"حاجات".. (4)
الإثنين :
ضاع الأمس بدون مذاكرة، كالعادة، مساء ليلة الإمتحان لا يقبل استغلاله في الإعداد للمادة التالية، على الرغم من أنه لا يبقى إلا غداً, لكن لا يهم.
لا يزال الصداع يمسك في رأسي، الساعة تشير إلى الخامسة، استيقظت متأخراً قليلاً، شغلت التليفزيون، لا أستطيع مغادرة السرير. على شاشة "ART سينما" شاهدت الساعة الأولى من فيلم "عمر وسلمى"، يبدو والله أعلم أنني سأخصص هذا اليوم للشتيمة، مزاجي متعكر بسبب الصداع، ولا زلت لا أعرف أي شيء عن مادة من المفترض أن امتحنها غداً.
شاهدت ساعة من الفيلم، أدركت أن الوقت تأخر كفاية، أخذت دشاً بارداً، هذه المرة جلبت الحنفية ماء فاتر، توقعت أن يكون الجو لطيفاً، وقد كان، نزلت إلى الشارع، أكلت بسرعة، واتجهت إلى بسمة الجنوب للبدء في المادة.
قرأت الجرائد في البسمة، لم اقرأها في المطعم لإنشغالي بمكالمة طويلة، لم يكن في الجرائد ما يستحق، فقط مقالة ليسري فودة عن تحقيقه التليفزيوني في "سري للغاية"، أعود لتذكر ما قاله رضا بخصوص العمل في الإعلام، لو لم أكن صحفياً يوماً، ما كان خبر أول أمس في المصري اليوم لينال اهتمامي.
نشرت المصري اليوم في السبت أو الأحد خبراً طويلاً، عن عودة يسري فودة للإقامة في القاهرة بعد إقامة طويلة بلندن مديراً لمكتب الجزيرة هناك، ومحققاً تليفزيونياً هو الأهم بلا شك على الساحة العربية.
لكن هل يستحق يسري فودة، على أهميته خبراً مفصلاً عن عودته للإقامة في القاهرة، ويتم نشره في "صفحة 3"، المخصصة للأخبار المحلية الهامة.. مهنياً لا أعرف إجابة على السؤال، لكن ما أنا متأكد منه، هو أن وراء الخبر علاقة ما بين فودة وبين المصري اليوم.
اليوم تتضح المسألة، يسري اتفق مع المصري على نشر عشرين حلقة عن كواليس تحقيقه الأفضل، لا عيب في ذلك على الإطلاق..
يرن سؤال صحفية زميلة في رأسي، تستنكر هي سلوك بعض الصحفيين، الذين يجرون أحاديث صحفية مع شخصيات معينة لضمان علاقة قوية مع تلك الشخصيات، أخبرتها وقتها أن هذا السلوك، من وجهة نظري لا يعيبه أي شيء، المهم أن تظل العلاقة في إطار العمل الصحفي، ما المانع مثلاً من أن أجري بعض الحوارات الصحفية مع شخصية أتوقع مستقبل ما لها، وذلك لضمان أن أكسبها كمصدر طويل المدى، المهم أن يظل مكسبي لها كمصدر فقط، والمهم أن تكون هناك أي حاجة تحريرية للحوارات الأولى مع الشخصية..
اللعنة مرة أخرى.. كل هذه الأسئلة لأجل خبر صغير في المصري اليوم، مالي أنا ومال سياسات الجريدة أو صفقاتها أو علاقاتها.. أنا قارئ، مجرد قارئ، اتلقى الرسالة الإعلامية بدون التفكير في خلفياتها.
بدأت التركيز في المادة، بدأت الآن فقط أخاف منها، كالعادة، تجاوزت الفصل الأول، كل الفصول الأولى في مواد دراسة الكلية لا تستحق حتى القراءة، تتحدث عن أهمية العلم الذي يتحدث عنه الكتاب، وتؤكد أن هذا العلم قديم قدم البشرية ذاتها، وأنه قديم "كيك" استخدمه الآباء والأجداد الأولون، بدون طبعاً أن يدركوا أن الذي فعلوه للتو اسمه صحافة، وأن تلك الفعلة القذرة في خلفية الجبل اسمها "علاقات عامة".
ذاكرت الفصلين الثاني والثالث والرابع، بدأت أفقد تركيزي بعد ساعة واحدة، ذهبت لياسر وبسام، واستكملت معهم باقي الفصول، قررنا حذف الفصل الخامس، اعتبرناه اعتراضاً منا على طول المادة، المادة التي بدأنا نذاكرها فقط الآن، قبل الإمتحان بنصف يوم أو أقل.
أخبرتهم أنني كرهت الفندق، سألت بسام عن الحجرة الثالثة، "فيها مكان؟؟"، أخبرني أن هناك شخص واحد يقيم بها، هو الآن مسافر، أضاف بسام "خليني أتصل بيه اسأله.. ينفع تقعد معاه ولا لأ، أكيد مش هيرفض، لأنك هتدفع فلوس".
اتصل به، لم يجب، استكملنا المذاكرة، وشاهدنا فيلم "45 يوم"، لم أحب هذا الفيلم، لكنه لم يزعجني حين شاهدته للمرة الأولى في السينما، الآن، أصبح هذا البطء يقتلني، ثم أن مشهد في نهاية الفيلم، من المفروض أنه مشهد مؤثر، يجبرني على الضحك، عزت أبو عوف، في وجه غادة عبد الرازق، يتحدثان لدقيقة، ثم يقترب منها، يضع يده على كتفها، يقول جملة تبدو كأنها خلاصة لكل شيء، "أنتي مش فاهمة حاجة أبداً".. ويمضي في طريقه بينما تستمر غادة بالبكاء.
انتهى الفيلم، شاهدنا فيلم أجنبي آخر، رجل واحد قرر أن يقتل كل الممثلين والكومبارس، وفريق التصوير والإخراج، وحتى المصور، كل الناس ماتوا إلا هو، عنده سير كالموجود في مصانع البسطرمة واللانشون، يضع واحد تلو الآخر، ثم يلقي جسده في خلاط كبير، ويشرب من دمه في "مج" شكله لطيف.
القنوات المشفرة تختلف عن "شانل تو"، فالأخيرة تخصص يوم واحد لأفلام الرعب، كما أنها تحذف المشاهد الإباحية، لدرجة جعلتني أعتقد أن أفلامنا العربية فيها من الإباحية ما يفوق إنتاج هوليود.
بدأت أدرك حقيقة الأمور الآن، لا يمر فيلم واحد إلا وأجده يحتوي على مضاجعة كاملة بين ممثلة وممثل، الغريب أن كلاهما مشهور بما فيه الكفاية ليصبح غير مضطراً لتصوير مثل هذه المشاهد، لكن ومن الذي قال أن هذه المشاهد تحتاج إلى اضطرار مطلقاً، اللعنة على الثقافة السينمائية التي يحصل عليها الواحد من قاعات السينما في مصر، ومن "شانل تو" طبعاً.
فكرت أنني سأمت من الفندق، كما أن المبلغ الذي أدفعه كل ليلة يبدو كبيراً، دون أن أحقق من وراؤه أي فائدة، مجرد نوم هادئ، وقد حصلت على كفايتي من النوم في الأيام السابقة، كما أن الشقة هنا مكيفة، وبالتالي لن يزعجني الحر كما كنت أخاف.
اقترحت على بسام فكرة، قلت "شوف، إحنا نكلم صاحبك تاني دلوقتي، رد كان بها، مردش، أنا كدة كدة هسيب الفندق بكرة، وأشوف أي مكان تاني".. وافق بسام على الفكرة، وجذب الموبايل من الشاحن لإجراء المكالمة المطلوبة.
فكرت أنا في هذه الأثناء أنني أصبحت سريع الملل، وسريع في إتخاذ القرارات.. لست متأكداً من الأخيرة، أعتقد أن سرعة اتخاذ القرارت صفة من أهم صفاتي.. لكن إن شئنا الدقة، فلنقل، عدم التفكير في القرار إطلاقاً.
أنا لا أفكر في تصرفاتي، لم يحدث هذا لي أبداً، وعندما أخلو إلى نفسي، فإنني أراجع بسرعة أهم عشر تصرفات وقرارات فعلتها في حياتي، وأندم عليها بشدة، أندم عليها لدرجة أن جسدي يقشعر، وأني أغلق عيني جيداً خوفاً من رؤية التصرف أو تذكره.
أعترف أن التصرفات كلها بسيطة، مثلاً مرة كنت أشاهد التليفزيون في بيت أقاربي، كنت في الثانوي وقتها، وكانت هناك مسرحية ما أو برنامج الكاميرا الخفية، جلسنا نتفرج أنا وبعض فتيات العائلة القريبات من سنة، كان المعروض كوميدي يجبرني على الضحك، كنت لا أزال واقفاً بالقرب من الشاشة، حدث شيء ما، جعلني أضحك جداً، حتى أنني استغرقت في الضحك، مطلقاً لجسدي العنان، لأدور دورة كاملة حول نفسي، ممدداً يدي إلى الأمام، كنت أبدو كمعتوه حقيقي.
ضحك كل الموجودين في الغرفة، وأصابني ألم شديد في صدري من الضيق، وقتها كنا في رمضان، وامتنعت أنا عن الأكل حداداً على صورتي التي اهتزت أمام فتيات العائلة.
طبعاً يبقى هذا تصرف بسيط، أمام غيره من عشرات ومئات التصرفات الغبية، وطبعاً تبقى كل هذه تصرفات، أمام "القرارات" التي تنتمي للفئة ذاتها من الغباء.
عادي، لا أفكر، ليس عيباً على الإطلاق، ثم أني أعالج الأمر الآن، عرفت أنني سأفشل دائماً في منع نفسي من التهور، ولذلك، اخترت في حياتي عدد من الأشخاص الذين أثق بهم، هم يفكرون بالنيابة عني، ويخبروني بما يجب علي فعله.
لا زلت أنتظر رد من بسام، أخبرني أن صديقه موافق "مبدئياً"، وسيناقش الأمر عند حضوره من خارج قنا غداً أو بعد غد، أخبرته أنني سأحضر حقيبتي من الفندق غداً قبل الذهاب إلى الإمتحان، ثم أنتظر رده النهائي، أكد بسام أنها فكرة جيدة..
رأيت أن الوقت مناسب للرحيل إلى الفندق لخطف ساعات من النوم، راجعنا المادة مرة أخرى بسرعة، ونزلت.
الثلاثاء :
كطالب يبحث عن النجاح يجب أن أنام على الأقل خمس ساعات قبل الإمتحان، أي عدد من الساعات يفوق رقم 3، لكن هذا لم يحدث.
وصلت إلى الفندق متأخراً، صداع يوم الأحد يضرب من جديد، خاصة ما أن أضع رأسي على المخدة، شغلت التليفزيون، وجدت على "شانل تو" فيلم يبدو أنه في منتصفه، اسمه "In America".. أحب هذا النوع من الأفلام، ذكرني بـ"American Beauty"، وغيره من الأفلام التي انتشرت في التسعينات، والتي حاولت اختزال قصة أمريكا الكبيرة في قصص صغيرة، قصص عادية تماماً، لكنها قادرة على رسم مشهد أمريكي إجتماعي متكامل.
بذكر القصص العادية، الوقت أصبح ملائماً، لأطرح على نفسي السؤال الذي يتعلق بهذه اليوميات، ما الهدف من الجلوس ساعة كل يوم لكتابة ما يزيد عن ألف كلمة، في وصف أحداث اليوم العادية تماماً، بدون أي إحتمال أو توقع لحدوث أي مفاجآت من أي نوع.
سرحت بخيالي، سأصنع من هذه الأوراق صورة كاملة، كتلك التي تصنعها الأفلام السابقة، لكني لم أكن أنوي ذلك من البداية، ثم أن حكاية زيارتي لقنا، وما يتخللها من أحداث، غير معروفة بالنسبة لي حتى أنا نفسي، تلك الحكاية لا أعتقد أنها ملاءمة لرسم هذا المشهد، فأنا مجرد طالب فاشل، يعمل صحفياً ومخرجاً للأفلام الوثائقية، جاء إلى هذه المدينة البعيدة عن بيته واسرته، لأداء امتحانات العام الأخير في دراسته الجامعية التي تأخرت عامين كاملين.. ما الجديد في هذه القصة، وما الأشياء التي يمكن للقارئ أن يستفيدها.
قررت أنني سانشر هذه الأوراق على المدونة، لكني عدت وترددت، لن يقرأها أحد، لن يستمر أحد في قراءة ألف كلمة من الأحداث العادية، لن يستمر أحد في القراءة، أنا نفسي لن أستمر إن وجدت كلام مماثل على مدونة أحدهم.
فكرت أن التمهل مناسب، وأني بعودتي للقاهرة يمكنني أن أرسل هذه الأوراق إلى أي دار نشر مهتمة بنشر ابداعات الشباب، وستجد لأوراقي أي فائدة.
لكن هذه الأوراق ليست إبداعاً، أنا بالفعل لا أعرف لماذا أكتب؟، ولا أين سأنشر هذه الكتابة، لم يحدث من قبل أن جلست لأكتب كل هذا الكم من الكتابة بدون هدف، لكنه على كل حال نوع من الكبت، لم أكتب منذ شهور، آخر مرة كتبت فيها فعلاً كانت هنا في قنا. جلست وقررت أن أكتب مجموعتي القصصية الأولى، أطلقت عليها اسم "فز قوم – مذكرات خائف"، ونشرت الفصل الأخير منها على المدونة باسم "أشعر بالموت"، وقد استقبلت بعدها عرضين لنشر المجموعة، سرت خلف أحدهما، فانتهى مثلما بدأ، مجرد كلام.
يبدو أن قنا تمنحني بعض القدرة على الكتابة، في القاهرة، أقول لأحمد، ودعاء، وغيرهما ما أود كتابته، وحين أجلس أمام الشاشة وابدأ النقر، أكتشف أنني سأكتب كلاماً قلته من قبل، فأفقد حماسي.
لدي عشرات الأوراق على الديسك توب، في كل واحدة سطر أو سطرين أو حتى صفحة، بداية للكتابة في موضوع ما، ومحاولة لقول شيء آخر، لكن يحدث شيء ما يجبرني على التوقف، يرن الهاتف، أكتشف أن هناك من العمل ما هو أهم من الكتابة.
على كل حال، فإن الأوراق الكثيرة لا الديسك توب، لن تصنع مني أبداً كاتباً مهماً، هذا إن كان "مشروع الكتابة"، هو الملائم بالنسبة لشخص مثلي، لا يزال غير قادراً على إدارك نفسه بشكل جيد، لا يزال يتحسس ملامحه في الظلام، محاولاً الإجابة عن الأسئلة الأولى في التحقيق، الاسم.. السن.. العنوان، بالكاد استطاع أن يكتب في خانة النوع "ذكر"، وفي خانة السن "22"، وتمكن من وضع تاريخ يصلح كتاريخ مولده، بحيث يبدأ العد من عنده، والحساب.
إذن، "ملعون أبو الفلسفة".. ستقودني هذه الأفكار إلى السرحان الطويل، والحرمان من ساعات النوم الضرورية لدخول الإمتحان وأنا فايق، كما أن النوم المتأخر يعني بالضرورة استيقاظ متأخر، وبالتالي لن اتمكن من المراجعة التي منيت نفسي بها وأنا مع بسام وياسر، سأجرب طرقي السرية لجلب النوم.. تصبحون على خير..
رأيت نفسي في النوم، كنت هادئاً، أسير بطريقتي المحببة، لا أتعجل، لا أتمهل، بدون أي هدف، طرحت على نفسي كل الأسئلة التي تقلقني، العمل، المرتب، الحصول على عقد جيد يضمن الإستقرار، الإلتزامات الشهرية، دعاء، مليكة، مشروع شراء سيارة، إلخ.
لاحظت – خلال النوم – أن كل الأشياء التي تجلب على عقلي القلق موجودة في القاهرة، وقررت – في النوم أيضاً – أن حل هذا القلق بسيط وسهل، فقط علي أن أبحث عن تذكرة القطار التي جاءت بي إلى هنا، لأدرك من خلالها أن القاهرة هناك، بعيدة، وأنني الآن أحصل على أجازتي، وأن القلق لا يلاءم الأجازات الطويلة.
استيقظت على رنين المنبه، لم أكن عرفت مكان التذكرة بعد في الحلم، ضايقني ذلك، كان الحلم أكثر متعة من الواقع، جربت النوم لساعة إضافية، نمت بالفعل لكن بدون أحلام، أو ربما بحلم آخر قصير، لا يتصل بالحلم الأول.
أصبحت الساعة تشير إلى الحادية عشر ولا زلت أنا على السرير، تلقيت عشرات الـ"ميسد كول" من بسام وياسر ودعاء وأمي، كلها تلح علي أن أنهض، فعلت ذلك في الحادية عشر والنصف، دخلت الحمام بسرعة، وقفت تحت الدش من باب أداء الواجب، خرجت، لملمت أغراضي بشكل سريع، وأصبحت الآن جاهزاً للمغادرة.
نزلت إلى الاستقبال، دفعت ثمن الليلة الأخيرة، شكرت الموظف، وابتسمت ابتسامة تليق بمسافر عى وشك الرحيل عن المدينة، وهو أمر لم يكن من نصيبي هذا الصباح.
خرجت من الفندق، بحثت عن تاكسي يتجاوز بي الشارع إلى عمارة ياسر وبسام، شاورت لواحد لكن السائق لم يلاحظني، فجأة وجدت بسام وياسر أمامي، أخبراني أنهما تأخرا كثيراً، كبنا جميعاً أول تاكسي مر بالشارع، مررنا على العمارة، صعدت أنا وبسام، تركنا الحقيبة الصغيرة، وشنطة اللاب توب، ونزلنا بسرعة، إلى الجامعة.
إذن، أخبرني أيها الطالب البدين، ماذا تعرف عن الفصل الأول والخامس، لست على علم بأي شيء يا "سي الدكتور"، فقد تطوعت مع زملائي بحذف الفصلين، يا راجل، تريدني أن أحفظ نسب الألوان الملائمة، وأنواع الورق، وماذا يحدث عند وضع أزرق 30 مع أحمر 44؟، لن أحفظ هذا الكلام، الموضوع أكبر من ذلك، دعني أحدثك عن "إخراج المجلة" على طريقتي، أقول لك ما تعلمته في سنوات العمل الماضية، أنا أيضاً مخرج، لكني أخرج الأفلام الوثائقية، لا تقلق، سأخبرك عنها هي الأخرى، سأقول لك أن الإخراج واحد مهما تعددت أشكاله وأنواعه..
سأرسب في هذه المادة، إن كتبت هذا الكلام سأرسب بدون شك, هدوء، أحتاج إلى الهدوء للتركيز في هذه الكارثة، نصف الإمتحان في الفصلين المحذوفين من دماغي، النصف الثاني سهل ومعقول، لكن ماذا سأفعل في النصف الأول؟..
الطريقة المعتادة، سأكتب، سأعتبر أن الإمتحان سؤال واحد فقط، "أكتب كل ما تعرفه عن المنهج".. سأكتب كل شيء، بل أني سأرسم أيضاً، هناك بعض الرسومات في الكتاب، سأرسمها لعلها تحنن قلب الدكتور علي أنا الطالب البدين الذي حذف بغباؤه الفصلين الأول والخامس.
انهيت ملزمة الورق المخصصة للإجابة، أصبح خطي أوضح، ربما أنجح في هذه المادة، أجبت عن نصف الإمتحان بطريقة سليمة تماماً، وأجبت عن أسئلة غير تلك التي يريدها الدكتور، لكنها مرتبطة على كل حال بالمادة والكتاب.
خرجت بعد منتصف الوقت بربع ساعة، الجو ألطف كثيراً من جو الأحد، سأقف قليلاً مع الشباب، وقفنا، جلسنا قليلاً في الكافيتريا، لكن يبدو أننا جميعاً أدركنا أن لا شيء يستحق أن يفعل في تلك الساعات الحارة، خرجنا جميعاً دفعة واحدة، بحثنا عن تاكسي، وجدنا واحداً بعد دقائق، طلبت من السائق التوقف قليلاً في الطريق لشراء الجرائد، فلست متأكداً أنني سأستطيع النزول من الشقة في هذا الجو، اشتريت المصري والدستور، ووجدت القاهرة، فقررت شراؤها دون سبب محدد.
وصلت الشقة، جلست ساعة اقرأ الجرائد، ثم قررت النزول إلى انترنت كافية تحت المنزل مباشرة، قضيت عشر دقائق فقط، صعدت بعدها لأنام حتى الحادية عشر، وأفيق وأنا أتضور جوعاً.
تشاورنا جميعاً بخصوص الأكل، اتصلت بالدليل، سألت عن رقم "كويك دور" أذكر أنني رأيت لديهم رقم خدمة للتوصيل، من حسن حظي أن الدليل أصبح يغطي كل المحافظات، سمعت أغاني قليلة على الهاتف قبل أن يرد علي الموظف، سألته، أعطاني الرقم، اتصلت، سجلت رقمي، أعطيته العنوان والطللبات، وصل بعد ربع ساعة فقط، أكلت، وأمضيت ما بقى من ليلة في مشاهدة أفلام أجنبية، القتل فيها مستمر.
ضاع الأمس بدون مذاكرة، كالعادة، مساء ليلة الإمتحان لا يقبل استغلاله في الإعداد للمادة التالية، على الرغم من أنه لا يبقى إلا غداً, لكن لا يهم.
لا يزال الصداع يمسك في رأسي، الساعة تشير إلى الخامسة، استيقظت متأخراً قليلاً، شغلت التليفزيون، لا أستطيع مغادرة السرير. على شاشة "ART سينما" شاهدت الساعة الأولى من فيلم "عمر وسلمى"، يبدو والله أعلم أنني سأخصص هذا اليوم للشتيمة، مزاجي متعكر بسبب الصداع، ولا زلت لا أعرف أي شيء عن مادة من المفترض أن امتحنها غداً.
شاهدت ساعة من الفيلم، أدركت أن الوقت تأخر كفاية، أخذت دشاً بارداً، هذه المرة جلبت الحنفية ماء فاتر، توقعت أن يكون الجو لطيفاً، وقد كان، نزلت إلى الشارع، أكلت بسرعة، واتجهت إلى بسمة الجنوب للبدء في المادة.
قرأت الجرائد في البسمة، لم اقرأها في المطعم لإنشغالي بمكالمة طويلة، لم يكن في الجرائد ما يستحق، فقط مقالة ليسري فودة عن تحقيقه التليفزيوني في "سري للغاية"، أعود لتذكر ما قاله رضا بخصوص العمل في الإعلام، لو لم أكن صحفياً يوماً، ما كان خبر أول أمس في المصري اليوم لينال اهتمامي.
نشرت المصري اليوم في السبت أو الأحد خبراً طويلاً، عن عودة يسري فودة للإقامة في القاهرة بعد إقامة طويلة بلندن مديراً لمكتب الجزيرة هناك، ومحققاً تليفزيونياً هو الأهم بلا شك على الساحة العربية.
