الخميس، يناير 05، 2012

عن الاضحاك كمسألة سخيفة.

تمام. دعنا نختصر المسافة ونبدأ من حيث نحن الآن.

هنا، على هذه الشبكة غريبة الأطوار (لست عنصرياً تجاهها، بإمكاننا وصف أي شيء بأنه غريب الأطوار)، هنا، أكتب يومياً أشياء كثيرة، جمل قصيرة وتعليقات على العالم الذي نعيش فيه (بالمناسبة، هو أيضاً غريب الأطوار)، بعد الكتابة، أصبح بالإمكان الحصول على تعليقاتك واستحسانك لما كتبت. وهذا شيء يبدو طبيعياً.

ما الذي فعلته لك إذن لتصفني في مناسبات مختلفة بأنني قادر على اضحكاك؟. أرجوك، أعط للأمر بعض الأهمية وعامله بجدية كافية.

في الحقيقة، الأمر يطول شرحه. سنحتاج وقتاً طويلاً أتمكن خلاله من شرح نظريتي الخاصة في المسألة، وعرض أهدافي التي أكتب لأجلها، في الواقع (وأعلم أنك ستجد هذا محبطاً)، فإن مسألة اضحاكك لا تشغلني على الإطلاق، لا تهمني، بل أنها تزعجني من آن إلى آخر.

لنوضح المسألة، أنا غير منزعج لكونك تضحك، من حقك أن تفعل، وطالما اتفقنا أن العالم غريب الأطوار (أتمنى لو توافقني)، فإنك تملك الحق والحرية في الضحك وقتما شئت، ولأي سبب كان. أعرف أشخاصاَ يضحكون في مواقف لا تسبب الضحك في العادة، في الجنازات، في المساجد، في صالات الدرس، وحتى وهم يتغوطون، هذه حريتهم الشخصية، ولأن الوقت ضيق، (الوقت بشكل عام ضيق، كلنا نعرف ذلك)، فإن مسألة التفكير في الأسباب التي تجعل الناس تضحك تبدو وكأنها عديمة الفائدة. إذن، من حقك أن تضحك، ومن حقك أيضاً أن تراني مضحكاً. لكن، قليل من الرحمة أرجوك.

لنشرح أكثر، عندما أدركت قبل دقائق أنني موجود بالفعل في هذا الكوكب، فكرت في الأشياء اللطيفة التي يمكنني فعلها. تمنيت أمنيات كثيرة، أغمضت عيني دقيقة وحلمت، رأيت أشياء كثيرة، رأيتني أكبر، أنجح، أفشل، أضحك، أكتب، أقرأ، أبحث في المسائل التي تشغلني، أسافر، أتزوج، أصير أباً، أموت.. لكني لم أراني أبداً أقوم بإضحاكك، هذه إذا مسألة لا تعنيني، لا تهمني، يزعجني وجودها، ذلك أنه حال اتفقنا أننا صرت اضحكك، فإن المسألة تلزمني بقدر من الجهد، وفي الواقع، فإني غير مستعد له، ولا حتى أقابله بأدني قدر من الترحيب اللازم.

ثم أن مسألة اضحاكك مهمة للغاية، الضحك (في نظر البعض ولست منهم) يرتبط بالسعادة لسبب أو لآخر، وبغض النظر عن كون هذه مسألة سخيفة. لكن، دعنا نستكمل الحديث عبر النظرية ذاتها، أنت بحاجة لأن تضحك، والضحك يجعلك سعيداً، والسعادة مسألة مهمة في هذا الكوكب. كيف تضع مسائلك المهمة إذن في يد شخص يبدو (بل أنه يعلن ذلك صراحة) أن المسألة لا تعنيه ولا تهمه، بل أنه يراها سخيفة؟. فكر في الأمر دقيقة، ولعلك توافقني بعدها.

طيب، سنفترض أن مسألة سعادتك قابلة للمغامرة من ناحيتك. هذه حريتك الشخصية. ما الذي فعلته لك لتجبرني على التواطؤ معك. قلبك الطيب؟، صدقني، في الكوكب من يستحقون ذلك، بل أنني أرى هذه الأيام، أشخاص (يمكن ملاحظة غرابة الأطوار في سلوكهم) يفتخرون بأن لديهم القدرة على اضحاك الناس، بل أن الأمر تجاوز ذلك، بحيث تفرغوا لهذه المهمة وصار اكتساب قوت يومهم مرتبط بالضحك الذي تضحكه. وأنا، من ناحيتي، لدي وظيفة مؤقتة أراها معقولة وجيدة (وغريبة الأطوار أيضاً)، ومن السخيف الجمع بين وظيفتين في وقت واحد. لذا، أرى، من باب العدالة الاجتماعية (وقد كانت أحد أهداف الثورة لو تذكر) أن يحصل على الضحك الذي تحتاج منهم، وتتركني وحدي أمارس الأشياء التي أردتها، بعدما اكتشفت وجودي في هذا العالم منذ دقائق.

ثم، في هذه الأيام، يدور نقاش طويل حول الأشياء، كل الأشياء، في التلفاز، على المقاهي، في المساجد والكنائس، أصبح عادياً أن تسمعهم يضعون نظريات حول كافة المسائل. الحب، الثورة، الدولة، الميدان، المجلس العسكري، النساء، الموت. وكما تعلم، فإن الضحك مرتبط بكافة الأمور السابقة. إذن، فالمسألة خطيرة. خطير أن تضحك، والأخطر، أن توصف بأنك قادر على اضحاك البشر، وكمواطن يحاول قدر الإمكان أن يكون صالحاً (اقرأ الجرائد، وحفظت مؤخراً نصف بيانات المجلس العسكري، وذهبت مرتين إلى ميدان التحرير، ثم جلست على المقهى مرة)، لست مطمئناً لفكرة المغامرة والتورط في جعل الناس تضحك، بإمكانهم الضحك (أكرر، هذه حريتهم)، لكن، لا علاقي لي بالمسألة.

دعني اسألك، ما الذي سأستفيده مثلاً إن انتشرت فكرة تؤكد قدرتي على اضحاكك؟، في الواقع لا شيء. دعنا إذن نحسبها جيداً، أمر لم أخطط له، ولن أستفيد منه، ولا حماسة لدي لفعله، تعتقده أنت وحده ولا أشاركك الاعتقاد به (سمعت أنهم يتحدثون هذه الأيام عن حرية الاعتقاد بهدف كتابة إعلان دستوري حول المسألة)، أمر كهذا، أليس من الأفضل له، ولي، وللسلطات المعنية، وربما لك بعد أن تفكر جيداً، أن يختفي في هدوء. وننساه كما نسينا غيره.

دعني أفترض أن الحيل السابقة لم تفلح معك. سأفعل ذلك، سأخاطب قلبك إذن. تأمل معي حال الذي أضحكونا يوماً ما، هل يرضيك أن يفقد شخص مثلي زهرة شبابه (لم أرى في شبابي أية زهرة بعد) ويتحول إلى مصير هؤلاء، ويا ليتها رغبتي، بل أنها رغبتك. الرحمة إذن. دعني وشأني. أرجوك، لا لا، لست غاضباً، أحاول فقط أن أبدو متأثراً بالمسألة، شكراً.

ما المعني الحقيقي لفكرة أنني قادر على اضحكاك؟، هل أصير محترماً؟، هل أظهر على التليفزيون؟، هل أذهب إلى الجنة بعد موتي؟، كلها مسائل غير مضمونة. ثم أنك (اعذرني، الأمر بحاجة إلى صراحة) تصفني وصفاً مؤلماً، يعني، أنا مثلاً أقدر الدهشة، أحبها، أحترمها، أفضل لو أنك أخبرتني بأني قادر على إدهاشك، كان ليصبح بمقدورنا التفاوض والتفاهم حينها، لكن اضحاكك، هكذا، دون مقدمات، دون سابق معرفة، دون صلة قرابة، دون أن تكون من المسئولين عن إدارة شئون البلاد، توء.. لا أعتقد.

دعني اسألك، هل أعمل لديك مثلاً؟، سمعت أن زمن العبودية انتهى. بإمكانك أن تخبرك زوجتك أو الفتاة التي تحب أنها قادرة على امتاعك، هذه حريتك وحريتها، لكني لا أقدم لك خدمة شبيهة. لا أقدم لك شيئاً أساساً. لماذا تتطوع إذن بقول ذلك؟، هل حصلت على تصريح؟، أرني بطاقتك الشخصية من فضلك، ترى، لا توجد إشارة لحقك في فعل هذا. احترس، يطبقون القانون هذه الأيام، ولا استثناء لأحد.

علينا أن نواجه الأمر، يعني، بإمكاننا في المستقبل، أن نتفق على ما هو مسموح وما هو ليس كذلك (يكتبون الدستور هذه الأيام وسيتناول كافة المسائل، لا تقلق). أقترح أن نضع حداً ينظم مسألة حرية أي شخص في وصف أي شخص آخر بأي صفة. هذا عدل، (يوجد حزب يحمل هذا الاسم، وبالإمكان مخاطبة المسئولين هناك لدعم القضية)، لأنه في النهاية، نحن لسنا في غابة، للصفات حدود. لكل شيء حدود بالطبع.

اختصاراً للوقت، والجهد، ولأنك بالكاد احتملتني حتى تصل إلى هنا، بإمكاني عرض الأمر مرة أخيرة وبوضوح كافي.

أرجوك، في المرة القادمة، لا تحدثني عن قدرتي على اضحاكك. هذه مسألة سخيفة.