الاثنين، يوليو 11، 2011

حسبي الله ونعم الوكيل

(1)

يقول صديقي "عمر كامل"، أن أفضل ما حدث في التحرير هو أننا تمكنا أخيراً من معرفة بعضنا.

لم يكن عمر يقصد معرفتي به، لم تكن معرفتنا أصلاً بسبب التحرير. كان يقصد ببساطة، أن المصريين تمكنوا من معرفة المصريين، وأن الجزر المنعزلة، باتت قادرة على الاتصال ببعضها البعض.

إذن، عندما يقول "صبحي صالح"، المحامي الإخواني الشهير، وعضو لجنة تعديل الدستور المصري، والعضو السابق بالبرلمان، أن على شباب الإخوان أن يتزوجوا فقط من الأخوات، وأن زواج الأخ من بنت محترمة ومتدينة ومن بيت طيب يعطل النصر، واصفاً الأخ المذكور بالـ"فلوطة"، وهي كلمة لا معنى مؤدب لها في الواقع.. فإن هذا يعني ببساطة أن الأخ صبحي لم يتمكن من معرفتنا.

وهذا شيء محبط، مثلاً، عندما شاهدت فيديو "عفاف شعيب" الخاص بالبيتزا والكباب والريش، سألت نفسي ذات السؤال، كيف سمحت لنفسها بقول هذه الترهات أمام كاميرا تنقل كلامها للشعب المصري، هل تجهل عفاف شعبها؟، بحيث تقول هذا دون أن تدرك أن الرد الطبيعي عليها هو الرفض والسخرية.

طيب، إذا كانت عفاف فنانة ليست ذات علاقة بالسياسة، وبالتالي فإنه ليس من الواجب عليها أن تراعي الذوق والذكاء فيما تقول، ماذا عن صبحي؟.

الأستاذ صبحي الذي جلس في البرلمان المصري، ودخل المحاكم المصرية، ويعيش في الأسكندرية ويعدل الدستور المصري، كما أنه من الإخوان المسلمين فرع مصر، كل هذا ولا يدرك أن ما قاله يمكن توجيهه للشعب السعودي الشقيق مثلاً.. حتى أنه لو قاله في السعودية فلن يسلم من البعض يعتبرونه عنصرياً.

ما قاله "صبحي صالح"، هو مزيج نادر بين ثلاثة مكونات بغيضة، أولها العنصرية، وثانيها التطرف، وثالثها التعصب. وقبل أي شيء، يغلفها جهل بطبيعة الشعب الذي ينتمي له المحامي الشاطر.. لذا، كان لابد من مكالمة.

في المساء، فكرت أن علي أن أكسب ثواباً بطريقة أو بأخرى، بحثت عن رقم تليفون الأستاذ صبحي صالح، وكتبت على الفيس بوك أخبر أصدقائي عن نيتي مكالمته في الصباح وإخباره فقط أن "حسبي الله ونعم الوكيل". وفتحت مناقشة كانت نتيجتها 159 تعليق، و16 استحسان، معركة كلامية طويلة حول ما إذا كان يجب أن أتصل به أم لا، في النهاية كان الشعار الذي يملأ التعليقات هو : "الشعب يريد رقم صبحي صالح".

في الصباح، دخلت غرفتي وأحسنت إغلاقها، ثم طلبت الرقم وانتظرت، كانت توقعاتي كلها أنه لن يرد، أو على الأقل سيرد سكرتيره. لكنه رد بنفسه.

قلت، اسمي براء، أعمل مخرجاً للأفلام الوثائقية، مواطن مصري، ليست لدي مشكلة كبيرة مع الإخوان.. قال : تمام.

قلت، أتصل بك لقول جملة قصيرة، أرجو أن يتسع صدرك لها : حسبي الله ونعم الوكيل.. قال : في من؟، قلت : فيك.. ثم كررت الحسبنة ثلاثة مرات.. وكنت أرتعش.

(2)

لم أكن حتى هذه اللحظة واثقاً من جدوى ما أفعل. مالي أنا وصبحي وما يقول، هو حر، وأنا حر، هو يأمر الإخوان بالزوجات من الأخوات، ولا أنا من الإخوان لا من الأخوات، إذن فليتزوج الأخ أخته وأريح أنا دماغي..

ما دفعني للمكالمة فقط هو إخبار صبحي أنني موجود. أعيش في ذات العالم وأتنفس هواء نفس الكوكب، وأحمل جنسية كالتي يحملها. وأن هذه أسباب كافية تدفعني للإتصال به وإخباره أن حسبي ربي.

فكرت، أن المحامي المحترم، لا يعلم بوجودي، وهذه حقيقة، لو كان يعلم، لامتنع عن قول ما قيل. وأن دوري فقط ينحصر في إخباره أن البلد واسعة، فيها هو وإخوانه، وفيها أنا وأصدقائي، وفيها أناس آخرون.

كيف يسمح لنفسه إذن بقول ما يوصف بالعنصرية والتطرف والتعصب؟

قال : الإعلام يحرف كلامي. قلت : كلامك الأخير كان فيديو تتحدث فيه بصوت وصورة. كما أنني عرفته من الفيس بوك وليس من جريدة ليبرالية ذات خلاف معك مثل المصري اليوم أو غيرها.

قال : لكنهم..، قاطعته : إذا كان الإعلام يحرف كلامك بالشكل الذي ينسب لك عشرة تصريحات كلها خاطئة، فالأولى أن تلتزم الصمت، ثم أنك محامي تعلم، أن الدخان دون نار أسطورة..

قال : كنت أهزر..، أخبرته أنه ليس من حقه أن يهزر للأسف، وهو عضو في لجنة تعديل الدستور، ثم سألته : هل ستمنعون في الدستور زواج الإخوة من غير الأخوات؟.. وهل يعتمد الإخوان تفسيرك للآية الكريمة " أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ", حيث وصفت غير الأخوات بالأدنى والأخوات بالخير؟.

ثم أنك تقول، إن على الأخ أن ينصر الله على المجتمع، لكن، هل المجتمع في حرب مع الله؟، ولماذا تأكدون دائماً أن هذا مجتمع لديه مشاكل مع الله، ثم إذا كانت هذه حقيقة، هل يمكن أن تكتفي بدورك كمحامي، وتدع الله يقرر ما يشاء بخصوص المجتمع؟..

سكت لحظة، والتقطت أنفاسي، قلت : أنا آسف، سامحني، سني صغير وأن رجل محترم.. لكن حرام عليكم.. أتمنى أن يكون لي أصدقاء من الإسلاميين، لكني أصبحت أخاف منهم، أفكاركم مخيفة، وأسلوبكم عنيف..

حكيت له أن جدي كان إخوانياً كبيراً اسمه "جابر رزق"، قال أنه يعرفه، وأضاف "الله يرحمه"، أخبرته أن لا جدي ولا رفاقه من رعيل الإخوان الأول قالوا مثل ما يقول في مؤتمرات النصر في الإسكندرية وأمبابة. وأن الدعوة إلى الله، هي كما كتب رجل إسكندراني عظيم اسمه "عباس السيسي" ذات يوم "دعوة حب". وللأسف فما قاله لا يعرف الحب، أكثر مما يعرف الكراهية.

(3)

ما أدهشني، أن الرجل تأثر فيما يبدو بكلامي الأخير، فقال : "أنا آسف". قلت له أني لست في حاجة إلى إعتذار، حيث أحاول مؤخراً أن أكتفي بالتأكد من أن النوايا طيبة. لكن البلد تحتاج إلى اعتذار منه ومن كل من قال كلمة فيها رائحة الفتنة والكراهية والعنصرية والتعصب والزهو السياسي المقيت.

أنهينا المكالمة على وعد بلقاء لم يتحدد له موعد. حتى نكمل نقاشنا..

فكرت أن أخبره قبل الإغلاق بجملة "عمر كامل"، أننا أصبحنا أخيراً نعرف بعضنا.. لكن، هل يعرف عمر نفسه الأستاذ صبحي؟..

هنا يمكن أن نلمس عمق المأساة. ذات المكالمة التي استحقها "صبحي صالح"، يستحقها أيضاً هؤلاء المثقفين على الفيس بوك، الذين لا يدركون أن هناك عالم موازي، يحمل أفكاراً مغايرة.

الإخوان جزيرة، لا يعرفون أحداً خارجها، والمثقفين كذلك، الفيس بوك جزيرة كبيرة، كل واحد له من الأصدقاء ألف، وهم في الغالب على شكله وأفكاره، قد لا تسمح له الفرصة باختلاف حقيقي.. لأنه في الحقيقة، لا أحد مختلف معه.

ما يقال داخل الكنائس يبقى داخلها، وما يقال في المساجد كذلك، كيف نزعم أننا إيد واحدة، إذا كنا لا نعرف بعضنا، كيف نعتقد أننا أحرار في كلامنا، إذا كنا لا نعرف كيف يؤثر على الآخر.

هذه الجزر يجب أن تتصل. جزيرة الإسلاميين وجزيرة المثقفين، جزيرة السلف وجزيرة الأقباط، جزيرة المجلس العسكري وجزيرة "تويتر".. كلنا، واجب علينا، أن نتصل، حتى وإن كان اتصالنا يبدأ بـ"حسبي الله ونعم الوكيل".

ليست هناك تعليقات: