الخميس، مايو 22، 2008

"حاجات".. (2)


الجمعة :

هل يوجد أجمل من النوم مدة 12 ساعة متواصلة، أستيقظت في الثالثة أو الرابعة، تسيطر علي حالة غريبة، أشعر كأني أعيش أجواء نهاية فيلم أنا بطله، فيلم طويل قصير، طويل لأنه استغرق سنوات ستة، وقصير لأن أحداثه مرت بسرعة شديدة، وبدون أي ملل.

جئت إلى قنا للمرة الأولى في وقت مثل هذا، في أغسطس، نفس الحر، نفس الروح العالية المرتفعة، نفس القدر من السعادة.

عندما قرر مكتب التنسيق أن كلية الآداب بجامعة جنوب الوادي فرع قنا هي المكان المناسب لي، كنت وقتها في الطائف، في زيارة عمل مع والدي، فرحت وقتها بقدر أجبر أبي على الإندهاش، كانت أمنية الدراسة خارج القاهرة تحتل المرتبة الأولى في لائحة أمنياتي السرية التي لم يتحقق منها شيء.

جئت إلى قنا للمرة الأولى مع موظف في شركة أبي اسمه أيمن، جاء هو في زيارة تسويقية لمنتجات الشركة، وجئت أنا لأحجز مكاني في قسم الصحافة والإعلام، طالباً في الفرقة الأولى.

آسرني هذا البلد منذ البداية، رغم الحر، واختفاء أي مظاهر للترفيه، إلا أن البعد الشديد بينها وبين القاهرة كان كافياً، كنت وقتها أكره القاهرة لدرجة جعلتني أتقبل أي شيء، إلا أن قناعتي تلك لم تستمر إلا شهور قليلة، انتهت بنهاية العام الدراسي الأول، وظهور نتيجتي التي احتوت على خبر تكرر بعدها مرة أخرى، سأعيد العام لأني رسبت في مواد ثلاثة، اللعنة على الدراسة، ولتبدأ الخطة B.

الخطة B تلخصت في العودة للقاهرة، والبحث عن عمل، بعيداً عن شركة أبي، وبالتحديد في مجال دراستي، الإعلام، وقتها عرفت أشياء كثيرة، وفتح أمامي باباً سرياً للمعرفة المقترنة بالسعادة.

لو خيرني أحدهم بين الرسوب في العام الأول والبدء بتنفيذ الخطة البديلة، وبين النجاح بتفوق وتحقيق طموح والديبأن يصبح لديه ابن ناجح يدرس الماجيستير في دولة أوربية على نفقة الدولة، لو خيرني أحدهم لاخترت الخيار الأول، لا أتذكر بالضبط ملابسات رسوبي، لكن ما أعرفه جيداً أنني كنت أحتاج إلى هذا الرسوب، بدونه لم أكن لأذهب إلى رئيس تحرير جريدة "آفاق عربية" أعرض عليه حوار مع رئيس جامعتي، وبدونه ما كان لرئيس التحرير هذا أن يخبرني – بتعالي يناسب رؤساء التحرير – أن المكان المناسب لهذا الحوار هو مجلة حائط مدرستي الثانوية.

بدون هذا الرسوب لم أكن لأفكر في الإعتماد على نفسي مادياً، مدركاً أن قربتي المخرومة ستستمر في "الخر" على نافوخي لفترة طويلة، بحسب توقعات أبي.

بدون هذا الرسوب لم أكن لأفقد الثقة في الأفكار التي اعتنقتها بصدق أيام الثانوي، وبدونه أيضاً فإن لمسة العنف التي تظهر في أفكاري لم تكن لتظهر.

بدون هذا الرسوب لم أكن لأعرف هذا الكم من البشر، لم تكن البوابة لتفتح، بوابة عالم حقيقي، يفصلني عن عالم طفولتي ومراهقتي.

