الأحد، مايو 30، 2010

حدث في شارع زغلول

عند شارع زغلول سيحدث المشهد التالي.

الفتاة، ولنطلق عليها "سها" تنزل إلى الشارع في انتظار وسيلة مواصلاتها المعتادة، "سها" يمكن أن تركب الميكروباص، الأتوبيس الأخضر غير المكيف، الأتوبيس الأبيض المكيف، الأتوبيس الأحمر الجديد غير المكيف، أتوبيس الجمعية، التوك توك. سها يمكن أن تركب أي شيء في أي وقت إلا التاكسي بألوانه المتعددة، التقليدي : الأبيض في أسود، السوبر : الأصفر ومكتوب عليه رقم تليفون، الأبيض المتوسط : أو ما يطلق عليه "روتيتو" نظراً للشبه الكبير بينه وبين أكياس بطاطس تحمل ذات الإسم والشكل، وهو تاكسي تقليدي لكن بموديل حديث وعداد وتكييف يعمل عند الطلب.

و"سها" لا تركب التاكسي لأنها مسألة مبدأ، ومبدأ "سها" كفتاة عاملة أنها يجب أن تستمر في الذهاب للعمل كل يوم طوال الشهر، وركوب التاكسي مرة واحدة يجعل فرصة الذهاب للشغل معدومة في أيام خمسة تالية.

لماذا ركبت "سها" التاكسي؟، للإجابة على هذا التساؤل المنطقي، علينا أن نتعرف على شخص آخر، شاب في منتصف الثلاثين، ولنطلق عليه اسم "سيد".

لا أحد يعرف "سيد"، كما أن لا أحد يعرف "سها". ولا أحد يعرف ما السبب الذي جعل "سيد" متواجداً في شارع زغلول في ساعة كهذه، وهي إحدى ساعات الصباح ما بعد المبكر. العاشرة، الثانية عشر، شيء كهذا.

حين ظهرت "سها" في الشارع، لم يكن الحدث عادياً. والسبب : ملابسها.

تعتقد "سها" في مسائل غريبة، كالـ"حرية"، الـ"ليبرالية"، الـ"خصوصية"، الـ"استقلالية"، وهي بالطبع معتقدات – سواء كانت صحيحة أو خاطئة – تعاني بطئاً في الانتشار في شارع زغلول. أما "سيد" فمعتقداته تقف عند مسألة الـ"لية"، وللأجانب نشرح ونوضح، الكلمة المذكورة هي قطعة الدهن غير المتوقفة عن الإهتزاز الموجودة في مؤخرة الخروف. وسيد يحب الخرفان. هي كائناته المفضلة.

عندما شاهد "سيد" ملابس "سها"، تذكر بيانات بطاقته الشخصية، ذكر، مصري، مسلم، 33 سنة، كلية التجارة جامعة القاهرة، 9 شارع البطاريق متفرع من شارع زغلول. ثم فكر قليلاً، هل هناك ما يمنع أن يعبر "سيد" عن إعجابه بملابس "سها"؟. مزيد من التفكير، ومزيد من التأمل في بيانات البطاقة. ثم الإجابة الصحيحة : "لا مانع"، والإنتقال للمرحلة التالية من المسابقة لكن بعد الفاصل.

كيف يقول؟، كيف يعبر؟، ما ردود الفعل المتوقعة؟، وما الذي يريده أساساً منها؟. الحب، الجنس، الصداقة، الإبتسامة، العلاقة العابرة، التحرش، الإعجاب، الإخوة، المال، الشهرة، الأكل، الشرب، الكلام، الفضفضة.. كلها أسباب منطقية تدفع "سيد" لفعل أي شيء لإثارة انتباه "سها". كلها "حاجات" طبيعية ومفهومة، كما أن أساليب التعبير عنها مقبولة نوعاً. حتى المعاكسة قد لا تجد من يعترض عليها.

لكن، كانت لدى "سيد" حاجة أعقد. حاجة تلزم مزيد من الجهد في التعبير، مزيد من القوة والشجاعة. حاجة تشبه "سيد"، تطابق بياناته في البطاقة، وتلاءم اسم شارع "زغلول".

بهدوء، اختار "سيد" مكانه، منتصف الشارع، على الجزيرة، الرصيف الفاصل بين الاتجاهين، وقف أمامها تماماً، ثم أخذ لجسدها لقطة متأنية، من أسفل إلى أعلى، والعكس، قارن بين ملابسه وملابسه، أخرج قمصيه خارج بنطلونه، ثم جلس القرفصاء.

بهدوء لم تلحظه "سها"، التي كانت تسمع وقتها أغنية على الـ"MP3"، ولنقل أنها كانت "مفيش حاجة تيجي كدة"،... فتح "سيد" سوستة بنطلونه، ثم غطى بطرف قميصه الفتحة، دس يده للداخل، بحث قليلاً، ثم أمسك به، أخرجه، تأكد من أن نظره مركز على "سها"، لم يشغل باله للحظة إن كانت تراه أو يراه أحدهم. بدأ يحرك يديه. مرة. اثنين. ثلاثة. أربعة.. أصبح التحريك منتظماً. "سيد" يمارس العادة السرية أمام جسد "سها" في شارع "زغلول".

بعد مرور أقل من دقيقة، كان "سيد" في حاجة لدقيقة أخرى، الوضع صعب، وهو غير معتاد على ممارسة عادته في منتصف الطريق. ستأخذ العملية وقتها، وفي التأني السلامة.. الحركة تزداد انتظاماً. و"سها" تلمح بطرف عينها ما يحدث. دون أن تفهمه. لكن بمرور اللحظات. تفهم، وتفكر في رد فعل مناسب، فتقرر ترك مكانها والتمشية للأمام عدة خطوات.

في البدء كانت التمشية مثيرة أكثر لـ"سيد"، وتساعده على إنجاز مهمته بنجاح. لكن ابتعادها جعل العملية تفقد معناها. وقف، دون أن يدخل عضوه داخل بنطلونه، ثم تحرك بمحاذاتها على ذات الرصيف. حتى وصل لمكان وقوفها الجديد. وجلس جلسته السابقة، وأكمل ما كان يفعل.

أدركت "سها" قوة خصمها. الدماء تصعد بقوة إلى رأسها، ويده تصعد بسرعة وتهبط، هي أيضاً شبكت كفيها، وبدأت في فركهما، تفرك، تفرك، تفرك.

أما "سيد"، فشعر أنه يقبض على الدنيا براحة يديه، أحكم قبضته، وراقب يديها تفرك، وتخيل شيئه بين يديها، دون أن يغمض عيونه، تفرك "سها". يعض على شفتيه، تفرك، يعض، تفرك، يعض، تفرك يعض.

كانت في الواقع تبحث عن تاكسي، دقيقة أخرى تمر، تزداد سخونة الفرك، وتهرب بعيونها في اتجاه آخر. الهروب يزيد من جمال تجربة "سيد"، الذي اعتبره حياء فتاة عذراء اختار عريسها أن تقام ليلة الدخلة في الشارع، في ساعة صباحية مبكرة.

بهدوء يليق به، ظهر تاكسي أصفر سوبر، بأرقام مطبوعة على جانبيه، سلمت "سها" أمرها لله، أشارت، وقف، ركبت، وكان "سيد" قد أتم مهمته بنجاح، وقف، أدار ظهره لظهر التاكسي ومضى.

ملاحظات :
- تقنياً، كانت "سها" محجبة.
- القصة حقيقية وحدثت بالفعل أمام شارع زغلول المتفرع من شارع الهرم بمحافظة الجيزة جمهورية مصر العربية. وعند صاحب هذه المدونة شهود على الواقعة.
- أنا آسف.

مطاوع يتحدث عن نفسه.

عندما بدأ الحفل، كان كل شيء جاهز، العصائر، الأطعمة الخفيفة، الموسيقى الهادئة. الفرصة سانحة لأصدقاء مطاوع للاحتفال به. لكن التكييف معطل، تم اكتشاف الأمر في اللحظات الأخيرة، فقرر الجميع أن استخدام المروحة لن يكون مزعجاً، ولسوء الحظ، فإن المروحة الموجودة كانت ماركة "توشيبا" موديل التسعينات، ريشتها حديدية، وصوتها عال لكن غير مزعج.

بعد شرب الكازوزة، شعر مطاوع أن اللحظة مناسبة لقول ما يريد الآخرون أن يسمعوه، وقف أمام المروحة، وجرب أن يتحدث ووجهه ملاصق لها، اختبر صوته.. "أنا أنا أنا".. خرج الصوت من الناحية الأخرى مموجاً.. "أنــــااااا، أنــــااااا، أنــــااااا". ضحكنا جميعاً، وأخذ كل منا مكانه، وأعتدل من كان نائماً، لحظة وساد الصمت، وبدأ مطاوع وحده الحديث عن نفسه..

"أنا,,

السمكة التي تتخبط على السجادة، تنتفض، تموت بعد قليل، كل هذا لأن أحدهم أرسلها هدية لزوج جديد، فوضعها في الحوض المخصص لسمك الزينة، ورأى أن يجعلها تشعر بالسعادة، فملأ الحوض إلى آخره بالماء، ولأنه يؤمن بالحرية، فقد ترك الحوض دون تغطية، ولأنه يعتقد أن الخصوصية حق لكل كائن، أطفأ نور الغرفة، وأغلق الباب وخرج، وأنا، كسمكة زينة صغيرة وحيدة، أصابتني الهلاوس، أكلت كل الحبيبات الملونة التي تباع كأكل للأسماك، شعرت بالإمتلاء، هاجمتني الكوابيس، جريت هنا وهناك، قفزت لأعلى، فوجدت نفسي على السجادة، أنتفض، أتخبط، أموت بعد قليل.

سيأكلني النمل بالتأكيد، وسيأتي صاحب الغرفة، يراني، يغضب، ويبدأ التفكير في قناعاته بخصوص الحرية والخصوصية وحوض أسماك الزينة التي تقرر الإنتحار بالقفز إلى السجادة وتجلب النمل إلى الأرضية.

أنا الفيل، فيل في جيش أبرهة مأمور بهدم الكعبة دون أن يخبره أحدهم بسبب الخناقة، أنا الكاتب الذي يراود الكتابة عن نفسها، فتراوده الكتابة عن أنفاسه.

أنا ديوان الشعر الذي لن يطبع، والفيلم الذي لن يحصل على منحة وزارة الثقافة، نوت الفيس بوك التي لا تأتي بتعليقات، أنا ستاتيس على الموقع ذاته لا تستفز أحدهم للضغط على "LIKE".

أنا متعب، أنا بايظ، أنا خرتيت كسول أصابع قدميه تبعث رائحة نتنة وهو يحبها. أنا سقف غرفة واسعة على وشك التعبير عن حبه للأرض والذوبان بها بالسقوط، أنا حجر شيشة تفاح يرغب في تغيير الولعة لكن صبي القهوة لا يستجيب، أنا أجلس تحت الشجرة، وعصافير الشجرة تقضي حاجتها على قميصي الأبيض، ولا يروقني قول الأصدقاء أني "هتكسي".

أنا البيت القديم، محل الخردوات، الكراكيب التي ترى صاحبة المنزل أن الاحتفاظ بها ضروري، أنا الشيش أتحدى الألموتال، أنا باب الأوكرديون الذي يفصل الصالة عن غرف النوم، ركبوني منذ سنين، ولم يستخدمني أحدهم ولو مرة. أنا الأنسر ماشين، بالشرائط الصغيرة والرسائل المملة بعد سماع الصفارة، أنا عدة الموبايل القديمة الملقاة في الدرج، ويظن كبار السن أن سعرها بالتأكيد أغلى من الأجهزة الأحدث الملونة ومزعجة بالرنات المجسمة.

أنا نهايات الأفلام العاطفية الغبية، أنا صاحب فرعون، بل أني أنا فرعون، شرائط الـ(VHS)، عصر ما قبل الـ(DVD)، أنا القرص المرن، أنا القرص الصلب، أنا الفأرة، أنا علبة أحبار الطابعة التي نفذت منذ زمن. أنا كورس الكومبيوتر الذي لا يأخذه أحد.

أنا الرخص، أنا الصين، البضاعة المضروبة التي تجد من يقدرها، أنا الزبادو، ومصنع الزبادو احترق، مصر تعاني دون زبادو، وأنا علبة الزبادو الأخيرة، نجوت من الحريق، لكن الحرارة أفسدتني، من يرغب فيكم في شرب زبادو أفسدته الحرارة؟.. من؟..

هنا انتهى مطاوع من الحديث عن نفسه، رفع الزجاجة بما تبقى من كولا في الكازوزة، ثم سحب نفساً هادئاً. ضحكنا جميعاً، وعادت الضجة واختفى صوت المروحة، هذه المرة أجاد مطاوع التمثيل، وجعلنا جميعاً نتأثر. مطاوع مدهش فعلاً، هذا رأيي فيه منذ رأيته للمرة الأولى يلعب البلياردو في صالة بجوار المدرسة الثانوية.

بعد دقائق، بحثت عن مطاوع في المكان، لم يكن في الصالة الضيقة، أو في المطبخ المزدحم بعلب الجاتوة الكرتونية. أزحت الستار ونظرت إلى البلكونة، وجدته ينفث دخان سيجاره في الهواء، وفي عيونه نظرة ضيق، لوهلة شعرت أن مطاوع كان يقصد ما قاله عن نفسه.

الثلاثاء، مايو 11، 2010

فن!


عرف الفن. اشرح الفن. تحدث عن الفن، قارن بين الفن والفن، علل الفن، ضعه بين قوسين، اضربه في نفسه، واقسمه على ثلاث أرباعه، واعطي كل فنان قطعة من الفن، وخذ منه قطعة أخرى، تأملها، وأشعر بالفن داخلها وخارجها، ثم اسأل نفسك. ما هو الفن؟، كيف يمكن شرحه؟، وكيف يمكن الحديث عنه دون وضع تعريف له، وما نتيجة المقارنة بين فن وآخر.

ما علاقة الفن بالفنان؟. وما الذي يجب أن يقوله الفن للفنان، وأن يقوله الفنان للفن؟، هل هناك علاقة أصلاً؟. وكيف يمكن فصل الفن عن الفنان، دون أن نفصل الفنان عن الفن؟، وإذا فصلنا كل جزء في جهة، ففي أي جهة يجلس الجمهور، وما علاقة الفن بالجمهور، من يقيم الفن، من يشاهده، ولماذا أصبح من المهم أن يشاهد الجمهور الفن، ولماذا يرغب الفنان في عزل فنه بعيداً عن الجمهور، هل هذه رغبة صادقة؟، وهل يلوث الجمهور الفن والفنان، أم يتلوث من الفنون وفنانيها؟.

ما علاقة الفن بالدين، الأخلاق، السياسة، الإقتصاد، التاريخ، اللغات، الجغرافيا، درجات الحرارة المتوقعة، وسعر صرف الدولار مقارنة بعملة بلد الفنان يوم بيع لوحة جديدة في صالة عرض.

من أين يأتي الفن؟، وأين يذهب؟، ولماذا يأتي ثم يذهب؟. ولماذا يشعر معظم الفنانين بالأسى على حالهم، والشفقة على أنفسهم، والخوف من الفن.

ما الفن؟ ومن الفنان؟.