الجمعة، فبراير 02، 2007

منديل ورق.. يا منديله!

(1)

هل يوجد في القاهرة ما هو أغلى (وأرخص) من النيل؟؟

أمس جلسنا على صفحة النيل، بيننا وبين مائه متر واحد، وخلفنا كان هناك فندق شهير، استمد شهرته من كونه يطل على مكان مميز من النيل.. لكن دخول الفندق ورؤية النيل من داخله حلم يعجز جيبك عن تحقيقه..

لكن الجلوس قرب النيل.. على الحجارة.. وشرب شاي سيء بدون سكر من بائع متجول للشاي وحمص الشام.. الجلوس في ذلك المكان.. وشرب تلك الأشياء.. أمر تفعله ببساطة ولا يغرمك سوى جنيهين اتنين.. مقابل الشاي والحمص..

تجلس هناك.. الفندق الشهير خلفك.. ودار الأوبرا أمامك.. وبائع الشاي يصر على أن يسمعك رغما عن أنفك أحدث إصدارات "طارق الشيخ".. دقيقة حداد..

هو نيل واحد..

شاهده من فوق بألف جنيه..

واقترب منه وألمس ماءه البارد.. وادفع اتنين جنيه..

واسأل نفسك في كل مرة.. "النيل بكام؟؟"..

وانظر إلى مكانك جيدا.. واسمع السؤال الذي سيطرحه صديقك بشكل لا إرادي..

"في كبت أكتر من كدة؟؟"

(2)

كنا على موعد للإجابة على السؤال السابق..

السؤال الذي كان استنكاريا أكثر منه استجوابيا واستفهاميا..

الحقيقة أنه.. في فعلا كبت أكتر من كدة بكتير.. وإليكم النموذج..

(3)



اقترب منا شاب أسمر، للوهلة الأولى عرفنا أنه يقصدنا نحن دون أن يكون على معرفة بأي منا.. كنا خمسة من الصحفيين جمعتنا الصدفة في مكتب عشرينات وقررنا أن نجلس على النيل نتسامر..

اقترب منا الشاب وسأل سؤال تقليدي من الممكن أن تسمعه مرة أو مرتين في يومك..

- لو سمحت يا أستاذ.. ممكن ورقة؟..

أخرج عبد الله الطحاوي ورقة وأعطاه إياها.. سألته أنا في فضول.. "عايز ورقة تعمل بيها إيه دلوقتي"..

- أنا شاعر.. وكنت ماشي على كوبري قصر النيل.. وفي أبيات شعر نزلت على دماغي.. فقلت أكتبها.. وملقتش ورقة أكتبها.. فكتبتها على منديل ورق.. ودولقي بدور على أي ورقة أكتب عليها الشعر.. خايف المنديل يتقطع ويبوظ.. وأنسى أنا الأبيات.. بص .. أول ما أخلص القصيدة هديهالك تقراها..

قلت له : طيب.. خد الورقة بس بشرط.. هتديني المنديل بعد ما تنقل الشعر.. اتفقنا.. ؟؟
- اتفقنا..
(4)

انا اسمي أحمد.. عاطل.. مش بشتغل.. عظيمة يا مصر.. عارف مش بشتغل ليه؟؟.. عشان أنا كنت مدمن هيروين.. بودرة يعني.. بس بقالي كتير مش بشم بودرة.. لكن مفيش حد عايز يشغلني معاه..

أنا بكتب شعر حلو قوي.. بس عايز حد يسمعني

أنت بتبص لي كدة ليه؟.. هو أنا باين عليا محتاج فلوس..

أنا ساكن هناك.. في القصر العيني.. عظيمة يا مصر..

أصل أنا بحب قوي كوبري قصر النيل.. وبحب أمشي عليه.. وأكتب شعر..

(5)

قال الكلمات السابقة في حين كان منهمكا في نقل أبياته التي لم أكن سمعتها من المنديل.. إلى الورقة.. كنت متعلقا بالمنديل.. أشعر أن هناك قصة صحفية يمكن صناعتها من "منديل ورق" صنع ليستخدمه الناس في التخلص من فضلات أنوفهم.. لكن هذا الشاب تخلص من أبيات شعره في المنديل نفسه..

سخرت من المعنى، وتصورت أن شركة صناعة المناديل في حاجة لتعديل شعارها "ناعمة وقوية وكلها حنية".. لأن المنديل أصبح في لحظة كبت واحدة.. "كله شاعرية"..


(6)

لما تلاقي الجد في إيده حفيده..

وفي الناحية التانية المطواة في إيده..

يبقى أنت أكيد.. أكيد في مصر..

لما تذاكر جدا ومتنجحش..

ولما تنجح وماتتوظفش..

ولما تتوظف وما تكسبش..

ولما تحب وما ترتبطتش..

ولما ترتبط وما تتجوزش..

يبقى أنت أكيد.. أكيد في مصر..

لما المزة تسيبك وما ترجعش..

يبقى أنت أكيد.. أكيد.. أكيد..

في مصر!

(7)

وأعطاني المنديل..

مكتوب عليه..

"رجاء من يقرأها يقولها لعشرة مصريين حتى يفهموا الحقيقة.. عظيمة يا مصر"..

تحتها كتب أحمد " الساعة .... بالليل.. كوبري قصر النيل"..

لأن أحمد لا يرتدي ساعة يعرف منها الوقت الذي نظم فيها أبياته.. !

(8)

في كبت أكتر من كدة..

نحن الذين لم توفر لنا جيوبنا فرصة دخول الفندق الشهير لرؤية النيل من داخله فجلسنا على صفحة النيل باتنين جنيه..

وأحمد.. الذي كتب قصيدته الأخيرة.. على منديل ورق.. وجاءنا يستلف ورقة ينقل عليها أبياته..

حين أمسك المنديل الآن.. أفكر أن أحمد ربما استلف المنديل نفسه.. لأنه ربما لا يملك ترف شراء علبة مناديل صغيرة بنصف جنيه..

يرن صوت "عبد الله الطحاوي" جانبي يغني أغنية قديمة لعبد العزيز محمود : منديل الحلو.. يا منديله..

يلح السؤال مرة أخرى..

في كبت.. أكتر من كدة!؟


(9)

يقول "محمود الكردوسي" في مقاله الأسبوعي في "المصري اليوم" :

أكتب عن نفسي، لأني واحد من الناس، والكتابة عن النفس، هي جزء من الكتابة عن الناس.. تلك التي هي أهم ما يفعله الكاتب والصحفي.. لأن التجربة الشخصية جزء من التجربة العامة..

هناك 7 تعليقات:

moodysalihamidzic يقول...

ربنا يفك كربه
ويفك كروبنا جميعاً
ويعيننا
ويوفقنا لتحقيق احلامنا

مُصْعَب إِبْرَاهِيم يقول...

على فكرة احنا كنا أربعة صحفيين ومبرمج

ثانيا : أنا اللي اديته الورقة مش أستاذ عبدالله :P

ثالثا : كبت أكتر من كده أنا ما شفتش خالص في أي مكان في أي حتة في العالم...

زحل الفلكي يقول...

سبحان الله
انسان زي ده على اد مهو حاسس بضيق الحياه حوليه
الا انه لسه عنده امل
وبيكتب
وبيقول شعر
اهو يمكن في وقت من الاوقات حد يسمع شعره
سبحان الله

إبـراهيم ... يقول...

جمييييييييل يا بيرو ......



النيل ، والناس المتنيلين عليه ( نسبـة إلى النيل يعني ) ليهم ألــف حكاية وحكاية ....


بقاالي كثييير ما عديتش هنا


وحشتني :)

shabfa2re يقول...

اضحك للدنيا.. تشخلعك

غير معرف يقول...

يارب يكرم شباب مصر وانا فعلا بزعل اوى اما اشوف واحد مش واخد حقة فى بلدة يارب الكربة دى تتزالعن قريب وربنا معاكم ياشباب مصر

Rivendell** يقول...

اه في كبت اكتر من كدا

لما ما يبقاش قدامك غير انك تقعد في بلكونة في بيت بتطل على شارع عرضه مترين متحاوط بالمباني من كل ناحية وتقنع نفسك انك قاعد على الكورنيش وبتبص عالنيل انت واصحابك .. دا بالنسبة للكبت اللي عندك انت وباقي الزملا


اما هو بقى

يارب يلاقي شغل وحاله ينصلح ومايرجعش للبدره تاني