لكن هل يستحق يسري فودة، على أهميته خبراً مفصلاً عن عودته للإقامة في القاهرة، ويتم نشره في "صفحة 3"، المخصصة للأخبار المحلية الهامة.. مهنياً لا أعرف إجابة على السؤال، لكن ما أنا متأكد منه، هو أن وراء الخبر علاقة ما بين فودة وبين المصري اليوم.
اليوم تتضح المسألة، يسري اتفق مع المصري على نشر عشرين حلقة عن كواليس تحقيقه الأفضل، لا عيب في ذلك على الإطلاق..
يرن سؤال صحفية زميلة في رأسي، تستنكر هي سلوك بعض الصحفيين، الذين يجرون أحاديث صحفية مع شخصيات معينة لضمان علاقة قوية مع تلك الشخصيات، أخبرتها وقتها أن هذا السلوك، من وجهة نظري لا يعيبه أي شيء، المهم أن تظل العلاقة في إطار العمل الصحفي، ما المانع مثلاً من أن أجري بعض الحوارات الصحفية مع شخصية أتوقع مستقبل ما لها، وذلك لضمان أن أكسبها كمصدر طويل المدى، المهم أن يظل مكسبي لها كمصدر فقط، والمهم أن تكون هناك أي حاجة تحريرية للحوارات الأولى مع الشخصية..
اللعنة مرة أخرى.. كل هذه الأسئلة لأجل خبر صغير في المصري اليوم، مالي أنا ومال سياسات الجريدة أو صفقاتها أو علاقاتها.. أنا قارئ، مجرد قارئ، اتلقى الرسالة الإعلامية بدون التفكير في خلفياتها.
بدأت التركيز في المادة، بدأت الآن فقط أخاف منها، كالعادة، تجاوزت الفصل الأول، كل الفصول الأولى في مواد دراسة الكلية لا تستحق حتى القراءة، تتحدث عن أهمية العلم الذي يتحدث عنه الكتاب، وتؤكد أن هذا العلم قديم قدم البشرية ذاتها، وأنه قديم "كيك" استخدمه الآباء والأجداد الأولون، بدون طبعاً أن يدركوا أن الذي فعلوه للتو اسمه صحافة، وأن تلك الفعلة القذرة في خلفية الجبل اسمها "علاقات عامة".
ذاكرت الفصلين الثاني والثالث والرابع، بدأت أفقد تركيزي بعد ساعة واحدة، ذهبت لياسر وبسام، واستكملت معهم باقي الفصول، قررنا حذف الفصل الخامس، اعتبرناه اعتراضاً منا على طول المادة، المادة التي بدأنا نذاكرها فقط الآن، قبل الإمتحان بنصف يوم أو أقل.
أخبرتهم أنني كرهت الفندق، سألت بسام عن الحجرة الثالثة، "فيها مكان؟؟"، أخبرني أن هناك شخص واحد يقيم بها، هو الآن مسافر، أضاف بسام "خليني أتصل بيه اسأله.. ينفع تقعد معاه ولا لأ، أكيد مش هيرفض، لأنك هتدفع فلوس".
اتصل به، لم يجب، استكملنا المذاكرة، وشاهدنا فيلم "45 يوم"، لم أحب هذا الفيلم، لكنه لم يزعجني حين شاهدته للمرة الأولى في السينما، الآن، أصبح هذا البطء يقتلني، ثم أن مشهد في نهاية الفيلم، من المفروض أنه مشهد مؤثر، يجبرني على الضحك، عزت أبو عوف، في وجه غادة عبد الرازق، يتحدثان لدقيقة، ثم يقترب منها، يضع يده على كتفها، يقول جملة تبدو كأنها خلاصة لكل شيء، "أنتي مش فاهمة حاجة أبداً".. ويمضي في طريقه بينما تستمر غادة بالبكاء.
انتهى الفيلم، شاهدنا فيلم أجنبي آخر، رجل واحد قرر أن يقتل كل الممثلين والكومبارس، وفريق التصوير والإخراج، وحتى المصور، كل الناس ماتوا إلا هو، عنده سير كالموجود في مصانع البسطرمة واللانشون، يضع واحد تلو الآخر، ثم يلقي جسده في خلاط كبير، ويشرب من دمه في "مج" شكله لطيف.
القنوات المشفرة تختلف عن "شانل تو"، فالأخيرة تخصص يوم واحد لأفلام الرعب، كما أنها تحذف المشاهد الإباحية، لدرجة جعلتني أعتقد أن أفلامنا العربية فيها من الإباحية ما يفوق إنتاج هوليود.
بدأت أدرك حقيقة الأمور الآن، لا يمر فيلم واحد إلا وأجده يحتوي على مضاجعة كاملة بين ممثلة وممثل، الغريب أن كلاهما مشهور بما فيه الكفاية ليصبح غير مضطراً لتصوير مثل هذه المشاهد، لكن ومن الذي قال أن هذه المشاهد تحتاج إلى اضطرار مطلقاً، اللعنة على الثقافة السينمائية التي يحصل عليها الواحد من قاعات السينما في مصر، ومن "شانل تو" طبعاً.
فكرت أنني سأمت من الفندق، كما أن المبلغ الذي أدفعه كل ليلة يبدو كبيراً، دون أن أحقق من وراؤه أي فائدة، مجرد نوم هادئ، وقد حصلت على كفايتي من النوم في الأيام السابقة، كما أن الشقة هنا مكيفة، وبالتالي لن يزعجني الحر كما كنت أخاف.
اقترحت على بسام فكرة، قلت "شوف، إحنا نكلم صاحبك تاني دلوقتي، رد كان بها، مردش، أنا كدة كدة هسيب الفندق بكرة، وأشوف أي مكان تاني".. وافق بسام على الفكرة، وجذب الموبايل من الشاحن لإجراء المكالمة المطلوبة.