بدون هذا الرسوب، ما كان شيئاً مختلفاً سيحدث، كانت الأمور كلها ستسير في مسارها الطبيعي، ولعلي الآن، كنت سأحظى بفرصة ما، للعمل في دولة عربية شقيقة، في مجال يتعلق بالإعلام، بوظيفة ساعدني في الحصول عليها رئيس تحرير "آفاق عربية"، الذي أقنعني أن مهنة الصحافة لا تلائمني، وأن الإسلام بحاجة إلى أكاديمي إعلامي يدرس الإعلام لأجيال قادمة (باعتبار أن الجيل الحالي لن يحقق النصر أو التمكين، وأن هذه الأشياء من نصيب الأجيال القادمة، وأن دورنا يقتصر في تربية الأشبال، ليحصدوا ما نعجز نحن عن حصاده).

بدون هذا الرسوب، كنت سأظل مكاني، أحلم بمرتب يتكون من عدة مئات من الجنيهات، وبالزواج وأنا على مشارف الثلاثينات، وبزوجة بنت 18، تنتهي لتوها من دراستها في جامعة الأزهر أو معهد إعداد الدعاة، وبسيارة طراز "شاهين"، مستعملة، موديل عام مولدي.. 1985.

.............

انتهت ذكرياتي وأنا لا أزال نائماً على السرير بدون حراك، ما أحلى النوم المتواصل لكل هذه المدة، سأظل كما أنا، أحب هذه الحركة، تعلمتها في قنا، مددت يدي وأغلقت التكييف، وقررت أن أظل نائماً حتى ترتفع درجة حرارة الغرفة ويبدأ جسمي في طرد العرق، أحب رائحة جسمي في تلك الحالة، أشعر كأني لم أستحم منذ أيام، أظل هكذا مدة طويلة، أقرر تشغيل التليفزيون ومشاهدة أي شيء، أقلب بين القنوات بهستيرية، من 1 حتى 22، والعكس، أتخيل أن الباب سيدق بعنف الآن، وسيدخل مدير الفندق ويأمرني بالرحيل، قائلاً أن رائحة جسمي لا تحتمل، وأني على وشك تعطيل التليفزيون، أضحك في سري، أشعل سيجاراً جلبته معي من القاهرة، أقرر أن الوقت قد حان لدخول الحمام والحصول على دش بارد، هو في الحقيقة ساخن، شأنه في ذلك شأن باقي الأشياء المنتشرة في بلد مثل قنا.

نزلت، تركت حقيبة اللاب توب في الغرفة، وقررت أن الوقت مناسب للتسكع قليلاً، مررت على استقبال الفندق، طلبت من الموظف عدم تنظيف الغرفة لأن أشيائي منتشرة بشكل يجعلني قلقاً من ضياع أي شيء، وأكدت أن الجرائد الملقاة في كل مكان ليست زبالة، وأني أريدها مكانها، طمأني الموظف بقوله أن عمال النظافة رحلوا اليوم مبكراً، وأن التنظيف سيتم في الغد.

خرجت من الفندق، الجو أفضل كثيراً، مررت على فرشة الجرائد، أحضرت المصري والدستور الفجر، وروزاليوسف، وكالعادة ندمت على شراء "روزا" بمجرد ابتعادي عن الفرشة وقراءة عناوين مقالات الثنائي العبقري كرم جبر وعبد الله كمال.

الآن أستطيع أن أعرف محتوى المقال من قراءة عناونه، فمضمون مقال الثنائي العبقري لن يخرج عن كونه أمراً من ثلاث، الحديث عن القوى الخارجية التي تستهدف مصر، الحديث عن القوى الداخلية التي تستهدف هي الأخرى مصر بإيعاز من القوى الخارجية، الحديث عن حكمة الحكومة والرئيس ومن سار في ركابهما إلى انتخابات 2011..

اللعنة، "رضا" عنده حق، لابد أن تتعلم أن تخلص نفسك من مهنتك في لحظة وتتحول إلى مجرد مستقبل للرسائل، العمل في الإعلام، بالإضافة إلى ما فيه من مصائب كثيرة، يفقد الواحد منا متعة القراءة العادية، يمنعه من الإندهاش، يجبره على عدم الإشادة بالعناوين الجيدة أو المقالات الرائعة، انسى وأنت تعمل في الإعلام أن تخرج من السينما قبل قراءة التتيرات، أن تشاهد سيناريست يتحدث في توك شو فاشل دون أن تهتم، أن تجد مقالاً عن صناعة الترفيه مكتوب باليابانية العامية دون أن تحاول ترجمته أو تجبر نفسك على تعلم اليابانية.

فجأة يتحول كل "الإعلاميين" إلى منافسين لك، كل صحفي هو مجرد شخص يفعل شيئاً تستطيع أنت أن تفعله بشكل أفضل، كل كاتب عامود هو مجرد شخص آخر يجيد الكتابة، لكن ليس كما تجيدها أنت، كل مفكر، هو مجرد شخص ثالث يجيد التفكير، ويصل إلى أفكار من بنات أفكاره، لكنك تعلم، أنك لو جلست في بلكونة بيتك، وفكرت قليلاً، فستصل بالتأكيد إلى نتائج أفضل كثيراً، سواء من بنات أفكارك، أو من بنات الجيران التي تطل عليهم بلكونتك.

بمناسبة البلكونة، أتذكر الآن أن جارة تسكن في الشقة التي أمامي، سمعتها قبل سفري بأيام تسب زوجها، في وصلة سباب دورية اعتدت عليها أنا ودعاء منذ أن سكنا في هذه الشقة، منذ عام تقريبا، لكني هذه المرة كنت أستطيع السماع بشكل أفضل، كما أن نيتي في التلصص كانت خالصة لوجه سيناريو فيلم أعمل عليه الآن، تلصصت لعلي أجد في الكلام ما يمنحني جملة حوار أو فكرة شخصية، والحقيقة أن جارتي المصون كانت كريمة بحيث أعطتني كل شيء.. سمعت جمل متقطعة كانت كافية لتطلعني على الصورة كلها..

"أنت فاكر نفسك إيه.. أنت مش أكتر من راسبوتين.. راسبوتين قذر، طبعا أنت متعرفش يعني إيه راسبوتين يا جاهل.. هتعرفه منين.. من ذقنك دي.. اللي بتضحك بيها على كل الناس.. اسمع.. أنا فضلت عايشة معاك ومخدوعة فيك ومستحملاك عشرين سنة.. بس عمري ما هسمحلك بعد كل الوقت ده تيجي وتمد إيدك على بنت من بناتي"..

انتهى كلام الجارة المصون، التي لا أعرف شكلها ولا شكل بناتها ولا شكل هذا الراسبوتين الذي أخبرني البواب بأنه لا يعيش معهم ويأتي لهم من وقت لآخر.. سألت نفسي وقتها، هل يستحق بني آدم – أياً كان – أن يجعل بني آدم آخر – أياً كان برضه – يحتمل كل هذه المدة..

سألت دعاء في اليوم التالي السؤال الذي علمني إياه أحمد، "أنتي مضطرة تعيشي معايا.. أرجوكي لو مضطرة قوليلي.. وأنا هعفيكي من أي ألم وهعرف أنسحب من حياتك بمنتهى الهدوء.. دعاء.. هو أنا راسبوتين؟"..

كنت أعلم الإجابة وقتها، فلا أنا راسبوتين ولا نيلة، كما أن دعاء – على خلافتنا المتكررة – غير مضطرة على الإطلاق لفعل أي شيء، دعاء لا تعرف الإضطرار أصلاً، لا في حياتها الزوجية ولا في غيرها، كما أن الحياة معي – كزوج – لطيفة من وجهة نظري يما يتعلق بمسألة الإضطرار.

أخبر دعاء أنني على استعداد للقدوم إلى البيت يوماً بعد منتصف الليل لأجدها ما زالت بالخارج، فقط سأتصل بها أطمئن عليها، وأطلب منها إحضار عيش فينو معها لأني جعان، أو شراء الجرائد من ناصية الشارع إن كان اليوم هو الخميس.

أخبر دعاء بأني لن أسألها إن قررت خلع الحجاب مثلاً عن سر قرارها، وإن طلبت مني يوماً مبلغاً نقدياً كبيراً لإنفاقه في شيء ما لا أعرفه ولا يحق لي ذلك، فسأجتهد – بمنتهى الضمير – لإحضار المبلغ في الوقت المطلوب.

أخبر دعاء أنني أمنحها كل صباح حريتها الكاملة، لا أشغل بالي بأي رقابة على تصرفاتها، وأخبرها أيضاً، بعد هذه المحاضرة الرقيقة، أنني أفعل كل هذا فقط حتى أنال أنا الآخر حريتي، أو على الأقل قدراً منها.

بالطبع تلتزم دعاء بالحضور إلى المنزل في وقت حددته هي لنفسها، كما أنها أيضاً تصر على إخباري بكل كبيرة وصغيرة في حياتها، وأنا طبعاً أتفهم ذلك بكونه احتراماً جميلاً منها تجاهي، وبكونه أيضاً، ذكاء أنثوي حاد، من زوجة تعرف هدف زوجها، فتمنعه إياه بمنتهى الحكة.

.......

هل سأأكل اليوم في "كويك دور"؟، لا.. بالأمس كانت البيتزا سيئة، كما أن الجو هذا العصر جميل، ويسمح لي بالتمشية للأمام قليلاً لأصل إلى "الشيف"، أفضل مطاعم قنا على الإطلاق في نظري المتواضع.

دخلت، صالة الطعام كلها فارغة، سألت عن إذا ما كان المطعم يعمل، أجابوني بإيجاب ودهشة، تذكرت أن اليوم هو الجمعة وأن الجميع على موعد مع غداء عائلي، بالإضافة إلى أن هناك مبارة ما جعلت البعض يفضل مشاهدتها في المنزل بدلاً من الغداء في الخارج، طلبت بيتزا وساندوتش صغير وبيبسي.

من المطعم إلى شقة ياسر وبسام، مروراً بالفندق الذي أحضرت منه حقيبة اللاب توب، قرأت أجزاء كثيرة من كتاب المادة، فتحت اللاب توب، وجلست أكتب ما حدث في الأربعاء والخميس والجمعة.

عدت إلى الفندق في الواحدة من صباح السبت، كلمت دعاء في الطريق بينما كنت أسير والشراع خالي تماماً، كانت نائمة، سألتها عن موعد عودتها للقاهرة من كفر الشيخ، قالت صباح السبت.. وأغلقت في وجهي.. هكذا تفعل عند النوم.

السبت :

أيقظني الموبايل 10 مرات، وأيقظني تليفون الغرفة مرتين، الأولى لم أرد أساساً، والثانية كانت لسؤالي عما إذا كنت مستمر في الإقامة لليلة أخرى أم أني سأرحل.

كررت طقوس الأمس، أجمل ما في هذه الأجازة أنها تسمح لي بتكرار الأشياء بدون أي قلق.. وقفت تحت الدش لوقت أطول، استخدت صابونة الفندق، أفضل الإستحمام دون صابون على الإطلاق، لا أحب ملمس الصابون على جسدي، كذلك لا أحب الليفة، أفضل المياة الفاترة في الصيف، والساخنة فيما عداه.

وقفت عشر دقائق أبحث عن مشط لشعري، لم أجد، قررت تسريح شعري بأصابعي، كان مظهره منكوشاً وكأني قضيت يوم كامل في التصوير، أحب هذه الهيئة، قررت النزول هكذا دون اعتناء بالمظهر، أنا أساساً لا أهتم بمظهري بالقدر المطلوب، اهتم فقط بأن تكون ملابسي سليمة، وأن يكون قميصي مكوياً.

أكلت المعتاد في كويك دور، لم يعجبني الشيف، أو بمعنى أدق لم ألمح فروقاً بينه وبين كويك دور، خرجت من المطعم، وقررت أن الوقت مناسب لمقابلة (ش)، صديقتي من أيام أولى كلية، كيف ستبدو، هل تكفي 6 سنوات لتغييرها؟.

كلمتها، أخبرتني أن أمامها ساعة وتكون في "البسمة"، بحزم إداري تعلمته في الفترة السابقة أخبرتها أنه "مينفعش، تلت ساعة وتكوني قدامي"، ضحكت، ونفذت أوامري.

لم تترك (ش) شيئاً إلا وتحدثت فيه، الناس، الشغل، الحب، الزواج، الكتب والأدب والسينما والفن، الجو الحار، الاختلافات بين القاهرة وقنا، القهوة التي يقدمونها في البسمة وكيف أنها سيئة ولن تعجبني..

