة الهاتف المحمول الذي اشتراه عزت قبل عامين ولا زال يحتفظ بالعلبة، عسى أن يحتاجها إذا قرر بيعه يوماً.
أغلق عزت الدرج بهدوء واطمئنان، عادة لا تمتد يد عزت لفتح هذا الدرج لأي سبب. وعند فتحه، فالسبب الوحيد هو الإحتفاظ بشيء لا يحتاجه عزت أبداً.
بعد هذا بعامين، ستمتد يد عزت لفتح الدرج، وإخراج الكشاف.
سيبتسم حين يكتشف أن الكشاف لديه قدرة على العمل بعد كل هذا الوقت، سيأخذه وينزل. وسيستخدمه لمدة يومين، في تفتيش السيارات المارة أسفل العمارة التي يسكنها، وذلك كجزء من نشاط سيعرف بعد ذلك باسم اللجنة الشعبية.
الآن، تمتد يد نسائية للدرج يومياً، تفتحه، تخرج الكشاف، وتتأكد من قدرته على العمل، ثم تعيده إلى مكانه وتغلق مرة جديدة.
لدى صاحبة اليد - وهي أم عزت في الغالب – سؤالين، من أين حصل عزت على الكشاف؟، وإلى أين ذهب عزت؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق