الأحد، نوفمبر 30، 2008

بقاء..


في الحلم رأيت نفسي أجري مكالمة هاتفية قصيرة مع رجل عجوز، تربطني به صلة قرابة، وكنا قد اتفقنا – في وقت سابق من الحلم نفسه – على أن نموت سوياً، فهناك مرض بدأ ينتشر، ويقتل كل الناس، والإيمان بالله جعلنا نقتل أنفسنا قبل أن يقتلنا المرض باعتبار أننا أموات في كل الحالات.

في لحظة فارقة – في الحلم – قررت أنني لن أستسلم للموت، وأني أفضل البقاء ورؤية العالم بعدد أقل من البشر، والموت بشكل طبيعي والذهاب للذين ماتوا مبكراً وإخبارهم بما حدث بعد أن رحلوا.

اتصلت بالرجل العجوز الذي تربطني به صلة قرابة. قلت له أنني أعتذر عن موعد الموت المشترك لنا في الغد، امتعض، قال "إزاي يعني.. إحنا مش متفقين نموت سوا.. هو كلام عيال ولا إيه؟".. قلت له "معلش يا خالي.. موت إنت لوحدك.. وأنا هبقى أخلص شوية حاجات في إيدي وأحصلك على طول".. كنت صادقاً.. لم أكن أسخر منه بأي حال. هو أيضاً سألني باهتمام.. "حاجات إيه؟"..

فكرت، وقررت الإجابة على السؤال بصدق.. قلت له "يا خالي أنا عندي بنت لسه مكملتش سنة.. وكمان عندي شوية حاجات عايز أكتبها.. ومحتاج شوية وقت عشان أركز وأقعد اخلصها.. نفسي يا خالي أشوف بنتي وهي عندها سنة ونص وبتقولي يا بابا وبتمشي لوحدها.. ونفسي أكتب الكلام اللي أنا عارف إنه أهم من أي شيء كتبته قبل كدة"..

بكيت وأنا أكلمه، هو أيضاً لم يجادلني، أغلق الهاتف في هدوء، وساد صمت طويل.. في الحلم.

رأيت نفسي بعدها أشارك في طقس رحيل الرجل العجوز.. نائم هو على الأرض وسط دائرة كبيرة من الأقرباء والمعارف. ويتولي قريب آخر عملية الإعدام، يضرب حقنة صغيرة في وريده، بها سائل يبدو أنه الطريق السريع إلى الموت الهادئ. تقلب الرجل يميناً ويساراً، بدا أنه كان يتألم، أو أنه يرسل إلى الحضور رسالة بأن الموت يصاحبه ألم ما.. وهو ما جعل المسؤلين عن تنظيم عملية الإعدام ممتعضين من تصرفات العجوز، فقد كانوا يروجون للأمر باعتباره سهلاً بسيطاً، يخلص الفرد من الألم، وينقله إلى الراحة.. حتى أني كنت أسمع صوت أصالة بأغنية "أكتر من اللي أنا بحلم بيه" في خلفية المشهد.. هنا لاحظت أن الأمور تتجه نحو العبث، وأدركت أنني أحلم، وأني أملك القدرة على الإستيقاظ والخروج من كل هذا..

......

تحت الماء الساخن أثناء الاستحمام اليومي الصباحي فكرت.. أكانت هذه أسباب كافية للبقاء على قيد الحياة.. رؤية الطفلة تكبر وكتابة بعض الأشياء؟..

الأحد، نوفمبر 23، 2008

وضع مختلف جداً

هل يمكن اعتبار ما جرى نهار الجمعة ومساؤها مجرد غلطة؟..

لا أعتقد، وإن كنت بدأت أفهم أن "الوضع" الحالي "غلط"، أو على أسوأ الأحوال "وضع مختلف جدا" كما اختار صديقي محمد الدسوقي رشدي أن يسمي نفسه على الماسينجر وهو العريس الجديد، بما في ذلك من إساءة لسمعة الزواج والأوضاع في آن واحد.

إذن، ما جرى نهار الجمعة ومساؤها أمر طبيعي تماماً، وقابل للحدوث والتكرار طالما نعيش في مصر، وطالما الوضع غلط أو مختلف أو حتى مكروه وإن لم يكن حرام تماماً.

...

مخرج أفلام وثائقية مستقل، يصور فيلمه الجديد في ريف قرى جنوب الجيزة، عن الطقوس الشعبية للحج، ومظاهر الفرحة الشعبية الجميلة بالحجاج في قرى مصر، وبعد تصويره ليوم كامل، وفي منتصف اليوم الثاني تداهم قوة من الشرطة المنزل الذي يصور داخله بقرية برنشت بالعياط، وتحتجزه مع فريق التصوير، وتتحفظ على معدات التصوير ويحضر إلى القرية عدد من القيادات الأمنية المهمة، مأمور مركز العياط ورئيس مكتب أمن دولة الحوامدية، ورئيس المباحث وعدد من الضباط والعساكر وأمناء الشرطة بما ينذر بقرب تحقق مقولة أبونا اللمبي الذي قال "فاضلهم إتنين عساكر ويعلنوا الحرب".

لكن الحرب كانت قائمة بالفعل، بين من ظن نفسه مخرج يتحرك باسم الفن والإعلام والبحث والتوثيق وما إلى ذلك من كلام فارغ لا يودي ولا يجيب.

وبين عدداً من القيادات الأمنية التي تطبق قانوناً خاصاً، قانون تقول نصوصه أن على كل مخرج إستخراج تصريح بالتصوير داخل أي منزل، ومع أن قانون جمهورية مصر العربية يجبر المخرجين على استخراج تصريح للتصوير في الشوارع، والشوارع فقط، إلا أن دولة العياط الشقيقة بدت أكثر حزماً مع القلة المندسة من الإعلاميين، وقررت أن التصريح مطلوب في كل الأوقات والأحوال والظروف، حتى وإن قررت التصوير في حمام بيتكم كما ذكر أحد المسؤليين في نهار الجمعة.

3 ساعات يقضيها المخرج وفريق التصوير في قسم شرطة برنشت، منها إلى مركز العياط، ومنها إلى مقر النيابة العامة التي يتم احتجاز الفريق في الحجز بصحبة تاجر مخدرات ناشئ دعت عليه أمه بحيث يرتبط مصيره بمصير عتاولة الإجرام من مخرجي ومصوري الأفلام الوثائقية الممنوعة.

في النيابة يستمر الإنتظار 3 ساعات أخرى أو أكثر، ثم يبدأ التحقيق، وفيه تطرح أسئلة ذكية ومهمة، مثل "متى انضممت للجماعات الإسلامية؟"، و"هل لك علاقة بأعضاء حاليين أو سابقين في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة؟". ثم يصارح وكيل النيابة المخرج الشاب بأن عليه فعل أي شيء لإثبات أن الشرائط التي تمت مصادرتها فارغة، حيث أن أمن الدولة تعرض تبديل الشرائط فوراص بحيث تصبح هناك قضية ساخنة تضفي على مساء الجمعة أهمية ملاءمة.

ينتهي التحقيق في الحادية عشر مساءاً، تماماً بعد 11 ساعة من الإحتجاز والترحيل، ويقرر وكيل النيابة إخلاء سبيل المتهمين من سراي النيابة، لماذا سراي النيابة، لأنه يخشى إن قرر إطلاق سراحنا من المركز أن يحتجزنا أمن الدولة لأجل غير مسمى.

ينزل وكيل النيابة بنفسه، يتأكد من ركوبنا السيارة، ونبدأ في التحرك، هنا يصل أحد ضباط المركز ويطلب من الجميع ملازمة أماكنهم إلا المخرج، ويصطحبه إلى المركز قائلاً أن ضباط المركز وعلى رأسهم "البيه المأمور" و"الباشا رئيس المباحث" يرغبون في التعرف عليه.

داخل المركز يفتح التحقيق من جديد، أمام ضابط أمن دولة جديد، يسأل الأسئلة من البداية، "من أنت؟"، "هل تؤدي الصلوات بانتظام؟"، "زوجتك منقبة؟"، "علاقتك بالإخوان؟"، وما إلى ذلك من أسئلة كوميدية جميلة، تصلح كنهاية ليوم جمعة قضاه المخرج في الأرياف.

يصارحه المخرج بأن أعضاؤه التناسلية بدأت في الغضب، وأوشكت على الإنتحار، فالأسئلة المطروحة تلاءم طالب ثانوي شارك في مظاهرة غاضبة لأجل محمد الدرة، ولا علاقة لها بمخرج أفلام وثائقية مستقل.

ثم يعلن المخرج أن الوقت قد حان لبدء الاتصال بجمعيات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والمدونين والمدونات والصحفيين وكل من يملك القدرة على الصراخ في وجه الغباء المزمن في دولة العياط الشقيقة.

مع دقات الثانية صباحاً، يقرر الضابط أن هناك شيء غير سليم، وأن "الوضع غلط"، ويطلق سراح المخرج، بعد أن يلاحظ أن المصور المرافق له مسيحي الديانة، مصري الجنسية.

المخرج الذي هو أنا يطرح السؤال في البداية..

هل يمكن اعتبار ما جرى نهار الجمعة ومساؤها مجرد غلطة؟..

الخميس، نوفمبر 06، 2008

على سبيل التعارف.

لما كانت الآنسة Bent Elleel "بنت الليل" من مواليد 1 يناير 1981، أي أنها تبلغ من العمر حالياً 29 سنة، بما يعني – بمعدلات الحساب المصرية والعربية – أنها مجرد "عانس جميلة"، فقد اختارت أن تنشئ لنفسها صفحة على الفيس بوك باسم "بنت الليل" بما في ذلك من دلالات يفهمها الجميع.

الجملة الأساسية التي تواجهك عند دخول الصفحة هي " قف يا قلب هاهنا لا تترك مكانك فلا أحد يستحق أن تهجرنى من اجله".. وهي جملة اعتبرها بعض الزوار تحمل إهانة شخصية، وقرر في المقابل عرض نفسه على هذا القلب الذي أمرته صاحبته بالوقوف، مع أن الوقوف فعل لا يفعله القلب عادة، بل غيره من أعضاء الجسد.

تطرح بنت الليل في صفحتها أسئلة هامة، ويقابلها جمهورها الذي يزيد عدده عن الـ 540 صديق، بأسئلة أخرى. قالت في سؤالها الأخير "في بنت أجمل مني؟"، فأخبرها Medo El Basha بأن " ممكن نتعرف اسمى ميدو من مصر ودا رقم موبايلى 0104146870لو انتى بتحبى المتعه والجنس انا ممكن امتعك اوى اوى ممكن ترنى عليا وانا اطلبك ونتفق"..


أما الأستاذ Sherif Samir فطرح سؤالاً مغايراً.. " ممكن نمارس الجنس ع الموبايل على سبيل التعارف".. ولا يزال الجمهور في انتظار الرد.

الأسبوع الماضي تلقيت طلب بإضافة "بنت الليل"، وقد وافقت.

صورة بعد الثلاثين


إذن، يمكن أن تعبر هذه الصورة عما أتخيله لنفسي بعد الثلاثين.

مفرط في البدانة، أسير بمساعدة عكاز رفيع، يكاد يفقد القدرة على صلب طوله نتيجة الضغط عليه..

أعيش في مدينة أوربية باردة، وحيداً، متعتي الأساسية تتلخص في شراء الوجبات السريعة وقضاء نصف النهار بين طرقات الهايبر ماركت.

أشعر بالبرد، أفقد القدرة على الإهتمام بملابسي، وألجأ لترزي متخصص في ملابس البدناء.. أفقد الاهتمام بالآخرين، الذين سيفقدون هم – بمرور الوقت – اهتمامهم بي.

لا أملك تليفون، ولا لاب توب، تنعدم علاقتي بالأشياء التي شكلت – لفترة طويلة – علاقاتي الأساسية بالعالم.

أبحث عن أصدقاء جدد، في الكنائس المهجورة، ومساجد الجالية الإسلامية، والمراكز الثقافية، والمسارح، والسينمات المتخصصة في عرض الأفلام الكلاسكية.

أبحث عن أشخاص مثلي، قضوا العقود الأولى من حياتهم يفعلون أشياء مميزة – أو هكذا قيل لهم – حتى إذا ما انتهى التميز، جلسوا قليلاً، ونظروا إلى ما فعلوا، فأدركوا أنه لم يكن ما تمنوه تماماً، فقرروا الرحيل.

نقرر الجلوس لسماع الموسيقى، سأصبح وقتها قادراً على امتلاك حس موسيقى خاص، سأصبح متذوقاً للفنون، للجمال، سأضيع ساعة كاملة من نهار السبت أمام لوحة فنان تشكيلي لا يزال يضع فيها اللمسات الأخيرة فيما يجلس وحيداً على الرصيف بانتظار حسنة.. لن أعطيه شيئاً، فقد أصبحت قادراً على فهم أن الفن لا يصنع لأجل مقابل من الآخرين، وأن المجتمع يساعد الفنان حين يحتقر أعماله بقوة، فيصنع هذا الفنان أعمالاً خالدة، يعرفها الناس فور رحيله.

سأتحدث مع أصدقائي بعدة لغات، سأتحدث عن القضايا الكبرى، سأقول وجهة نظر عميقة في نتائج انتخابات الدول الأخرى، وسأتحدث عن الأحوال في مصر وأقول أنه ربما لا يزال الوقت مبكراً للتغيير.

سأعرف أصدقاء آخريين عن طريق البريد، أرسل لهم أخباري، ويرسلون لي بطاقات بريدية ملونة، سنتحدث عن الحب، والجنس، والسياسة والدين، والأيام القديمة التي عشناها ولم نستمتع بها.

سأستمتع بكوني غير مزعج لأي أحد، مجرد بدين عربي في مدينة أوربية صغيرة.. لا يشرب الخمر، لا يقود السيارة بسرعة – فهو لا يملك واحدة، لا يملك وجهة نظر تجاه حكومة البلد التي يعيش فيها، ولا حكومة البلد التي أتى منها يوماً.

........

سأتصل بزوجتي السابقة من كابينة الهاتف بجوار المنزل، سأسمع صوت أبنائي مرة كل أسبوع، في ميعاد ثابت، ولمدة محددة، سأعرف أنهم لا زالوا قادرين عن العيش بدوني لعام آخر، أشكرهم على ذلك، ونتبادل جميعاً الأمنيات الطيبة.

ستخبرني زوجتي – السابقة التي اختارت ألا تتزوج بعدي – أن الأولاد يرغبون في زيارتي الصيف القادم، أقول أنها فكرة غير جيدة، فالأجواء متقلبة، كما أن المدينة هنا خالية من أي أشياء قادرة على صنع البهجة لأطفال لم يتجاوز أكبرهم العاشرة.

سأجعل عنواني معروفاً لعدد قليل من أصدقاء العشرينات، سيزورني بعضهم حين يمرون على المدينة الأوربية التي أسكنها، ستظهر شفقتهم حيال الوضع الذي اخترته لنفسي، سأضحك، وأدخن السجائر معهم، ثم أودعهم عند الباب بأمنيات طيبة، سيسألون عما إذا كنت أحتاج لأي شيء، سأجيب بأني سمعت عن بضعة كتب جديدة في القاهرة، وأحتاج إلى نسخ منها، سيخرج أحدهم ورقة، يكتب أسماء الكتب، ويعدني بارسالها.. وسأندهش بشدة بعد ذلك لأن الكتب ستصلني فعلاً.

سأخبر الجميع أنني قررت كتابة رواية، سيساعدني أحدهم ويجعل مدير أحد المكتبات يحدثني بخصوص نشرها، أقول له أنني لا زلت أحتاج إلى الكثير من الوقت حتى أنتهي من الكتابة، يقول أنه سيعاود الإتصال بي بعد شهر، لكنه لا يفعل.

....

إذن، يمكن أن تعبر هذه الصورة عن حالي بعد سبع سنوات، إذن.. يمكن أن أصبح سعيداً الآن، فلا زلت أملك بعض الوقت، كما أن النهاية غير مزعجة على الإطلاق.

الأحد، نوفمبر 02، 2008

أن أكون باولو كويلو..


على الماسينجر تبدأ الحكاية وتنتهي، لعل هذا يجعلك تطمئن، لا تجاوزات أخلاقية حقيقية، لا أدري من المغفل الذي اعتبر تجاوزتنا الأخلاقية الإفتراضية على الإنترنت غير حقيقية ومأمونة العواقب ولا داعي للقلق منها.. على كل.. أسمع..

الأيقونات المضيئة باللون الأخضر في ماسينجري ازدادت أيقونة جديدة، فتاة في مثل سني وسنك، هي أكبر مني أو أصغر، وأكبر منك أو أصغر، هي تماثلنا، تستخدم الإنترنت، ولا زالت ترى في الماسينجر أداة تستحق الاهتمام والاستخدام.

تسألني : "اسمك باولو كويلهو.. صحيح؟".. أضحك في سري، وأرسل ابتسامة رقيقة :) .. أسألها أنا عن الطريقة التي حصلت بها على عنواني الإليكتروني.. أعتقد أن باولو سيسأل السؤال ذاته إذا أضافته فتاة في مثل سنه على الماسينجر.

قالت أنها حصلت على البريد من مدونتي، بعد أن قرأت روايتي المشهورة الأخيرة، سألتها، أي واحدة، أجابت "11 دقيقة طبعاااااا"، أعترف أنني شخرت في سري، سيسامحني الله بالتأكيد، هناك عذاب أخف بالطبع للمشخر المضطر، وقد كنت مسلوب الإرادة تماماً أمام جملة الفتاة الأخيرة، فجأة أصبحت أنا مؤلف "11 دقيقة" رواية باولو كويلهو الروائي العالمي المعروف، لنرى ما ستفصح عنه نافذة الماسينجر.

السكوت على الماسينجر علامة لأمر من اثنين، الموافقة، أو التجاهل، وقد سكت أنا، وفهمت هي أنني مؤلف الرواية، وهو ما جعل الحديث ينتقل من التمهيد، إلى الفصل الأول والوحيد في الحكاية الإلكترونية المثيرة، مثيرة لأنها مثيرة، ليست مشوقة أو متعددة الأحداث، أحداثها قليلة، وكلها تتعلق بالـ"11 دقيقة" التي لم أكتبها.

قرأت الرواية المذكورة بعد أن اشتريتها نتيجة منع بيعها في معرض لبيع كتب باولو كويلهو في جامعة القاهرة التي زارها الروائي منذ سنوات، فهمت أن الرواية مهمة، أو أنها تستحق القراءة، وقد قرأتها مرة واحدة، وكتبت عنها تدوينة في مدونتي، التي زينت يمينها بعنواني الإليكتروني.

بشكل ما يمكن أن يجعلني جوجل مؤلف الرواية، تماما كما يجعل كلمة "روايات جنسية" هي الكلمة الأكثر استخداماً لزوار مدونتي، فزوار الصفحة للمرة الأولى يأتون عادة عبر كتابة تلك الكلمة في مستطيل البحث في صفحة جوجل الرئيسية البيضاء.

إذن. من الممكن أن يستمر هذا الحوار للأبد، فتاة، تعتقد أنني باولو كويلهو، ومعجبة بروايتي الجنسية الشهيرة، وتريدني أن أرسل لها نسخة (لو تكرمت)، وتستأذني في أن تناقش معي بعض أفكار الرواية (إذا سمحت وكان عندك وقت).. وقد أجبت على كل الطلبات السابقة بالإيجاب، ولاحظت أنها تعطيني صندوقاً بريدياً في السعودية، وهو ما أعطى للحكاية سخونة ملاءمة.

كل ما سبق يجعلني متحمساً لاستكمال "الحوار"، قلت، كيف تكوني سعودية وتقرأي رواية فاضحة مثل روايتي الأخيرة، قالت "ومن أخبرك بأن السعوديات لا يقرأن الروايات الجنسية؟"، أخبرتها أن معلوماتي السطحية تجعلني أفهم أن السعوديات لا يمارسن الجنس أصلاً، أو هكذا يروج الإعلام لهن..

أخبرتها أنني مرة كنت في الرياض، من سنوات خمسة، وكنت أعمل وقتها بائعاً للكتب في المعارض، وخصصت إدارة المعرض يوم للنساء فقط، حيث كانت الأيام كلها للرجال دونهن، وفرحت بهذا الخبر، معنى هذا أن مبيعات كتب الأطفال التي أبيعها ستزيد، فالنساء أكثر اهتماماً بكتب الأطفال والتربية، كما أن "شهوة" الشراء عندهن أكبر، أو هكذا كان أبي يقول.. أخبرت أحد العاملين في دار نشر سعودية بهذا الكلام في اليوم السابق ليوم النساء، قال في حزم "أسمع.. في المرة القادمة استخدم كلمة أفضل من شهوة.. نساءنا بلا شهوة يا صديق"..

ضحكت، أرسلت أيقونة حديثة في الماسينجر لأمرأة ناضجة تضحك وتحرك قدميها في الهواء، أثارني رد الفعل، واستمر الحوار، بدا أنها على استعداد للحكي.. قالت أنها لازالت طالبة، وغير متزوجة بالطبع، لكن هذا لا يمنع أنها مارست الجنس مرات من قبل.

كان لابد هنا أن أخمن أن زميلي في صالة التحرير هو الذي يحدثني، الفتاة تدخل مداخل جنسية مألوفة، كأنها تراودني عن نفسي إليكترونياً، فكرت في طريقة للتأكد من هويتها، سحبت إيميلها، وضعته في مستطيل البحث على جوجل، لم أجد شيئاً، أكد هذا شكوكي، كررت البحث في مستطيل الفيس بوك، وجاءت النتيجة، سعودية هي، وجميلة، ولها اسم وأخوة وأب وأم وأبناء عمومة، وفي مثل سني وسنك..

استمر الحديث حتى حانت لحظة مناسبة، فألقيت إليها باسمها الحقيقي، نسيت أن أخبرك أن الحوار أمتد منذ البداية وهي تخبرني أن اسمها "هيفاء"، وهو ما جعلني أتورط أكثر، لم تسألني عن الطريقة التي حصلت بها على الإسم، ضحكت، وقالت أن روائي مشهور مثلي هو شخص مأمون العواقب، لن يلجأ لاي تصرفات صبيانية..

بالفعل لم ألجأ، بل استخدمت رجولتي الإليكترونية كلها، لاسألها بفضول شديد اعتذرت عنه مقدماً عن تفاصيل علاقتها الجنسية السابقة، حيث أني أدرس حالياً كتابة رواية جديدة وأفتقد لبعض الخيال.

أخبرتني بأن لها صديق ما، زارته في شقته مرات، ومارسا سوياً الجنس في حدود بقاؤها عذراء، سألت "هل هذا متاح عندكم؟".. حاولت الإجابة عن السؤال الذي بدا فلسفياً، لكنها اختارت في النهاية أن تخبرني ببعض التفاصيل بخصوص العلاقة بينها وبين صديقها.

لا حياء مع كتاب الروايات الجنسية، أخبرتي بالتفاصيل كما حدثت أو أكثر قليلاً، مستخدمة في ذلك الألفاظ المناسبة، وهي للمصادفة ذاتها الألفاظ التي يمكن أن تسمع مشتقاتها في حديث منفعل بين سائقي ميكروباصات بولاق الدكرور وناهيا والكوبري الخشب.

سألت هيفاء، وكنت لازلت أفضل تسميتها بهذا الاسم، عن مصدر معرفتها بهذه الألفاظ، قالت أن الوطن العربي وإن تعددت لهجاته تبقى أسماء وألفاظ العملية الجنسية واحدة، وهو أمر توحد فيه العرب منذ القرون الأولى.. أضفت هذه المعلومة عندي وقررت استخدامها يوماً في بحث حقيقي في المسألة.

فيما كانت هيفاء تحكي، استلمت منها بعض الروابط، لأفلام جنسية نصف إباحية، حاولت أن تشرح لي التفاصيل بأكبر قدر من الدقة، قالت أنها مهمة بالنسبة لكاتب روايات جنسية متخصص مثلي، وقد تلقيت الروابط باهتمام، حيث كنت مسافراً وقتها، وكان الحديث يتم عبر جهازي المحمول الذي يسمح بتصفح الانترنت دون قيود رقابية من شركاء الشبكة.

كل الروابط من "YOUTUBE"، عناوين خادعة، عن الانتخابات الأمريكية مرة، أو اسماء أغاني أجنبية، أو حتى كلمات غير مفهومة، أخبرتني أن أي عناوين جنسية مباشرة يتم حجبها في السعودية، تأكدت من قدرة البني آدم الفرض على تجاوز أي قمع من أي نوع، حتى إن كان من جهة هيئة المعروف.

عرضت هيفاء بشكل صريح الإنتقال مباشرة من الماسينجر إلى الهاتف، متجاوزين بذلك مرحلة الكاميرا المنزلية المهمة، وعارضت أنا فكرة الانتقال لما في ذلك من تكلفة لا أعتقد أنني مستعد لتحملها نظير متعة لا أرغب بها في الوقت الحالي على الأقل.

غابت أيام، وعادت قبل رمضان، في ليلة من الليالي التي كنت أجلس فيها وحيداً في غرفة المونتاج بجوار مهام عديدة في انتظار من ينجزها، إلا أن الملل والتعب يكونان قد أنهكاني بحيث ألجأ للماسينجر علي أجد عليه ونيس غير زملاء العمل.

وجدتها، ألقيت تحية المساء، أخبرتني أن "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، فهمت أن الأمور قد دنت من نهايتها، وأن القصة على وشك العثور على نهاية ملاءمة، وأخبرتني هي بأنها ذهبت للعمرة، وتابت إلى الله توبة نصوح، وسألتني عن معنى كلمة نصوح، فلم أخبرها لأني كنت غير متأكد من المعنى الذي أعرفه، وقالت أنها قامت قامت بعمل بلوك لكل الأشخاص الذين كلمتهم يوماً على الماسينجر، ولا تدري كيف بقيت أنا دون بلوك، أخبرتها أنني أحدثها من بريد آخر غير بريدي، وأنني أنشأت هذا العنوان لأحدثها وحدها، حيث أصبحت خائفاً من أن تعثر زوجتي على محادثة معها تنهي قصة زواج بدأ منذ شهور ولا أرغب في أن ينتهي الآن.

أخبرتها بأنني كنت أرغب في سماع المزيد من الحكايات عنها وعن صديقها لأني سأكتب يوماً رواية عن لقاءتهما السرية، قالت أن الحكي في مثل هذه الموضوعات حرام، وأنها أخيراً عرفت الطريق إلى الله وإن كانت تشكرني على اهتمامي بتفاصيل حكايتها، فقد كانت تتوقع أن يتجاهلها أديب ومؤلف مشهور مثلي يردد أسمه الملايين ويقرأ له العالم كله.

أيقنت أن الوقت مناسب للاعتراف بأني لست باولو كويلو، لكن المحادثة انتهت بشكل أسرع، وفكرت أنني لست في حاجة للاعتراف بأمر لم أرتكبه، فلست أنا من قال أنني باولو، هي اعتقدت ذلك واقتنعت به، ولازالت. كما أنها لن تصبح فخورة بالتأكيد بأن أسرارها الجنسية الكبيرة كانت تفشى لبريد مدون بدين من القاهرة اسمه البراء أشرف.

لا تزال هيفاء تسكن ماسينجري، لم تعد تظهر عليه ولا على بريدي السري الذي لا يعرفه غيرها، ربما عرفت الطريق إلى الله فعلاً، ونسيت ما كانت تبوح به هنا، لا زالت صورتها موجودة على الفيس بوك دون حجاب، لعلها نسيت..

تلقيت صباح اليوم رسالة جديدة منها على بريدي، تلومني على عدم إرسال نسخة من روايتي الشهيرة "11 دقيقة"، وقالت أنها لا زالت تتمنى أن تضع نسخة موقعة مني في مكتبتها الخاصة، أرسلت أقول أن الطبعة الخامسة عشر لا تزال في المطبعة، وأني أنتظر خروجها لأرسلها لها نسختين أو ثلاثة وليس فقط واحدة، وأني غاضب جداً من ناشري لأنه تأخر في نشر طبعة جديدة..

وضعت توقيعي الجديد : باولو كويلو، روائي، وشعرت أنه من الجيد أن أصبح شخصاً مشهوراً.