الاثنين، أبريل 28، 2008

check your mail




تسأله : شوفت فيلم "You've Got Mail"..
يخبرها أنه أحد أفلامه المفضلة.

............

يبدو أن أفلام توم هانكس كلها مفضلة بالنسبة إليه، الحقيقة أنه النجم الأجنبي الوحيد الذي يحفظ اسمه، هو يعاني من حفظ أسماء نجومه المفضلين، جلس مرة ساعة كاملة يحاول أن يتذكر اسم "ميج ريان" لأحد أصدقاءه، ظل يخبره أنها تلك ذات الشعر الأصفر والإبتسامة الساحرة، لكن صديقه كان مملاً بحيث رفض الاشتراك في اللعبة، مخبراً إياه أن كل نجمات هوليود بشعر أصفر وابتسامات ساحرة.

لكنه لا ينسى أبداً توم هانكس، لقد منحه هذا النجم سعادة لا تنتهي، فهو أولاً ذو اسم سهل، يلتصق بالذاكرة من أول فيلم، وهو من ناحية أخرى صاحب أفلام ثلاثة، منحته عدد لا نهائي من لحظات السعادة، كما أنه ليس وسيماً جداً مثل زملاءه، توم هانكس يمكن أن يصبح مصرياً ببساطة، لو شاهدته دون أن تعرفه في شوارع القاهرة، فستقول أنه على الأرجح من المنصورة أو المحلة، وإن أقسم لك أحدهم انه اجنبي غير مصري، فستقول "يمكن يكون من سوريا أو فلسطين". ليس أبعد من ذلك أبداً.

منحه هانكس اللذة السرية كاملة في فورس جامب، كان يعتقد أن "فورست" هي ذاتها "فيرست" (First) وأن "جامب" هي "القفزة"، و"فورست جامب" هو "القفزة الأولى".. لكنه أدرك بعد مشاهدته للمرة الثانية، أن هانكس اسمه في الفيلم فورست، وأن جامب هو اسم والده، وأنه لا علاقة للجري الذي يجريه فورست في النصف الثاني من الفيلم بأي قفزات أولي أو ثانية.

ثم صفعه الصفعة الأقوى في "You've Got Mail"، هل يوجد سحر بهذا الشكل، هل يمكن أن يحدث هذا، تمنى يومها أن يتوقف الزمن بميج ريان بحيث لا تكبر أبداً، تظل كما هي، بقصة شعرها، ورقبتها البيضاء الرقيقة، تمنى أن تظل تستخدم معجون الأسنان نفسه إلى الأبد بحيث تظل أسنانها هكذا، لا أبيض من ذلك ولا أصفر، تمنى أن يتقدم علم الاستنساخ، أن يتمكن العلماء من تكرار جسد "ميج" في الآف النسخ، وان تصبح ابتسامة "ميج" متاحة لأي فتاة من شبرا حيث كان يعيش وقتها، لكن امنياته كلها لم تتحقق، يتقدم الزمن بميج، مثلما يتقدم بتوم، وتعجز محاولات الاستنساخ في إبقاء النعجة دولي على قيد الحياة، فما بالك بميج ريان.

لكن عزاؤه أن توم كلما كبر، كان يكتسب من السحر قدراً مضاعفاً. حدث ذلك في "صالة الوصول" أو "the terminal"، يؤكد أنه لم يضحك ويبكي في حياته في نفس الوقت إلا أثناء مشاهدته لهذا الفيلم.
............

تسأله : شوفت فيلم "You've Got Mail"..
يخبرها أنه أحد أفلامه المفضلة.

............

لدى "
Joe Fox" مكتبة ضخمة، هو سليل عائلة تجارية كبيرة تتخصص في الكتب، سياستها استحواذية بحيث تمكن من شراء كل مكتبات المدينة، عدا ركن صغير، تشرف عليه " Kathleen Kelly"والتي ترث المكتبة عن أمها.

هذا في الواقع، لكن على الإنترنت، يتعرف "فوكس" على "كيلي" مصادفة، وينتظر خروج خطيبته من المنزل كل صباح ليفتح حاسوبه المحمول، ويكتب رسالة جديدة إلى صديقته الإليكترونية، وينتظر رداً منها، "كيلي" تفعل الأمر ذاته.

تصبح شاشة الحاسوب لكل منهما نافذة سحرية تطل على السعادة، سعادة سرية صادقة، رسائل طويلة، تكتب في دقائق، تتحدث عن إذا ما كان كل طرف نام جيداً أم لا، سعيد في حياته؟، مسرور لأن المطر يهطل على المدينة وهناك توقعات بثلوج، كل التفاصيل التي تبدو تافهة، تصبح فجاة ذات قيمة.
..............

تسأله : شوفت فيلم "You've Got Mail"..
يخبرها أنه أحد أفلامه المفضلة.

.............

رغم أنه يتذكر الفيلم جيداً، لكنه لا يعلم على وجه التحديد ظروف وملابسات تعرفه بها.

هو يعرفها و"خلاص"، بدون أي مقدمات، بينهما علاقة تسمح لها بطرح الأسئلة الشخصية، وتسمح له بالإجابة عما يروق له منها.

هو – مثل أي شخص عادي – يحب الأسئلة المحرجة من فتاة جميلة تلبس جيب واسعة تصل إلى ما بعد الركبة بقليلة، يفضل هذا الـ"ستايل"، تذكره هي بالـ"snow white"، وككل الرجال – الذين هم في الحقيقة لم يبارحوا مكانهم في روضة الأطفال – فإنه يحب فتاة الثلج الأبيض، ويحلم بها في الليالي الصافية التي يكون الجو فيها ملائماً للنوم دون غطاء.

يحب اسئلتها، يترك نفسه لها تحلله كما تشاء، تخبره أنه بحاجة للذهاب إلى طبيب نفسي لتلقي العلاج، يسألها عن أعراض المرض الذي تلاحظه عليه، فتقول "قلة الحب.ز انت مش بتحب نفسك كفاية".. يقول "فعلا.. ده أحد أهم عيوبي"، يضحك داخله حتى يكاد يفلت "كركرة" هنا أو هناك، يتسائل إن كان هو لا يحب نفسه فمن المجنون الذي يفعل، يطمأن نفسه بنفسه، هو يحب كل شيء فيه، كل تفاصيله، كل أشياء، يحبه حتى في الاشياء البغيضة التي يعرف أنها بغيضة.. لكنه يستسلم لها، يوافق على الذهاب للطبيب، وإن كان يعلم أنه لن يفعل أبداً.

يسألها دائماً عن "عيوبه"، يفرح بما تقول، تخبره بالعيوب التي يعتبرها هو مميزات لا تعوض، تقول أنه "ديكتاتور مع هؤلاء الذين يحبونه"، أنه "ملوش أمان.. يكون قدامك وبعدين يختفي"، أنه "مودي جداً، بمزاج متقلب بين لحظة وأخرى".. أنه "ملول".. يدلدل رأسه لأسفل، يرسم تكشيرة، يقول أن صراحتها هذه المرة كانت شديدة على قلبه الضعيف، وأنه سيعمل على التخلص من عيوبه بسرعة، تخبره هي بأنها آسفة على تدخلها في حياته الشخصية، مذكرة إياه أنه هو الذي بادر بطرح السؤال "المحرج".. يضحك في سره من جديد، ويعلن استمتاعه باللعبة.

تقريباً، مارس معها كل الألعاب المشابهة، قابلها عدد لا نهائي من المرات، أنفق على مكالمتها مائة جنيه وأكثر، سألها مليون سؤال، وجاوب على تريليون.

لكنها اليوم، تطرح سؤالاً عادياً، لم يتردد لحظة في الإجابة عليه، لكن مع الحرف الأخير من السؤال، يدرك أن الخطر قادم، وأن عليه أن يحترس.
..............

تسأله : شوفت فيلم "You've Got Mail"..
يخبرها أنه أحد أفلامه المفضلة.
.............
ما المانع في أن تصبح لديه حبيبتان وأكثر؟!.
حبيبته الأولى – رغم أنها تذكره بخطيبة توم هانكس في الفيلم – لكنها ليست على نفس الدرجة من السوء، كما أن علاقته بها تخطت مرحلة الحب، هي الآن زوجته الحامل في شهورها الأخيرة، والتي أخبرها الدكتور بأن الجنبن طفل جميل، مكتمل النمو، وأنه يقترح عليها تسميته "مروان".

هل لأن "أم مروان" انتفخت قليلاً، لأنها تحمل مروان بداخلها، وستظل منتفخة بعد خروج مروان من جسدها ستة أشهر على الأقل، هل الإنتفاخات المؤقتة تلك تسمح له بتكرار ما فعله هانكس وريان في فيلمه المفضل.

لكن، هل يحب هو "أم مروان" فعلاً، أم أن الأمر لا يتعدي مجرد إلتزام ومسؤلية تجاه الأطفال التي تقول الإعلانات أنهم عادة ما يكونون الضحية، وهو – كرجل – يرفض أن يكون له ضحايا من فئة الأطفال، يفضل الضحايا من النساء، أو الرجال الأقوياء.

يترك صديقته السائلة تثرثر قليلاً، يغمض عينيه، ويعود بذاكرته بضعة سنوات، ويتذكر حبيبته الأولى.

لا شيء يؤكد أنه يحبها، الصدفة هي الشيء الوحيد الذي جعلهما حبيبين، ومن ثم زوجين. لا شيء أكثر، لا شيء أقل. الخطوبة كأي خطوبة، والشبكة كذلك، الفرح في مكان مهجور، وبحضور الأصدقاء المقربين، والحمل بعد الزواج بشهور قليلة، و"صباح الفل يا ابو مروان.. يتربى في عزك يا أخويا".. و"بس".

يعود للصديقة السائلة، يسمع منها ما تقوله بشأن الفيلم الذي شاهدته هي مؤخراً، ينسجم مع كلامها حتى النهاية، يسمعه بمنتهى التركيز، لا مجال لدخول "أم مروان" إلى عقله للتشويش.

تقول له أنه – كأي زوج – لا ينعم بالسعادة في حياته، يخبرها بالعكس تماماً، "أنا سعيد جداً، لدي وظيفة جميلة، وزوجة اجمل، وطفل من الجنة، وسيارة حديثة، وموبايل بكاميرا، وصحة معقولة، وذكاء مقبول، وملابس كثيرة، وقدرة متوسطة على ممارسة الجنس ثلاث مرات أسبوعياً، ودراية ببواطن الأمور فيما يتعلق بالسياسة والإقتصاد وماشابه"..

يقول لها أنه "مبسوط" أكثر من أي بني آدم، لكنه لا يرفض المزيد من الإنبساط، يطلب منها إكمال حديثها، معتذراً عن المقاطعة.

تقول له ببساطة أنه كذاب، فهو – كأي رجل – لديه وظيفة جميلة يخشى من أن يفقدها في أي لحظة، وزوجة أجمل تدمن التدخل في خصوصياته، وطفل من الجنة يستهلك المزيد من البامبرز كل يوم، وسيارة حديثة عليها أقساط، وموبايل بكاميرا مودليه يعود إلى الوراء سنوات ثلاثة، وصحة معقولة تجعله ينهج كل ليلة بعد أن يصعد دورين فقط هما الطريق إلى شقته، وذكاء مقبول من المقربين منه فقط، وملابس كثيرة مكدسة في الرف العلوي من الدولاب، كلها ضيقة غير صالحة للإستخدام، وقدرة متوسطة على ممارسة الجنس أمام شاشة الكومبيوتر حيث أن حالة أم مروان لا تسمح لها بأكثر من مرة في الأسبوع، وكما انه أصبح يمل أردافها المتضخمة، ودراية ببواطن الأمور تجعله يعلم إن مفيش فايدة.

يبتسم ابتسامة المنهزم، يخبرها أنها إن عملت في مجال التسويق فستكون قادرة على بيع الموت بأغلى سعر، تكشر هي تكشيرة المنتصر، وتطلب منه عدم التهريج، والإنصات.

"أنت مش مبسوط للأسباب السابقة، وأنا أيضاً لأسباب تتعلق بخطيبي الثري الذي يعمل في فودافون ومشترك في نادي الصيد ونادي اليخت، وعنده عربية حديثة اشترتها له أمه كاش، ويغدق علي الهدايا لكنه في النهاية مخنث لا يجيد التعامل مع النساء مثلك أنت".

تطلب زجاجة مياة معدنية صغيرة، ثم تحدق في عينيك وتضيف "وقد شاهدت فيلم You've Got Mail وأدركت أنه الحل المثالي، رجل متزوج غير راضي، مع فتاة مخطوبة على وشك الزواج غير مبسوطة، والعديد من الرسائل كل صباح، تسأل عن إذا ما كنت نمت كويس أم لا، وإن كنت سعيد لان المطر يهبط على المدينة مع توقعات بثلوج".

يطلب هو الآخر زجاجة مياة معدنية صغيرة، تمد هي يدها بزجاجتها، وتطلب منه أن يشرب "مطرحها" حتى يصبح مجبراً على الجري وراءها.

يغمض عينيه مرة اخرى بعد أن يشرب، ويفكر هذه المرة في الفتاة الجالسة أمامه، هل كانت ستقول كلاماً مماثلاً منذ عامين عندما لم يكن مرتبطاً على الإطلاق؟.

إطلاااااااااااقاً، أبداً، عمرها ما كانت ستفعل، هي ليست مجنونة، هي فقط "قذرة"، أو لعلها "مادة بعض الشيء"، لعلها أي شيء، لكنها لم تصاب بالجنان بعد.

ما الجديد إذن، ما القيمة المضافة التي أضافها الزواج له، بحيث يصبح في نظر "snow white" رجل ناضج قادر على إعطاءها السعادة التي عجز موظف الـ"فودافون" عن منحها إياها.

سيسألها هذا السؤال في مرة أخرى، هي الآن جادة جداً، تنتظر منه إجابة..

أعاد التفكير في مقولته الأخيرة، إنها تصلح للعمل في مجال التسويق، فكر هو في حل تسويقي يكسب فيه الوقت ولا يخسر الموقف، طلب مهلة للتفكير.

إنها المرة الأولى ربما التي يطلب فيها رجل من فتاة تبيع له الحب التفكير، لماذا يفكر، إنها تبيع له ما يحلم به في أحلامه السرية طوال الشهور الأخيرة من حمل أم مروان، ما الذي يحتاجه أكثر من ذلك، إيميل صباحي قصير، وإيميل آخر في منتصف اليوم وربما رسائل قصيرة في المساء، بالإضافة إلى مقابلات هامشية في كافية بعيد، وحضور حفلة عرض منتصف النهار في قاعات سينما جالاكسي مع طلاب الجامعة الثانوي.

إنه "مشروع السعادة"، إنها الفرصة التي لن تتكرر، إنه الـ"عرض" غير المتكرر، إنها الحالة التي سيحسدك عليها رجال الأرض والكواكب الأخرى، إنها الفعلة التي لن يحاسبك عليها مروان حين يصبح في سنك، إنها النصيحة التي ستمنحها انت إياه إن أطال الله في عمرك لتعيش حين يصبح هو زوج تحمل زوجته في الشهور الاخيرة، ستهديه نسخة من الفيلم، وتشاهده معه، ثم تدله على الطريق الصحيح، إنها الخيانة الإليكترونية التي هي ليست بخيانة، يذكر مرة قرأ لكاتب مغمور اسمه البراء أشرف على موقع إسلام اون لاين
مقالاً يصف ما يحدث له، اللعنة على كل شيء، كل هذا التفكير ينهش في عقله منذ أن فارقها، وكيف اقتنعت هذه الغبية بأنه بحاجة إلى التفكير، لن يفكر أصلاً، إنه موافق إلى الأبد، موافق على الدوام، موافق حتى النهاية، موافق و"خلاص".

يعود إلى المنزل، الليلة كأي ليلة، والطعام كأي طعام، والأحداث كأي احداث، لن تدرك أم مروان أن شيء ما حدث، وكيف تدرك، علاقته بها ليست رومانسية ولا روحانية بحيث تعرف ما به من نظرة عين كما تدعي، كل الزوجات كاذبات، لا توجد زوجة قريبة من زوجها بما فيه الكفاية، كل شيء في هذا البيت كئيب، اللعنة على الصدفة التي جعلته يصبح فجاة أبو مروان، اللعنة على كل من تزوجوا قبله ولم يخبروه بالحقيقة.

ينام، كأي نوم، يخشى أن تداهمه فتاة الـ"snow white" في أحلامه، لكن هذا لا يحدث، يستيقظ، تساله زوجته للمرة الأولى ربما عن إذا ما كان قد نام جيداً بالأمس، فجأة يكتشف أن هذه المرأة تحمل داخلها قدر من الرقة.

يضبط نفسه يلقب زوجته بالـ"مرأة" ويلقب الـ"snow white" بالـ"فتاة"، يسخر من وساخة عقله الذكوري، يسأل نفسه، ومن الذي حول أم مروان من فتاة إلى "إمرأة"، يفخر بذاته قليلاً، لكنه يلعن اليوم الذي تعلم فيه أن يصبح أنانياً، يقول أن نصيحة الذهاب للطبيب النفسي ليست سيئة، لكن هذه المرة للعلاج من الحب الزائد للنفس.

يدخل الحمام، يجلس في المكان المعتاد للجلوس، يفرغ ما داخل جسده من فضلات، ويطهر نفسه باستخدام الكوز، كم يكره هذا الكوز، كم يفضل إفراغ فضلاته في العمل حيث أن الحمام هناك به "شطافة" تضخ الماء بقوة تطهره في لحظات بدون أي تدخل من يديه، لماذا لا يملك شطافاً سليماً في بيته، يذكر أن أم مروان ذكرته بذلك أكثر من مرة، وأنه لم يفعل أي شيء بخصوص السباك الذي يجب أن يأتي ويصلح كل أجهزة الحمام مقابل مائة جنيه كاملة.

يخرج، يجد على الباب من الداخل "بورنس"، بلون لبني جميل، يجرب أن يقيسه، يجد على مقاسه بالضبط، يسال أم مروان، كيف استطاعت أخيراً الحصول على مقاسه، تخبره بأنها "تصرفت، وكل سنة وأنت طيب، زي النهاردة من 4 سنين كانت خطوبتنا".

يتأكد من أنها تعرف شيئاً عن الـ"snow white"، لكنها لا تعرفها، كما أنها إن علمت، فسيكون رد فعلها مختلفاً.. يفعل ما أعتاد فعله كل صباح، ويهرع إلى الشارع.

ساعة واحدة بعد ان يصل مكتبه، ويسمع رنين موبايله، يرد، يجدها هي، الـ"snow white" تتحدث، تسأله، "ها.. مردتش عليا في الـ offer بتاع إمبارح".. يقول أن لديه اجتماع مهم الآن، ويغلق الخط.

يسأل نفسه، ويسأله صديقه، ما الذي يمنعك إذن من التقدم خطوة للأمام، يقول "لاشئ"، يتمتم بكلمات غير مفهومة، يقول أشياء لا منطق لها، يسكت في النهاية، ويقرر عدم الرد على الهاتف أبداً.

هل يخشى – لا سمح الله – أن يقع في معصية؟، هل يخاف الله؟، يعلم أن مسالة الخوف من المعصية لا تشغل باله، كما أنه غير متأكد من ان حديثه الإليكتروني مع هذه الفتاة في امور تتعلق بإذا ما كان نام كويس، أو رأيه في هبوط المطر على المدينة يشكل أي "حرام".

لا علاقة للأمر بالخوف من العصيان، يتعلق إذن بالسيناريو الذي اختاره لنفسه منذ زمن، هو لا يحلم على الإطلاق بعلاقة ثنائية من هذا النوم، هو غير مستعد للتورط في علاقة تربطه بأنثى أخرى غير زوجته، هو لا يفضل أن يكون ظالماً لأم مروان التي أفقدها الكثير من بهجتها، وأعطاها الكثير من الكآبة والقلق والوزن الزائد بعد الولادة.

هو يحب أم مروان، هو يحترم الصدفة التي جمعته بها، هو فخور بأن زوجته لاحظت ضيقه ذلك الصباح فأرسلت في طلب السباك ليصلح الشطاف ودفعت مائة جنيه كاملة من مرتبها الشخصي.

تطارده الـ"snow white"، بدأ يحلم بها، بدأ يمارس الجنس معها في أحلامه، يمارس الجنس، لا الحب، الحب لأم مروان، والجنس لها، الحب للأرداف البدينة، والجنس للجيب المتدلية عن الركبة بقليل، الحب لفراش الزوجية، والجنس لقارعة الطريق.

..................

تخبره أم مروان هذا الصباح أنها شاهدت "You've Got Mail"، تسأله : شوفته؟

يخبرها أنه أحد أفلامه المفضلة.. تسأله : "أنا نزلته من النت وجبت ترجمته، تيجي نشوفه سوا؟"، لا تنتظر منه إجابة، تشبك يدها في يده، تعلو ضحكة من مروان، يغلق هاتفه، ويستعد لمشاهدة فيلمه المفضل.

خلال المشاهدة، يدرك أن الأمر أختلط عليه، وان زوجته لا تشبه خطيبه هانكس، هي في الحقيقة لديها خصر ميج ريان، وجزء من ابتسامتها، كما أنها أصغر كثيراً من ميج ريان، والأهم أنها تحبه، في حين أن ميج لا تفعل.
...............

"493".. تفا - صيل الطلبات للمنازل


الأحد :

في المكتب وحدي..

يخبرني أحدهم أننا في فترة أجازات، أفهم أنه يتحدث عن نفسه، هو وغيره ينعمون بالأجازة، أما أنا، فبين المونتاج والشقة الجديدة، أتابع مراحل مونتاج الأفلام، وأنصت طويلاً لاقتراحات دعاء بشأن الألوان وأماكن قطع الأثاث وأجيب بالصمت على أسئلتها عن إمكانية التخلي عن مكتبي لصالح ترابيزة كومبيوتر صغيرة من الخشب المضغوط.

دعاء تعرف أن ذلك المكتب لن يحتملني، تعلم جيداً أن المكتب الخشبي القديم يشكل بالنسبة لي شيء ما هام لا أعرفه أنا تحديداً، لكنها تتناسى كل ذلك، وتسألني مجدداً، مضيفة أن ترابيزة الكومبيوتر في "هايبر وان" بـ"320" جنيه فقط، وبالتركيب.. أبتسم، أخبرها بقراري المعتاد.. "اللي تشوفيه".

لا زلت في المكتب، متردد في ترتيب جدول اليوم، وصلت في الصباح، في تمام العاشرة، تابعت ما وصل إليه المونتير، أعطيته اقتراحاتي التي تقبلها كلها، الحقيقة أنني لم أكن سأتمسك برأيي في حال جادلني هو، داخلي رغبة كبيرة في النوم لوقت طويل، ومازالت الجملة ترن في أذني "بأننا نعيش فترة أجازات".

أتذكر عشرينات فجأة، كان أكثر مكان مناسب للحصول على أجازات طويلة، أذكر نفسي بأني كتبت نصف راويتي وأنا في أجازة، أحاول التفتيش عن الرواية فلا أجدها.. أمل بسرعة، وأنطلق في العمل.

أراجع بريدي، لا جديد، فقط رسالة جديدة من الإدارة تذكرني بموعد تسليم الحلقات، أرد بالجملة السحرية "جاري العمل".. أتلقى اتصال من العميل، اطمأن قلبه وأقول "نسألكم الدعاء"..

أتلقى اتصالات عديدة، تخبرني صديقة بأنها شاهدت برومو فيلمي "الشاهد أنت" على الجزيرة، أبدو مهتماً، أعلم أن الدش لم يركب بعد في الشقة الجديدة، أفتح التليفزيون في مكتبي، وأثبته على الجزيرة، وأنتظر البرومو.. لكنه لا يأتي.

أعود إلى شاشة الكومبيوتر، أراجع بريدي، رسائل جديدة، لا جديد فيها، المزيد من "جاري العمل".. أنتقل إلى المونتاج، أتابع ما وصل إليه المونتير، أشكره، على وعد باللقاء في السابعة مسائاً، لا تزال هناك سبع ساعات كاملة، لا أعرف كيف أقضيها.

يرحل الذين أتوا رغماً عنهم إلى المكتب، أكتشف أنني وحدي، أسلي نفسي بتحضير الشرائط التي ستشاهدها زميلتي، أكتشف أن عددها 27 شريط من نوعية الـ"VHS" هذا يعني ضعف هذا العدد من الساعات، لن تنتهي قبل الثلاثاء.

أجد الشريط رقم 28 بحجم مختلف، أصغر قليلاً، أتفحصه، وأدرك أنه من المستحيل مشاهدته بالفيديو الحديث، كما أن الفيديوهات القديمة اختفت، أدعو الله ألا يكون محتوياً على مشاهد هامة احتاجها في فيلمي.

أبحث في هذه الشرائط عن أي شيء له علاقة بالداخل الإسرائيلي، ونشأة الصهيونية، والتهجير، أصبحت مهتماً بالقضية فجأة، أصبحت موضوعات الأفلام تشغلني وتستغرقني، لا زلت أتابع اليوتيوب بدأب باحث مثابر، كما أني لم أتوقف عن جلب خطابات بن لادن والظواهري من الإنترنت حتى بعد انتهاء مونتاج فيلم "المواقع الجهادية".

أعود إلى مكتبي، أراجع بريدي، لا جديد على الإطلاق.. لن أضطر للرد على أحد، لكني أبادر بإرسال بضعة رسائل لعدد من الأصدقاء، أتفقد بريد الـ"Face book"، أرد على الرسائل التي تستحق، وأمحو ما تبقى.

أشعر بالجوع، أتصل بمحل فطاطري قريب، أطلب فطيرتي المفضلة، أقوم بها وحدي، بالإضافة إلى فطيرة حلوة صغيرة بالقشطة.. لماذا لم أشتري قشطة بالأمس من "المحمل"؟، ذهبت مع دعاء بعد منتصف الليل، قالت دعاء أنهم يقدمون خدمة توصيل الطلبات، وهو ما جعلنا نشتري كل ما نحتاج دون أي قلق بخصوص حمل المشتريات إلى المنزل.

اشتريت جبنة "فلامنكو"، وثلاث أنواع أخرى من الجبن، كما أشتريت "تورتة" كبيرة من "مونجيني" و4 قطع من البيتزا الصغيرة.

كانت دعاء مشغولة بشراء أنواع كثيرة من البهارات، كنت سعيداً لذلك، فأنا أحب رائحة التوابل، حتى أني تذوقت بعضها داخل المحل.

بعد انتهاء جولتنا، تقدمت للكاشير، طلب 493 جنيه، دفعتها غير مهتماً بالمبلغ، لكني أدركت أنني أشتريت مع دعاء ما يساوي مرتب موظف جديد في مؤسسة خاصة، لم أسمح لضميري بتأنيبي، أكاد أؤكد أن كل ما أشتريناه كان ضرورياً، على كل حال كان العقاب الإلهي في انتظاري.

سألت عن قسم توصيل الطلبات، أخبرني الموظف وهو ينظر إلى عربة البضائع المليئة لآخرها، بأن القسم أغلق منذ نصف ساعة، وأن علي أن أوصل طلباتي لنفسي.. نظرت إلى دعاء، أخبرتها أننا بحاجة إلى "دراسة الوضع".. أيدت كلامي، وقفنا دقيقة أمام "المحمل"، تأكدت من قراري، أخبرتها به، سنحمل الحقائب وحدنا إلى المنزل.. والحقيقة كانت أنني سأحملها وحدي، فدعاء تحمل مليكة، كما أنها متعبة من ترتيب الشقة الجديدة.

..........

لازلت في المكتب، الساعة تشير إلى السادسة، عندي اجتماع مع زمليتي بعد قليل أشرح لها خلاله ما أحتاجه من الشرائط الـ27، آمل أن تأتي في موعدها، سأتصل بالمونتير أخبره أنني سأصل متأخراً الليلة، لأني بحاجة إلى نوم عميق.

لازالت نشرة الأخبار مستمرة على الجزيرة، أخبار عن فشل اغتيال قرزاي، وانتخابات المحافظين في اليمن، وشيء عن خالد مشعل وأبو مازن لم أفهمه بالتحديد، وهناك زووم جميل على مبارك، لو حدث في التليفزيون المصري لتمت محاكمة المصور والمخرج والمونتير، لكن الحمد لله أن الزووم كان من نصيب الجزيرة.

أخيراً شاهدت البرومو، الفيلم يحمل اسم "المدونون.. الصحفيون الجدد".. أقول لنفسي أن الاسم الذي اخترناه في البداية كان أجمل، اخترنا "الشاهد أنت"، وهي ذاتها جملة بثينة كامل في الفيلم.. على كل حال البروم جميل، وساخن، وهو ما يؤكد نبوءة أحمد نصر الدين بأن الفيلم سيتسبب في القبض علي.

...........

قرأت عدد كبير من المقالات هذا النهار، سألت نفسي لماذا لم أعد أكتب؟، قرأت تدويناتي الأخيرة، وقررت أن أكتب بضعة سطور، أذكر فيها نفسي بما حدث، من الأمس إلى اللحظة.. وقد كان.

الأربعاء، أبريل 23، 2008

يا قلة الذل أنا ناوي..











"يا قلة الذل أنا ناوي..

ما أشرب..

ولو..

في المية عسل"..
من "البحر بيضحك ليه".. لـ"نجيب سرور".

الثلاثاء، أبريل 22، 2008

أعمل إيه أنا دلوقتي..؟؟

كطالب ثانوي يعرف عن نفسه أنه فاشل، جلس يخطط طويلاً لمستقبله، أمسك الورقة والقلم، اطفأ الأنوار وأضاء الأباجورة وكتب..

"نجاح في الثانوية العامة يا دوب.. 54 %، ومنها على معهد فني صناعي، سنتين بتفوق، وبعدها معادلة كلية الهندسة، وهناك، خمس سنين من الإنتحار، أطلع بعدهم مهندس كهربائي، وأشتغل في مصانع أوليمبك إليكتريك، بـ900 جنيه في الشهر، وأتجوز هند".

يطبق الورقة البيضاء بعناية، يخبأها تحت ورقة جورنال يستخدمها كمفرش لدرج مكتبه الصغير، ويصلي طويلاً، داعياً الله أن يمنحه النجاح في ثانوي، والدأب في المعهد، والتوفيق في الهندسة، وأن يعطل كل العرسان المتقدمين لـ"هند"، التي شارفت على الإنتهاء من دبلوم التجارة، وستذهب للعمل في مصانع "العربي" بـ"600" جنيه في الشهر.

هو يعرف أن الله كريم، وأنه سيعطيه ما طلب إذا أخلص النية في الدعاء، وركز في الصلاة قدر استطاعته.. سيغير نغمة موبايله من أغنية هيفاء الأخيرة إلى نشيد "يا مكة"، وسيمتنع عن الكلام مع هند في المساء مكتفياً بمكالمات صباحية سريعة وقصيرة.

يمر العام الأول من الثانوية، لم تمنعه نتيجته العالية من الاستمرار في الدعاء، أخبرته أمه أن أمامه فرصة ذهبية لدخول كلية تجارة جامعة جنوب الوادي، لكنه اهمل نصيحتها، وركز في الدعاء، "يا رب، المعهد يا رب"..

يمر العام الثاني، يعرف من البداية أن الفيزياء ستقتله، يضيف للدعاء فقرات خاصة بالفيزياء.. ويدخل الامتحانات مغتسلاً.. كأنه يودع الدنيا!.

يوم النتيجة، يصر على الذهاب للمدرسة بنفسه، يستوقفه رنين الهاتف، يتردد في الرد، لكنه يفعل، على الخط صوت يعرفه جيداً، مدير المدرسة، "مبروك يا ابني، أنت طلعت الأول".

بعد ساعات من الفرح، يدرك أن الطريق أمامه أصبح مفتوحاً للهندسة، ولهند أيضاً، سيوافق أبوها بالتأكيد حين يعلم أن العريس مهندس، ستفرح هند هي الأخرى، وبالتأكيد سيفرح هو.

يدخل غرفته.

يفتح الدرج.

يقرأ بعناية الخطة السابقة.

يدرك أنه استطاع اختصار فترة طويلة، وأن الحلم تحقق فجأة!.

يبتسم. يبكي. يقرر الصلاة.. يسجد.. يشكر الله بقوة، يسأله "أعمل إيه أنا دلوقتي..؟؟".