الأربعاء، يوليو 16، 2008

للذين يفضلونه افتراضياً..

عن مواقع القاعدة على الإنترنت واستخدام تنظيم القاعدة الإعلامي والتنظيمي لشبكة المعلومات، تشاهدون الليلة ( الخميس) على شاشة قناة الجزيرة فيلم تحقيقي جديد يحمل اسم "مجاهدون افتراضيون".

الفيلم مدته 52 دقيقة، وتم تصويره في مصر والأردن وعاصمة عربية أخرى دون ذكر اسمها، وهو إخراج مشترك لـ"أحمد زين" و"البراء أشرف".

يظهر في الفيلم عدد من الضيوف، منهم الباحث ضياء رشوان، والباحث عبد الله الطحاوي، والصحفي إيهاب الزلاقي والمحلل عبد الرحيم علي.

أما من خارج مصر فنجد "مشعان الجبوري" مالك قناة الزوراء الفضائية التي تم إغلاقها بتهمة بثها لأفلام من انتاج شركة السحاب التابعة للقاعدة.. كذلك الأستاذ أيمن جاب الله نائب رئيس تحرير قناة الجزيرة، بالإضافة إلى عدد من الضيوف الأوربيين، وكذلك نائب وزير الداخلية المصري لشئون الإنترنت والمعلومات.

الفيلم على كل حال وجبة تحقيقية خفيفة وساخنة، والدعوة مفتوحة للجميع للمشاهدة على شاشة الجزيرة مساء اليوم الخميس، في الثامنة مسائا بتوقيت القاهرة ومكة المكرمة، وكذلك باب الآراء والتعليقات مفتوووووح هنا في المدونة لاستقبالها..

الاثنين، يوليو 14، 2008

صرت كبيراً.



سأصير كبيراً فجأة، سأفيق يوماً، لأكتشف أنني أصبحت في عمر الناس العادية.

لدي نظريتي الخاصة، أشعر، أنني أصغر من الجميع، جئت مبكراً عن كل الناس، فطنت للبديهيات بسرعة، فكنت الصغر سناً والأكبر حجماً، وكان سؤال "تديني كام سنة؟" يعطيني لذة مدهشة، أمام النظرات الحائرة، والإجابات الخاطئة من نوع.. "أواخر العشرينات"، "أكيد 30"، "25"، أو أسئلة استيضاحية – كوسائل مساعدة – من نوع "أنت أكبر أخواتك طيب؟"، "لو قلتلي برجك إيه أقولك على طول كام سنة"، "أنت أكيد شكلك مش بيدي نفس سنك، قولي، الناس عادة بتفتكرك أكبر ولا أصغر؟"..

أشعر أيضاً، كأن الكبار كلهم من مواليد عام واحد، كلهم متماثلين في السن والعمر وساعة الولادة وربما اسم الأب والأم، لدي عنصرية تجاه الكبار جميعاً، وأحاول حالياً – بصدق غريب – أن أعالج نفسي بنفسي، ولا أظنني سأنجح.

كذلك، أشعر أن الصغار كلهم أخوتي، كلنا ولدنا في شهر 8 من عام 1985 في ساعة متأخرة من الليل.. أما الصغار الذين أكرههم، فإن عنصريتي تساعدني على الاعتقاد بأنهم ولدوا في وقت مبكر، قبل العام المقدس 85، وأنهم ينتمون إلى الكبار أكثر من انتمائهم إلى جيلي أنا.. جيل الصغار، الذين سيظلون صغاراً إلى الأبد، دون تأثر من عوامل التعرية والتغطية الزمنية.

لكني هذه الأيام، ومع اقتراب احتفالي بعيد ميلادي رقم 23، بدأت أفقد بعض الاعتزاز بعام مولدي، وبدأت، أشعر بنفسي اقترب رويداً من جيل أكبر، أفعل أفعالهم، وأفكر بأفكارهم، وأقول كلماتهم، وأجلس في أماكنهم.

فقد كان الإعتقاد الثابت عندي، أنني مجرد لص صغير، نصاب هاو غير محترف، يجيد تمثيل دور الأكبر منه سناً، ويحقق بذلك بعض المكاسب الصغيرة التي لن تضر أحداً كان، كان ليناردوا دي كابريو في "Catch Me If You Can" يمثل لي قدوة ما، سرقات عديدة، ومكاسب ضخمة، ثم ينتهي كل شيء فجأة، بالقبض عليه، وهو لا يزال تحت السن القانوني الذي يسمح بمعاقبته كراشد على جرائمه غير المؤذية.

الشيء الوحيد السيء في قصة بطل الفيلم، هو أنه – وبعد فترة طويلة من المرح – يصبح رجلاً كبيراً فجأة، ويتحول إلى مستشار للشرطة في مسائل التزوير التي طالما برع فيها.. وهو أمر مزعج للصغار، إن كان الكبار لا يعلمون.

كنت أشعر، أنني كسارق صغير علي أن أتوخى الحذر، فسيتم طردي في لحظة، وسيأتي أحد الكبار، ويخبرني بغطرسة لا متناهية، أن المكان الذي أشغله يخصه، وأنني تطاولت بما يكفي، وشغلت حيز من الفراغ لا يخصني.

كان هذا القلق، يمنحني قدراً ما من التميز ربما، كان الخوف، يدفعني للإسراف في التركيز، والإفراط في الدأب، والتعمق في الأمور العادية التي لا تحتاج.

سأفقد كل هذا، فسأكبر فجأة، سأصحو ذات يوم لأكتشف أن عمري أصبح 30، وأن هناك سنوات سبع من عمري، سيتم سرقتها، بحق السرقات التي قمت بها صغيراً، ولم يعاقبني عليها أحد.

بدأ القلق يختفي الآن، بدأت أدرك أن المكان الذي أشغله هو مكاني بالفعل، أن الحيز هذا حيزي، وأن الأفعال أفعالي، والأقوال لا تخص أحد غيري، والأماكن بدأت تنتمي إلي، وأنتمي إليها، أصبحت فجأة أملك الأماكن، وأوقع الأوراق، وأستقبل أسئلة الصغار، التي كنت أطرحها يوماً على الكبار، بحثاً عن نصيحة، أو فرصة، أو رغبة في صناعة علاقة مع كبير ما، استحسنته، بحيث ظننت أنه من مواليد 85، فيما كان هو ليس كذلك.

الجمعة، يوليو 11، 2008

ليل - خارجي




الأشقياء فقط، والأتقياء أيضاً، يعرفون معنى قضاء ليلة خميس في وحدة خلف شاشة كومبيوتر في محاولة لكتابة أي شيء بدون هدف.

الأشقياء فقط، والأتقياء أيضاً، يترقبون ليلة الخميس من الأسبوع إلى الأسبوع، ويعلنون صباح كل جمعة، أن لديهم خططاً جديدة لقضاء مساء خميس مقبل، بشكل مختلف عن شكل الليلة السابقة..

الأشقياء، وأنا لست منهم، والأتقياء، وأنا أكتفي بمعرفتهم من بعيد.. سيستمرون في قضاء ليالي الخميس خلف الشاشات، ينقرون بشكل منتظم، في محاولة للكتابة، دون هدف.. لكني لن أفعل.

الطريق من المكتب إلى كورنيش المعادي ليس طويلاً كما كنت أتخيل، حتى وإن كان طويلاً، فهذا لا يعني أنك ستصاب بالتعب إن قررت اتخاذه على قدميك وتجاهل التاكسيات على اليمين والشمال في سرعة بطيئة ومحاولة لإغراءك بالإشارة والركوب.

الطريق من المكتب إلى الكورنيش يشعرني بأنه منحدر لأسفل بشكل سحري، أكاد لا أشعر بالمسافة، أخرج من الباب، لأكد نفسي – فجأة - أتنفس هواء الكورنيش بصدر مفتوح.. بعض الطرق تنحدر لاسفل، بحيث تجبرك على السير فيها.. قليل من الفلسفة سيجعلني أشبه الطريق من المكتب إلى الكورنيش، ببعض الطرق التي مشيت بها في حياتي فقط لأنها تنحدر لأسفل ولا تحتاج مجهوداً – أو هكذا ظننت – للسير فيها كل مساء.

أخرج من المكتب، أحرص على ترك حقيبتي بأعلى، أريد أن أستمتع لدقائق بمرجحة يداي بجوار جسمي، أشعر أنني رشيق، وأنني فقير، فقير جداً، العرق، والسير في الشوارع المظلمة، والتي تمرق فيها السيارات الحديثة بسرعة، كلها أشياء تشعرني بالفقر، أنا الآن فقير، ورشيق أيضاً، مرجحة يداي تمنحني شعوراً بالسعادة، كأني سأنطلق الآن، وأملك القدرة – فجأة – على الطيران.

.........

أريد أن اتحدث مع أحدهم..

لا أعرف على وجه التحديد اسم الشخص الذي أحتاج للحديث معه الآن، ولا أعلم حتى موضوع الحديث، لكني أعرف أنني حين أشعر بالسعادة – أو الحزن – تمتلكني رغبة لا نهائية في الكلام، أي كلام، على أن أجد من يشاركني فيه..

أصارحك القول، في مساءات ماضية كثيرة، وحين شعرت في بعضها بالفرح الشديد، وفي بعضها الآخر بالحزن الشديد، جربت، أكثر من مرة، أن أفتش في لائحة أرقام الأصدقاء على تليفوني، لأكتشف، أن معظمها لا يرد، وأن عدداً منهم قرر قضاء ليلة الخميس في "ربما يكون مغلقاً"، وأن البعض، مثلي، يحتاج إلى الحديث مع أحدهم، وقد تمكن من تحقيق أمنيته، ولهذا فإن صفارة خاصة تخترق أذني من سماعة التليفون لتأكد أن الطرف الآخر مشغول.

أتحدى الظروف، وأقرر أن الوقت يحتاج إلى "أحدهم" لأتحدث معه، أقرر أن أكلم أي شخص، أمي، أبي، أي أحد.. أسأل الأسئلة العادية الغبية، "عاملين إيه.. نتيجة رحمة طلعت.. هتروحي عند تيتة بكرة.. هتروحي الساعة كام؟"، الحقيقة أن لا أحد يصدني، يخبروني بأن نتيجة رحمة ظهرت منذ شهر، وأنهم أخبروني بها أربع مرات على الأقل.. وتخبرني أمي بأنها ستذهب لـ"تيتة" لأنها تفعل ذلك كل جمعة، وأنها ستكون هناك – كما أعرف – في الواحدة ظهراً.

أستمر في إجراء المكالمات الغبية، أكتشف أن الوقت أصبح متأخراً فجأة، وأن بعض المكالمات أصبحت غير مسموحة، خاصة تلك التي استهدف فيها صديقات وزميلات من أزمنة وأمكنة مختلفة، في المرة الأخيرة أخبرتني زميلة بشكل مهذب.. "أنا م بستقبل مكالمات بعد الساعة 11"، وقد كنت – لفرط غبائي – أتصل بها في الثانية إلا عشرة صباحاً.

سأصل إلى الكورنيش إذن بسرعة، ستضيع جرعة الحزن – أو الفرح – دون فائدة، هل أصبح هذا العالم بخيلاً جداً لدرجة أنني لا أستطيع إجباره على منحي شخص واحد جدير بان أتحدث إليه قليلاً في أمور غاية في الأهمية كالفرح أو الحزن.

أستطيع أن أجزم الآن بأني – مثل أي شخص آخر – لا أستطيع إجبار العالم على فعل أي شيء، كما أني لم أنجح في إجباره في المرات الكثيرة السابقة، كما لم ينجح أحد.

أقرر أن الخطة البديلة تحتم علي أن أسلك طريقاً بديلاً، بأن أسير داخل المعادي قليلاً، بموازاة الكورنيش، قبل أن أقرر الإنحراف يساراً في أي شارع جانبي يصلني إلى طريق الكورنيش، في هذا إطالة للطريق والمدة، ومحاولة لإبقاء نفسي داخل الحالة الجميلة، الحزن، أو الفرح.

لا أزال أحرك يداي بشكل منتظم، أستمتع بمراقبة نفسي أتنفس، أتدخل بإرادتي لتنظيم أنفاسي، أسحب الهواء الساخن داخل صدري حتى يمتلئ، وأفرج عنه زفرة واحدة، أكتشف أني صحتي ليست على ما يرام، فلم أعد أستطيع تكرار الحركة مرات عديدة.. أكتشف أن موبايلي يدق.. أحدهم يبحث عني.. أحدهم قرر أنه يحتاجني.. أدقق النظر إلى الرقم.. أفهم أن الحاجة المطلوبة مني شيء من إثنين.. "هات برتقان معاك عشان مليكة"، أو "بعت الميل ولا لسه؟"..

الخميس، يوليو 03، 2008

مسيرة المسيري..
فكيف كان يمكن للنتيجة ألا تكون رائعة؟


كان هناك فنان، يعيش في مدينة كوورو، دائب المحاولة للوصول إلى الكمال.

وذات مرة تراءى له أن يصنع عصا. وقد توصل هذا الفنان إلى أن الزمان عنصر مكون للعمل الفني الذي لم يصل بعد إلى الكمال، أما العمل الكامل فلا يدخله الزمان أبداً. فقال لنفسه : سيكون عملي كاملاً من جميع النواحي، حتى لو استلزم الأمر ألا أفعل شيئاً آخر في حياتي.

فذهب في التو إلى غابة، باحثاً عن قطعة من الخشب، لأن عمله الفني لا يمكن أن يصنع من مادة غير ملائمة. وبينما كان يبحث عن قطعة الخشب، ويستبعد العصاة تلو الأخرى، بدأ أصدقاؤه تدريجياً في التخلي عنه، إذ نال منهم الهرم وقضوا.

أما هو، فل يتقدم به العمر لحظة واحدة، فوفاؤه لغايته وإصراره وتقواه السامية أضفت عليه، دون أن علمه، شباباً أزلياً.

ولأنه لم يهادن الزمن، ابتعد الزمن عن طريقه، ولم يسعه إلا أن يطلق الزفرات عن بعد، لأنه لم يمكنه التغلب عليه.

وقبل أن يجد الفنان العصا المناسبة من جميع النواحي، أضحت مدينة كوورو أطلالاً عتيقة فجلس هو على أحد أكوامها لينزع لحاء العصا، وقبل أن يعطيها الشك لالمناسب، كانت أسرة كاندهار الحاكمة قد بلغت نهايتها، فكتب اسم آخر أعضائها على الرمل بطرف العصا، ثم استأنف عمله بعد ذلك.

ومع انتهائه من تنعيم العصا وصقلها لم يعد النجم كالباً في الدب القطبي. وقبل أن يضع الحلقة المعدنية (في طرف العصا لوقايتها) وقبل أن يزين رأسها بالأحجار الثمينة، كانت آلاف السنين قد مرت. وكان براهما قد استيقظ وخلد إلى النوم عدة مرات.

وحينما وضع الفنان اللمسة الأخيرة على العصا، اعترته الدهشة حين تمددت العصا بغتة امام ناظريه لتصبح أجمل المخلوقات طراً، لقد صنع نسقاً جديداً بصنعه هذه العصا، عالماً نسبه كاملة وجميلة، وقد زالت في أثناء صنعه مدن وأسر قديمة، ولكن حلت محلها مدن وأسر أكثر جلالاً.

وقد رأى الفنان الآن وقد تكومت عند قدميه أكوام النجارة التي سقطت لتوها، رأى أن مرور الوقت في السابق بالنسبة له ولعمله كان مجرد وهم، وأن لم يمر من الوقت إلا القليل.

"كانت مادة عمله نقية صافية، وكان فنه نقياً صافياً، فكيف كان يمكن للنتيجة ألا تكون رائعة؟"

* السطور الأخيرة من كتاب "رحلتي الفكرية.. في البذور والجذور والثمار – سيرة غير ذاتية غير موضوعية". من تأليف الدكتور عبد الوهاب المسيري، الذي غادر الدنيا – بجسده – مساء أمس الأربعاء 2-7-2008، ويبقى مشروعه الثقافي والحضاري والسياسي والأدبي باقياً رغم عوامل الزمن.

الأربعاء، يوليو 02، 2008

بلاد تركب الميكروباصات!

تكتشف، أنك نازل نازل، ستبارح مكانك بين لحظة وأخرى، تأهب.. لا أمان على الإطلاق.

نزولك لا علاقة له برغبتك في فعل ذلك، تخضع عملية النزول من الميكروباص لعوامل طبيعية وبشرية، تخضع لقانون الصدفة، والفوضى.. الخلاق منها.. وما هو غير ذلك.

ستنزل مرة، لأن قلبك الطيب لم يحتمل أن تمر الفتاة الجميلة الجالسة في الكنبة خلفك، بجوارك، وهو ما سيسبب احتكاك قوي بينكما، ترفضه أنت بكرم أخلاقك، فتقرر النزول وإفساح الطريق.

وستنزل مرة أخرى، لأن البدين الجالس بجوارك يريد المرور، وأنت، بجسدك المتعب من يوم عمل كامل، تحاول الإختفاء والإنزواء في مقعدك، دون فائدة، فالبدين، يبحث عن كل "ملي"، ليملأه بدهونه وأعضاءه.

وستكتشف، أن بقدرتك الإنتقام، حين تقرر إنزال الشخص الجالس بجوارك، بحجة أن المسافة لا تكفيك، وفي الحقيقة، فإنك تبحث بالكاد عن فرصة لملامسة كتف الفتاة في المقعد الأمامي، وتخشى أن يكشفك جارك، فتقرر إنزاله للحصول على لحظات من المتعة المسروقة.

وستنزل مرة أخرى، دون إرادتك، لأن المركبة – التي هي الميكروباص – تسير بسرعة أكبر من أن يحتملها قلبك الضعيف، وستنزل مرات، لأنها – المركبة – تسير بمعدل بطيء.. أبطأ من أن يطلق عليه "سرعة".. ستقرر النزول، وإكمال الشارع على قدميك، لتصل في وقت أقل.

وستنزل مرة، لأن أحدهم قرر الإفراج عن هواء بطنه فجأة، مستغلاً الزحام، والسرعة العالية، والشبابيك المفتوحة، والقدرة المعدومة لدى الركاب على اكتشاف الفاعل، فالكل مدان، والجميع بريء.

وستنزل مرة، لأنك تبت إلى الله تعالى، وفي المقعد الأمامي، فتاة مسيحية، أنت تخمن دينها فقط، دون تأكد، تفوح منها رائحة عطرة، تغلب رائحة البنزين، وقد أخذت لتوها دشاً بارداً في بيتها، ونزلت على الفور دون التأكد من حسن تنشيف قطرات الماء على شعرها، فبدت كأنها تتأهب للقاء جنسي ساخن مع رجل غيرك، أو كأنها فرغت للتو من ذات اللقاء، ستنزل لأنك غير قادر على إحتمال كل هذا، كما أنك – دون أن تدري – وجدت نفسك تعبث في شعيرات لها، تدلت أمام يديك، دون أن يلمحها أحد، ودون أن تشعر صاحبة الشعر المبلول، بيديك العابثتين.

وستنزل، لأنك تركب ميكروباص يمر بخط خطير، من الهرم إلى المعادي على سبيل المثال، وهناك كمين دائم فوق الكوبري ينتظر أمثالك، أنت تنتمي – دن قصد منك أو عمد – إلى نوع من المواطنين يشعر رجل الكمين تجاههم بأمر ما، يجعله يقرر إنزالهم فجأة، وإعطاء الأوامر للسائق بالرحيل دونهم، ويستمتع بجعلهم يقفون على الرصيف، حتى يتأكد – بطريقة لا يعلمها إلا الله وحبيب العادلي – من كونهم مواطنين صالحين لا يهددون النظام العام والخاص.

وستنزل مرات، لأن السائق قرر ذلك، قرر أنك راكب غير صالح، لا يستحق نعمة الركوب، يعرف ذلك حين يلمحك تناقش زملاءك – الركاب – عن أمر الربع جنيه الزائد عن الأجرة المعتادة الرسمية، هنا يقرر القضاء على المعارضة بالإقصاء، أو النفي.. تكتشف، وأنت تغادر وسيلة مواصلاتك الوحيدة، أن السائق يشبه شخصاً آخر، الشبه بينهما يكاد يكون تطابق، تقرر أن تخبره بذلك – فالأمر خطير – لكنك تخشى أن تتسبب بملاحظتك تلك بشيء من الإهانة للشخص الذي تقصده، أو حتى للسائق نفسه.