فكرت أنا في هذه الأثناء أنني أصبحت سريع الملل، وسريع في إتخاذ القرارات.. لست متأكداً من الأخيرة، أعتقد أن سرعة اتخاذ القرارت صفة من أهم صفاتي.. لكن إن شئنا الدقة، فلنقل، عدم التفكير في القرار إطلاقاً.
أنا لا أفكر في تصرفاتي، لم يحدث هذا لي أبداً، وعندما أخلو إلى نفسي، فإنني أراجع بسرعة أهم عشر تصرفات وقرارات فعلتها في حياتي، وأندم عليها بشدة، أندم عليها لدرجة أن جسدي يقشعر، وأني أغلق عيني جيداً خوفاً من رؤية التصرف أو تذكره.
أعترف أن التصرفات كلها بسيطة، مثلاً مرة كنت أشاهد التليفزيون في بيت أقاربي، كنت في الثانوي وقتها، وكانت هناك مسرحية ما أو برنامج الكاميرا الخفية، جلسنا نتفرج أنا وبعض فتيات العائلة القريبات من سنة، كان المعروض كوميدي يجبرني على الضحك، كنت لا أزال واقفاً بالقرب من الشاشة، حدث شيء ما، جعلني أضحك جداً، حتى أنني استغرقت في الضحك، مطلقاً لجسدي العنان، لأدور دورة كاملة حول نفسي، ممدداً يدي إلى الأمام، كنت أبدو كمعتوه حقيقي.
ضحك كل الموجودين في الغرفة، وأصابني ألم شديد في صدري من الضيق، وقتها كنا في رمضان، وامتنعت أنا عن الأكل حداداً على صورتي التي اهتزت أمام فتيات العائلة.
طبعاً يبقى هذا تصرف بسيط، أمام غيره من عشرات ومئات التصرفات الغبية، وطبعاً تبقى كل هذه تصرفات، أمام "القرارات" التي تنتمي للفئة ذاتها من الغباء.
عادي، لا أفكر، ليس عيباً على الإطلاق، ثم أني أعالج الأمر الآن، عرفت أنني سأفشل دائماً في منع نفسي من التهور، ولذلك، اخترت في حياتي عدد من الأشخاص الذين أثق بهم، هم يفكرون بالنيابة عني، ويخبروني بما يجب علي فعله.
لا زلت أنتظر رد من بسام، أخبرني أن صديقه موافق "مبدئياً"، وسيناقش الأمر عند حضوره من خارج قنا غداً أو بعد غد، أخبرته أنني سأحضر حقيبتي من الفندق غداً قبل الذهاب إلى الإمتحان، ثم أنتظر رده النهائي، أكد بسام أنها فكرة جيدة..
رأيت أن الوقت مناسب للرحيل إلى الفندق لخطف ساعات من النوم، راجعنا المادة مرة أخرى بسرعة، ونزلت.
الثلاثاء :
كطالب يبحث عن النجاح يجب أن أنام على الأقل خمس ساعات قبل الإمتحان، أي عدد من الساعات يفوق رقم 3، لكن هذا لم يحدث.
وصلت إلى الفندق متأخراً، صداع يوم الأحد يضرب من جديد، خاصة ما أن أضع رأسي على المخدة، شغلت التليفزيون، وجدت على "شانل تو" فيلم يبدو أنه في منتصفه، اسمه "In America".. أحب هذا النوع من الأفلام، ذكرني بـ"American Beauty"، وغيره من الأفلام التي انتشرت في التسعينات، والتي حاولت اختزال قصة أمريكا الكبيرة في قصص صغيرة، قصص عادية تماماً، لكنها قادرة على رسم مشهد أمريكي إجتماعي متكامل.
بذكر القصص العادية، الوقت أصبح ملائماً، لأطرح على نفسي السؤال الذي يتعلق بهذه اليوميات، ما الهدف من الجلوس ساعة كل يوم لكتابة ما يزيد عن ألف كلمة، في وصف أحداث اليوم العادية تماماً، بدون أي إحتمال أو توقع لحدوث أي مفاجآت من أي نوع.
سرحت بخيالي، سأصنع من هذه الأوراق صورة كاملة، كتلك التي تصنعها الأفلام السابقة، لكني لم أكن أنوي ذلك من البداية، ثم أن حكاية زيارتي لقنا، وما يتخللها من أحداث، غير معروفة بالنسبة لي حتى أنا نفسي، تلك الحكاية لا أعتقد أنها ملاءمة لرسم هذا المشهد، فأنا مجرد طالب فاشل، يعمل صحفياً ومخرجاً للأفلام الوثائقية، جاء إلى هذه المدينة البعيدة عن بيته واسرته، لأداء امتحانات العام الأخير في دراسته الجامعية التي تأخرت عامين كاملين.. ما الجديد في هذه القصة، وما الأشياء التي يمكن للقارئ أن يستفيدها.
قررت أنني سانشر هذه الأوراق على المدونة، لكني عدت وترددت، لن يقرأها أحد، لن يستمر أحد في قراءة ألف كلمة من الأحداث العادية، لن يستمر أحد في القراءة، أنا نفسي لن أستمر إن وجدت كلام مماثل على مدونة أحدهم.
فكرت أن التمهل مناسب، وأني بعودتي للقاهرة يمكنني أن أرسل هذه الأوراق إلى أي دار نشر مهتمة بنشر ابداعات الشباب، وستجد لأوراقي أي فائدة.
لكن هذه الأوراق ليست إبداعاً، أنا بالفعل لا أعرف لماذا أكتب؟، ولا أين سأنشر هذه الكتابة، لم يحدث من قبل أن جلست لأكتب كل هذا الكم من الكتابة بدون هدف، لكنه على كل حال نوع من الكبت، لم أكتب منذ شهور، آخر مرة كتبت فيها فعلاً كانت هنا في قنا. جلست وقررت أن أكتب مجموعتي القصصية الأولى، أطلقت عليها اسم "فز قوم – مذكرات خائف"، ونشرت الفصل الأخير منها على المدونة باسم "أشعر بالموت"، وقد استقبلت بعدها عرضين لنشر المجموعة، سرت خلف أحدهما، فانتهى مثلما بدأ، مجرد كلام.
يبدو أن قنا تمنحني بعض القدرة على الكتابة، في القاهرة، أقول لأحمد، ودعاء، وغيرهما ما أود كتابته، وحين أجلس أمام الشاشة وابدأ النقر، أكتشف أنني سأكتب كلاماً قلته من قبل، فأفقد حماسي.
لدي عشرات الأوراق على الديسك توب، في كل واحدة سطر أو سطرين أو حتى صفحة، بداية للكتابة في موضوع ما، ومحاولة لقول شيء آخر، لكن يحدث شيء ما يجبرني على التوقف، يرن الهاتف، أكتشف أن هناك من العمل ما هو أهم من الكتابة.
على كل حال، فإن الأوراق الكثيرة لا الديسك توب، لن تصنع مني أبداً كاتباً مهماً، هذا إن كان "مشروع الكتابة"، هو الملائم بالنسبة لشخص مثلي، لا يزال غير قادراً على إدارك نفسه بشكل جيد، لا يزال يتحسس ملامحه في الظلام، محاولاً الإجابة عن الأسئلة الأولى في التحقيق، الاسم.. السن.. العنوان، بالكاد استطاع أن يكتب في خانة النوع "ذكر"، وفي خانة السن "22"، وتمكن من وضع تاريخ يصلح كتاريخ مولده، بحيث يبدأ العد من عنده، والحساب.
إذن، "ملعون أبو الفلسفة".. ستقودني هذه الأفكار إلى السرحان الطويل، والحرمان من ساعات النوم الضرورية لدخول الإمتحان وأنا فايق، كما أن النوم المتأخر يعني بالضرورة استيقاظ متأخر، وبالتالي لن اتمكن من المراجعة التي منيت نفسي بها وأنا مع بسام وياسر، سأجرب طرقي السرية لجلب النوم.. تصبحون على خير..
رأيت نفسي في النوم، كنت هادئاً، أسير بطريقتي المحببة، لا أتعجل، لا أتمهل، بدون أي هدف، طرحت على نفسي كل الأسئلة التي تقلقني، العمل، المرتب، الحصول على عقد جيد يضمن الإستقرار، الإلتزامات الشهرية، دعاء، مليكة، مشروع شراء سيارة، إلخ.
لاحظت – خلال النوم – أن كل الأشياء التي تجلب على عقلي القلق موجودة في القاهرة، وقررت – في النوم أيضاً – أن حل هذا القلق بسيط وسهل، فقط علي أن أبحث عن تذكرة القطار التي جاءت بي إلى هنا، لأدرك من خلالها أن القاهرة هناك، بعيدة، وأنني الآن أحصل على أجازتي، وأن القلق لا يلاءم الأجازات الطويلة.
استيقظت على رنين المنبه، لم أكن عرفت مكان التذكرة بعد في الحلم، ضايقني ذلك، كان الحلم أكثر متعة من الواقع، جربت النوم لساعة إضافية، نمت بالفعل لكن بدون أحلام، أو ربما بحلم آخر قصير، لا يتصل بالحلم الأول.
أصبحت الساعة تشير إلى الحادية عشر ولا زلت أنا على السرير، تلقيت عشرات الـ"ميسد كول" من بسام وياسر ودعاء وأمي، كلها تلح علي أن أنهض، فعلت ذلك في الحادية عشر والنصف، دخلت الحمام بسرعة، وقفت تحت الدش من باب أداء الواجب، خرجت، لملمت أغراضي بشكل سريع، وأصبحت الآن جاهزاً للمغادرة.
نزلت إلى الاستقبال، دفعت ثمن الليلة الأخيرة، شكرت الموظف، وابتسمت ابتسامة تليق بمسافر عى وشك الرحيل عن المدينة، وهو أمر لم يكن من نصيبي هذا الصباح.
خرجت من الفندق، بحثت عن تاكسي يتجاوز بي الشارع إلى عمارة ياسر وبسام، شاورت لواحد لكن السائق لم يلاحظني، فجأة وجدت بسام وياسر أمامي، أخبراني أنهما تأخرا كثيراً، كبنا جميعاً أول تاكسي مر بالشارع، مررنا على العمارة، صعدت أنا وبسام، تركنا الحقيبة الصغيرة، وشنطة اللاب توب، ونزلنا بسرعة، إلى الجامعة.
إذن، أخبرني أيها الطالب البدين، ماذا تعرف عن الفصل الأول والخامس، لست على علم بأي شيء يا "سي الدكتور"، فقد تطوعت مع زملائي بحذف الفصلين، يا راجل، تريدني أن أحفظ نسب الألوان الملائمة، وأنواع الورق، وماذا يحدث عند وضع أزرق 30 مع أحمر 44؟، لن أحفظ هذا الكلام، الموضوع أكبر من ذلك، دعني أحدثك عن "إخراج المجلة" على طريقتي، أقول لك ما تعلمته في سنوات العمل الماضية، أنا أيضاً مخرج، لكني أخرج الأفلام الوثائقية، لا تقلق، سأخبرك عنها هي الأخرى، سأقول لك أن الإخراج واحد مهما تعددت أشكاله وأنواعه..
سأرسب في هذه المادة، إن كتبت هذا الكلام سأرسب بدون شك, هدوء، أحتاج إلى الهدوء للتركيز في هذه الكارثة، نصف الإمتحان في الفصلين المحذوفين من دماغي، النصف الثاني سهل ومعقول، لكن ماذا سأفعل في النصف الأول؟..
الطريقة المعتادة، سأكتب، سأعتبر أن الإمتحان سؤال واحد فقط، "أكتب كل ما تعرفه عن المنهج".. سأكتب كل شيء، بل أني سأرسم أيضاً، هناك بعض الرسومات في الكتاب، سأرسمها لعلها تحنن قلب الدكتور علي أنا الطالب البدين الذي حذف بغباؤه الفصلين الأول والخامس.
انهيت ملزمة الورق المخصصة للإجابة، أصبح خطي أوضح، ربما أنجح في هذه المادة، أجبت عن نصف الإمتحان بطريقة سليمة تماماً، وأجبت عن أسئلة غير تلك التي يريدها الدكتور، لكنها مرتبطة على كل حال بالمادة والكتاب.
خرجت بعد منتصف الوقت بربع ساعة، الجو ألطف كثيراً من جو الأحد، سأقف قليلاً مع الشباب، وقفنا، جلسنا قليلاً في الكافيتريا، لكن يبدو أننا جميعاً أدركنا أن لا شيء يستحق أن يفعل في تلك الساعات الحارة، خرجنا جميعاً دفعة واحدة، بحثنا عن تاكسي، وجدنا واحداً بعد دقائق، طلبت من السائق التوقف قليلاً في الطريق لشراء الجرائد، فلست متأكداً أنني سأستطيع النزول من الشقة في هذا الجو، اشتريت المصري والدستور، ووجدت القاهرة، فقررت شراؤها دون سبب محدد.
وصلت الشقة، جلست ساعة اقرأ الجرائد، ثم قررت النزول إلى انترنت كافية تحت المنزل مباشرة، قضيت عشر دقائق فقط، صعدت بعدها لأنام حتى الحادية عشر، وأفيق وأنا أتضور جوعاً.
تشاورنا جميعاً بخصوص الأكل، اتصلت بالدليل، سألت عن رقم "كويك دور" أذكر أنني رأيت لديهم رقم خدمة للتوصيل، من حسن حظي أن الدليل أصبح يغطي كل المحافظات، سمعت أغاني قليلة على الهاتف قبل أن يرد علي الموظف، سألته، أعطاني الرقم، اتصلت، سجلت رقمي، أعطيته العنوان والطللبات، وصل بعد ربع ساعة فقط، أكلت، وأمضيت ما بقى من ليلة في مشاهدة أفلام أجنبية، القتل فيها مستمر.
هناك 6 تعليقات:
انا موافق اقرا 200 كلمة ياعم بس انت تكتب
رغم انها يوميات عادية لكن اسلوبك فى الكتابة بيخليها مش عادى ..و بعدين الواحد لما بيكتب بيشوف اللى جواة اوضح و اللى بيقرى بيشوف نفسة فى كلامك ..عشان اعتقد ان معظمنا نفس الوضع ..فى رحلة البحث عن الذات و ايجاد هوية مرضية..ربنا ينجحك
ليست القضية فى الكتابة و لكن لمن نقرا للاسف يا استاذ فقدت مصداقيةمن كان يقرا لك بعد ان تركت الطريق الصحيح واتجهت الى الغلط سجاير افلام تزلق الى السلطة لا تنجرف الى ذلك فهى الهاوية يا ابن الاستاذ اشرف جابر رزق رحمه الله رحمة واسعة
رغم إني فقدت القدرة على الاندهاش لسبب انت قلته في التدوينه اللي فاتت وهي أننا بحكم "مهنتنا" فقدنا القدرة على الفعل ده.
إلا إني أقر وأعترف أنك أدهشتني مرتين .. الأولى لأنك أجبرتني على أني أقرأ كلامك كله للأخر والثانية اندهاشي فعلا من صراحتك واعترافك لان امتلاك شجاعة الاعتراف والبوح أصبح شيء مذهل في وقتنا الحاضر .
على كل الأحوال أنا أتمنى لك حياة هادئة .. "أنا بقول أتمنى" لانى قريت تعليق أم مليكه .. استر يارب .. ومتقلقش بخصوص انك تلاقي مكان لما ترجع مصر انت حبايبك كتير وهتتدبر .
أما الأخ الغير معرف فهو استفزني جداً بكلامه .. هو فين المصداقية اللي فقدها براء ؟ .. وهي فين أفلام "تزلق" _على فكرة دي كلمة جديدة خالص _ السلطة أو حتى المخلل ؟ .. انا شامم ريحه مش كويسة في التعليق المجهول ده .. ومش عارف ليه لما بننتقد حد بنفتقد الشجاعة الادبية اننا نعرف هويتنا طالما الموضوع في نطاق النصح و"الارشاد " .
تحياتي براء وأتمنى لك نجاح مبهر .. أتوقعه وأراهن عليه.
انا من مدمنيين المكان ده من زمااان اوى ... من قبل دخول عالم التدوين
مدخلتش من كتير ... دوست على فديو الفيلم يحمل وبصيت للصفحات وقولت ينهار ابيض حقرأ كل ده ...
وجبتهم من الاول حاجات(1) و لقيتهم خلصوا ...
مش متعوده اسيب تعليق هنا كتيير ومعرفش ليه مش متعوده يمكن لاقتناعى بأن كلمه حلو الى قرأته هنا ده مش حتضيف كتير للمدونه مممم لكن ...
المره دي عايزه اقول
انى استمتعت بالقراءه ...
وخصوصا بتعليق دماغك على الي بتشوفه وانت ماشي ... وكمان الصراحه الي فيه
الكلام حفذ دماغى للتفكـير بشده
تحياتى على كل شيء يا براء
اقول ايه
مفيش قانون يمنع المدون من انه يدون اللي عايز يدونه بدون هدف للتدوين
ولا ايه؟؟؟؟
ههههههههههههههههههه
زهقت منك كتير في النص يا براء، بس فكرة الكبت بتاع الكتابة ده انا حساه اوي وبيزورني كتير ، فمتفهماك يعني
:)
إرسال تعليق