"الخروج عند منتصف الوقت".. (3)
الأحد :
"وأنت مالك بالتاريخ، عموماً هما امتحنوها النهاردة الصبح".. قالها بسام في ثقة تلائم منتصف الليل..
أخبرته بسرعة أني أشك في أن التاريخ هو المادة التي رسبت بها في سنة ثالثة، وأنه من المفروض أن أمتحنها "تخلف" هذا التيرم.. قال أن الوقت متأخراً للإتصال بأي من زميلاته للتأكد، لكنه على ما يبدو متأكداً.. كنت أنا من يحتاج إلى أن يتأكد من أقواله، لا أعرف على وجه التحديد إن كان التاريخ هو مادة رسوبي أم أي مادة أخرى..
زفرت في غيظ، "يعني أكون في قنا وما أمتحنش.. والعمل إيه دلوقتي".. أخبروني أنني مضطر لإمتحانها في دور أكتوبر.. كان هذا أكثر شيء قادر على إزعاجي، لن أحضر إلى قنا في أكتوبر مرة أخرى.. لأذاكر وحدي وأمتحن وحدي وأعود وحدي.. على كل حال أي نوع من الغضب الآن يهدد امتحان الغد.. سأرحل للفندق وأنام، ثم يفعل الله ما يشاء في الغد.
في الطريق اتصلت بدعاء، أخبرتها، قالت أشياء غير مفهومة حيث كانت نائمة، زاد هذا من حزني، دخلت إلى محل صغير كان لا يزال مفتوحاً رغم تأخر الوقت، اشتريت بعض الشيكولاتة، وبيبسي، وصعدت إلى الفندق..
راجعت أوراق المادة، شاهدت التليفزيون، نمت في الرابعة، ضبطت المنبه على التاسعة، ثم عدلته إلى التاسعة والنصف، نمت بعمق، واستيقظت في الحادية عشر والنصف على هاتف الغرفة، موظف الريسبشن يسأل "حضرتك مكمل معانا؟"..
دش سريع وملابس نظيفة لونها كلها أزرق، لا أعرف ما الذي جعلني أختار هذا اللون الغامق، أصبحت كل ملابسي غامقة في الفترة الأخيرة، هل أنا مكتئب دون أن أشعر.. استبعدت الفكرة.
نزلت، رن الموبايل، مكالمة طويلة مع أحمد، سألته عن السيناريو ورأيه، قال أنه لم يقرأه بتعمق، لكن "الله ينور".. انتظرت بسام وياسر في مدخل الفندق، وركبنا تاكسي شاهين إلى الجامعة.
نزلت بسرعة إلى بدروم الكلية، حيث "شئون الطلبة"، طلبت نتيجة سنة ثالثة، وجدول امتحانات السنة ذاتها لهذا التيرم، تأكدت شكوكي، امتحان مادة التاريخ – التي هي مادة رسوبي – تم أمس السبت، لشيء ما وجدتني أردد آية وردت في كتاب الدراسات الإستشراقية، في حادثة الإفك، قوله تعالى، "ولا تحسبوه شرا لكم، بل هو خير لكم".. أرسلت الآية إلى دعاء في SMS، وقررت التركيز في الإمتحان الذي سيبدأ بعد قليل.
لم أفعل بالطبع، ذهب تركيزي كله إلى العمل، اتصالات متتالية، أحمد، رضا، كان علي الإتصال بعبد الله الطحاوي، أولاً لقول "مبروك" على عقد قرانه الذي تم بالأمس، وثانياً لأطلب منه بعض الأوراق المتعلقة بالعمل، رد عبد الله الحاسم أفقدني كل حماسي الذي بدأت به الإتصال، سيسافر مساء اليوم إلى "تانزانيا"، لا أعرف حتى إن كان هذا هو أسمها الصحيح، وسيعود مساء الخميس، وكنت أحتاج منه الأوراق مساء اليوم على أفضل تقدير.. اتصلت بأحمد وأخبرته بأننا مضطرين للبحث عن خطة أخرى، طلب مني التركيز في الإمتحان، وحتى يحصل هو على فرصة للتفكير.
لا أفرح كثيراً عندما أكتشف سهولة إمتحان ما، غالباً أحصل على درجات أسوأ في الامتحانات السهلة، الامتحان الصعب يمثل تحدياً ما لأن أقول للدكتور شيئاً من عندي، شيئاً يمثلني، معالجتي الخاصة لطريقة الإجابة على سؤال صعب لا أعرف إجابته النموذجية.
وجدت امتحان الإستشراق كما توقعته، أجبت كما يتوقع الدكتور الإجابة، سأحصل على درجة سيئة تمنحني النجاح بالكاد، عرفت هذا عندما راجعت الورقة، وأكتشفت مدى سوء خطي، على كل حال فقد انتهيت من الورقة كلها، إجابتي على الأسئلة ملأت عشر ورقات من كلام لا أؤمن به، ولا يناسب طريقة تفكيري، تلك مشكلتي التي سأتكفل بحلها، أما مشكلة الدكتور، فتتعلق بضميره، هل سيعطي هذا الطالب، الذي كتب كلاماً كثيراً، بخط سيء، درجة لائقة، بغض النظر عن محتوى ما كتب؟، أم سيعتبر حسن الخط من حسن الإجابة، وبالتالي فينال هذا الطالب فرصة جيدة لتحسين خطه في دور أكتوبر المجيد، وربما في العام القادم؟.. تلك مشكلة الدكتور، وزملاءه الذين سيقرأون أوراق إجابتي في المواد الستة الباقية.
أحاول تحسين خطي بقدر ما أحاول أن أفقد قدراً من وزني، إن كنت تعرفني عن قرب، فأنت تعلم بالتأكيد أني لم أحاول ولو مرة واحدة أن أفقد جراماً واحداً من وزني، لم يحدث هذا منذ عصر بدانتي الأول في إبتدائي وإعدادي، لست فخوراً ببدانتي، كما أني لست حزيناً لأجلها، لم أشعر بالعار بعد لأني أشغل حيز أكبر في الفراغ مقارنة بالحيز الذي تشغله أنت أو أنتِ، لم يشتكي الفراغ مني، ولن يشتكي.
أعتقد أنني لن أفعلها وأحسن خطي يوماً ما، كل الشواهد تؤكد ذلك، إنها المرة الأولى التي أمسك فيها القلم منذ ثلاث أو أربع أشهر، منذ الإمتحانات السابقة بالتحديد، ما بينها كان كتابة مستمرة بطريقة النقر على الكيبورد، أصبحت سريعاً جداً على الكيبورد، أكتب وأنا مغمض، وأكتب وأنا متعب، وأكتب وأنا فاقد للتركيز.. لا شيء يمنعني من النقر، لا قلق من الأخطاء المطبعية التي تنصلح وحدها بفضل بعض التقنيات، ولا خوف من صياغة ركيكة يمكن معالجتها في ثواني..
مر نصف الوقت، انتظرت عشر دقائق إضافية لأني لم أكن انتهيت بعد من السؤال الأخير.. أعتقد أن سيرتي الذاتية يمكن أن تحمل يوماً هذا الإسم "الخروج قبل منتصف الوقت".. أو بتعديل آخر، "الخروج عند منتصف الوقت"..
لا أعرف الحكمة التربوية التعليمية التي تجبر الطلبة على الجلوس نصف الوقت في اللجنة، وتمنعهم من الخروج قبل هذا الموعد، كل إمتحان مررت به في حياتي كانت تطبق فيه القاعدة السابقة، لماذا، الله وحده، ومن بعده وزير التعليم، يعلمان سر ذلك القانون الغريب.
ولأمر ما في نفسي، فقد ظلت أمنية الخروج قبل منتصف الوقت تلازمني في كل إمتحان، وبالنظر إلى الوقت القصير الذي مر في حياتي، ربما يمكن فلسفة الأمور بحيث تفهم أن فكرة نصف الوقت تسيطر على تفكيري في كل شيء، في العمل، في الزواج، في العلاقات الإجتماعية، خليط من التهور والإستعجال والفهلوة، خليط من الثقة بالنفس، والثقة بأنه لا يوجد المزيد لفعله، خليط من الرغبة في الإنجاز، وبين الزهد فيما بين اليد، والتطلع لما خارجها.. منتصف الوقت، والخروج بعده بقليل، تلك أمنيتي التي تتحقق غالباً في إمتحاناتي الصغيرة في الحياة، وكما تعلم عن الإمتحانات، ليست كلها تتم في لجان وزارتي التعليم والتعليم العالي..
خرجت، وقفت قليلاً أمام اللجنة، أجريت بضعة مكالمات سريعة، دعاء، ثم العمل مرة أخرى، اتجهت إلى الكافيتريا، اشتريت زجاجة مياة صغيرة، وبيبسي، وجدت عند باب الكافيتريا صديقة قديمة، كانت تجلس خلفي تماماً في اللجنة، هي الأخرى اسمها "ش"، أمر غريب، تقريباً أصبحت لا أعرف في قنا إلا "ش" و"ش"..
وقفنا نتحدث قليلاً، كالعادة، الذكريات التي لم أعد أتذكرها، "فاكر زمان"، "كانت أيام"، "فرحانة إني شوفتك"، "مش ناوي تتجوز؟".
تركت الجمل السابقة وأجبت على الأخيرة "أنا اتجوزت، وعندي دلوقتي مليكة، 4 شهور تقريباً"..
تصنعت الدهشة، تفاجأت، وضعت كفها على جبينها، لم تلصق الكف في الوجه، كان مليئاً بالمكياج، بحيث خافت هي – وخفت معها في الحقيقة – أن تفسد اليد ما وقفت ترسمه – بذات اليد - ساعة كاملة في الصباح.
قالت أنها مفاجأة حقيقية، وأنها غير مصدقة بالمرة، تصنعت الإهتمام بإثبات أن اخبر حقيقي، قلبت في الموبايل، وجدت صورة دعاء أثناء الفرح، واجهتها بالحقيقة، ضحكت، قالت كلاماً جميلاً بحق عروسي، "جميلة"، "ملامحها مسمسمة"، "شكلها بتحبك".. سمعت الأوصاف السابقة كلها مرات عديدة، رددت بما يليق بموقف مماثل، وقررت أن أعزمها على بيبسي.
طلبنا 2 فانتا، وقفنا في ركن مظلل، استكمالنا الحديث، ضحكت، قالت، "تصدق، أنا كنت عاملة حسابي عليك، بس أنت عملتها وإتجوزت، عموماً خد رقمي لو فكرت تتجوز تاني".. وافقت – على أخذ الرقم – ووعدتها بالتفكير في الأمر.. رن موبايلي، انشغلت بالرد عليه، استأذنتها في الإبتعاد قليلاً، وفقدتها بعد ذلك في الزحام.
عدت إلى الشباب، بسام وياسر خرجا من اللجنة بعدي بقليل، راجعنا أجوبتنا، تأكدنا أنها متطابقة – بغض النظر عن مدى صوابها من عدمه – ثم انشغلنا بالتدخين، هذه هي المرة الأخيرة التي أدخن فيها داخل الجامعة، أخرجت سيجاراً صغيراً، ودخنت، قلدتهم، تظاهرت بعدم الاكتراث، لا أفعل شيئاً مختلفاً بالمرة، فقط أدخن داخل الجامعة، سألتهم "مش خايفين العميد يكون معدي ويشوفنا فيرفدنا؟"، سألني ياسر "ليه؟"، قلت "عشان بندخن..!"، ضحكوا جميعاً واعتبروها نكتة جيدة.. ضحت أنا الآخر وتظاهرت بأنها نكتة فعلاً.
وقفت ساعة أو أكثر، لم يكن هناك ما يستدعي وقوفي، فقط إجراء بعض المكالمات واستقبال البعض الآخر، ثم تفرغت لمراقبة فتيات الجامعة، شكل البنات هنا – في قنا – مختلف تماماً عن بنات القاهرة، هن بلا شك أكثر حشمة – داخل الجامعة فقط – لكنهن – والأمر يحتاج إلى تجربة شخصية منك – أكثر إثارة، أو فلنقل - لدواعي الحشمة والوقار والإحترام - أنها أكثر جاذبية.
عموماً الوقت ليس ملائماً للحديث عن الفروق بين بنات وهنا وبنات هناك، كلهن بنات، وقد أخذت نصيبي – المؤقت على الأقل – منهن بالزواج من بنت (جميلة، ملامحها مسمسمة، شكلها بتحبني) هي دعاء..
بدأت طريق الخروج من الجامعة، أقول طريق لأن الأمر استغرق ساعة كاملة، مشيت ما يقرب من كيلو ونصف تحت الشمس، والشمس في قنا مختلفة تماماً عن الشمس في القاهرة وما يجاورها من محافظات.. مشيت تحت الشمس، وتأثر رأسي لدرجة أني تخيلت أني إن جربت ووضعت يدي على شعري، فستدخل أصابعي داخل نافوخي، وتترك أثراً دائماً..
بحثت عن تاكسي دون جدوى، وقفت بعد مدة عند ركن مظلل، اتصلت بسام الذي وصل بعد دقيقتين إلى نفس مكاني، وجدنا أخيراً ميكروباص فارغ، ملأناه في دقيقة، واتخذنا طريقنا للعودة.
لأول مرة أمر من الصهاريج منذ أتيت، لاأعرف سبب تسمية المكان بهذا الإسم، شارع واحد، طويل، مفصل بالكامل عن قنا كلها، لا يشبه باقي شوارعها في أي شيء، ربما لأنه مكان السوق، زحام، محلات لبيع أي وكل شيء.. في نصفه تماماً يرقد مقام لشيخ ما، اسمه غير مكتوب، لا يزال هذا المقام يحتل جزءاً كبيراً من ذاكرتي..
المقام بجوار محل لبيع الملابس الداخلية الحريمي، وصاحب المحل يفتش عن أي متر لعرض قمصان نوم ساخنة فعلاً، لا مانع إذن من شد حبل قصير، بين باب المقام، وبين باب المحل، حتى باب المقام نفسه، لم يسلم من قميص أحمر موديل "البيبي دول"، والعديد من الصديريات، وأكثر من "كيلوت" بألوان متعددة.
جاءتني منذ سنوات فكرة كتابة رواية عن المشهد كله، حتى أني أتيت مرة وصورته من زوايا مختلفة، وباليل والنهار، وحتى وقت قريب، كنت لا أزال أملك الصور، إلا أنها ضاعت في مرة من مرات استبدال ويندوز اللاب توب.
كتبت بالفعل عشر صفحات من الرواية، وبالطبع لم تكتمل.
نزلت من الميكروباص، فعلت الأشياء التي يجب أن تحدث، فرشة الجرائد، المصري والدستور، ثم كويك دور للغداء.
أرهق اللاب توب كتفي، تذكرت نصيحة "رضا" بخصوصه، لم أعد أقوى على حمله إطلاقاً، أحلم بالتخلص منه نهائياً بإلقاؤه على الرصيف، بدأت أراهن نفسي، سأعيش ليلة صعبة، سيسيطر علي الصداع إياه، صداع الشمس، "صداع الدوحة"، أحب أن أسمي الأشياء، أحمد يقول أنها عادة لدي، أطلق على الأشياء أسماء خاصة بي، في المرة الأخيرة أخبرته أنني أصبحت أتعرض لما أسميه "مرض اليوم الواحد".. تعب شديد يستمر ليوم واحد، أشخصه باعتباره برد مثلاً، ثم يختفي في صباح اليوم التالي، بل ويكتسب جسدي قدراً من النشاط بعدها.
"صداع الدوحة" أعرفه جيداً، أصابني للمرة الأولى في الدوحة، خلال وجودي هناك للدراسة في مركز الجزيرة للتدريب، وبالتحديد في يوم تصوير مشروع التخرج، وقفت في الشمس ما يزيد عن الساعتين، وهؤلاء الذين زاروا الدوحة في شهر أغسطس يعرفون خطورة فعلتي.
ليلتها أصابني صداع استمر لأيام، صداع في العين، صداع يتنقل في أجزاء نافوخي، ومع الصداع، ترتفع درجة حرارتي بشدة، ليس الإرتفاع العادي، أشعر كأن جسدي جذب الحرارة طوال النهار واحتفظ بها، ثم قرر طردها مرة واحدة.
ليلتها، قرر "هاني بشر" أن يسعفني بأي طريقة، أجرى اتصالاً مطولاً مع طبيب ما، ونفذ تعليماته التي تلخصت في وضع قطع من الثلج أسفل رأسي، وشرب العديد من العصائر المسكرة، في اليوم التالي لهذا أخبرني "هاني" أن الدكتور بيطرياً، وأخبرته أنا أن كل العصائر التي اشتراها هو لي كانت بدون سكر.
سيصيبني هذا الصداع الليلة، سأشعر به بعد ساعة ربما، بعد أن أعود للفندق وأنام.
عدت للفندق، حاولت النوم، كانت فكرة الصداع تسيطر على أفكاري، أصابني الصداع بالفعل بعد ساعتين من محاولة النوم، قمت بعدها وأنا أشعر بالغضب، شعرت أنني السبب في الصداع وليس الشمس، أنا من هيأت نفسي للمرض.
شغلت التليفزيون، شاهدت برامج مختلفة، ثم قررت النزول فجأة، وقفت تحت الدش فترة كافية، ارتديت ملابسي ونزلت.
لماذا أشعر بالجوع الآن رغم مرور وقت قصير على تناولي الغذاء، لم أهتم بالإجابة على السؤال، الساعة الآن العاشرة، والوقت متأخر كفاية لأسرع في خطوتي، المطعم على وشك الإغلاق، أو هكذا أتخيل.
صعدت للصالة العليا بمطعم "الشيف"، أشعر أنني سأسترد عافيتي إن أكلت جيداً، طلبت ساندوتشين، وجلست أكتب تفاصيل الأيام السابقة على اللاب توب، لماذا أحضرت هذا الجهاز معي إلى المطعم رغم أنه سبب الألم لكتفي في الظهيرة، أنا غبي، لابد أن أعترف بذلك.
أكلت، شاهدت بطرف عيني صينية كبيرة من "الكنافة بالقشدة" ترقد داخل ثلاجة العرض، كنافة بالقشدة وليست بالكريمة، الكنافة المحشوة بالكريمة منتشرة في القاهرة، لكن "أم قشدة" لا توجد إلا هنا، على الأقل لم أجد مثلها في القاهرة.
طلبت من العامل أن يحضر لي كيلو كنافة بالقشدة، سألني وكأنه يعلم أني من أهل مصر "بالقشدة ولا بالكريمة؟"، أكدت أني أريدها بالقشدة، ابتسم، وكأنه يتمنى لي مضاجعة ناجحة لعاهرة تولى هو أمر إحضارها حتى عندي.
دفعت الحساب واستلمت لفة الكنافة، فكرت أن هذه اللفافة ستجلب قدر من السعادة على شقة الطلبة التي يقطن بها ياسر وبسام، ذهبت إلى هناك، وجلسنا نأكلها جميعاً.
كعادة الرجال، ظللت خائفاً من ألا يكفي الكيلو لاحتياجات الشباب، ظللت أنظر للطبق بريبة، كأني أسأله، هل ستكفي؟، امتنعت عن النظر بعد قليل، خشيت أن يضبطني أحدهم وأنا أفعل ذلك فيفهم أنني أخشى أن تنتهي الكنافة وأنني أنوي أخذ الباقي معي إلى الفندق.
كعادة الرجال أيضاً، كان الكيلو كافياً جداً، حتى أن أكثر من الثلث كان لا يزال سليماً، تذكرت دعاء، تغضب دائماً عندما أبالغ في تقديري للكميات، عندما نكون في انتظار زيارة من أقارب أو أصدقاء، أقترح عليها شراء بعض قطع الجاتوة من المحل القريب، توافق، ثم تصدمني بشراءها عدد من القطع يساوي عدد الضيوف المنتظرين، حتى بدون ترك هامش للمفاجأة، اسألها : "طب إفرضي الناس جت زيادة واحد أو اتنين؟"، تجيبني بثقة معتادة "متقلقش".. الغريب أنه في كل مرة تصدق توقعاتها.
ما يسري على الجاتوة يسري على البيض، فأنا غير مقتنع على الإطلاق بنظرة بيضة أو بيضتين لكل فرض، الفرض يمكنه أكل كرتونة بيض كاملة، لماذا إذن الإقتصاد الذي قد يعرضنا للحرج أمام الغرباء، وكالعادة، يكفي البيض، وتصدق نظرية دعاء، وفي كل مرة تنفذ فيها رأيي، وتشتري قطع أكثر، أو تكسر بيضاً زيادة، يبقى من البيض والجاتوة ما تقول أنها ستجبرني على أكله، وهو بالطبع قول لم يصدق حتى الآن، فلم يحدث أن أكلت بيضاً من الليلة الماضية، أو أكلت جاتوة غير طازج.. ربما لأني كنت أصعب عليها فتقبل برمي الأشياء السابقة أفضل من أن تجبرني على أكلها.. وهي قادرة.
لا يزال الصداع يسيطر على دماغي، دخنت سيجاراً، لم يفلح في وقف الألم، قررت العودة للفندق، والنوم المبكر، نظرت في ساعة موبايلي وضحكت، من جاء بسيرة البكور، الساعة الآن الرابعة، يا رب أعرف أدخل الفندق في هذه الساعة المتأخرة.. وصلت.. كان لا يزال مفتوحاً، صعدت لغرفتي.. جلست قليلاً أمام التليفزيون، سمعت آذان الفجر، توضيت وصليت، وكنت قد أعلنت "تسليم النمر" مع الركعة الأخيرة.. استلقيت على السرير.. الصداع يدق في نافوخي.. هو بعينه صداع الدوحة.. تصبحي على خير يا مليكة.
"وأنت مالك بالتاريخ، عموماً هما امتحنوها النهاردة الصبح".. قالها بسام في ثقة تلائم منتصف الليل..
أخبرته بسرعة أني أشك في أن التاريخ هو المادة التي رسبت بها في سنة ثالثة، وأنه من المفروض أن أمتحنها "تخلف" هذا التيرم.. قال أن الوقت متأخراً للإتصال بأي من زميلاته للتأكد، لكنه على ما يبدو متأكداً.. كنت أنا من يحتاج إلى أن يتأكد من أقواله، لا أعرف على وجه التحديد إن كان التاريخ هو مادة رسوبي أم أي مادة أخرى..
زفرت في غيظ، "يعني أكون في قنا وما أمتحنش.. والعمل إيه دلوقتي".. أخبروني أنني مضطر لإمتحانها في دور أكتوبر.. كان هذا أكثر شيء قادر على إزعاجي، لن أحضر إلى قنا في أكتوبر مرة أخرى.. لأذاكر وحدي وأمتحن وحدي وأعود وحدي.. على كل حال أي نوع من الغضب الآن يهدد امتحان الغد.. سأرحل للفندق وأنام، ثم يفعل الله ما يشاء في الغد.
في الطريق اتصلت بدعاء، أخبرتها، قالت أشياء غير مفهومة حيث كانت نائمة، زاد هذا من حزني، دخلت إلى محل صغير كان لا يزال مفتوحاً رغم تأخر الوقت، اشتريت بعض الشيكولاتة، وبيبسي، وصعدت إلى الفندق..
راجعت أوراق المادة، شاهدت التليفزيون، نمت في الرابعة، ضبطت المنبه على التاسعة، ثم عدلته إلى التاسعة والنصف، نمت بعمق، واستيقظت في الحادية عشر والنصف على هاتف الغرفة، موظف الريسبشن يسأل "حضرتك مكمل معانا؟"..
دش سريع وملابس نظيفة لونها كلها أزرق، لا أعرف ما الذي جعلني أختار هذا اللون الغامق، أصبحت كل ملابسي غامقة في الفترة الأخيرة، هل أنا مكتئب دون أن أشعر.. استبعدت الفكرة.
نزلت، رن الموبايل، مكالمة طويلة مع أحمد، سألته عن السيناريو ورأيه، قال أنه لم يقرأه بتعمق، لكن "الله ينور".. انتظرت بسام وياسر في مدخل الفندق، وركبنا تاكسي شاهين إلى الجامعة.
نزلت بسرعة إلى بدروم الكلية، حيث "شئون الطلبة"، طلبت نتيجة سنة ثالثة، وجدول امتحانات السنة ذاتها لهذا التيرم، تأكدت شكوكي، امتحان مادة التاريخ – التي هي مادة رسوبي – تم أمس السبت، لشيء ما وجدتني أردد آية وردت في كتاب الدراسات الإستشراقية، في حادثة الإفك، قوله تعالى، "ولا تحسبوه شرا لكم، بل هو خير لكم".. أرسلت الآية إلى دعاء في SMS، وقررت التركيز في الإمتحان الذي سيبدأ بعد قليل.
لم أفعل بالطبع، ذهب تركيزي كله إلى العمل، اتصالات متتالية، أحمد، رضا، كان علي الإتصال بعبد الله الطحاوي، أولاً لقول "مبروك" على عقد قرانه الذي تم بالأمس، وثانياً لأطلب منه بعض الأوراق المتعلقة بالعمل، رد عبد الله الحاسم أفقدني كل حماسي الذي بدأت به الإتصال، سيسافر مساء اليوم إلى "تانزانيا"، لا أعرف حتى إن كان هذا هو أسمها الصحيح، وسيعود مساء الخميس، وكنت أحتاج منه الأوراق مساء اليوم على أفضل تقدير.. اتصلت بأحمد وأخبرته بأننا مضطرين للبحث عن خطة أخرى، طلب مني التركيز في الإمتحان، وحتى يحصل هو على فرصة للتفكير.
لا أفرح كثيراً عندما أكتشف سهولة إمتحان ما، غالباً أحصل على درجات أسوأ في الامتحانات السهلة، الامتحان الصعب يمثل تحدياً ما لأن أقول للدكتور شيئاً من عندي، شيئاً يمثلني، معالجتي الخاصة لطريقة الإجابة على سؤال صعب لا أعرف إجابته النموذجية.
وجدت امتحان الإستشراق كما توقعته، أجبت كما يتوقع الدكتور الإجابة، سأحصل على درجة سيئة تمنحني النجاح بالكاد، عرفت هذا عندما راجعت الورقة، وأكتشفت مدى سوء خطي، على كل حال فقد انتهيت من الورقة كلها، إجابتي على الأسئلة ملأت عشر ورقات من كلام لا أؤمن به، ولا يناسب طريقة تفكيري، تلك مشكلتي التي سأتكفل بحلها، أما مشكلة الدكتور، فتتعلق بضميره، هل سيعطي هذا الطالب، الذي كتب كلاماً كثيراً، بخط سيء، درجة لائقة، بغض النظر عن محتوى ما كتب؟، أم سيعتبر حسن الخط من حسن الإجابة، وبالتالي فينال هذا الطالب فرصة جيدة لتحسين خطه في دور أكتوبر المجيد، وربما في العام القادم؟.. تلك مشكلة الدكتور، وزملاءه الذين سيقرأون أوراق إجابتي في المواد الستة الباقية.
أحاول تحسين خطي بقدر ما أحاول أن أفقد قدراً من وزني، إن كنت تعرفني عن قرب، فأنت تعلم بالتأكيد أني لم أحاول ولو مرة واحدة أن أفقد جراماً واحداً من وزني، لم يحدث هذا منذ عصر بدانتي الأول في إبتدائي وإعدادي، لست فخوراً ببدانتي، كما أني لست حزيناً لأجلها، لم أشعر بالعار بعد لأني أشغل حيز أكبر في الفراغ مقارنة بالحيز الذي تشغله أنت أو أنتِ، لم يشتكي الفراغ مني، ولن يشتكي.
أعتقد أنني لن أفعلها وأحسن خطي يوماً ما، كل الشواهد تؤكد ذلك، إنها المرة الأولى التي أمسك فيها القلم منذ ثلاث أو أربع أشهر، منذ الإمتحانات السابقة بالتحديد، ما بينها كان كتابة مستمرة بطريقة النقر على الكيبورد، أصبحت سريعاً جداً على الكيبورد، أكتب وأنا مغمض، وأكتب وأنا متعب، وأكتب وأنا فاقد للتركيز.. لا شيء يمنعني من النقر، لا قلق من الأخطاء المطبعية التي تنصلح وحدها بفضل بعض التقنيات، ولا خوف من صياغة ركيكة يمكن معالجتها في ثواني..
مر نصف الوقت، انتظرت عشر دقائق إضافية لأني لم أكن انتهيت بعد من السؤال الأخير.. أعتقد أن سيرتي الذاتية يمكن أن تحمل يوماً هذا الإسم "الخروج قبل منتصف الوقت".. أو بتعديل آخر، "الخروج عند منتصف الوقت"..
لا أعرف الحكمة التربوية التعليمية التي تجبر الطلبة على الجلوس نصف الوقت في اللجنة، وتمنعهم من الخروج قبل هذا الموعد، كل إمتحان مررت به في حياتي كانت تطبق فيه القاعدة السابقة، لماذا، الله وحده، ومن بعده وزير التعليم، يعلمان سر ذلك القانون الغريب.
ولأمر ما في نفسي، فقد ظلت أمنية الخروج قبل منتصف الوقت تلازمني في كل إمتحان، وبالنظر إلى الوقت القصير الذي مر في حياتي، ربما يمكن فلسفة الأمور بحيث تفهم أن فكرة نصف الوقت تسيطر على تفكيري في كل شيء، في العمل، في الزواج، في العلاقات الإجتماعية، خليط من التهور والإستعجال والفهلوة، خليط من الثقة بالنفس، والثقة بأنه لا يوجد المزيد لفعله، خليط من الرغبة في الإنجاز، وبين الزهد فيما بين اليد، والتطلع لما خارجها.. منتصف الوقت، والخروج بعده بقليل، تلك أمنيتي التي تتحقق غالباً في إمتحاناتي الصغيرة في الحياة، وكما تعلم عن الإمتحانات، ليست كلها تتم في لجان وزارتي التعليم والتعليم العالي..
خرجت، وقفت قليلاً أمام اللجنة، أجريت بضعة مكالمات سريعة، دعاء، ثم العمل مرة أخرى، اتجهت إلى الكافيتريا، اشتريت زجاجة مياة صغيرة، وبيبسي، وجدت عند باب الكافيتريا صديقة قديمة، كانت تجلس خلفي تماماً في اللجنة، هي الأخرى اسمها "ش"، أمر غريب، تقريباً أصبحت لا أعرف في قنا إلا "ش" و"ش"..
وقفنا نتحدث قليلاً، كالعادة، الذكريات التي لم أعد أتذكرها، "فاكر زمان"، "كانت أيام"، "فرحانة إني شوفتك"، "مش ناوي تتجوز؟".
تركت الجمل السابقة وأجبت على الأخيرة "أنا اتجوزت، وعندي دلوقتي مليكة، 4 شهور تقريباً"..
تصنعت الدهشة، تفاجأت، وضعت كفها على جبينها، لم تلصق الكف في الوجه، كان مليئاً بالمكياج، بحيث خافت هي – وخفت معها في الحقيقة – أن تفسد اليد ما وقفت ترسمه – بذات اليد - ساعة كاملة في الصباح.
قالت أنها مفاجأة حقيقية، وأنها غير مصدقة بالمرة، تصنعت الإهتمام بإثبات أن اخبر حقيقي، قلبت في الموبايل، وجدت صورة دعاء أثناء الفرح، واجهتها بالحقيقة، ضحكت، قالت كلاماً جميلاً بحق عروسي، "جميلة"، "ملامحها مسمسمة"، "شكلها بتحبك".. سمعت الأوصاف السابقة كلها مرات عديدة، رددت بما يليق بموقف مماثل، وقررت أن أعزمها على بيبسي.
طلبنا 2 فانتا، وقفنا في ركن مظلل، استكمالنا الحديث، ضحكت، قالت، "تصدق، أنا كنت عاملة حسابي عليك، بس أنت عملتها وإتجوزت، عموماً خد رقمي لو فكرت تتجوز تاني".. وافقت – على أخذ الرقم – ووعدتها بالتفكير في الأمر.. رن موبايلي، انشغلت بالرد عليه، استأذنتها في الإبتعاد قليلاً، وفقدتها بعد ذلك في الزحام.
عدت إلى الشباب، بسام وياسر خرجا من اللجنة بعدي بقليل، راجعنا أجوبتنا، تأكدنا أنها متطابقة – بغض النظر عن مدى صوابها من عدمه – ثم انشغلنا بالتدخين، هذه هي المرة الأخيرة التي أدخن فيها داخل الجامعة، أخرجت سيجاراً صغيراً، ودخنت، قلدتهم، تظاهرت بعدم الاكتراث، لا أفعل شيئاً مختلفاً بالمرة، فقط أدخن داخل الجامعة، سألتهم "مش خايفين العميد يكون معدي ويشوفنا فيرفدنا؟"، سألني ياسر "ليه؟"، قلت "عشان بندخن..!"، ضحكوا جميعاً واعتبروها نكتة جيدة.. ضحت أنا الآخر وتظاهرت بأنها نكتة فعلاً.
وقفت ساعة أو أكثر، لم يكن هناك ما يستدعي وقوفي، فقط إجراء بعض المكالمات واستقبال البعض الآخر، ثم تفرغت لمراقبة فتيات الجامعة، شكل البنات هنا – في قنا – مختلف تماماً عن بنات القاهرة، هن بلا شك أكثر حشمة – داخل الجامعة فقط – لكنهن – والأمر يحتاج إلى تجربة شخصية منك – أكثر إثارة، أو فلنقل - لدواعي الحشمة والوقار والإحترام - أنها أكثر جاذبية.
عموماً الوقت ليس ملائماً للحديث عن الفروق بين بنات وهنا وبنات هناك، كلهن بنات، وقد أخذت نصيبي – المؤقت على الأقل – منهن بالزواج من بنت (جميلة، ملامحها مسمسمة، شكلها بتحبني) هي دعاء..
بدأت طريق الخروج من الجامعة، أقول طريق لأن الأمر استغرق ساعة كاملة، مشيت ما يقرب من كيلو ونصف تحت الشمس، والشمس في قنا مختلفة تماماً عن الشمس في القاهرة وما يجاورها من محافظات.. مشيت تحت الشمس، وتأثر رأسي لدرجة أني تخيلت أني إن جربت ووضعت يدي على شعري، فستدخل أصابعي داخل نافوخي، وتترك أثراً دائماً..
بحثت عن تاكسي دون جدوى، وقفت بعد مدة عند ركن مظلل، اتصلت بسام الذي وصل بعد دقيقتين إلى نفس مكاني، وجدنا أخيراً ميكروباص فارغ، ملأناه في دقيقة، واتخذنا طريقنا للعودة.
لأول مرة أمر من الصهاريج منذ أتيت، لاأعرف سبب تسمية المكان بهذا الإسم، شارع واحد، طويل، مفصل بالكامل عن قنا كلها، لا يشبه باقي شوارعها في أي شيء، ربما لأنه مكان السوق، زحام، محلات لبيع أي وكل شيء.. في نصفه تماماً يرقد مقام لشيخ ما، اسمه غير مكتوب، لا يزال هذا المقام يحتل جزءاً كبيراً من ذاكرتي..
المقام بجوار محل لبيع الملابس الداخلية الحريمي، وصاحب المحل يفتش عن أي متر لعرض قمصان نوم ساخنة فعلاً، لا مانع إذن من شد حبل قصير، بين باب المقام، وبين باب المحل، حتى باب المقام نفسه، لم يسلم من قميص أحمر موديل "البيبي دول"، والعديد من الصديريات، وأكثر من "كيلوت" بألوان متعددة.
جاءتني منذ سنوات فكرة كتابة رواية عن المشهد كله، حتى أني أتيت مرة وصورته من زوايا مختلفة، وباليل والنهار، وحتى وقت قريب، كنت لا أزال أملك الصور، إلا أنها ضاعت في مرة من مرات استبدال ويندوز اللاب توب.
كتبت بالفعل عشر صفحات من الرواية، وبالطبع لم تكتمل.
نزلت من الميكروباص، فعلت الأشياء التي يجب أن تحدث، فرشة الجرائد، المصري والدستور، ثم كويك دور للغداء.
أرهق اللاب توب كتفي، تذكرت نصيحة "رضا" بخصوصه، لم أعد أقوى على حمله إطلاقاً، أحلم بالتخلص منه نهائياً بإلقاؤه على الرصيف، بدأت أراهن نفسي، سأعيش ليلة صعبة، سيسيطر علي الصداع إياه، صداع الشمس، "صداع الدوحة"، أحب أن أسمي الأشياء، أحمد يقول أنها عادة لدي، أطلق على الأشياء أسماء خاصة بي، في المرة الأخيرة أخبرته أنني أصبحت أتعرض لما أسميه "مرض اليوم الواحد".. تعب شديد يستمر ليوم واحد، أشخصه باعتباره برد مثلاً، ثم يختفي في صباح اليوم التالي، بل ويكتسب جسدي قدراً من النشاط بعدها.
"صداع الدوحة" أعرفه جيداً، أصابني للمرة الأولى في الدوحة، خلال وجودي هناك للدراسة في مركز الجزيرة للتدريب، وبالتحديد في يوم تصوير مشروع التخرج، وقفت في الشمس ما يزيد عن الساعتين، وهؤلاء الذين زاروا الدوحة في شهر أغسطس يعرفون خطورة فعلتي.
ليلتها أصابني صداع استمر لأيام، صداع في العين، صداع يتنقل في أجزاء نافوخي، ومع الصداع، ترتفع درجة حرارتي بشدة، ليس الإرتفاع العادي، أشعر كأن جسدي جذب الحرارة طوال النهار واحتفظ بها، ثم قرر طردها مرة واحدة.
ليلتها، قرر "هاني بشر" أن يسعفني بأي طريقة، أجرى اتصالاً مطولاً مع طبيب ما، ونفذ تعليماته التي تلخصت في وضع قطع من الثلج أسفل رأسي، وشرب العديد من العصائر المسكرة، في اليوم التالي لهذا أخبرني "هاني" أن الدكتور بيطرياً، وأخبرته أنا أن كل العصائر التي اشتراها هو لي كانت بدون سكر.
سيصيبني هذا الصداع الليلة، سأشعر به بعد ساعة ربما، بعد أن أعود للفندق وأنام.
عدت للفندق، حاولت النوم، كانت فكرة الصداع تسيطر على أفكاري، أصابني الصداع بالفعل بعد ساعتين من محاولة النوم، قمت بعدها وأنا أشعر بالغضب، شعرت أنني السبب في الصداع وليس الشمس، أنا من هيأت نفسي للمرض.
شغلت التليفزيون، شاهدت برامج مختلفة، ثم قررت النزول فجأة، وقفت تحت الدش فترة كافية، ارتديت ملابسي ونزلت.
لماذا أشعر بالجوع الآن رغم مرور وقت قصير على تناولي الغذاء، لم أهتم بالإجابة على السؤال، الساعة الآن العاشرة، والوقت متأخر كفاية لأسرع في خطوتي، المطعم على وشك الإغلاق، أو هكذا أتخيل.
صعدت للصالة العليا بمطعم "الشيف"، أشعر أنني سأسترد عافيتي إن أكلت جيداً، طلبت ساندوتشين، وجلست أكتب تفاصيل الأيام السابقة على اللاب توب، لماذا أحضرت هذا الجهاز معي إلى المطعم رغم أنه سبب الألم لكتفي في الظهيرة، أنا غبي، لابد أن أعترف بذلك.
أكلت، شاهدت بطرف عيني صينية كبيرة من "الكنافة بالقشدة" ترقد داخل ثلاجة العرض، كنافة بالقشدة وليست بالكريمة، الكنافة المحشوة بالكريمة منتشرة في القاهرة، لكن "أم قشدة" لا توجد إلا هنا، على الأقل لم أجد مثلها في القاهرة.
طلبت من العامل أن يحضر لي كيلو كنافة بالقشدة، سألني وكأنه يعلم أني من أهل مصر "بالقشدة ولا بالكريمة؟"، أكدت أني أريدها بالقشدة، ابتسم، وكأنه يتمنى لي مضاجعة ناجحة لعاهرة تولى هو أمر إحضارها حتى عندي.
دفعت الحساب واستلمت لفة الكنافة، فكرت أن هذه اللفافة ستجلب قدر من السعادة على شقة الطلبة التي يقطن بها ياسر وبسام، ذهبت إلى هناك، وجلسنا نأكلها جميعاً.
كعادة الرجال، ظللت خائفاً من ألا يكفي الكيلو لاحتياجات الشباب، ظللت أنظر للطبق بريبة، كأني أسأله، هل ستكفي؟، امتنعت عن النظر بعد قليل، خشيت أن يضبطني أحدهم وأنا أفعل ذلك فيفهم أنني أخشى أن تنتهي الكنافة وأنني أنوي أخذ الباقي معي إلى الفندق.
كعادة الرجال أيضاً، كان الكيلو كافياً جداً، حتى أن أكثر من الثلث كان لا يزال سليماً، تذكرت دعاء، تغضب دائماً عندما أبالغ في تقديري للكميات، عندما نكون في انتظار زيارة من أقارب أو أصدقاء، أقترح عليها شراء بعض قطع الجاتوة من المحل القريب، توافق، ثم تصدمني بشراءها عدد من القطع يساوي عدد الضيوف المنتظرين، حتى بدون ترك هامش للمفاجأة، اسألها : "طب إفرضي الناس جت زيادة واحد أو اتنين؟"، تجيبني بثقة معتادة "متقلقش".. الغريب أنه في كل مرة تصدق توقعاتها.
ما يسري على الجاتوة يسري على البيض، فأنا غير مقتنع على الإطلاق بنظرة بيضة أو بيضتين لكل فرض، الفرض يمكنه أكل كرتونة بيض كاملة، لماذا إذن الإقتصاد الذي قد يعرضنا للحرج أمام الغرباء، وكالعادة، يكفي البيض، وتصدق نظرية دعاء، وفي كل مرة تنفذ فيها رأيي، وتشتري قطع أكثر، أو تكسر بيضاً زيادة، يبقى من البيض والجاتوة ما تقول أنها ستجبرني على أكله، وهو بالطبع قول لم يصدق حتى الآن، فلم يحدث أن أكلت بيضاً من الليلة الماضية، أو أكلت جاتوة غير طازج.. ربما لأني كنت أصعب عليها فتقبل برمي الأشياء السابقة أفضل من أن تجبرني على أكلها.. وهي قادرة.
لا يزال الصداع يسيطر على دماغي، دخنت سيجاراً، لم يفلح في وقف الألم، قررت العودة للفندق، والنوم المبكر، نظرت في ساعة موبايلي وضحكت، من جاء بسيرة البكور، الساعة الآن الرابعة، يا رب أعرف أدخل الفندق في هذه الساعة المتأخرة.. وصلت.. كان لا يزال مفتوحاً، صعدت لغرفتي.. جلست قليلاً أمام التليفزيون، سمعت آذان الفجر، توضيت وصليت، وكنت قد أعلنت "تسليم النمر" مع الركعة الأخيرة.. استلقيت على السرير.. الصداع يدق في نافوخي.. هو بعينه صداع الدوحة.. تصبحي على خير يا مليكة.
هناك 8 تعليقات:
أولا كلمة فرض دى خطأ أسمها فرد
ثانياً (مكلهن بنات، وقد أخذت نصيبي – المؤقت على الأقل – منهن بالزواج من بنت (جميلة، ملامحها مسمسمة، شكلها بتحبني) هي دعاء..) مع الأخذ فى الأعتبار أنى مش دعاء و أنى غريبة عنك تماما ولا اعرفك و أن غير معنية بالموضوع ألا أنى أتالمت من الكلمة كل يوم الحاجات الجميلة بتتغير وللاسف لشئ مش قادرة أقول أنه أسوأ لأنى لا اعلم لكن بالتأكيد لشئ أقل سعادة
طيب ..
انا باحب قنا انا كمان على الاقل لانها بتخليك تفضفض اكثر واضح يا صديقي ان زحمة الحياة هنا في القاهرة تسلب منك قدرتك على الحكي وهي قدرة جميلة لديك اصبحت احب قنا لانها تجعلني اعرف ما بداخلك اكثر وربما اقرب ولكن ماذا ستفعل بعد ان تنتهي مهلة بقاءك هناك ربما يجب عليك البحث من الان عن مدينة اخرى تحبها وتفضفض فيها
تصدق يا براء انا قريت التلات بوستات مرة واحدة وفي سيبر كمان
بجد قدرتك على انك تاخدني اقعد جنبك وانت بتعيش حياتك رائعه بدون اي ملل ولا زهق وانا بقرا
بجد رائعه طريقتك فى الكتابة
اما المواقف دي بقي فربنا معاك يا عم بجد بفكر اعمل زيك واسيب الكلية واعمل حاجة بحبها بس فى معوقات كتير والدنيا دي رحاية
تشي
المصيبه هنا
http://benkerishan.blogspot.com
وهنا
http://don-kichote.blogspot.com
وهنا
http://nawafco.blogspot.com
وهنا
http://dimozi.wordpress.com
يا خسارة يا براء تشرب سيجار و تبص على البتات خسارة ياجابر رزق
هى دى رباية الاستاذ اشرف جابر رزق
صليت؟؟؟
انت بتصلى؟؟؟
انا بقالى ساعتين بقرا فى المدونة بتاعتك و انت مش سايب فرصة غير انك تتريق على الدين و مظاهر الدين ، فكانت مفاجأة الحقيقة انك بتصلى
إرسال تعليق