الأربعاء، أغسطس 12، 2009

سرياؤوسي يكتب كما يشاء

أين ذهبت الكتابة؟. ومن أين كانت تأتي أصلاً؟.

جرب أن تكون كاتباً. وتتوقف فجأة. أن تفتح صفحة بيضاء جديدة. وتحاول أن تكسر بياضها بسطورك وكلماتك. تفشل. تشعر أنك عاجز. وترى بياض الصفحة يسخر منك. كأنه زوجة شبقة. تطرح سؤالها المنطقي على زوجها في ليلة خميس صيفية.. "مالك يا راجل".

أفتح صفحة أخرى. أكتب. أكاد أنتهي. أتذكر رسالة على الموبايل جائتني منذ شهور. "مثلما يمنعون اللاعب من اللعب بقدم مكسورة خوفاً على صحته، عليهم أن يمنعوا الكاتب من الكتابة بنفس مكسورة خوفاُ على موهبته.. بلال فضل". أمسح ما كتبت. واسأل نفسي عما كسرها. فلا أحصل على إجابة.

أحاول من جديد. يحفزني تعليق على المدونة، أو إتصال تليفوني من صديق يطمئن. عتاب لطيف من زميل عمل. أو إيميل قارئ محترم، ورسالة على الفيس بوك من شخص مجهول. أحاول تحت الضغط. فأكتب من جديد. وأمسح. وأعيد قراءة رسالة بلال فضل. ولا نتيجة.

في الأسبوع الماضي. دخلت مكتبي فتاة ترغب في العمل معدة. سألتها الأسئلة المعتادة. وأجابت كما يقول الكتاب. وأضافت – ضمن حديثها المتصل عن مواهبها المتعددة – أن لها مجموعة قصصية مطبوعة. ورواية وديوان تحت الطبع. وأنها كتبت في عدة مجلات ومجالات. وجدتني أشجعها. وفي محاولة للظهور بشكل أفضل أضفت "أنا كمان كنت بكتب".

الفتاة في الحقيقة أعطتني أكثر مما أستحق. فسألتني. "فين؟". أجبت "عندي مدونة اسمها وأنا مالي". فابتسمت نصف ابتسامة. وقالت "سمعت مرة عنها". كدت أنفجر من الضحك. أعرف هذه الإجابة. حتى إن كنت اخبرتها أن مدونتي تحمل اسم "سرياؤوسي يكتب كما يشاء" لكانت ابتسمت ذات الإبتسامة، وعلقت نفس التعليق.

لم يشغلني ما فعلته الفتاة. بقدر ما توقفت أمام جملتي "أنا كمان كنت بكتب". للمرة الأولى أضبط نفسي متلبساً بالإعتراف. داخلي شيء ما يمنعني إذن. داخلي جزء ينظر للكتابة باعتبارها فعل ماضي انتهى ولا يملك القدرة على الإستمرار.

ثم أن داخلي شيء آخر يمنعني من التحول إلى "سيرياؤسي" قادر على كتابة ما يشاء وقتما شاء. في معتقداتي الداخلية. توجد صورة لشخص يحمل اسم "سيرياؤسي" وهو كائن بشري يملك صفات اسطورية. تتلخص في "القدرة". القدرة على فعل أي شيء في أي وقت بأي شكل والتغلب على أية عواقب أو موانع.

حتى المرة الوحيدة التي ظهر فيها شخص اسمه "سيرياؤسي" في السينما جسد شخصيته الفنان لطفي لبيب. وكان في أحد المشاهد يمشي في الشارع في زي سوبر مان، وهو ما يعني أن لديه بالفعل قدرة "سيرياؤسية" على فعل أشياء ما كان لشخص في سن وجسم وظروف لطفي لبيب أن يفعلها لو لم يكن اسمه "سيرياؤوسي".

ما يمنعني على التحول إلى هذا الـ"سيرياؤس" هو الإقتناع بأن أحدهم سيأتي ويقرأ بعد سنوات. وأن الوسوسة كنز لا يفنى. وأن الكتابة الجيدة. هي تلك التي جاءت بعد "شوقة". وأن الجملة الجميلة. هي التي مسح قبلها عشر جمل ليست على المستوى ذاته من الجمال.

إذن. أين ذهبت الكتابة؟, ومن أين كانت تأتي أصلاً؟.

أفتش الآن عن إجابة. فلا أجد. نسيت كل ما يتعلق بقدرتي السابقة. أقرأ لنفسي الآن فأشعر أن غيري كتب. أستحسن بعض السطور وأكره بعضها. واسأل. كيف كان هذا البني آدم قادر على الكتابة. من أين تأتي كتابته. ماذا الذي كان يفعله ليكتب بغزارة وينشر بثقة. وما هي مشاعره وهو يرى في نفسه قدرة على الإنتاج. إنتاج الأفكار والسطور والكلمات والتدوينات. إنتاج الكلام بشكل عام.

الكلام.. فالكتابة لم تذهب وحدها. الكلام المنطوق أيضاً. هل يمكن تصديق أن هذا البدين الذي إن أمسك طرف الحديث ابتلعه حتى نهايته أصبح كثير التلعثم غير قادر على إكمال جملة أو توصيل معنى. هل يمكن تخيل هذا الشخص عاجز عن الفهم من أول مرة. ومتعثر في قراءة صفحتين ثلاثة لرضوى عاشور أو إبراهيم أصلان. هل يمكن تخيل هذا البدين منحني أمام لاب توب يقرأ باهتمام في مدونة فتاة مصرية عادية تماماً ليس فيها ما يدهش أو يجذب. وهو الذي كان يعتقد – بل ويعلن إعتقاده على الملأ – أن التدوين في مصر ظاهرة ذكورية وأن نصيب البنات في التدوين بسيط لا تدعمه إلا دار الشروق التي اختارت مدونات بناتية فقط لنشرها في سلسلتها المعروفة. هل يمكن تخيل هذا البدين وقد بدأ يعيد النظر في أمر البدانة وكان قد قرر منذ سنوات أن يأخذ البدانة طريقة ومذهب ونظام. حين كان يرى في البدانة جمال وخفة وأيقونة إبداعية جديرة بالإحترام.

هل يمكن تخيل هذا البدين وقد أصبح خيال قابل للتخيل. هل يمكن؟

هل يمكن تخيل كاتب يسأل عن كتابته. ومتكلم يسأل عن كلامه. وقارئ يسأل عما يقرأه.

هل يمكن أن يتجسد العجز في صورة أعجز من ذلك؟.

أنا أعرف الإجابة. لكن شيء ما يقف بين وبين كتابتها. سحابة كثيفة. مياة بيضاء. ارتعاش في الأصابع وعجز عن حفظ أماكن الحروف على لوحة المفاتيح. حالة كاملة من ضياع كل مفاتيح الأبواب المهمة، والأدراج التي تحوي أشياء قد تفسد إن ظلت مخزنة.

إذن. وللمرة الأخيرة. أين ذهبت الكتابة ومن أين كانت تأتي أساساً؟.

لا يشغلني الأمر للدرجة. لست مهتماً بقضية الكتابة للنشر والطبع والتأليف وحفلات التوقيع وتعليقات المدونة والزملاء "السيرياؤسيين". تعلمت في السنوات السابقة الكتابة بالصورة وللصورة ولعلها تطفئ قدراً من نار حيرتي.

لكن ما يشغلني أمر آخر. فحين كانت الكتابة سهلة. متاحة وموجودة. يسيرة متيسرة. كنت أخطط لحياتي بطريقة سهلة. العمل حتى الثلاثين. تحقيق قدر من النجاح والتحقق. ثم الكتابة والكتابة والكتابة. التفرغ لها وفيها وبها.

يبدو الجزء الأول من الخطة قابل للتحقق. العمل على ما يرام. ولازلت في الرابعة والعشرين. تبقى سنوات ستة إذن – إن عشنا وكان لينا عمر – ويبدأ الجزء الثاني. إن ضاعت الكتابة. فما الذي يمكن أن أفعله بعد الثلاثين؟.

السؤال صعب ومر. لا أحتمل عناء التفكير في إجابة له. الأفضل أن أعيد طرح الأسئلة الأسهل. أين ذهبت الكتابة. ومن أين كانت تأتي؟. وأين يمكن الحصول على إجابة؟
..

هناك 10 تعليقات:

محمد سعيد يقول...

ثم أنت لا تعرف ماذا تقول..

فكل شئ.. قاله واحد قبلك.. وربما قاله أحسن منك..

وكلما تقول شيئا.. تجد دائما من يعاندك فيه.. شئ صعب أن تبقى دائما في جدال مع الآخر..

وأنت لا تجد الرغبة في الكتابة.. ربما الحب والشوق ولسعته هو ما يعطي الواحد مننا الرغبة.. ثم ما أن يهدأ الحب.. وما أن تصبح الدنيا رتيبة بدون فلفل وشطة.. حتى نجد أنفسنا بلا أقلام..

ونحتاج أن نجد شيئا مختلفا.. شيئا جديدا.. وإلا كنا مجرد صدى صوت الآخرين..

وتأتي لحظة تفكر فيها.. كيف كنت مبدعا في الماضي.. والآن لا تجد شيئا تقوله.. تشعر أن قلمك فارغا..

فتجلس هاربا من الكتابة.. فقط تقرأ!

ربما نحن مثل الرسامين.. إذا لم نجد شيئا نرسمه.. جلسنا نشاهد لوحات الآخرين باحثين عن الإلهام وشئ نقوله..

ولن تجده.. حتى تجد في حياتك شيئا يحركها.. الحب.. أو غيره..

Unknown يقول...

أخيرررررررررررررررا

حمدالله ع السلامة يابطل

وحشتنا والله

الكتابة تأتى من حيث توجد الروح

هل تعرف ماهية الروح؟

لاأحد يعلم..فعلم الروح عند ربى

وعلم الكتابة كذلك

أختلف بشدة مع بلال فضل..فما الذى يمنع الكاتب من الكتابة بنفس مكسورة؟

بالعكس... عندما يكون الكاتب موهوبا بصدق مثلك يابيرو فان الكتابة هى ترياق روحه.. هى جبيرة كسره...هى الجسر الواصل بين ظلمة حزنه وضوء الشمس

لاتستسلم يابراء..اترك ذلك لنا نحن الذين لا نمتلك موهبتك المتوهجة...اكتب حتى لو كنت ستقول لنا مجرد تحية الصباح

لا تترك حبر قلمك يجف..فذلك هو الذى يكسر روح المبدعين

وسامحك الله يابلال يافضل

غير معرف يقول...

بجد يا براء مدونتك هي أحلي حاجة حصلتلي النهاردة ، متقلقش اللي انت فيه ده بيحصل لكل المبدعين في الدنيا ، ربنا يوفقك و إن شاء الله تبدع أكتر و أكتر بعد التلاتين و سلملي علي بلال فضل

غير معرف يقول...

مش عارف ازاي بتشتكي من قلة الكتابه وانت كاتب الكلام دا يعني كلامك وكتابتك دول ينفوا موضوع قلة الكتابه دا

غير معرف يقول...

مش عارفه يا براء كنت نفسى اعلق عن كلامك بس انا حساك كتير
بعرفك كويس وان شاء الله هتحقق كل اللى بتتمناه وانا متزاكده من داه

غير معرف يقول...

miss you man

radwa osama يقول...

يا ابننى اساسا انا جايالك عن طريق جوجل ريدر وحسيت بفرحة اول ما قالى انك كاتب حاجه جديدة
براء انت لسه بتكتب ، لم تتوقف عن الكتابة مش لازم يكون عندك اسهال فى الكتابة ممكن تكون مقل وايه يعنى .

وسام كمال يقول...

حمدا لله على سلامة قلمك.. شدة وزالت الحمد لله؛ لأننا خلاص بقة انتظرنا عليك كثير؛ والصبر طيب.

سؤالك كل كاتب بيسأله لنفسه لما بيهنج أو بينشغل أو بيحصل له شيء يوقفه ويخليه يراجع نفسه..

حقيقي لازم بإرادة الكاتب أو رغم عنه تحصله وقفات؛ إمال هيجيب منين اللهفة والحنين والابتكار والإبداع.

والتوقف شيء إنساني طبيعي في كل شيء، والذين يكتبون بلا توقف، تلازمهم وقفات إبداعية؛ ويكونوا أكثر حسرة متسائلين: إمتى هنكتب كتابة مبهرة لافتة زي زمان؟

وأحيانا يحتاج الإنسان كثيرا وقفة "اقرأ" و"شاهد" و"جرب لكي "يكتب".

عود حميد:)

Yasmine Madkour يقول...

المنطوق و المكتوب و المقروء و الصورة .. و لكن حين تأبي الكتابة تأبي و لا تستطيع لها صبرًا .. و لا تتجرأ علي كتابة أي شيء لم يرد بخاطرك و لا تستطيع كتابة جملة لا تؤمن بها حق الإيمان .. علي الاقل حتي لا تقرأها لاحقًا فتتأذي ..

قد عبرت عن حالة أحتاج أيضًا لكتابتها ..

Mahmoud Hermes يقول...

هل هذا الحال ادي لما انت عليه اليوم ! براء متقلقيش مش لازم تكتب كل يوم ومش لازم تكتب مليون سطر ومش لازم تكون راضي عن الكتابته بس اعتقد انك فعلا زمان احسن مليون مره مما انت عليه بس لاسف صعب قوي انك تحكم علي كاتب لان مينفعش يتسجن جو حدود ياريت تكون فهمني بس يارب ترجع تكتب تانب زب مكنت زمان زب مكنت مع اصحابك في الغربه وحلمك اعتقد مان ت مانت فيه في هذه الفتره سكون س انت كانت مضيق بس ادي بيك المشوالا ل نوع من الكتبات مش كويسه اتمني انك ترجع تاني معلموه انا مش عارفه اقرا اسمك هو انت اسمك براءه والا براء مش عارف بجد اسف