الأحد، يونيو 29، 2008

Fly On The Wall

تقول كتب تعليم الإخراج، أن عليك – كمخرج – التركيز طوال يوم التصوير، في أن تتحول كاميرتك، بقدرة قادر إلى "Fly On The Wall"، ذبابة على الحائط، فهي – الكاميرا أو الذبابة – لديها القدرة على رؤية كل شيء من موقعها الصغير على الحائط، لكن هؤلاء البشر، الذين يملأون الغرفة صراخاً وحديثاً وانفعالاً، هؤلاء جميعاً، يكادون لا يشعرون بها، ولا يهتمون لأمر وجودها، وبالتالي، فإن تصرفاتهم تصبح أكثر واقعية، وكلامهم يصبح أكثر صدقاً، وانفعالاتهم تصبح أقوى وأهم!.

لهذه الأسباب يستغرق تصوير الأفلام الوثائقية المعتمدة على المعايشة شهور وسنوات، فيلم "Aljazeera Exclusive" ينتمي إلى هذه النوعية من الأفلام، طاقم من قناة الـ"BBC" عايش تغطية الجزيرة للحرب على العراق من داخل غرفة الأخبار في الدوحة، استغرق الأمر وقتاً طويلاً، بحسب ما يقول مخرج الفيلم، حتى يستطيع التجول بالكاميرا بحرية بين الصحفيين في غرفة الأخبار، دون أن يعترضه أحد، ودون أن يتوقف أحد عن أداء عمله لأن هناك من يصوره.. أصبح طاقم الـ"BBC" ذبابة على حائط غرفة الأخبار، لا يلاحظها أحد، لكنها تراقب الجميع.

فجأة، أصبحت شديد الحساسية تجاه الذباب، بدأت أشعر بنيتها المبيتة في مراقبتي، أصبحت شديد الحرص على التأكد من خلو الأماكن التي أقصدها من كاميرات التصوير، أصبحت أتعمد رفض طلبات التصوير في أي برامج للتيفزيون، يبدو، كأن السحر انقلب على الساحر.. وكأن فتاة يوم اليتيم ستطاردني طويلاً.

الحكاية وما فيها، أني كنت أصور حلقة من برنامج تليفزيوني عن "يوم اليتيم"، وهناك، وعلى البوابة، وحيث كان صوت "سعد الصغير" يصدح عند بوابة دريم بارك، وجدت شلة شباب فرحين بما آتاهم الله من نعمة دخول دريم بارك بالمجان، وعلى مقربة منهم، شلة فتيات، فرحانات أيضاً، بالنعمة المزدوجة، حيث الدخول المجاني، والعدد الكبير من الشباب القادم بنية صريحة في المعاكسة والمواعدة والبحث عن "مزة" صيف 2008.

عند البوابة، طلبت من المصور إدارة الكاميرا طوال الوقت، وإلتقاط ما تيسر من صور، وسرقة الإبتسامات والنظرات بين الشباب، طلبت منه باختصار يعرفه أبناء الكار، أن نتحول كلنا إلى "Fly On The Wall"، وقد فعل المصور ما كنت أتمناه – كمخرج – وأكثر، وفعلت إحدى الفتيات ما كنت أرغب فيه – كإنسان – وأكثر.

فجأة، تحركت الأشياء كلها، انطلق صوت سعد الصغير بدرجة أعلى، واختار المصور الاقتراب أكثر من فتاة بعينها، وقررت الفتاة أن اللحظة أصبحت مناسبة للرقص.. ورقصت!
كانت محجبة، والرجال فقط، يعرفون ما الذي يعنيه الرقص بالحجاب، رقص كامل، عشرة بلدي إن صح التعبير، كل ما فيها يرقص، من الرقبة حتى الأقدام، مروراً بخط الوسط الإنسيابي المتمكن، كلها أشياء راقصة.. بالإضافة إلى وجه مستدير أبيض، تعلوه ابتسامة لا تلاءم المشهد المزدحم.

على شريط الصوت، أسمع صوتي، أستغرب ما تفعله الفتاة، وأشيد بقدرتها على الرقص المستمر، إشادة تشي بما داخلي من إعجاب تجاهها، كأني على وشك التقدم منها والتعرف عليها، فقط الحرج من فريق التصوير، ومن كوني كنت ذاهباً إلى دريم بارك – أصلاً – لتصوير برنامج ديني.

على شريط الصوت، أخبرت المصور فوراً، والفتاة مستمرة في الرقص، أن اللقطة تلك تصلح لأن أدخل بها مسابقة أفضل لقطة في فيلم قصير جداً اسمه "الحجاب الراقص"، وأن ساقية الصاوي سترفض عرضه وأننا سنحظى بشهرة كبيرة.

بينما أكمل كلامي، استدارت الفتاة دورة كاملة، عقبت أنا بصوت عالي "جامدة جداً".. شعرت أن الدوران الكامل، أعطى لصاحبته فرصة لأن تلمح الكاميرا من بعيد، لم نصبح مجرد ذبابة، تحولنا إلى صياد ضخم يطارد فريسة أكبر منه، توقعت أن ينتهي يوم التصوير قبل أن يبدأ بخناقة حريمي عنيفة، خاصة وأن مظهر الفتيات يشي بأصول بولاقية دكرورية، اهتزت الكاميرا في يد المصور، ارتبك فجأة، ارتبكت الكاميرا كذبابة تشعر بقدوم الصياد وفي يده عبوة كاملة من "البيروسول" بالعرض المجاني "30 % زيادة".

توقعت كل السيناريوهات السيئة، وحتى على أفضل الأحوال، توقعت أن تكف هي عن الرقص، ونكف نحن عن التصوير، وندخل إلى "دريم بارك" آمنين مطمئنين، يظلنا صوت سعد الصغير " أنا خلاص هتجوز وهبطل أبص ع البنات"..

لكنها، كأي فتاة عشرينية محجبة اختارت الرقص صباح يوم اليتيم، كان لديها سيناريو آخر، امتدت يدها بخفة، أزاحت فتاة صديقة كانت تقف بينها وبين الكاميرا، وأرسلت إلي نظرة ذات مغزى، وانطلقت ترقص هذه المرة، بخفة أكثر، ورغبة في الإعلان عن موهبة كبيرة تحتل هذا الجسد "المتحجب".

رقصت، نزلت بجسدها كلها بانثناءة خفيفة للركب، ثم صعدت بسرعة، أصرت على إعطاء الكاميرا حقها في الزووم قليلاً تجاه مؤخرتها، معلنة أنها منطقتها المميزة في الرقص، غيرت من تعبير وجهها، أعطتنا ابتسامة بديلة، تلاءم الموقف كله.

كان وجهي يشي بانفعالاتي، أصبح الخجل يسيطر علي بالكامل، لماذا أخجل إن كنت لا أرقص ولا أرتدي الحجاب، الله وحده يعلم، لكني متأكد، أنها تعرف أن هذا البدين هو المخرج، وأنه صاحب الخطة الكاملة في التصوير، وأنه يبدو الآن كذبابة تقف في الهواء، يفتش في التفاصيل، باستمتاع كامل.

اكتمل المشهد لدقيقة أخرى، حتى بدأ صوت سعد الصغير في الإنسحاب التدريجي، معطياً فرصة لزميله في المهنة "عمرو دياب" للدخول بأغنية أخرى من اختيار رجل الـ"DJ".

الآن، أحتفظ بالجزء الذي صورته بالكامل في مكتبتي، شاهدته عشرات المرات، دون أن أملك شجاعة استخدامه، ربما أفعل ذلك في فيلم عن الحجاب مثلاً، أو عن دريم بارك، أو عن يوم اليتيم أو حتى عن سعد الصغير.
لكن الفتاة تطاردني، في خيالي فقط، تسألني، إن كان من حقي أن أصورها دون أن تدري، أخبرها بأنها استمرت في الرقص رغم علمها، وهو ما يعني موافقتها، تقول أن الموافقة جاءت دون استئذان أضيف أن هذا عملي كمخرج تقول أن ليس منحقي اختراق الخصوصية، أصرخ أن الرقص في الشارع ليس خصوصية، تقول لكني محجبة، أضحك وأضيف أن هذا يزيد الطين بلة.. نستمر في العراك.. ولا نصل إلى بر.

لكن نظرتها الأخيرة لي، أترجمها أنا بمعنى واحد، كأن هناك ذبابة تراقبني، تصورني، مثلما كنت أفعل، وأنني سأصبح قريباً مادة للعرض والتعليق، وأن أحدهم سيختار لقصتي ولقطتي عنواناً كهذا الذي أعلنت أني اخترته لفتاة الدريم بارك..

أفكر الآن، في اللحظات التي سرقتها من الناس، الرجل العجوز في صالة انتظار مستشفى الكلى بالمنصورة، رجل مهيب في الخمسين من عمره، يدخل أصبعه بالكامل داخل أنفه، ويخرج بالقاذورات..

أفكر الآن، في الذباب. والحوائط.. والعنوان الصالح لقصتي.. وكلها أمور مرعبة.. بالنسبة لبدين مثلي.

الاثنين، يونيو 16، 2008

مليكة!

السبت، يونيو 07، 2008

قتب!


هل سيصبح عندي "قتب"؟؟..

هل سينمو داخل ظهري ظهر آخر، يشكل قوس مشدوداً بالعكس، بطنه إلى قفاي.. ووجهه إلى الواقف خلفي.. هل ستفقد ملامحي لون الطفولة، وأتحول، بحكم العمر.. إلى رجل ناضج، مظهره يوحي بأكثر من سنه بعشر سنوات.. يهده التعب، ويعلن عدم القدرة على حمل المزيد من الكراتين..

إن أصبحت يوماً بـ"قتب"، فستكون الكراتين هي السبب بالتأكيد، سنوات عملي الأولى مع أبي، في مجال بيع الكتاب، حمل الكراتين من المخزن إلى بطن السيارة نصف النقل، والعودة بها، بعد المعرض، إلى المخزن مرة أخرى.

زمان، زمان جداً، بعيد هذا الوقت لدرجة أني غير متأكد من أنني ذات البني آدم الذي حدثت له هذه الأحداث، أيام كان عمري عشر سنوات ربما، كنت، وأخي، نحمل صباح كل جمعة، عشرة كراتين، من مدخل بيتنا، إلى ظهر سيارة أبي نصف النقل، كانت لدي أبي سيارة من هذا النوع، قديمة، ضيقة، وكان مكان الكاسيت فيها فارغاً، ومظلماً، وكنت أتصور أنه مكان ملاءم لسكن العفاريت، وأن هناك شبح يسكن في هذا الفراغ المستطيل، سيخرج في أي لحظة، ويقتل الجالسين في صالون السيارة.

لهذا السبب ربما كنت أفضل الجلوس في الصندوق الخلفي للسيارة، أجلس مرة، وأقف مرات، ممسكاً بسقف الكابينة، خلف أبي مباشرة، لأستقبل الهواء البارد – أو الساخن – بوجهي، بابتسامة ملائمة.

صباح كل جمعة، كنا ننزل، أنا، أخي، وأبي، إلى الشارع مبكراً، قبل الصلاة بساعة على الأقل، نحمل الكراتين، ونذهب بالسيارة إلى مسجد بعيد جداً عن منزلنا، يطل على ترعة المنصورية، كنت – ولا أعرف لهذا سبب – أتخيل أن هذا هو المسجد الذي يخطب فيه الشيخ الشعرواي، وبالطبع لم يكن الزحام يسمح لي بالدخول، لأعرف من هو الخطيب، كما أن عمري – وقتها – لم يكن ليسمح لي بمقارنة ما يقوله الخطيب – الذي لم يكن الشعراوي بأي حال – بما يقوله الشعرواي نفسه في خطبه المتلفزة.

نصل إلى المسجد، ونتولى جميعاً، أنا وأبي وأخي الأصغر، تنزيل الكراتين من صندوق السيارة إلى رصيف مجاور للمنزل، وسرعان ما تعمل أيدينا بقدر من الاحتراف، لتفريغ الكراتين من الكتب، وفرشها، بنظام معروف ومألوف، على الرصيف، في انتظار المصلين.

كنا أحياناً، نجلب معنا بعض الترابيزات الصغيرة، لفرش الكتب عليها، وكانت مسألة الترابيزات تخضع لمزاج أبي، فهو إن كان متحمساً اليوم، يصر على رفع الترابيزات من مدخل البيت إلى صندوق السيارة، وإن لم يكن كذلك، يكتفي بالكراتين، بدون ترابيزات، وقد أثبتت التجربة، أن وجود الترابيزة، لم يكن مؤثراً بأي حال على مبيعات الكتب.

كانت الكتب جميلة، أحجامها ثابتة، قطع صغير يشبه قطع روايات الجيب، معظمها لمؤلف واحد وبغلاف مميز، مؤلفها اسمه أحمد ديدات، عرفت بعدها أنها كان مسيحياً وأسلم بعد فترة طويلة. كانت تباع بسرعة، وإن كان سعرها لا يحتوي على مكسب كبير.

كتب أخرى أكبر، للشيخ الغزالي مرة، ولشيوخ آخرين، كان لدينا كتاب من القطع المتوسط عن الموت، وآخر عن المخدرات، وثالث عن النار، وكلها كانت تباع بسرعة مدهشة، كما أن أبي كان يملك أعداداً كبيرة من كتاب لمؤلف اسمه "عبد الصبور شاهين" يتحدث فيه عن رواية اسمها "أولاد حارتنا"، من تأليف رجل اسمه "نجيب محفوظ" يقال وقتها أنه قد حصل على جائزة اسمها نوبل، وهي جائزة غالية، يعطيها اليهود لهؤلاء الذين يسبون الدين، كما يقول شاهين في ظهر غلاف كتابه.

كنت أستمتع بالجلوس طوال وقت الصلاة بجوار الكتب، وما أن يخرج الناس من الجامع، حتى يلتف الناس حول رصة الكتب، وحول باعة آخرين يبيعون الفاكهة أو العصائر أو الجرائد.. كنت أعرف بعض الأسعار، واسأل أبي عما يغيب عني من أسعار.

كنت أحب أبي جداً، أتعلق به لأقصى حد، كنت أتعلق بجلبابه الأبيض الطويل، لم يكن أبي يحب الجلاليب البيضاء القصيرة التي يرتديها المصلين في ذلك المسجد، أكره الجلاليب القصيرة، أشعر أنها "مش حلوة"، بمقاييس الأطفال، كانت اللحية، والسواك، والجلباب القصير، كلها أشياء مش حلوة، جادة ورصينة وتدخل على القلب الخوف والرهبة.

ربع ساعة ويختفي الناس من حول الفرشة، ونتولى، أنا وأبي وأخي الأصغر، حمل ما تبقى من كتب، ورصها في الكراتين، وحملها داخل صندوق السيارة، والعودة إلى المنزل، وإنزالها مرة أخيرة إلى مدخل المنزل.

بقدر ما كنت أحب أبي، بقدر ما كنت أحب حمل الكراتين، لم تكن تلك العملية تسبب لي أي قدر من الإزعاج على الإطلاق.. كنت سعيداً بها، فخوراً بأني أفعلها صباح كل جمعة..

كنت أشعر بأني رجل صغير، أحمل هم هذه الأسرة، وأننا – أبي وأخي وأنا – شركاء في شركة صغيرة، ستكبر يوماً ما، وسنجلس نذكر هذه الأيام، التي كان رأس مالنا الوحيد فيها أكتافنا الضعيفة، القادرة على حمل الكراتين من وإلى السيارة.

كنت معتاداً، حين أقف بجوار الكتب، أن أرقب أبي من بعيد، يقف مع بعض الرجال، يتحدث عن أشياء عدة، كان أبي يبدو لي وكأنه شخص أسطوري، يعرف شيء عن كل شيء، كان يتحدث في السياسة، والأدب، والدين، وأحياناً كان يلقى – مع هؤلاء الذين انتهوا من صلاتهم منذ دقائق – بعض النكات والقفشات.

انتهت هذه الأيام فجأة، لا أعلم على وجه التحديد سبب امتناعنا عن الذهاب إلى المسجد البعيد بالسيارة والكراتين، بالتأكيد حدث شيء ما لا تستطيع ذاكرتي إلتقاطه، لكن السنوات التالية شهدت بعض الرخاء، أسس أبي شركته الخاصة، وأصبح لديه عشرات العمال القادرين على حمل الكراتين، وقد كان يحرص – ولا يزال – بين فترة وأخرى، على حمل كرتونة من هنا لهناك، أو على ربط كرتونة بنفسه، والتأكد من إغلاقها بإحكام، كما أنني شاهدته مرات كثيرة، يعطي نصائح ذهبية لبعض الموظفين الجدد، عن كيفية ربط الكرتونة، أو رص الكتب بطريقة سليمة تمنعها من السقوط ولو بعد مائة عام.. هكذا قال.

اختفت السيارة نصف النقل ذات الصندوق في ظروف غامضة أيضاً، باعها أبي ليشتري بعدها سيارة مستعملة من نوع "داتسون 1800".. وكانت بصندوق خلفي من نوع الـ"ستيشن"، وهو صندوق يسمح له برص مجموعة من الكراتين ونقلها لعملاء شركته الجديدة.

بمرور الوقت اختفت الداتسون، وحلت البيجو – الـ"ستيشن" أيضاً – محلها، وهو تغير قد يلفت النظر إلى أن الأسرة المتوسطة الحال قد شهدت بعض التحسن المادي.. وهو ما سيؤكده حلول الـ"شاهين" بعد ذلك بسنوات، ثم سيارة جديدة من موديل حديث يشتريها أبي هذه الأيام.

لا يزال أبي شغوفاً بإمتلاك سيارة بصندوق واسع، وعندما اصطحبني – الأسبوع الماضي – لصالة بيع السيارات التي سيشتري منها سيارته الجديدة، تقدم بسرعة من السيارة، وفتح الصندوق، وأشار لي بابتسامة ذات مغزي، "شايف كبير إزاي".. لا يعرف أبي أنه بنظرته أعاد لي ذكريات قديمة، بطعم الكراتين وصلاة الجمعة.

لم يكن أبي مقتنعاً بمسألة ركوب سيارة موديل 2008، يقول أنه غير مهتم بالمظاهر، وأنه يحتاج سيارة تحتمل الكراتين التي يأخذها معه إلى العملاء أو المطابع، كان ينوي أن يشتري سيارة نصف نقل بصنودق خلفي وبـ"2 كابينة" بحيث تسمح بحمل الكراتين، وباصطحاب أخوتي الصغار في المشاوير العائلية.. لكن شيئاً ما أقنع أبي بأنه يستحق بعض الرفاهية أخيراً بعد رحلة شاقة في الحياة، توقف فيها أحياناً أمام مسجد على ترعة المنصورية لبيع الكتب مع ولديه الصغار.

أما أنا، فقد عملت مع أبي لفترة طويلة، انتهت مع نهاية عامي الدراسي الأول في الجامعة، بعدها قررت الرحيل وشق طريقي وبدء رحلتي الخاصة، دون أن أنسى أنني قد حصلت على بعض الخبرة من قبل، خاصة فيما يتعلق بحمل الكراتين وبيع الكتب، كما أني وجدت نفسي أخيراً، قادراً على الوقوف مع الرجال بعد صلاة الجمعة، للحديث في أمور عدة، السياسة والدين، وربما إلقاء النكات والقفشات.. لعل مظهري يبدو، لهذا الطفل الصغير، الذي رأيته يبيع الكتب بجوار المسجد، كرجل أسطوري، قادر على الحديث في أي شيء، وإن كان يرتدي بنطلون وقميص، رافضاً بأي حال، الخروج بالجلباب من باب البيت.

لا يعلم هذا الطفل، أن بيننا ذكريات مشتركة، فقد بدأت من حيث يقف، كما أن مسألة هامة تشغلني هذه الأيام تتعلق بالـ"قتب" الذي بدأ يظهر لي، وقناعتي التامة بأن الكراتين – التي يحمل الطفل مثلها كل جمعة - هي السبب..