الاثنين، يوليو 11، 2011

اطمئنان على جودة التخزين

الأمر يشبه الاطمئنان – فقط – على جودة التخزين..

يعني، لا أريد أن أستخرج ذكريات التحرير الآن وألقيها على الورق، أولاً : لأن كتابتها الآن لها معنى واحد، نوع من استعراض العضلات، لقد ذهبت إلى التحرير، لقد وقفت مع الشعب، لقد ناضلت وقاتلت وافترشت الأرض، أنا بطل أنا مناضل أنا ثائر..

وهذه بالطبع ترهات، قصة الثورة بشكل عام لا تحتمل غير "أنا" واحدة، "أنا الشعب". فقط لا غير.

إذن، ومن باب الاطمئنان فقط، على جودة التخزين.. يمكن استخراج ثلاثة صور عشوائية، وعرضها على حضراتكم، دون انتظار لاستحسان أو نقد، أو تهليل أو تكبير، أو أي شيء، فالأمر فقط – وللمرة الأخيرة – مجرد اطمئنان، على جودة التخزين.

(1)

28 – 1
بعد صلاة العصر، عند بداية كوبري قصر النيل من ناحية الأوبرا، كنا على وشك تجاوز الكوبري لولا ضربنا والبعض منا يصلي العصر.. يقال أنها لم تكن صلاة العصر أصلاً، وأن العصر في هذا الوقت لم يكن قد حان. على كل حال.. حدث هذا بعد لحظات من الضرب..

كنت أتنفس بصعوبة، وعلى وشك إلقاء نفسي في النيل، لم تكن تعنيني مسألة عبور الكوبري، كان كل ما يشغلني سؤال واحد.. هل يمكن فعلاً أن ينتهي اليوم وبعضنا أموات؟، هل يمكن فعلاً أن يقبل هذا النظام فكرة قتل فرد واحد من الشعب؟..

أنا أؤمن بأن الأرواح كلها جميلة، وأن كل ما حدث كان مجرد هزار، وأن النهاية لابد أن تكون سعيدة دون أن يموت أحد، كيف إذن سمحوا لأنفسهم بضربنا بهذه الوحشية؟.

بجواري يقف شاب يرتدي قميص أبيض، هو أيضاً غارق في تأملاته. لكنه يتابعني، يسير بجواري.. وأسمع صوت أنفاسه بوضوح.. قال، وهو يدرك أنه لا يحدث أحداً غيري : بقولك إيه؟..

كرد فعل طبيعي كان لابد أن أضيف : إيه؟..
قال : هو كوبري قصر النيل ده بيتفتح؟..

سكت، وسكت هو أيضاً.. بعد دقيقة أضاف ما معناه أن بإمكان الثوار أن يفتحوا الكوبري على الشرطة لمنعهم من ضربنا.. لكن ستبقى المشكلة، كيف سنصل للتحرير إذا فتحنا الكوبري..

أدركت إن النظام سيقتل بعضنا بالفعل، لأنه من الصعب أن يصمد أمام خيالنا.

(2)

يوم ما في بداية شهر فبراير.
بجوار مقهى ريش يوجد شارع طويل، في مقابل بار أستوريل مباشرة، لا أعرف اسم الشارع، ولن أهتم بمعرفة اسمه يوماً ما.

في المساء، بينما امتلأ الميدان بحكايات اللجان الشعبية، كان شابين يرتديان الجينز، يقفان في منتصف الشارع الفارغ تماماً. ويلعبان كرة الريشة.

راقبت بهدوء، انسيابية الريشة تنتقل من مضرب إلى الآخر وتسير في الهواء.
كنت أحمل أكياس بيضاء ثقيلة مليئة بعلب الكشري.. وكنت عائداً لتوي من المقهى بعد أن حصلت على حقي الطبيعي في أحجار التفاح..

هل يدرك الجالس في القصر، أن الشباب في التحرير يأكلون الكشري ويلعبون الريشة ويشربون التفاح؟.. وإن أدرك، فماذا هو فاعل بنا؟. أو مفعول به منا؟.

(3)

الميدان واسع، لكن أماكن النوم ضيقة.
الليل بارد، ومليون بطانية لن تجلب الدفء للذين ينامون على الرصيف.

أنا، وحمزة، ومحمد، اخترنا النوم في سيارتي التي خبأتها بعناية في جراج قريب من طلعت حرب.

نمت في مقعدي، وحمزة إلى جواري، ومحمد بالكنبة الخلفية. استسلمت للنوم بسرعة، عائد لتوي من التحرير، من خط القتال مع البلطجية، والصباح سيحمل قتالاً جديداً.

نمت.
ولم أرى في نومي أية أحلام.

في الصباح أخبرني حمزة، أن شخيري كان عالياً.. حتى أنه ظن أن طائرات النظام بدأت تقصفنا..
....

ليست هناك تعليقات: