الاثنين، أكتوبر 17، 2011

في مسألة ماسبيرو

(1)
بعض التفاصيل الصغيرة، تصلح لتفسير المسائل الضخمة.. إذا كنا نتحدث عن "ماسبيرو" مثلاً، فيمكن الإشارة إلى أن المبنى مصمم على شكل حدوة حصان.

في كتاب ما كنت مضطراً لدراسته للحصول على شهادة الإعلام، كان هناك فصلاً غبياً يتحدث عن تصميم مباني البث الإذاعي والتليفزيوني.. ومن بينها شكل حدوة الحصان. الكتاب يقول أن مبنى ماسبيرو واحد من مباني قليلة في العالم مصممة على هذا الشكل، هناك مبنى أخر في الإتحاد السوفيتي المنهار على ما أذكر..

لماذا هو كذلك؟، سؤال وجيه، لأن الأستديوهات تحتاج إلى عزل عن الضوضاء من الخارج، لهذا، توجد مكاتب الموظفين على أطراف الحدوة، وتوجد الأستديوهات في الداخل.. طيب، فرضنا مثلاً.. العلم نور والهندسة لها أسبابها طبعاً.. لكن، هل هذه أسباب كافية ليصبح المبنى على شكل حدوة حصان؟.

قاعدته ضخمة للغاية، وخازوقه طويل وسميك، ممتد إلى السماء، هو التجلي الأول للقبح في مدينة لم تعرف قبله المباني الأسمنتية الصماء.

حكمة : لا تحتفظ في مدينتك الجميلة بمبنى على شكل حدوة حصان.

(2)
جرت العادة ونحن صغار، أن نذهب مساء الخميس إلى جدتي لقضاء نهار الجمعة معها كاحتفال أسبوعي بالأجازة. وكانت جدتي لديها تليفزيون. فيما كان بيتنا يفتقر إلى واحد مثله.

زمان، كان الأطفال ينامون مبكراً، ويستيقظون كذلك، وزمان أيضاً، كان التليفزيون يعرض برنامج اسمه سينما الأطفال صباح يوم الجمعة.

كنا نجلس أمام الجهاز العجيب نشاهد البرنامج الأعجب. وقضينا سنوات نشاهد بشكل أسبوعي حلقة جديدة من مسلسل تقوم ببطولته كلبة اسمها "لاسي"، وهي كلبة يفترض أنها ذكية وقوية ونشيطة، وتكاد تتحول إلى إنسان من فرط ما تقوم به من أشياء مدهشة.

في مرة من المرات، سألت أخوتي بينما نشاهد "لاسي"، ما الذي نفعله في أنفسنا؟، كيف نسمح لهم بالضحك علينا وجعلنا نصدق أن هناك كلبة تفعل كل هذه الأشياء؟.

بجوار التلفزيون، كانت هناك جهاز سنعرف بمرور الوقت أن اسمه "فيديو"، وكانت هناك عدة شرائط منها فيلم "الإرهاب والكباب". لاحقاً، تغيرت خطتنا بحيث أصبحنا نقضي نهار الجمعة في الفرجة على يسرا ترتدي فستاناً جميلاً.

الآن، تقضي طفلتي وقتها أمام إم بي سي، وبراعم، وسبيس تون، وكلها قنوات تعرض أفلام وبرامج أبطالها ليسوا كلاباً.

معادلة : إذا كانت طفلتي لا تشاهد "سينما الأطفال" والكلبة "لاسي"، فما الذي يفعله ماسبيرو في حياتنا؟

(3)
في المسجد يتحدث الشيخ عن التليفزيون المليء بالعري والنساء والأغاني والفحشاء. ويرى أن هذا حرام.

في الكنيسة يتحدث القس عن أن التليفزيون حرض الناس ضد الأقباط، ويرى أن هذا أيضا حرام.

في المقهى ينزعج الزملاء من أن المباراة تذاع على قنوات مشفرة ويمنون أنفسهم بيوم يشاهدون فيه منتخبهم الوطني على تليفزيونهم الوطني، ويعتقدون أن البث المشفر للمباريات حرام.

في الصعيد أخبرتني صديقة أن القناة الثامنة خير وسيلة لإجبار أطفالها على النوم، فهم يخافون من معظم مذيعينها. تضيف صديقتي : يا حرام.

سؤال : ما كل هذا الحرام؟

(4)
يذاع برنامج "صباح الخير يا مصر" في وقت مريب. بعضنا يستيقظ ويرحل إلى عمله قبل بدايته، وبعضنا يفعل هذا بعد نهايته. من الذي يشاهده إذن؟.

أبناء الطبقات الغنية لا يشاهدون القنوات التعليمية وبرامجها لأنهم - والحمد لله - يحصلون على دروس خصوصية في كل المواد. أبناء الطبقات الفقيرة لا يشاهدونها أيضاً لأنهم لا يملكون تليفزيوناً في البيت. من الذي يشاهدها إذن؟.

تمكنت صغيراً من معرفة سبب ممارسة أمي لبعض الطقوس الغريبة في البيت. كنت أراقبها وهي تفسد أشياء كثيرة في المطبخ. بمرور الوقت، ضبطتها مرة تشاهد برنامج "مجلة المرأة". ثم توقفت بعدها عن فعل هذه الخطيئة. من الذي يشاهد برنامج اسمه "مجلة المرأة" إذن؟.

علل؟!

(5)
إذهب إلى ماسبيرو وقف أمامه في تمام الثانية ظهراً. ثم راقب المشهد.

سترى سيدة في الخمسين، بدينة بعض الشيء، ترتدي خماراً كبيراً لونه أزرق أو بني، تحمل في يدها اليسرى حقيبة بلاستيكية بيضاء كبيرة، ويدها اليمنى مفرودة، أسفل علبة حلويات عليها شعار ماسبيرو، وهو عبارة عن رسم أسود كبير بذات شكل المبنى الضخم.

داخل العلبة، توجد قطع صغيرة من الحلويات، تقول الأسطورة أن الدور العاشر بالمبنى الضخم يحتوى على مطعم وكافيتريا، تقدم الحلويات والوجبات بأسعار مخفضة للعاملين.

تقول الحقيقة العلمية، أن العاملين في ماسبيرو عددهم يتجاوز الأربعين ألف. وحين تذهب إلى المبنى في الثانية ظهراً، ستشاهد عدداً كبيراً من العلب المرسوم عليها شعار ماسبيرو.

فكر : ما كل هذه الحلويات؟

(6)
يوجد في مصر شيء اسمه "حزب الكنبة"، والكنبة هي أريكة كبيرة مريحة، يطيب الجلوس عليها لساعات دون فعل أي شيء، عادة يمكن تسمية الجلوس على الكنبة بالأنتخة.

هذه الأنتخة، تحتاج عادة إلى نوع من التسلية وقتل الملل، بعض الدراسات تشير إلى أن أعضاء حزب الكنبة يميلون إلى مشاهدة التليفزيون المصري بينما يأنتخون على الكنبة.

تعتقد الحكومة، أن حزب الكنبة يقف في طريق تقدم الأمة واستمرار السلاسة البشرية وبقاء الحضارة. وهذه بالطبع أسباب كافية للتخلص من حزب الكنبة. لكنها ستصبح مجزرة، فكيف سنتخلص من كل هؤلاء؟.

توصل العلم الحديث إلى حقيقة تؤكد أنه بإغلاق قنوات التليفزيون المصري، سيختفي حزب الكنبة، بل لعلنا نصبح قادرين على التخلص من الكنبة نفسها.

أغنية شعبية : كل شيء يهون.. حتى التليفزيون.

(7)
مبنى واحد، قادر على قتلنا في منازلنا، حتى إذا هربنا منه ونزلنا إلى شوارعنا، نقتل أمامه، ويملأ الدم جدرانه الخارجية تماماً كما يملاً طرقاته الداخلية.

مبنى واحد. على شكل حدوة حصان، ينتج من الحلويات أضعاف ما ينتج من المعرفة. يحمل اسم اتحاد الإذاعة والتليفزيون، والحقيقة، أن اتحاده فقط ضد الشعب ورغباته وأفكاره وإرادته.

مبنى واحد، لم يعد حتى مسلياً للأطفال، يختطفه بعض الكبار ويجلسون أعلى خازوقه يتحكمون في شاشاته الكثيرة، التي لم تذع يوماً ما هو أكثر إفادة من بيان تخلي المخلوع عن سلطته.

مبنى واحد، يكذب / يقتل / يحرض / يدمر / يشوه / يهدم.. ما فائدة وجوده في بلادنا إذن؟.

جواب نهائي : اهدموا ماسبيرو

هناك 7 تعليقات:

Carol يقول...

تدوينتك حلوة و دسمة :)
بها ما يكفي من السخرية الفعالة :)
زي ما بيقولك هم يبكي و هم يضحك هو ده مبني ماسبيرو للأسف !!
أسلوبك و عباراتك مختارة بعناية بسيطة و معبرة
تحياتي لك .. هذه اول زيارة لي و ليست الاخيرة أكيد :)

غير معرف يقول...

اهم حاجه في المقال انك ذك ت بنتك تصدق كنت نسيتها افتركتها تاني مليكة اللي اتولدت في عهد عشرينات العظيم المهم سلملي على عمك ايمن جابر رزق كان زميلي هنا في دبي سلملي عليه وقوله ابومحسن بتاع جمعية الاصلاح بيسلم عليك سلام يا براك وسلملي على مليكه

Miss trouble maker يقول...

مبنى واحد، قادر على قتلنا في منازلنا، حتى إذا هربنا منه ونزلنا إلى شوارعنا، نقتل أمامه، ويملأ الدم جدرانه الخارجية تماماً كما يملاً طرقاته الداخلية.
كلامك جميل اوي واسلوبك رائع وماسبيرو لازم يتهدم ويتبني من جديد
البلد عايزة نقل دم من الشباب الواعي للعواجيز اللي خربوها وقعدوا علي تلها

Mai Kamel يقول...

حلوة جدا :)
بجد حلوة

Wohnungsräumung يقول...

Thank you for your wonderful topics :)

Entrümpelung wien يقول...

شكرا على الموضوع ,,))

Firmenumzug Wien يقول...

Thank you for your topic and great effort