الاثنين، مايو 29، 2006

مينا.. لم يوحدها تماما


"البلد دي اللي يشوفها من فوق غير اللي يشوفها من تحت"..
فتحي نوفل – طيور الظلام

بنفس منطق الجملة الماضية، فإن صعيد مصر تختلف رؤيته تماما من فوق، عن رؤيته هو نفسه.. من تحت!

الذين يذهبون كل شتاء إلى الصعيد عبر الطائرة لتقضية أجازة نصف عام ظريفة ودافئة، لا يرون جنوب مصر بنفس الصورة التي يراها به الذين يذهبون للامتحانات كل صيف عبر القطار لتقضية أسابيع طويلة ومملة.. وحارة!

لأن هؤلاء الذين يذهبون في الطائرة لا يشاهدون البشر الذين يعيشون في هذه البلاد، أما أولئك الذين يركبون القطار فإنهم يخترقون البلاد تماما كما يفعل القطار ويرون التفاصيل الدقيقة في بشرها وجوها وأرضها.. وحتى سماءها التي تمتلئ بطائرات الفئة الأولى من أصحاب أجازات الشتاء الدافئة!

في جنوب مصر أشياء كثيرة مهمة أكثر من السد العالي ووادي الملوك والدير البحري.. بل أن أهمية تلك الأشياء –الأخرى- تسلب من السد والوادي والدير أي نوع من أنواع الأهمية!

لأن في جنوب مصر بشر، يعيشون حياة مختلفة تماما مع نظيرتها في الشمال، ويدرك كل فرد منهم، أن الوحدة التي صنعها مينا (موحد القطرين الشمالي الجنوبي) لم تقضي للأسف على كل الفوارق بين القطبين الشمالي والجنوبي!

في الجنوب، استمتع بكل الأشياء التي لا توجد في الشمال، وافتقد كل الأشياء الغير الموجودة فيه أيضا، وفي الشمال، لا تفتقد شيئا من الجنوب، وأحمد ربنا الذي خلقك من أهل الشمال.. وأدعوه أن يجعلك من أهل اليمين في الآخرة..

(2)

في مصادفة غريبة من نوعها، بدأت قراءة كتاب "قطار الصعيد" للروائي يوسف القعيد وهي لك الرواية التي كتبها في 1988 وقرر أن ينشرها في 2003... ولو شئت الدقة فإنه قرر نشرها بعد حريق القطار الذي يحمل الاسم نفسه.. قطار الصعيد..

وفي الأسبوع الذي سبق سفري، كنت أعيد قراءة فصل من كتاب العبقري دكتور جلال أمين، عصر الجماهير الغفيرة، وهو الجزء الثاني من كتابه الأهم "ماذا يحدث للمصريين"..

في عصر الجماهير الغفيرة فرد جلال أمين فصل كامل للحديث عن قطار الصعيد "الحادثة" باعتباره واحد من دلائل تحول مصر إلى "عصر الجماهير الغفيرة"..

ولو كان جلال أمين يقصد بالغفيرة أنها كثيرة ومتكاثرة.. فإنك في قطار الصعيد ستجد للغفيرة معنى آخر... الغفر!

غفر بمعنى كلمة غفر، ربنا يسامحنى في تريقتي على مخاليقه.. لكن الحقيقة أن مخاليقه في الصعيد وفي القطار بالذات ينتمون إلى زمن آخر غير الذي ننتمي له.. ينتمون إلى زمن أروع تسمية له هي تلك التي جاءتني في حمام القطار.. زمن الدهشة!

هؤلاء يندهشون من كل الأمور التي تبدو بديهية.. ويستسلمون بلا مبالاة غريبة لكل الغرائب!

سأعود لأحكي لكم عنهم.. فانتظروني!

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

كلامك واقعى جدا,المعايشة اليومية للبشر تختلف تماما عن سماع الحكاوي عنهم