بذكرها للقهوة أخبرتها أنني تعلمت شربها مؤخراً، كذلك بدأت أشرب السيجار، قالت أنها لو جاءت مبكراً قليلاً لنصحتني بعدم طلب القهوة من هنا، قلت أنني جئت هذه المرة لاكتشاف الأشياء بنفسي، وأني لست في حاجة إلى مرشد سياحي.. ضحكنا.

يبدو أنها لم تلحظ جملتي السابقة بشأن السيجار، فجأة وجدتني أطلب "طفاية" من فتاة البسمة، أخرجت العلبة المعدنية من الحقيبة، والولاعة من جيبي، أمسكت السيجار بعناية، شممته، ثم أشعلته فجأة، مثيراً حول وجهي الكثير من الدخان، ومثيراً لدى صديقتي الكثير من الأسئلة.

قالت : "عارف، أنا متأكدة إنك مش كويس.. إحكيلي إحنا أصحاب.. مالك.. فيك إيه؟".

ضحكت، أخبرتها أن تأكدها ليس في محله، وأني كويس جداً، كما لم أكن من قبل، وأن الساعات الماضية، منذ ركوبي القطار، منحتني راحة وسكينة كنت في حاجة ماسة إليها، وأني هادئ لدرجة البرود، وأني فقط بحاجة إلى نوم عميق وراحة جسدية وصلاة عشاء في مسجد سيدي عبد الرحيم القناوي، بعدها أكون قد حققت مرادي من هذه الرحلة، وأعود بعدها إلى القاهرة لأبدأ من جديد.

نظرت إلى كتلميذة تحاول اختراع قانون جديد في التفاضل والتكامل بعد أن تمكنت من حل كل مسائل كتاب الوزارة، لكنها اكتشفت في النهاية أن حل المسائل لا يكفي وحده لاختراع القوانين.

جادلتني، قالت أنني أتحول إلى "شيء فارغ"، أخبرتها بأن لي صديق في القاهرة يقول أنني على وشك التحول إلى "شيء"، سألتها : "عارفة يا ش إيه أغبى حاجة ممكن إنسان يعملها في الحياة؟، إنه يمنع نفسه من التغيير، مقصدش إنه يبقى معندوش ثوابت، بس على الأقل، يبقى دايماً حاطط خطة بديلة، يبقى دايماً متوقع إن كل مواقفه ممكن تطلع غلط، وإنه يبقى عنده شجاعة الإعتراف بأخطاؤه، ومحاولة تصليحها"..

يبدو أنها لم تفهم شيئاً من كلامي، انتهزت فرصة حديثي عن الأخطاء، سألتني، "وأنت إيه الأخطاء اللي اكتشفت إنك عملتها؟"..

جذبت نفس أخير من سيجاري الرفيع، ضحكت، شعرت أنني أشبه يحيي الفخراني بهذا الشكل، قلت لها "لا لا، إنتي فهمتيني غلط، أنا متهيألي معملتش لسه أي حاجة مهمة في حياتي بحيث تطلع صح أو غلط، أنا بتكلم في العموم"..

سألتني "فين الأفلام؟".. حاولت التذكر دون جدوي، رددت بدهشة حقيقية "أي أفلام؟"، قالت "بلاش تمثل، من ساعة ما عرفتك وإنت واجع دماغي بأفكار أفلام كتيرة، هشوف فيلمك أمتى يا سي السيناريست؟".

أعجبتني "سي السيناريست" جداً، لدرجة جعلتني أفكر في تحويلها لشخصية في فيلم لن أكتبه، أخبرتها بأني لن أكتب الآن، قال "أمتى إن شاء الله، يدينا ويديك ويدى السبكي طولة العمر"، أصبحت "ش" خفيفة الظل، لم تكن كذلك حين قابلتها للمرة الأولى في قاعة الدرس منذ ست سنوات، لم تكن كذلك حين ارتبطت بها عاطفياً لفترة ثم اكتشفت أنها لا تحبني بالطريقة التي أفضلها.. لم تكن كذلك، لكن خفة ظلها هذه المرة تعطيها طابعاً سحرياً، كأنها خرجت من فانوسي السحري، أو أنها شخصية خيالية أستحضرها في "البسمة" لقتل الفراغ..

أخبرتها أنني الآن مركز في الأفلام الوثائقية، وأنه من الواضح أني سأركز بفترة ليست بقصيرة، "برطمت" قليلاً، اندمجت أنا وقتها في كتاب أحضرته معها وتركته أمامي على الترابيزة بحيث لم أركز في كلامها، قالت أشياء كثيرة، أسماء أكثر، من أول وحيد حامد إلى أحمد عبد الله، ثم أفقت وهي تذكر اسم "محمد دياب" مؤلف فيلم "الجزيرة"، ضحكت، وحكيت لها عن عاموده الأخير في الدستور، الذي يستحق أن يتم تدريسه في معهد السينما قسم سيناريو في مادة "لا ترتكب هذه الحماقات"..

مر الوقت بسرعة، جلست مع "ش" أكثر من ثلاث ساعات، انهيت الجلسة بطريقتي، كأني أجبرتها على الرحيل، قلت "لازم تروحي، الوقت اتأخر".. همت أن تقول أنه لا مشكلة، أضفت أنا بسرعة "أنا كمان لازم أمشي، عندي ميعاد"..

قضيت ما بقى من الليلة جالساً في البسمة أذاكر، سأنجح في هذه المادة إن استطعت منع نفسي من كتابة رأيي الحقيقي في هذا الكتاب، سأنجح إن لم أكتب ما أرغب في قوله بشأن المستشرقين والإستشراق.. النوم الآن فرض عين.. سأسرق بضعة ساعات، حتى لا أنام في الإمتحان.

دخلت نت كافية بسرعة، أرسلت إيميلاً به بعض الأوراق التي طلبها مني أحمد، وبه سيناريو فيلم وثائقي أيضاً، كنت قد كتبت السيناريو بالأمس وأنا أجلس في البسمة، خرجت من الكافية بعد عشر دقائق.. متجهاً إلى الفندق.

قررت المرور أولاً على بسام وياسر، جلسنا نراجع ما جاء في الكتاب، سألتهم، "تعرفوا سنة تالتة هيمتحنوا تاريخ إمتى؟".. كانت الساعة تشير إلى الثانية عشر ودقيقة، قبل أن أسمع إجابة منهم، يستحق الأمر صفحة جديدة باسم جديد.

هناك 3 تعليقات:

2ensan wnsan يقول...

سلام عليكم يا براء باشا

انا عارف انك معندكش وقت تقرا كل اللي احنا بنكتبه دا اصلا بس اهو بنفضفض معاك ياباشا

مش عارف ليه انا حاسس اني شبهك شويه ودا شرف ليا يا ريتني اكون 1/10 منك

انا برضه تخين وبنضاره ونفسي ادرس بعيد عن مدينتي انا نفسي ادرس في القاهره وابعد عن المحله

بس هو انت بتكتب من قبل الجامعه ولا بعد اما دخلت الجامعه 0

ربنا معاك في امتحاناتك

Shaimaa يقول...

احب ان اقرأ لك كثيرا وخصوصا لسردك عن حياتك، اصبحت اشعر انني اعرفك، واعرف دعاء ومليكة جيدا، مع اني لم ار صورا لها الا في مدونه دعاء،كم هي رائعة تلك الطفلة التي مع رسالتك لها قبل ان تولد تمنيت لو كانت صبيا
ولكني اصبت بالدهشة حين علمت ان عمرك 22 عاما فقط لم اعلم لماذا دائما تصورتك اكبر من ذلك
كل هذا الكلام فقط لاقول لك
ربنا يوفقك يبني في امتحاناتك وتتخرج بقى
وطبعا سلامي ل(ش) الي حسيت ان اسمها شيماء مش عارفة ليه

محمد سلامة يقول...

تعرفتُ إلى مدونتك عن طريق كتاب عندما أسمع كلمة مدونة أتحسس مسدسي أحببتُ بوستك المنشور فيه تحت عنوان قصة قصيرة أوي و معروفة
أسلوبك السهل الممتنع و لكنه السهل الذي يصل إلى أعماق قد لا تصل إليها الأساليب المعقدة
و أشكر صديقيَّ محمد كمال حسن و مصطفى الحسيني على إتاحة هذه الفرصة الطيبة