الجمعة، يوليو 11، 2008

ليل - خارجي




الأشقياء فقط، والأتقياء أيضاً، يعرفون معنى قضاء ليلة خميس في وحدة خلف شاشة كومبيوتر في محاولة لكتابة أي شيء بدون هدف.

الأشقياء فقط، والأتقياء أيضاً، يترقبون ليلة الخميس من الأسبوع إلى الأسبوع، ويعلنون صباح كل جمعة، أن لديهم خططاً جديدة لقضاء مساء خميس مقبل، بشكل مختلف عن شكل الليلة السابقة..

الأشقياء، وأنا لست منهم، والأتقياء، وأنا أكتفي بمعرفتهم من بعيد.. سيستمرون في قضاء ليالي الخميس خلف الشاشات، ينقرون بشكل منتظم، في محاولة للكتابة، دون هدف.. لكني لن أفعل.

الطريق من المكتب إلى كورنيش المعادي ليس طويلاً كما كنت أتخيل، حتى وإن كان طويلاً، فهذا لا يعني أنك ستصاب بالتعب إن قررت اتخاذه على قدميك وتجاهل التاكسيات على اليمين والشمال في سرعة بطيئة ومحاولة لإغراءك بالإشارة والركوب.

الطريق من المكتب إلى الكورنيش يشعرني بأنه منحدر لأسفل بشكل سحري، أكاد لا أشعر بالمسافة، أخرج من الباب، لأكد نفسي – فجأة - أتنفس هواء الكورنيش بصدر مفتوح.. بعض الطرق تنحدر لاسفل، بحيث تجبرك على السير فيها.. قليل من الفلسفة سيجعلني أشبه الطريق من المكتب إلى الكورنيش، ببعض الطرق التي مشيت بها في حياتي فقط لأنها تنحدر لأسفل ولا تحتاج مجهوداً – أو هكذا ظننت – للسير فيها كل مساء.

أخرج من المكتب، أحرص على ترك حقيبتي بأعلى، أريد أن أستمتع لدقائق بمرجحة يداي بجوار جسمي، أشعر أنني رشيق، وأنني فقير، فقير جداً، العرق، والسير في الشوارع المظلمة، والتي تمرق فيها السيارات الحديثة بسرعة، كلها أشياء تشعرني بالفقر، أنا الآن فقير، ورشيق أيضاً، مرجحة يداي تمنحني شعوراً بالسعادة، كأني سأنطلق الآن، وأملك القدرة – فجأة – على الطيران.

.........

أريد أن اتحدث مع أحدهم..

لا أعرف على وجه التحديد اسم الشخص الذي أحتاج للحديث معه الآن، ولا أعلم حتى موضوع الحديث، لكني أعرف أنني حين أشعر بالسعادة – أو الحزن – تمتلكني رغبة لا نهائية في الكلام، أي كلام، على أن أجد من يشاركني فيه..

أصارحك القول، في مساءات ماضية كثيرة، وحين شعرت في بعضها بالفرح الشديد، وفي بعضها الآخر بالحزن الشديد، جربت، أكثر من مرة، أن أفتش في لائحة أرقام الأصدقاء على تليفوني، لأكتشف، أن معظمها لا يرد، وأن عدداً منهم قرر قضاء ليلة الخميس في "ربما يكون مغلقاً"، وأن البعض، مثلي، يحتاج إلى الحديث مع أحدهم، وقد تمكن من تحقيق أمنيته، ولهذا فإن صفارة خاصة تخترق أذني من سماعة التليفون لتأكد أن الطرف الآخر مشغول.

أتحدى الظروف، وأقرر أن الوقت يحتاج إلى "أحدهم" لأتحدث معه، أقرر أن أكلم أي شخص، أمي، أبي، أي أحد.. أسأل الأسئلة العادية الغبية، "عاملين إيه.. نتيجة رحمة طلعت.. هتروحي عند تيتة بكرة.. هتروحي الساعة كام؟"، الحقيقة أن لا أحد يصدني، يخبروني بأن نتيجة رحمة ظهرت منذ شهر، وأنهم أخبروني بها أربع مرات على الأقل.. وتخبرني أمي بأنها ستذهب لـ"تيتة" لأنها تفعل ذلك كل جمعة، وأنها ستكون هناك – كما أعرف – في الواحدة ظهراً.

أستمر في إجراء المكالمات الغبية، أكتشف أن الوقت أصبح متأخراً فجأة، وأن بعض المكالمات أصبحت غير مسموحة، خاصة تلك التي استهدف فيها صديقات وزميلات من أزمنة وأمكنة مختلفة، في المرة الأخيرة أخبرتني زميلة بشكل مهذب.. "أنا م بستقبل مكالمات بعد الساعة 11"، وقد كنت – لفرط غبائي – أتصل بها في الثانية إلا عشرة صباحاً.

سأصل إلى الكورنيش إذن بسرعة، ستضيع جرعة الحزن – أو الفرح – دون فائدة، هل أصبح هذا العالم بخيلاً جداً لدرجة أنني لا أستطيع إجباره على منحي شخص واحد جدير بان أتحدث إليه قليلاً في أمور غاية في الأهمية كالفرح أو الحزن.

أستطيع أن أجزم الآن بأني – مثل أي شخص آخر – لا أستطيع إجبار العالم على فعل أي شيء، كما أني لم أنجح في إجباره في المرات الكثيرة السابقة، كما لم ينجح أحد.

أقرر أن الخطة البديلة تحتم علي أن أسلك طريقاً بديلاً، بأن أسير داخل المعادي قليلاً، بموازاة الكورنيش، قبل أن أقرر الإنحراف يساراً في أي شارع جانبي يصلني إلى طريق الكورنيش، في هذا إطالة للطريق والمدة، ومحاولة لإبقاء نفسي داخل الحالة الجميلة، الحزن، أو الفرح.

لا أزال أحرك يداي بشكل منتظم، أستمتع بمراقبة نفسي أتنفس، أتدخل بإرادتي لتنظيم أنفاسي، أسحب الهواء الساخن داخل صدري حتى يمتلئ، وأفرج عنه زفرة واحدة، أكتشف أني صحتي ليست على ما يرام، فلم أعد أستطيع تكرار الحركة مرات عديدة.. أكتشف أن موبايلي يدق.. أحدهم يبحث عني.. أحدهم قرر أنه يحتاجني.. أدقق النظر إلى الرقم.. أفهم أن الحاجة المطلوبة مني شيء من إثنين.. "هات برتقان معاك عشان مليكة"، أو "بعت الميل ولا لسه؟"..

هناك 9 تعليقات:

ka2en Makboot يقول...

والله يا فندم في اشقياء بل معذبون في الارض وراهم مذاكرة وزهقوا منها .. بقالهم عشروميت سنه بيذاكروا ولسه ماخلصتش .. غالبا حلت عليهم لعنه الكاتب المصري اللي هيفضل مربع رجليه قرفصاء لحد القيامة ماتقوم هههههه
ولم كتبوا ماحدش بيفهم اللي بيكتبوه ههههه ودي حاجة محبطة احباط تقيل بلاك دبرشن .. فقرروا انهم مش هيكتبوا .. وهيسيحوا فى الارض .. فحلت عليهم لعنه الارواح الهائمة .. ومازال التجول فى سراديب وازقة المدونات مستمر

سررنا بالانعطاف على منزلكم

تحيـــاتى
احد التعساء :)

Che Ahmad يقول...

الأشقياء وأنا منهم قاعدين فاتحين الكومبيوتر ومبحلقين فى الشاشة ومفيش حاجة تتعمل ولا الكلام راضي يجي علشان يتكتب
وكمان محتاج جدا حد اكلمه
ولكن خمسة الفجر مش ميعاد مناسب علشان اكلم حد سواء من اصدقاء او صديقات

هحاول اقرأ لسحر الموجي تاني
تشي

hana zain يقول...

مقال اقراه يا بيرو

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=110369

ٍSOU يقول...

تعرف انا بتجيلى نفس الحالة بس بدرو فى قايمة التليفون كلها مش بحس ان فى حد فيهم ممكن اتكلممعاه و يشاركنى اللحظة و يحسها ..فبكتفى انى اتكلم معايا :))

غير معرف يقول...

وله يا براء ، انت بقيت تكنة ليه كده ومقالاتك بقت نفيخة اوي ؟؟؟!!

كنت بحب المدونة دي زمان مالها بقت فشيخة اوي كده ؟؟!

sakayar يقول...

يااااااه
أولا أول زيارة لحضرتك
ثانياً أسلوبك التصويري للكلام بجد تحفة
ثالثاً بتتكلم وبتخيل وكإنك بتتكلم عني
كتيييير اوووي كان عندي الشعور ده
وبالفعل كنت آخدها مشي من مكان شغلي للمكان اللي هروح ليه وكانت مسافة طويلة بل من الممكن كانت تبقى ف عز الحر وتشعر فعلا بشيء غريب ... لكن بتخرج طاقتك في المشي
وتفضل ترن على الناس ... اللي ميردش واللي مشغول واللي مقفول
لكن كانت النتيجة عندي إني لقيت الشخص اللي اتكلم معاه ... مفيش أحسن مني يسمعني ... اتكلم مع نفسي واسمعني
لكن كنت اول ما أبدأ أتكلم يجيلي تليفون ... تعال علشان عايزينك تروح لنينا توديلها وتجيب من عندها حاجات
تحياتي بجد
ان شاء الله اكون زبون دائم في مدونتك اللطيفة

ابراهيم يقول...

حينما رحل الكلام بلا عودة
حمل اشجاني معة الي قلبي
وطال اليل بكل الامة واحلامة
وسالني الي اين
قلت الي الا شي
او حتي الي اي شي
انها اختيارات القدر
ادعوك الي زيارة مدونتي واتمني التواصل الدائم

إنسان || Human يقول...

فعلاً حالة الحاجه الى التحدث الى اي حد بتجيلي كتير ..إلا ليه؟؟؟؟

El - Shandwely يقول...

وصلت لمدونتك عن طريق موضوع عن الموسيقار تامر كروان ..
ماعلينا
الظاهر ان فى حالة عامة من الاكتئاب الشديدة بتظهر مع بداية الاجازات تحديدا .. مش ده اول موضوع عن الحكاية دى اقراه ناس قاعدة مش عارفة تعمل ايه ..مخططين لحاجات كتير ولكن مكسلين متفهمش
...
انا نفس الشىء بس يمكن الشىء اللى انا مختلف فيه انى بعتبر مجرد انى اكلم واحد على التليفون علشان اقوله يلا نخرج بقى نوع من الاستنطاع .. واستغبى الموضوع شوية وبقى نوع من الضعف ..اللى بدوره خلانى احس لما اتصل بحد اقوله يلا نخرج او اخترع اى موضوع ..ده شىء فى اهانه ليا وضعف .. اللى كان نتيجته انه بمقتش اقول لحد يلا نخرج .. وانتظر فى تكبر لحد ماحد يقول عاوزين نخرج
سيبك