الاثنين، يوليو 11، 2011

مجلس الإدارة

قررت مع بعض الأصدقاء أن نبدأ مشروعاً استثمارياً كبيراً. فكرنا في المجال الذي يستوعب أفكارنا وأحلامنا، ويناسب الأموال التي يمكننا جمعها.. واستقر بنا الحال على افتتاح شبكة للاتصالات، تستفيد من الحرية التي في البلاد، وتحصل على رخصة مجانية من الحكومة. وتنافس شركات المحمول الثلاثة. وقد كان.

كنا نبحث عن التميز، فقدمنا أرخص الخطوط وابتكرنا خدمات جديدة ومفيدة وجيدة. وأصبحنا في أقل من عام شبكة قوية بها ملايين المشتركين، الحمد لله.

حدث هذا بفضل الإدارة الحكيمة، وحرصنا على الابتكار، واجتماعنا شبه الدائم كمجلس للإدارة حتى نحسم كل الأمور بأسرع شكل.. كان بيننا عهد، أن تكون شبكتنا نافعة، تحافظ على الناس، وأن يرضى عنها الله، وأن تساهم في بناء المجتمع.

كنا مختلفين، أحدنا يحب الموسيقى، والآخر يفضل أن يقضى وقته في قراءة القرآن. أحدنا بدين جداً، وكانت شريكتنا الوحيدة رشيقة للغاية تأكل طعاماً صحياً وتشرب الشاي بدون سكر.

هذه الاختلافات المهمة، لم تمنعنا من التفاهم حول أمور شركتنا وخططنا لنصبح في سنوات أكبر شبكة للاتصالات في العالم العربي.

لكن، سرعان ما ظهرت بعض المشكلات غير المعتادة، والتي كانت دائماً تبدأ مثلما تنتهي.. دون تقدم.

لاحظ شريكنا الملتزم مثلاً، أن الخطوط التي نبيعها قد تستخدم في ممارسات إباحية في المساء، بعد أن ينام الآباء والأمهات، وتعبث الفتيات مع الفتيان، وقدم مقترحاً بعدم السماح لأي فتاة بالحصول على خط إلا بعد أن تكون متزوجة، أو مكتوب كتابها على أسوأ الأحوال.. أخلاق المشتركين في الشبكة جزء من أخلاق الشبكة نفسها.. وأخلاق الشبكة جزء من أخلاق مجلس الإدارة، ونحن لا نسمح بالعبث بأي حال.. استغفر الله.

ولاحظت شريكتنا الرشيقة، أن المكالمات الطويلة تؤثر على الصحة، كما أن الاستمرار في الحديث حتى وقت متأخر يمنع المتصلين من الاستيقاظ مبكراً. فقدمت مقترحاً بإغلاق الشبكة عند التاسعة مسائاً، وقطع أي مكالمة تكون أطوال من خمس دقائق، وعلى المتصل الذي يريد مكالمة أطول، أن يرسل إلينا بطلب يوضح فيه الأسباب التي يحتاج لأجلها أن يتحدث لوقت طويل، وحتى إن وافقنا، تكون الدقائق الإضافية أغلى من الدقائق العادية.. لم تكن صحة المشتركين محل تفاوض أو نقاش عند مجلسنا بأي حال..

لاحظ صديقنا المهتم بالموسيقى، أن بعض الأشخاص يضعون أغنيات شعبية كنغمات لهواتفهم، وقد صدمته هذه الحقيقة لفترة، وقدم مقترحاً يمنع أي شخص من وضع أغنية غير جميلة على هاتفه، وأن اختيار النغمات سيتم من خلال قائمة بالنغمات المعتمدة من مجلس الإدارة، وذلك حفاظاً على الذوق العام، ومنعاً للتلوث السمعي.. كيف يمكن أن يتقدم مجتمعنا ونحن نستمع لموسيقى سيئة.. هذه مسؤلية كبيرة، ومجلس الإدارة لا يسمح بأي تنازل قد يعطل عجلة الإنتاج.

لاحظ صديقنا المهتم بأمور الإنترنت، أن كاميرات الهواتف تستخدم في تصوير بعض الأشياء المخلة، ويتم رفعها على الإنترنت. فقدم مقترحاً بنزع الكاميرات من الهواتف، أو منع رفع الفيديوهات إلا من خلال موقعنا على الإنترنت ويقوم قسم كامل بمراجعة فنية وشرعية وأخلاقية للفيديو قبل السماح برفعه.. المصيبة أن هذه الفيديوهات تشوه صورة المسلمين أمام الغرب، كيف يمكن أن تكون شبكتنا جزءاً من ذلك؟؟..

أما أنا، فكانت تشغلني مسألة البلوتوث، كنت أراها وسيلة لمعاكسة الفتيات الساذجات وإقامة العلاقات غير الشرعية، فقدمت مقترحاً بنزع البلوتوث من الهواتف.. يجب أن نحاصر الفتنة ونحافظ على أخلاق بناتنا.. هذا أمر مفروغ منه بالتأكيد.

زوجتي كانت مهتمة بالأمن والأمان، لاحظت أن المجرمين يستخدمون الهواتف للإتفاق على أعمالهم الشريرة، فقدمت مقترحاً من خلالي بإنشاء قسم خاص لمراقبة المشتركين في شبكتنا بحيث نمنع الجرائم قبل أن تحدث ونحافظ على أمن البلاد.. فالعين الساهرة على أمن البلاد، عين لا تدخل النار..

أما صديقة زوجتي، فقد اكتشفت أن زوجها يخونها من خلال بضعة رسائل نصية على هاتفه، فاقترحت أن يكون لدينا قسماً خاصاً يقرأ الرسائل بعناية قبل أن ترسل من هاتف إلى آخر، حتى نتمكن من محاصرة الخيانة الزوجية والقضاء عليها.. فاستقرار الأسرة أول خطوة لاستقرار المجتمع بالكامل، والأطفال هم الضحية للتفكك الأسري، وأبغض الحلال عند الله الطلاق، كما هو معروف.

كنا فخورين بأنفسنا كمجلس إدارة يهتم بأمور المجتمع ويحافظ على الشبكة والمشتركين بها. كان يملأونا الإيمان بأن ما نفعله مفيد وضروري ومهم ويلبي احتياجات الجمهور.. كنا أقوياء، ننجح في اقناع المشتركين بأن كل هذه الإجراءات مهمة ومفيدة.

لم تكن أخلاقنا تسمح لنا بأي حال أن تستخدم شبكتنا في أي أمر غير إيجابي، أو أي فعل يغضب الله، أو يضر بصحة المشتركين، كانت مسؤلية كبيرة، وكنا نتحمل المسؤلية على الوجه الأمثل..

ذات يوم، دخل علينا عامل من البوفية، وكان يقدم لنا الشاي والقهوة والنسكافية. كنا نناقش مقترحاً بإغلاق الشبكة تماماً خلال أوقات الصلاة حتى لا تكون شبكتنا سبباً في عدم صلاة أحد المشتركين عند قيامه باتصال في ذات الوقت.. وبالتالي تكون الشبكة، ومن بعدها مجلس الإدارة، مذنبة أمام الله كونها قدمت خدمة قد تساعد أحدهم على أمر غير جيد..

قال، من أنتم؟..ضحكنا جميعاً، حيث افترضنا أنه يلقي نكتة غير جيدة.. واستمر اجتماعنا فيما خرج هو لجلب المزيد من المشروبات..

ليست هناك تعليقات: