الاثنين، يوليو 11، 2011

الرسالة الأولى : إلى إياد صالح، بخصوص نكتة يسرا

أما بعد، أما قبل، أما أما..
في القاعة التي لم تكن واسعة بما يكفي، ولا ضيقة، كنا أنت وأنا، ومعنا ستة، نشاهد الفيلم الذي كان علينا أن نشاهده حتى لا نعتقد يوماً أن شيئاً مهماً قد فاتنا..

في الربع الأول من الفيلم، فتحت أنت حقيبتك وأخرجت جهازك، وانهمكت في العمل، كان عليك أن تفعل ذلك، لم تكن هناك قيمة مضافة لمشاهدة ما يحدث على الشاشة..

في الربع الأخير من الفيلم، وبينما انتهيت أنا من فعل كل الأمور المسلية التي يمكن فعلها خلال مشاهدة فيلم ممل، فكرت أن علي أن أكتب لك رسالة، بخصوص الأشياء التي بدأت تحدث مؤخراً، دون أن نفهمها..
ما الذي يحدث يا إياد؟، لماذا يفعلون ذلك بنا؟.. نحن لم نخطئ، ذهبنا إلى هناك بحسن نية.. ما الداعي إذن لفعل ذلك بنا..

تقول أنه ليس علينا أن نفهم كل شيء، هذا مستحيل أساساً، يجب أن تبقى بعض الأشياء غير مفهومة لأن هذا يعطينا أمل في الحياة، ولذة في اكتشاف أمور جديدة.. أنا موافق تماماً. لكن في المقابل، لو استمر الحال هكذا، فمن الممكن أن ينتهي المطاف بنا – أنا وأنت – وقد اتجهنا لحضور ورشة عمل مع المخرج الشاب الجميل، الذي نحبه، (تعلم بالطبع أني أكذب) ليعلمنا أن السينما فن لطيف، وأن علينا أن نكتب أفلاماً وألا نيأس، لأنه هو نفسه كتب أفلاماً كثيرة ثم ألقاها في المرحاض.. المشكلة، أننا لازلنا نعتقد أن حتى فيلمه الوحيد الذي خرج به علينا يستحق أن نلقيه في المرحاض.. هل سنخبره بهذا وقتها، أم سنسأله أسئلة صعبة، من نوعية : أخبرنا كيف استطعت أن تنتج سينما نظيفة لا تظهر فيها سيقان مزة هنا أو هناك..

أوه يا إياد، سأخبرك مرة أخرى أن علينا أن نصنع أفلاماً ثم سأضيف كلمة : بقى.. بمعنى أن علينا أن نصنع أفلاماً لمواجهة الملل.. أنت وأنا والذين يجلسون حولنا على المقهى يعلمون أن السينما غير مهمة فعلاً.. المهم، هو التظاهر بأنك تهتم للسينما، وأن لديك شيء تقوله.. المهم النفس.. والنفس الحلو يحتاج إلى كلام فيه قليل من الموسيقى والحزن والأمل، والكلام عن السينما جميل، إذن، وبينما يذهب عم مجدي لإحضار حجر جديد، علينا أن نتحدث عن السينما، حتى يأتي أحدهم ويغير الموضوع.

لا شيء يهم يا إيدو لا شيء يهم.. ستمر الأيام، وسنفعل في السنوات القادمة أشياء جميلة. وسنجلس من آن لآخر على المقهى نسأل، متى شعر رجل الشطرنج أن السنوات مرت سريعاً؟ قبل أن يركب الباخرة؟، بعد أن وصل؟، أم حين كان يلعب الشطرنج على الرصيف مع الرجل الذي سنفهم في النهاية أنه لم يكن موجوداً أصلاً..

ستسامحني على الفقرة السابقة، أنا الآن أفشي سر خطير.. لكني أعلم مسبقاً أنك ستسامحني.. لهذا أحبك يا إيدو.. لأنك لا تحملني أكثر مما ينبغي..

أنت تفهم في الأصول، لا تحاول أن تفسرني، ولا أنا أحاول أن أفسرك.. ربما من فترة إلى أخرى نجلس قليلاً نتحدث عن أنفسنا.. نضحك على الصورة التي يرانا عليها الآخرون، نجتهد في وصف العلاقات المعقدة التي تجمع بين زملاؤنا.. ونشتكي – بكذب واضح – من هموم الحياة، ثم نعلن قبل رحيلنا أن كل شيء سيصبح جميلاً، وأن الأشياء كلها لا تستحق أن نخسر صحتنا.. وأن الأصدقاء المشتركين لديهم ما يجعلهم يبدون كرجال نزلوا لتوهم على الكوكب، ويشاهدون أفلام الأبيض وأسود بمنتهى الإنبهار..

الإتفاقية المشتركة هي الحل، كانت فكرة لامعة فعلاً. لا أدري من أين أتيت بها.. أصبحت أستخدم الاتفاقية يومياً. شيء مذهل أن يصبح لديك صديق حقيقي تعقد معه اتفاقية كالتي بيننا.. ثم تطبق شروطها بنفس راضية.. لم أكن أتخيل حجم الراحة النفسية التي أشعر بها في كل مرة أنفذ فيها اتفاقيتنا.. خاصة وأن ضميري مرتاح، أنك هناك، فيما وراء البحار، تطبق الجزء الخاص بك بمنتهى الرضا.. صديقي أنت يا إيدو.. صديقي صديقي يعني.. لا هزار..

عموماً، كنت أريد أن أقول أن الفيلم كان يستحق أن تفتح جهازك وتعمل داخل القاعة.. ولأن هذه الرسالة ستنشر على الإنترنت، وسيقرأها أناس غيري وغيرك.. علينا أن نعطيهم شيء يفرحوا به، وبالمرة يمكن أن ينسيهم الموضوع الأصلي فلا يزعجونا بأسئلة عن الاتفاقية وعن الشطرنج وعن عم مجدي.. نحن نهتم للجمهور في البداية والنهاية، الفن فن، لكن الجمهور جمهور أيضاً.. أفكر أن أكتب لهم ما جعلني أؤمن أن وجودك في حياتي ليس حدثاً مستقبلياً، وأنك لم تكن صديقاً عابراً.. وأن صداقتنا جزء أصيلة من خرسانة المجرة الفضائية التي سنزورها يوماً.. إنها نكتة يسرا

حيث تقول الحكاية، أن الفنانة المشهورة كانت تركب طائرة، وبينما تطير في السماء، سقطت فجأة في البحر.. غرق كل الركاب، عدا يسرا، وراكب آخر.. فبعد وقت طويل من مقاومة الغرق، انتهى بهما الحال على جزيرة مهجورة.
في اليوم الأول، ابتسم لها، وفي اليوم الثاني اصطاد خروفاً وجعلها تأكله. في اليوم الثالث تحدثا كثيراً، وفي اليوم الرابع حدث ما كان يجب أن يحدث منذ اليوم الأول عندما تجد نفسك على جزيرة مهجورة ولن يأتي أحد لإنقاذك أنت أو يسرا..
بعد فترة، شهر ربما، وبعد أن شعر الراكب المحظوظ بقدر كبير من الملل.. طلب منها أن تحلق شعرها كله.. وقد فعلت، ثم طلب منها أن تجلب بعض القش من الأرض وتصنع منه لحية كثيفة.. ثم أخذها من يدها وجلسا على الشاطئ.. تأمل البحر قليلاً ثم قال : أما يا براء يسرا دي طلعت حكاية، شهر معاها في الجزيرة لوحدنا.. ياه.. حصل بينا العجب..

وقد أخبرتني يا إياد، أن حكمة هذه القصة، أن الخطيئة بحاجة دائماً لصديق مخلص تخبره عنها.. وقد كانت هذه رسالتي الأولى.. ومن الممكن أن نؤجل الحديث عن الخطايا للرسائل القادمة..

ليست هناك تعليقات: