الأحد، سبتمبر 09، 2007

كدة رضا.. نجح تجارياً وفقد "رضا" جمهوره

في قاعة عرض فيلم "كدة رضا"، وفي ليلة عرضه الاولى، كانت سيدة أربعينية تجلس خلفي، وتسألني خلال الاستراحة القصيرة في اهتمام، هل يستحق هذا الفيلم كل الضحك الذي يعلو صوته في القاعة مع كل مرة يظهر فيها أحمد حلمي على الشاشة؟، ولماذا يضحك البعض على جمل حوارية عادية لا تحتوي على ما يعرفه المصريون باسم "الإفيه" وهو كلمة السر القادرة على جعلهم يضحكون.

تلك السيدة لم تكن تعلم السبب الذي جعل قاعة العرض تبدو مزدحمة بهذا الشكل في أول أيام عرض الفيلم، وربما هي أيضاً لم تلاحظ أن "كدة رضا" لم تتوفر له قوة كبيرة من الدعاية كتلك التي توفرت لـ"مرجان أحمد مرجان" حيث تقف وراءه شركة إنتاج كبيرة هي "جود نيوز"، أو "عندليب الدقي" والذي تقف وراءه قناة تليفزيونية هامة هي "روتانا سينما"، أو "كركر"، والذي يقف وراؤه منتج يجيد الدعاية هو أحمد السبكي، وموزع محترف هو الشركة العربية.

إذن كيف استطاع "كدة رضا" أن يحصل على "كامل العدد" كل ليلة دون دعاية كافية، وكيف استطاع صناع الفيلم أن يقسموا آراء الجمهور في فيلمهم، ما بين مستلقي على ظهره من قوة الضحك، وما بين مستغرب، "لماذا يضحك هؤلاء على أشياء لا تجبرني على الضحك؟".


وفي حين جاءت آراء النقاد في الفيلم مشيدة بهذه الفانتازيا المتكاملة التي صنعتها قصة أحمد فهمي البسيطة المفعمة بروح "رجال لا تعرف المستحيل" فيلمه التجريبي الأول الذي لم يعرف الطريق إلى السينما حيث كان فيلماً قصيراً اقتصر عرضه على مواقع الانترنت.

وصنعتها صورة أحمد جلال في تجربة تضاف إلى رصيده من الأفلام الناجحة كـ"واحد من الناس" أو "محطة مصر".

وصنعتها إجادة أحمد حلمي واحترافيته في تجربته الخامسة بعد "زكي شان" و"ظرف طارق" و"جعلتني مجرماً" و"مطب صناعي"، وكلها أفلام كانت كافية ليدخل الجمهور أفلام حلمي دون دعاية، لكنها لم تبرر انقسام آراء الجمهور.

فعلى مدونة "كيس فشار"، وهي مدونة فنية مهتمة بالسينما، كتب أحد اصحابها واسمه "سولو" عن "كدة رضا" يتحسر على ساعتين إلا ربع قضاها في قاعة العرض يشاهد الفيلم، وعلى منتديات إنترنت أخرى ستجد آراء مشابهة، لكن على الـ"فيس بوك" لا زالت مجموعة محبي "كدة رضا" في ازدياد، تماماً كما تزداد مجموعة أخرى تحمل اسم محبي "أحمد حلمي".

وحين تشاهد الفيلم، ستدرك أنك أمام فيلم "جديد" يستحق هذا الإنقسام، فعلى مستوى القصة والحبكة لدينا هندي "لطفي لبيب" النصاب الذي رزقه الله بثلاثة توائم ماتت أمهم بعد ولادتهم، ليجد الأب نفسه في مأزق، ويقرر تسمية الاولاد الثلاثة باسم واحد هو "رضا" وتسجيلهم بشهادة ميلاد واحدة، وتقديمهم كشخص واحد إلى الأقارب والجيران.

وعلى مستوى الصورة كانت هناك كتيبة من فنانين الستايلست لصناعة ثلاثة نسخ من رضا "أحمد حلمي"، مراعاة للفروق بين الشخصيات الثلاثة، "البرنس" القاسي المخطط لكل شيء، و"بيبو" الخفيف لاعب الكرة الفاشل، و"سمسم" المنطوي ذو الشخصية الضعيفة.

إذن فسيعتمد حلمي على الستايلست طوال الفيلم ليفرق بين الشخصيات الثلاثة؟، الحقيقة أنه لم يفعل، فقد أجهد نفسه في الدخول والخروج من ثلاثة شخصيات مختلفة، حتى أن صديق خرج من قاعة العرض يقول إن أفضل ما شاهده في هذا الفيلم هو أنه لم يقدم "أحمد حلمي" في كل مشاهده، وهو ما لم يحدث، فحلمي وإن ظهر في كل المشاهد، فإنه استطاع أن يجبر الجمهور على التفرقة بين ثلاثة شخصيات يؤديها هو وحده.

كل هذه الأسباب تجعل "كدة رضا" مؤهلاً لأن يحوز "رضا" الجمهور بالكامل دون انقسامات، لكن هذا لم يحدث، تبقى المعالجة التي كتبها أحمد فهمي، والتي كانت كلمة السر في هذا الانقسام.

خلال الفيلم تظهر قدرات فهمي المختلفة، هي ليست قدرات محدودة، لكنها فقط مختلفة عن قدرات كتاب سينما آخرون مثل أحمد عبد الله ووائل عبد الله وبلال فضل ومحمد فضل، كل هؤلاء يجيدون صناعة الإفيه، لكن فهمي يحاول صناعة المشهد الكوميدي، ويأتي الإفيه في المرتبة التالية عنده.

فهمي صنع قصة مبتكرة، اتبعها بمواقف جيدة، وفلت منه "الراوي" في بداية الفيلم الذي كان مزعجاً للغاية، ثم دخل في صلب الموضوع وهو علاقة الثلاثي بمي "منة شلبي"، لكن كل هذا لا يجبر كل الجمهور على الضحك.

مواقف الجمهور أقنعت طبقة عريضة من الجمهور بالضحك، خاصة هؤلاء الذين اعتادوا الضحك على الأفلام الكوميدية الأمريكية، أو حلقات السيت كوم القصيرة، لا توجد إفيهات، ويبقى مصدر الضحك الوحيد هو الموقف، وفيلم (فهمي / حلمي) ممتلئ بالمواقف.

حتى عندما حاول فهمي اللجوء للإفيه، كان ذلك عن طريق إلقاء أربعة نكات مختلفة، وحين يشاهد المصريون النكات على الشاشة، فإن الوصف الوحيد اللائق بها يكون "استظراف" ويدخل عادة تحت خانة "السماجة".

لكل هذه الأسباب نجح "كدة رضا" في تفتيت "رضا" الجمهور، لكن هذا لا يمنع نجاح الفيلم فيما يتعلق بالإيرادات، وهو سؤال آخر، لماذا إذن نجح الفيلم رغم اختلاف الآراء عليه؟.

نجاح كدة رضا يحسب لعادل إمام ومحمد سعد وهنيدي وأحمد السقا وعز، كل هؤلاء النجوم الذين خذلو الجمهور، اعطوه دفعة غير مرئية لدخول فيلم حلمي، وبقى "كدة رضا" هو الملاذ الأخير في موسم الصيف الذي لم يأتي بجديد.

وعلى قدر ما انقسم الجمهور حول مستوى الفيلم، فإنهم توجوا "بتذاكرهم" حلمي كبطل للكوميديا يلعب في الموسم القادم وفي رصيده نجاح كبير، كما أن أعداؤه ومنافسيه يتناقصون، بعد أن كتب الجمهور "بتذاكره أيضاً" شهادة وفاة لبعضهم.. والبقاء لله.