كيف يحكي مطاوع حكاية النوم؟
في المساءات التي يخاصم النوم فيها منزل الأسرة، يجلس مطاوع وبالقرب منه طفلته الصغيرة، تحرك رأسها في تواتر غير ممل، ناقلة عيونها بين قناة "براعم" في التلفزيون، وبين وجه مطاوع المثبت تجاه شاشة جهازه الإليكتروني، يكتب شيئًا ما.
على شاشة "براعم"، يوجد جرافيك جذاب بخلفية موسيقية هادئة، عبارة عن قمر له عيون، ينام ويشخر بصحبة عدد من الطيور، الموسيقى مصممة بحيث يعتادها الأطفال وينامون، أول برنامج جديد سيكون في الصباح، والأطفال ينامون مبكرًا، وهي معلومة قرأها مطاوع على دعوات أفراح الـ"هاي كلاس" التي جاءته مرة أو مرتين في حياته، لكنه لم يرها تتحقق أمام عينه، فالطفلة لا تنام مبكرًا، بل ربما هي لا تنام أصلًا.
والحقيقة، أن مطاوع يشكر الله ومستشفى الولادة والسيد الرئيس على ابنته، فهي - وإن كانت مصابة بأرق دائم - إلا أنها غير مزعجة، تبكي وقتما يكون للبكاء ضرورة، وتضحك وقتما ترى الضحك يملأ المكان.
لماذا لا ينام مطاوع إذن ويتركها وحدها مع شاشة براعم؟ الحقيقة أن هذا ممكن، لكن مطاوع سيترك معها ثلاجة يمكن فتحها بسهولة، وباب للحمام يمكن دفعه بحيث تبدأ فقرة "الكريزي ووتر"، وبشكل عام، فالأطفال وإن كانوا لا ينامون مبكرًا، فإنهم لا يتركون وحدهم في ساعة متأخرة كهذه.
هنا، يكتشف مطاوع أن عليه أن يمارس دوره كأب، وأن يبدأ في الحكي، الحكايات تسحب النوم إلى عيون الطفلة، وتحبب النعاس إلى قلبها، وتقنعها بفكرة أن إغلاق عيونها والانطلاق في الأحلام أمر مقبول وجائز وغير مؤلم على الإطلاق.
الخطوة التالية، أن يختار مطاوع حكاية تصلح للنوم، في مرات سابقة، حكى مطاوع - بسلامة نية - عن الأمور العادية التلقائية التي تحدث في العالم، بعد ساعة، كانت الطفلة تستيقظ فزعة، ومنطلقة في الصراخ، ثم تقول بين دمعة وأخرى "حكاية نوتي".. ونوتي في لغة الطفلة تعني شيئًا سيئًا غير جيد يفضَّل ألا يحدث مجددًا.
يتخذ مطاوع وضعية الحكي، يضم الطفلة ويريحها على جسده، كم تمنى أن يرزقه الله بطفل أو طفلة ينام على جسده، الطفلة على جسده الآن لكنها لا تنام، النوم في حاجة إلى حكاية، والحكاية في حاجة إلى خيال، ما أوسع خيالك يا مطاوع، أطلق لنفسك العنان، واحكِ يا فتى، هذه طفلتك التي تمنيتها من الله في حديثك الأخير معه، هذه هي، عامان ونصف من البراءة في حجرك، قل ما لديك، أخبرها، لون لها العالم، اخترع الشخصيات، اخلق الحكايات والأحداث.. مطاوع.. افعل ما يجب أن تفعله، كي تفعل الطفلة هي الأخرى ما يجب عليها أن تفعل، وتنام.
كان يا ما كان، يا سعد يا إكرام..
من هو سعد؟ ومن هي إكرام؟.. ماذا فعل سعد في حياته ليصبح اسمه حاضرًا في قصص كل أطفال العالم، وإكرام، اسمها سخيف، والتاريخ وإن كان يذكر سعد زغلول وسعد الصغير وسعد الدين إبراهيم، فإنه لا يذكر ولا إكرام واحده..
ما يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام..