ستنزل لأنك وصلت أخيراً للمكان الذي كنت تقصده حين ركبت أصلاً، ستذهب إلى مقصدك، وستعرف، أن الغاية لم تكن لتستحق وسيلة المواصلات، لا شيء في بلادك يستحق مشقة ركوب الميكروباص مرتين أو أكثر كل نهار، لا شيء يستحق الركوب بنية النزول، لا شيء يستحق الإفتراضات اللا نهائية، والإختيارات الإجبارية، حول طريقة مغادرة المركبة، بقرارك مرة، وبقرار غيرك مرات..

الثلاثاء، يوليو 01، 2008

صياعة في الجنة!

عندما قرر الأستاذ محمد أن يجري اتصالاً هاتفياً بأبي في المنزل، بخصوص سلوك ابنه الأكبر، الذي هو أنا، وعلاقاته المشبوهة مع ثلاث فتيات يدرسن في الفصل ذاته بالمدرسة الثانوية التي أدرس بها، والتي كان الأستاذ محمد مدرس اللغة العربية الوحيد بها.. عندما قرر.. لم يكن يعلم!

لم يكن يعلم وقتها أن أبي سيغضب بشدة ويلطمني على وجهي عدة مرات قائلاً أني أصبحت بـ"وش مكشوف"، وقد كنت وقتها عاجزاً بالفعل عن فهم معنى الكلمة..

أيضاً، لم يكن الأستاذ محمد يعلم، أن علاقتي بالثلاثي، والتي طالما أثارت ضيقه، ستتحول بين يوم وليلة، من مجرد علاقة صداقة جميلة بين شلة ولاد وبنات، إلى "قضية"، و"مبدأ"، و"اختيار"، وهي أشياء لم يكن الأستاذ محمد ليدرك أنها قابلة للتواجد في حياة طالب ثانوي مثلي.

فالأستاذ محمد، كان يعتقد، ولازال ربما، أن الإنسان نزل إلى الأرض للصلاة، فهو، كغيره من مدرسين العربي، يعطينا حصص الدين الإسلامي بجوار حصص العربي، قد أخبرنا بوجهة نظره الشخصية في مسألة "لماذا خلق الله الإنسان وأنزله إلى الأرض؟"، فبعد أن شرح وجهة نظر العلماء والفقهاء بسرعة مبالغ فيها، استغل باقي وقت الحصة، بل وحصص أخرى تالية، لشرح نظريته.

قال الأستاذ محمد، أن الصلاة لا تنقطع عن الأرض، بينما تنقطع باقي الأمور، بمعنى أن الإنسان يعمر الأرض في الصباح فقط، أما الصلاة، فهي مستمرة صباح مساء، كما أن فروق التوقيت تجعل هناك ميقات للصلاة دائم في مكان ما في العالم، صلاة الفجر في مصر تقابلها صلاة المغرب في أمريكا، وعصر الأردن عشاء ماليزيا.. وهكذا!

أخبرت أصدقائي وقتها، بأن الأستاذ محمد ليس مسلماً على الإطلاق، بل هو على أغلب الظن مسيحي متزمت، بالطبع كان السؤال على لسان أصدقائي "مسيحي إزاي يا فالح واسمه محمد؟"، أخبرتهم وقتها بأن الممثل محمد صبحي مسيحي هو الآخر رغم أن اسمه محمد، حكيت لهم القصة التي انتشرت وقتها، عن أن صبحي كان الابن رقم عشرة لأب وأم من أبناء الكنيسة، وقد مات قبله تسعة من الذكور، فقررت الأم تسمية ابنها القادم محمد عله لا يموت، وهو ما حدث.

لم يقتنع أحد من أصدقائي، لكني أخبرتهم، من باب التأكيد، أن المسيحيين هم فقط من يعتقدون أن الله خلقنا لنصلي، وقد قال لي شادي – زميل الفصل – وقتها أنني أقول هذا الكلام لأني لا أصلي، ولأني أحمل في رأسي أفكاراً فاسدة بسبب الإفراط في قراءة كتب "أنيس منصور"..

أخبرته أنني ذهبت خلال الأجازة الصيفية إلى دورة في التنمية البشرية، وأن المدربة كانت اسمها فاطمة، وقد أخبرتنا في الحصة الأخيرة، أن اسمها الأصلي "سحر"، وأنها دخلت الإسلام منذ عام واحد، بعد أن تركت دينها الأول، المسيحية.

أخبرتنا فاطمة، أن رجال من الدين المسيحي جلسوا معها لمراجعتها في قرارها، ليتأكدوا من عدم تعرضها لأي ضغط عاطفي أو مادي أو سياسي، وأنها سألتهم "هي الجنة بتاع ربنا المسيحي فيها إيه؟"..

أخبروها بأنها مليئة بالمؤمنين الذين يقضون الوقت في الصلوات والترانيم والدعاء لله، قالت لنا أنها ضحكت ضحكة غير مهذبة قائلة لهم "يعني أنا مفروض أعيش في الدنيا أصلي وأتلو الترانيم وأدعي أدعية كتير، عشان أدخل الجنة بعد ما أموت عشان أدعي وترانيم وصلوات وكلام من ده؟؟.. لا لا دي جنة مؤدبة قوي".. اقتربت أكثر منهم، هامسة، "عارفين جنة المسلمين فيها إيه؟"..

بفضول رجال الدين، وبحكمة من هم فوق الخمسين، سايروها فيما تقول، سألين.. "ها.. فيها إيه جنة المسلمين؟".. ضحكت سحر، أو فاطمة كما أصبح اسمها قائلة "منتهى الصياعة.. حريم للرجالة ورجالة للحريم، وأكل ومرعة وقلة صنعة، والمؤمنين بيقابلوا ربنا كل خميس وجمعة، والأصحاب بيتقابلوا يلفوا شوية في الجنة، وممكن أقابل كل الأنبياء من أول آدم لحد محمد، وكمان فيها شجر عليه كل أشكال الفاكهة اللي مفيش زيها في الأرض.. بذمتكم.. أسيب كل الحاجات دي وأروح جنة تانية كلها صلاة من غير أي حركات"..

تقول فاطمة، أنهم أدركوا وقتها إن مفيش فايدة، وتركوها تفعل ما تريد، قال راعي الكنيسة التي كانت تصلي فيها سحر لأمها أن بنتها تحسبها حسبة مختلفة، وإنها لا هتدخل جنة المسلمين ولا جنة المسيحين، وعندما وصل الكلام لفاطمة – عن طريق صديقة لها والدتها تعرف أمها - ضحكت وهي تلبس الحجاب للمرة الأولى قائلة، "يروح يتشطر في الجنة بتاعته، ملوش دعوة بجنة المسلمين".

كانت القصة مسلية بالنسبة لشادي، وبالنسبة إلى كل مراهق مثلنا، يفرح عندما يقرأ الإمام سورة "يوسف" في الصلاة، ويترقب الجزء الخاص بـ"هيت لك"، ويبحث عن تفسير لتلك السورة بالذات في كتب الدين بمكتبة المدرسة.

قصة مسلية، لأطفال غادروا لتوهم مرحلة الإبتدائية القريبة، والتي كان بلطجي الفصل يفتخر بأنه يقف على صدر طالب مسيحي، ويسأله.. "هتسلم ولا لأ يا مرقص.. رد يا مرقص.. عندكم أسلحة في الكنيسة ولا لأ يا مرقص؟"..

القصة مسلية بالفعل لشادي، وإن كان لا يعرف أي علاقة بين كل ما أقوله، وبين الأستاذ محمد الذي يرى أننا خلقنا للصلاة، فيما أرى أنا أنه كلام مسيحيين، كنت وقتها لا أعرف شيء عن فكرة "عمارة الأرض"، التي هي الهدف الحقيقي من وجودنا، لكن على كل حال، فإن هذا لم يجعلني أتراجع ولو لحظة واحدة، كانت علاقتي بالأستاذ محمد لا تسمح لي بأي تراجع من أي نوع.

دخلت إلى المدرسة الثانوية وكلي آمال تتعلق بأنها فرصة حقيقية لتغيير حياتي، كان أدائي بشعاً في المدرسة التي قضيت فيها مرحلتي الإبتدائي والإعدادي، كنت أحتاج إلى تغيير حقيقي يلاءم أهدافي وأحلامي.. وكم كان جيداً أن ألاحظ، منذ اليوم الأول للدراسة، أن مدرستي الثانوية مدرسة مشتركة للبنين والبنات، وهو ما يعطي للتحدي بعداً جديداً، يتعلق بالمراهقة والجنس اللطيف..

ثم ظهر الأستاذ محمد، نموذج للدرعمي الريفي الذي لا يرى أبعد من السبورة، ولا يحلم بأكثر من مجموعتين من الطلاب في الدروس الخصوصية تمكنه من الإنفاق على زوجته وطفله الصغير.

لم يكن الأستاذ محمد يفهم أن الجالسين أمامه يحملون داخلهم أحلام تمثل كوابيس حقيقية بالنسبة إليه، كنت أنا، وزملائي جميعاً، ندخل في رهان مفتوح يتعلق بعدد البنات الذي يستطيع كل واحد منا أن "يعلقه"، كانت نظريتي الشخصية مبنية على أن المدرسة بها 3000 طالب وطلبة، ألف واحد من الذكور، وألفان من الإناث، إذن فمن حق كل طالب أن "يعلق" بنتين على الأقل، وقد أخبرت أصدقائي أن هذا حق مشروع للجميع، وأن البنات يعرفن بالتأكيد تلك المعلومة التي تنظم العلاقة بين الجنسين في المدرسة المشتركة.

على كل طالب إذن أن يستخدم كل الأساليب الممكنة لتعليق البنتين، بل عليه أيضاً، أن يطور أدائه مزيداً من هذا الرقم، خاصة وأن بجوار مدرستنا مدرسة فنية ثانوية مشتركة، فيها النسبة ذاتها بين أعداد الولاد والبنات.

كان قراري أن طالب بدين مثلي، تكمن كل مناطق سحره في عقله، وليس في إجادته للخناق، أو شرب السجائر، أو لعب الكرة، أو المعاكسة الصريحة، أو حتى الشياكة منقطعة النظير، كل تلك الفنون لم أكن أجيد أي منها، مكتفياً بمحاولاتي الأولى لكتابة الشعر والقصة، والجوابات العاطفية بالتأكيد.

كان قراري، بعد أن قمت بدراسة متأنية لنفسي، أنني أحتاج لغزو العالم الجميل للفتيات، أن أصنع لنفسي سفراء داخل هذا العالم، وأني – وإن كنت لن أتمكن من لعب دور الحبيب – سأجيد لعب دور الصديق المخلص، كاتم الأسرار، المستمع الجيد، حلال المشاكل، العاطفية بالتحديد.

والصدفة وحدها قادتني، لأصبح بين يوم وليلة الصديق الصدوق لـ"رحاب"، "عزة"، و"داليا"، اللاتي يسكن الديسك الأول من الفصل الذي أدرس به، واللاتي تمكن خلال أسابيع الدراسة الأولى من أن يصبحن صداعاً حقيقياً لكل مدرس يدخل الفصل ويعاملنا معاملة غير لائقة.

كل هذا كان يجعلني في نظر الأستاذ محمد فتى شرير، أرعن، تلزمه علقة بالفلكة تعيده إلى صوابه، خاصة وأنه كان زميل أبي في الكلية، وكانا شريكان في سرير واحد بأحد معسكرات الجوالة، وهو ما جعله يشعر تجاهي بشيء من المسؤلية، لا أعرف سببها.

في العام الدراسي الثالث، كانت علاقتي به قد وصلت بالفعل إلى طريق مسدود، لا أعتقد أنني كرهت شخصاً بقدر كرهي له، لم أكن أحب أياً من تفاصيله، وقد كانت النتيجة أنني طلبت نقلي لفصل أبلة "راندا"، التي يطلق عليها أصدقائي "لمبة" نظراً لطريقتها الغريبة في نطق الحروف، وقد كان.. ومع أن راندا كانت بشعة بكل تفاصيل الكلمة، إلا أنها رحمتني من فكرة مقابلة الأستاذ محمد مرة كل يوم.

كما العادة، مضى الوقت، وأصبحت أنظر الآن لكل هذا باستخفاف غير ملائم.. وبسخرية كبيرة.. لكن الأمنية الباقية من كل هذا.. هي أن أقابل الأستاذ محمد مرة أخرى الآن، أخبره عن أمر نفسي، عن السنوات التي تفصل بيننا الآن، وبين لقائنا الأخير، في مدرستي الثانوية..

لا أنظر إلى هذه الأمنية بأي استغراب، هي فقط رغبة طالب ثانوي وحنين منه، في مقابلة هؤلاء الذين ساهموا في تكوينه.. بشكل.. أو بآخر.