الثلاثاء، يناير 11، 2011

2011

(1)

اختارت إدارة الكافيه طريقة غريبة لتسلية الزبائن.

شاشات البلازما الكبيرة تغطي الحوائط في كل اتجاه، الكافيه صغير، يستوعب عشرين شخصاً بالكاد، لكن الحوائط تحمل خمسة شاشات كبيرة، كلها مضبوطة على قناة واحدة للأغاني، القناة لا تتغير، والأغاني تتكرر. لكن دون صوت.

كل الشاشات مضبوطة على وضعية الصمت، إلا أن الموسيقى تملأ المكان. مصدرها سماعات بيضاء مستطيلة توجد على الحوائط كلها أيضاً، بجوار كل كنبة مخصصة للزبائن، توجد سماعة مثبتة بالأعلى، وهي مصدر الموسيقى.

النظام الصوتي جميل، وقائمة الأغاني لطيفة، يختارون الأغاني الحديثة، ويخلطوها بأغنيات صدرت منذ عامين أو ثلاثة، يغيرون اتجاه الأغاني كل ساعة، ساعة للحزن، ساعة للفرح، ساعة للحب، ساعة للأغاني التي لا تهتم بالحب، محمد منير ومحمد محي ومحمد رشدي أحياناً.

الكافيه على بعد مائة خطوة من البناية التي أعمل بها، أنزل إليه هرباً من زحام المكتب بالتفاصيل والناس والضيوف والأصوات.
اليوم، أتيت إلى هنا، والتفاصيل معي، تملأ رأسي، ورأيت أنه قد يكون مناسباً أن أجلس مع تفاصيلي لوقت مناسب، اسألها، تسألني، أحاورها، أقول لها ما أفشل في قوله في المكتب، المقهى، السيارة في رحلتها اليومية بين البيت والعمل.

الموسيقى هنا موحية، الصور الصامتة على الشاشات أيضاً. أنظر أحياناً إلى الشاشة، وأجد الموسيقى ملائمة تماماً لما يحدث داخل الأغنية المصورة الصامتة، أجدها طريقة لطيفة.. الاستماع لأغنية، مع مشاهدة كليب لأغنية أخرى، أقول لنفسي أنها تصلح كفكرة جيدة في مونتاج الأفلام الوثائقية التي أعمل عليها.. وأدون في ورقة صغيرة أن علي تمرير الفكرة للأصدقاء المخرجين..

أذكر نفسي بأنني هنا للجلوس بهدوء بعيداً عن العمل، والتفكير العميق.. لكن، لماذا اعتدنا على وصف التفكير بالعميق.. ما عيب التفكير السطحي.. التفكير البسيط.. التفكير السهل.

ثم، هل التفكير بعمق الآن، ينفي صفة العمق على الأفكار التي أتداولها مع نفسي في الأماكن العادية..

(2)

بالقرب من باب الكافيه، توجد لوحة ضوئية مربعة، مكتوب داخلها باستخدام الأضواء "الحد الأدنى للفرد 25 جنية"..
يتغير لون الكتابة بسرعة، بين الأحمر والأزرق والأخضر والأصفر.. إيقاع تغير الألوان، يلاءم إيقاع الأغنية في السماعات، وتقطيع الصور في الكليبات على الشاشات.

أشعر، وكأني أنا وحدي الخارج عن الإيقاع. بحاجة إلى هدوء أكثر، إلى موسيقى انسيابية، تلاءم حركة الكاميرا الهادئة في فيلم كنت أصوره منذ يومين.

أذكر نفسي بالغرض الذي جئت بسببه إلى هذا المكان، البحث عن الهدوء، والكف عن التأمل في التفاصيل الصغيرة.

عاقبت نفسي وكافأتها، فطلبت قهوة مخفوقة مع اللبن، مرت دقائق عشرة، قضيتها في مراقبة الشاشة الصامتة والاستماع إلى الموسيقى، جاء عامل الكافيه، وضع الكوب الأبيض، ابتسم لي ثم انصرف..

نظرت إلى الكوب، وجدت أن أحدهم داخل المطبخ يحاول أن يجتهد، حتى أنه واحتفالاً بالعام الجديد، رأي أن يكتب على سطح الكريمة وبواسطة الشيكولاتة المبشورة، تاريخ العام الجديد.. 2011.

بالتدريج كان صوت الموسيقى يختفي، والصور تتلاشي، فيما اقتربت بوجهي من الكوب، وراقبت تاريخ العام الجديد يتلاشي نقطة نقطة، حيث كانت الكريمة المخفوقة تختفي بالتدريج، ويختفي معها اسم عام كامل، ينتمي إلى المستقبل.
غادرت بعد قليل، وقبل أن أشرب..

ليست هناك تعليقات: