مسيرة المسيري..
فكيف كان يمكن للنتيجة ألا تكون رائعة؟
كان هناك فنان، يعيش في مدينة كوورو، دائب المحاولة للوصول إلى الكمال.
وذات مرة تراءى له أن يصنع عصا. وقد توصل هذا الفنان إلى أن الزمان عنصر مكون للعمل الفني الذي لم يصل بعد إلى الكمال، أما العمل الكامل فلا يدخله الزمان أبداً. فقال لنفسه : سيكون عملي كاملاً من جميع النواحي، حتى لو استلزم الأمر ألا أفعل شيئاً آخر في حياتي.
فذهب في التو إلى غابة، باحثاً عن قطعة من الخشب، لأن عمله الفني لا يمكن أن يصنع من مادة غير ملائمة. وبينما كان يبحث عن قطعة الخشب، ويستبعد العصاة تلو الأخرى، بدأ أصدقاؤه تدريجياً في التخلي عنه، إذ نال منهم الهرم وقضوا.
أما هو، فل يتقدم به العمر لحظة واحدة، فوفاؤه لغايته وإصراره وتقواه السامية أضفت عليه، دون أن علمه، شباباً أزلياً.
ولأنه لم يهادن الزمن، ابتعد الزمن عن طريقه، ولم يسعه إلا أن يطلق الزفرات عن بعد، لأنه لم يمكنه التغلب عليه.
وقبل أن يجد الفنان العصا المناسبة من جميع النواحي، أضحت مدينة كوورو أطلالاً عتيقة فجلس هو على أحد أكوامها لينزع لحاء العصا، وقبل أن يعطيها الشك لالمناسب، كانت أسرة كاندهار الحاكمة قد بلغت نهايتها، فكتب اسم آخر أعضائها على الرمل بطرف العصا، ثم استأنف عمله بعد ذلك.
ومع انتهائه من تنعيم العصا وصقلها لم يعد النجم كالباً في الدب القطبي. وقبل أن يضع الحلقة المعدنية (في طرف العصا لوقايتها) وقبل أن يزين رأسها بالأحجار الثمينة، كانت آلاف السنين قد مرت. وكان براهما قد استيقظ وخلد إلى النوم عدة مرات.
وحينما وضع الفنان اللمسة الأخيرة على العصا، اعترته الدهشة حين تمددت العصا بغتة امام ناظريه لتصبح أجمل المخلوقات طراً، لقد صنع نسقاً جديداً بصنعه هذه العصا، عالماً نسبه كاملة وجميلة، وقد زالت في أثناء صنعه مدن وأسر قديمة، ولكن حلت محلها مدن وأسر أكثر جلالاً.
وقد رأى الفنان الآن وقد تكومت عند قدميه أكوام النجارة التي سقطت لتوها، رأى أن مرور الوقت في السابق بالنسبة له ولعمله كان مجرد وهم، وأن لم يمر من الوقت إلا القليل.
"كانت مادة عمله نقية صافية، وكان فنه نقياً صافياً، فكيف كان يمكن للنتيجة ألا تكون رائعة؟"
* السطور الأخيرة من كتاب "رحلتي الفكرية.. في البذور والجذور والثمار – سيرة غير ذاتية غير موضوعية". من تأليف الدكتور عبد الوهاب المسيري، الذي غادر الدنيا – بجسده – مساء أمس الأربعاء 2-7-2008، ويبقى مشروعه الثقافي والحضاري والسياسي والأدبي باقياً رغم عوامل الزمن.
وذات مرة تراءى له أن يصنع عصا. وقد توصل هذا الفنان إلى أن الزمان عنصر مكون للعمل الفني الذي لم يصل بعد إلى الكمال، أما العمل الكامل فلا يدخله الزمان أبداً. فقال لنفسه : سيكون عملي كاملاً من جميع النواحي، حتى لو استلزم الأمر ألا أفعل شيئاً آخر في حياتي.
فذهب في التو إلى غابة، باحثاً عن قطعة من الخشب، لأن عمله الفني لا يمكن أن يصنع من مادة غير ملائمة. وبينما كان يبحث عن قطعة الخشب، ويستبعد العصاة تلو الأخرى، بدأ أصدقاؤه تدريجياً في التخلي عنه، إذ نال منهم الهرم وقضوا.
أما هو، فل يتقدم به العمر لحظة واحدة، فوفاؤه لغايته وإصراره وتقواه السامية أضفت عليه، دون أن علمه، شباباً أزلياً.
ولأنه لم يهادن الزمن، ابتعد الزمن عن طريقه، ولم يسعه إلا أن يطلق الزفرات عن بعد، لأنه لم يمكنه التغلب عليه.
وقبل أن يجد الفنان العصا المناسبة من جميع النواحي، أضحت مدينة كوورو أطلالاً عتيقة فجلس هو على أحد أكوامها لينزع لحاء العصا، وقبل أن يعطيها الشك لالمناسب، كانت أسرة كاندهار الحاكمة قد بلغت نهايتها، فكتب اسم آخر أعضائها على الرمل بطرف العصا، ثم استأنف عمله بعد ذلك.
ومع انتهائه من تنعيم العصا وصقلها لم يعد النجم كالباً في الدب القطبي. وقبل أن يضع الحلقة المعدنية (في طرف العصا لوقايتها) وقبل أن يزين رأسها بالأحجار الثمينة، كانت آلاف السنين قد مرت. وكان براهما قد استيقظ وخلد إلى النوم عدة مرات.
وحينما وضع الفنان اللمسة الأخيرة على العصا، اعترته الدهشة حين تمددت العصا بغتة امام ناظريه لتصبح أجمل المخلوقات طراً، لقد صنع نسقاً جديداً بصنعه هذه العصا، عالماً نسبه كاملة وجميلة، وقد زالت في أثناء صنعه مدن وأسر قديمة، ولكن حلت محلها مدن وأسر أكثر جلالاً.
وقد رأى الفنان الآن وقد تكومت عند قدميه أكوام النجارة التي سقطت لتوها، رأى أن مرور الوقت في السابق بالنسبة له ولعمله كان مجرد وهم، وأن لم يمر من الوقت إلا القليل.
"كانت مادة عمله نقية صافية، وكان فنه نقياً صافياً، فكيف كان يمكن للنتيجة ألا تكون رائعة؟"
* السطور الأخيرة من كتاب "رحلتي الفكرية.. في البذور والجذور والثمار – سيرة غير ذاتية غير موضوعية". من تأليف الدكتور عبد الوهاب المسيري، الذي غادر الدنيا – بجسده – مساء أمس الأربعاء 2-7-2008، ويبقى مشروعه الثقافي والحضاري والسياسي والأدبي باقياً رغم عوامل الزمن.
هناك 4 تعليقات:
رحمه الله ابدله اهلا خير من اهله ودارا خيرا من داره وزوجا خير من زوجه وانا قبره ووسع مدخله
انا لله وانا اليه راجعون
رحم الله العلامة المسيري واسكنه فسيح جناته
تحياتي
رائع هذا النقل
رحم الله المسيري فقد تأثرت بفكره عظيم التأثر
البقاء لله
il
إرسال تعليق