زيد النبي صلاة، ثم مرة أخرى، على الأطفال أن يصبحوا متديِّنين، عليهم أن يعرفوا الأنبياء ويصلوا عليهم، لكن هل يمكن أن يحلى كلام به بعض الإباحية، وقد بدأ بالصلاة على النبي الكريم؟ ولماذا يا مطاوع تحكي للطفلة حكاية إباحية، اصنع قصة تليق بطفلة، اترك معتقداتك جانبًا وأخبرها بأي شيء كي تنام وتتفرغ أنت لعالمك الإباحي الحقيقي..
أوك، و"أوك" هذه تعني "حسنًا" في ترجمة الأفلام، تمام كما تعني "FUCK" "تبًّا".. سامح الله "أنيس عبيد" الذي ترجم الأفلام الإنجليزية لنا في الصغر، فأضاع لنا العربي والإنجليزي، وتركنا هكذا، نتأرجح بين الرذيلة والفضيلة..
طاوِعني يا مطاوع واترك أنيس عبيد في حاله، وركز في حالك، بص في ورقتك يا رفيق، انظر إلى طفلتك، هي في حاجة لحكاية حقيقية، تجلب لها النوم وتنتهي السهرة..
أوك.. كان في بنت اسمها إيه.. عن من يحكي مطاوع، الفتيات اللاتي يعرفهن أسوأ من أن يتم إدراج اسم واحدة منهن في قصة للطفلة البريئة.. عمَّن يحكي إذن؟
عندما فكر مطاوع، بعمق لا يلائم تفاهة المسألة، قرر أن كل الحكايات غير صالحة، لا الحكي عن البنات، ولا الولاد، لا الحكي عن أحد.. فكر مرة أخرى، ثم أعاد التفكير، مرر يده على شعر الطفلة، ونظر في عيونها بدفء - أو هكذا ظن - ثم بدأ الحكي..
"كان في طفلة اسمها مليكة، كانت عايشة مع بابا وماما، بابا كل يوم كان بيحكي حكاية جديدة.. مرة عن القطة، مرة عن الأسد، مرة عن الحمار.. لكن النهاردة، بابا يحكي عن مليكة، البنت الجميلة، قبل نومها، بتتفرج على براعم، وتشوف القمر نايم، وتقعد مع بابا، يحكي حكاية، وتنام، وتصحى الصبح، تتفرج على براعم تاني، لما القمر يكون صحي"..
يعتقد مطاوع أن حكايته كانت واقعية جدًّا، فلا هو كذب، ولا هو أخبر الطفلة بأمور ينبغي ألا تعرفها في سن كهذه.. يكاد مطاوع ألا يصون السر، فيخبر طفلته بالحقيقة، يحكي لها عن العالم، عن الحب، عن الله، عن السيد الرئيس، عن مايكل جاكسون، عن الأشياء التي يجب أن يحكي عنها.
يكاد مطاوع أن يخبرها عن نفسه، أن يحكي الحكاية من البداية، عن الطفل الذي لم تُحْكَ له الحكايات صغيرًا، فقرر أن يؤلفها كبيرًا، وانتهى به الحال، جالسًا أمام جهازه الإليكتروني، يحكي القصص للناس، لكنه عاجز عن ابتكار قصة تلائم صغيرته.
يكاد مطاوع أن يفعل، لولا أن الطفلة ترضى بنصيبها وتقرر أن تنام.. يعلن مطاوع أن "توتة توتة.. خلصت الحدوتة"، ثم يطرح سؤاله التقليدي: "حلوة ولا ملتوتة".. ترد الطفلة في حماس: "حلوة".. يقبلها ويسحبها للسرير، يفكر في الطريق أن يسألها إن كانت تنافقه أم أن القصة جيدة فعلًا.. سيكون مزعجًا أن تتعلم الطفلة الصغيرة النفاق في وقت مبكر كهذا.. العالم سيعلمها النفاق لكن بعد قليل.. يفكر أن يحرجها بسؤال صريح عن معنى كلمة "ملتوتة" التي لا تختارها أبدًا.. قبل أن يصل إلى باب غرفة النوم تكون الطفلة قد استسلمت للنعاس.. يتركها مطاوع في سريرها ويعود للنقر على جهازه، عليه أن يكتب قصة جديدة للبشر.. قصة ليست حلوة.. قصة ملتوتة..
هناك تعليق واحد:
رائععععععععععععععع
إرسال تعليق