الاثنين، يوليو 11، 2011

استفتاء

سأرحل في الصباح.




بينما يستعد أبناء بلدي لقول كلمتهم بخصوص تعديل دستوري مهم بعد أن قاموا – وكنت معهم – بثورة عظيمة، ستكون الطائرة تحلق في السماء وأنا داخلها.




لن أتمكن من التعبير عن رأيي في التعديل الدستوري، هذا شيء سخيف ولطيف، فمن ناحية ستكون هذه هي المرة الأولى التي يمكن أن أشارك بها في انتخابات حقيقية، ومن ناحية أخرى، لا أملك وجهة نظر محددة للإدلاء بها في صندوق الإقتراع، لا أنا موافق على التعديل الدستوري، ولا أنا معترض.




إذن، هل يمكن أن نقرأ من المشهد السابق شيئاً ما؟.. بالتأكيد..




هكذا هي العادة، أكون في المكان الخاطئ، أعجز عن اتخاذ قرار، وأرحل في الوقت غير المناسب.




الآن، وبينما أجلس أمام التلفاز أشاهد أفلاماً أمريكية لطيفة، وأتناول تفاحة حمراء – أمريكية هي الأخرى – وترقد بجانبي حقيبة سفري التي لم أحزمها بعد، أفكر بعمق في رغبتي الحقيقية أن أسافر هذه المرة دون عودة.




في الداخل تنام طفلتي، أخبرتها أني مسافر في رحلة عمل، اعترضت قليلاً، حتى سألتها عن نوع اللعبة التي تريدها هذه المرة، قبلتني قبلة طويلة، وقالت : "عروسة".. ثم دخلت لتنام.




بإمكان طفلتي أن تلحق بي، وأن تبدأ حياتي الجديدة هناك. هذا بالطبع لن يحدث، لأن علي العودة مرة أخرى بعد أسبوع. لكن.. قليل من الأمنيات لن يضير.




بشكل عام، صرت أفضل أن الأنظر إلى الأمور وهي خلفي. لا داعي هنا لكلمة "صرت"، لأنني لم أصبح كذلك مؤخراً. هذه هي عادتي التي لم أعرف سواها في سنوات عمري السابقة.




ليس لأني لا أجيد المواجهة. فأثناء عملي، أراني قادراً على المواجهة بشكل كبير. مواجهة المشاكل، مواجهة الزملاء، مواجهة العملاء.. لكن يبقى الشخص الوحيد الذي أصمت أمامه هو أنا.




لذا، كانت عادتي أن أنتظر قليلاً حتى تمر الأشياء، ثم أنظر إليها وهي خلفي. فلا أراها رؤية سليمة، بحيث أقيمها تقييماً زائفاً، وأمضي وداخلي رضا عن حالي وقراري واختياري.




عندما بدأت العمل، (قبل عشر سنوات كاملة)، تلقيت بعض الدروس عن "التفكير خارج الصندوق". أعتقد أنني فكرت خارج الصندوق بالفعل طوال السنوات السابقة، بمرور الوقت، يمكن أن أقول أن صندوقي لم يعد يلعب دوراً ضرورياً في حياتي، تركته جانباً. الآن، أكتشف أني أفكر في الهواء الطلق، بدون صندوق حتى.. وتاهت صناديقي في الأماكن التي تركتها فيها.


الآن، أعتقد أن قليلاً من التفكير في أمر الصندوق نفسه كان ضرورياً. ربما لتجنب لحظات الحيرة، أو للإبقاء على الصداقات التي انتهت فجأة، أو لأية أسباب أخرى.




أنا أساساً لا أملك الشجاعة الكافية لأصبح بوهيمياً كاملاً. كيف فقدت صندوقي إذن؟




ما الذي يعطيني هذه القدرة على السير في طرق مجهولة فجأة ودون أدنى تفكير. لقد تركت عملي السابق وأنا أتناول شطيرة في سيارتي بصحبة شخص كنت أظنه صديقي. ثم بدأت عملي الحالي وأنا أشرب مشروباً ساخناً في سيلانترو، بصحبة شخص أصبح فيما بعد صديقي، لا الشطيرة كانت سيئة بحيث تجعلني أترك عملي، ولا المشروب كان جميلاً بحيث يمنحني حماساً للمغامرة والعمل في مكان لم يتم تأسيسه بعد.




كيف اتخذت قراري إذن في المرتين؟ وإذا كنت أعلم عن ذاتي هذا التهور، ما سر الرغبة القوية داخلي في أن أرحل الآن دون عودة؟....




( : )



الخوف، من أن تفوت حياتي وقد فوت على نفسي فرصة مشاهدة عدد أكبر من الصور والأفلام وقراءة حجم أكبر من الكتب، وزيارة أماكن أبعد من التي ذهبت إليها.




القلق، حيال حياتي السابقة وقراراتي التي لم أفكر بها أصلاً، حتى أنه لا توجد ضمانة وحيدة أنني سأفكر – قليلاً – بخصوص أية أمور قادمة في المستقبل.




الرغبة، في النسيان، والتناسي، والإختفاء فجأة في وقت غير مناسب، ومتابعة الأمور من بعيد. أو حتى عدم متابعتها، لن يفرق شيء.




الحب، البحث عن مكان أحبه حقاً، ويمكن ألا أتنازل عنه. في الصباح شعرت بالضيق لأني سأنتقل من سكني الحالي الذي أظن أني أحبه إلى سكن جديد في منطقة سكنية أخرى، وفي المساء أخبرتني زوجتي أننا لسنا في حاجة ضرورية للإنتقال. استرحت قليلاً. لكني لم أرفض في البداية فكرة الانتقال من المكان الذي أحبه، هذا يعني أني لا أحبه أصلاً.. هل يمكن إذن أن أعيش في مكان آخر لا أتنازل عنه بذات السهولة؟




الخيال : الأرض الواحدة تلد خيالاً واحداً. والمنزل الواحد يلد ذات الحكايات.. أي سخافة تلك التي تجبرك على عدم مراوحة مكانك في الأرض.. والثبات.




الحكمة : قديماً قال العرب، أن الحجر المتحرك لا ينبت عليه عشب. وبمرور الوقت، نكتشف جميعاً، أن نمو العشب ليس بالضرورة أمراً إيجابياً.. للصحراء، وللأحجار الجافة، شكل جميل دون شك.




الأسطورة، رأيت في المنام أن أرض مولدي ليست أرض مماتي، وأخبرتني أمي بهذا ذات مساء. فكأني أفتش عنها.

ليست هناك تعليقات: