الأربعاء، مايو 11، 2011

عن سمعان الكلام

تظن ماما أن علينا أن نسمع الكلام، وهي محقة.

يعني، عدد الذين سمعوا الكلام ولم يصابوا بضرر، أكبر من عدد الذين لم يسمعوا الكلام فواجهتهم بعض المطبات السخيفة.
وبحسبة منطقية، فإن كلام "ماما" يبدو معقولاً، بشكل عام أنا أصدق أمي في ظنونها.. أو أجبر نفسي على التصديق.

ذات مرة، ذهب "عبادة" لشراء "الفينو" من سوبر ماركت وحيد في قريتنا كان اسمه "ماني"، وأنا لا أعرف سر التسمية، كان "ماني" بجوار محل بقالة اسمه "أم مريم"، وهي سيدة مسيحية فاضلة كانت تبيع اللانشون والبيض والجبن، والأشياء التي كانت أمي ترسلنا لشراءها في المساء.

يحكون عن "أم مريم" أنها واجهت بعض السخافات بسبب ديانتها، تقول النكتة أن أحدهم ذهب إلى المحل يسألها : "عندك عيش؟"، فردت بتلقاءية أعرفها جيداً : "في كايزر"، فرد السائل بحدة : "حتى العيش نصرتوه"، وكان أهل قريتنا يتعاملون مع كل ما هو منطوق بغير العربية باعتباره منتج نصراني يستحق المواجهة.

وقد قضيت طفولتي أحلم بمقابلة "مريم"، كان اسمها يوحي بأنها مختلفة، يكفي أنها الفتاة المسيحية الوحيدة التي علمت بوجودها خلال طفولتي، وأقول علمت بوجودها لأني لم أراها ولو مرة واحدة، كانت "أم مريم" رغم كل شيء، سيدة قروية ترفض أن يلعب الصبية مع بنتها، وكنت أنا أيضاً – وبرغم كل شيء – أمتنع عن اللعب في الشوارع مع أولاد وبنات القرية.

ذهب "عبادة" لشراء "الفينو" من عند "ماني"، وقد تأخر قليلاً.. إذا قابلت "عبادة" ذات يوم فستعرف عنه عادة التأخر قليلاً أو كثيراً بحسب ما يحدد هو المدة التي يرغب في تركك تنتظره بها. هذه عادة أخي التي لم يرثها مني، أفضل من ناحيتي الإلتزام بالمواعيد وترك القلق يقتلني بهدوء.

ثم لما تأخر "عبادة"، قالت أمي أنها تظن أن ابنها الأوسط ليس بخير، وأن عليها أن تدفع ببكرها إلى الشارع المظلم، للبحث عن الفتى الذي تأخر، وكان ترتيبي الأول، وكان لقبي "البكري"، وكانت أمي تفضل أن تناديني وهي غاضبة بلقب موزون على اسمي، ولأن مجلس العائلة اتفق على تسمتي "براء"، اختارت أمي أن تحول بيني وبين المصائب التي أكون على وشك ارتكابها بصرخة تحمل اسم "خراء".

هذا لا ينفي أن "عبادة" كان "هبابة"، والحقيقة أن عادة تحويل الأسماء الأصلية إلى شتائم على ذات وزنها لم تكن "ماما" تمارسها وحدها، زملاء الفصل كانت لديهم شتائم معروفة تلاءم أسمائهم.

نزلت، وقلبي تملأه الثقة من أن "عبادة" ليس بخير فعلاً، "ماما" قالت ذلك، وليس لـ"ماما" أية مصلحة في قول ما هو ليس حقيقياً.
في محل مجاور لـ"ماني"، رأيت "عبادة" يشاهد من هم أكبر سناً منه ومني يلعبون "البيلياردو"، كانت هذه هي المرة الأولى التي نشاهد فيها اللعبة، سرقنا الوقت في الفرجة، وظنت "ماما" أني أيضاً لست بخير، لكن أخانا الذي هو أصغر لم يكن في سن تسمح له بالنزول للبحث عن أخويه، ولأني فهمت بمرور الوقت فلسفة أخي الخاصة – واسمه حمزة – فإني أعتقد أنه لو كان في مقدوره أن يعبر عن وجهة نظره لـ"ماما" التي تشعر بالقلق لقال لها "في داهية"، ودخل يشاهد حلقة "هرقليز" الجديدة على القناة الثانية.

على كل حال، لم يستمر الوضع كثيراً، مشينا أنا و"عبادة" في طريق العودة للمنزل نحاول تفسير ما رأيناه في صالة البيلياردو، وكانت وجهة نظرنا أن قريتنا تنهار على يد تحالف رأس المال الذي يجمع "ماني" الذي سمح للشباب باللعب، و"أم مريم" التي تبيع الـ"كايزر"، وأمي التي لا تفعل ما هو أكثر من القلق، والاعتقاد بأن علينا أن نسمع الكلام..