الاثنين، يوليو 11، 2011

فن الحساب على المشاريب

قال صديقي، أن عصر الخسائر انتهي، فقلت أنه بدأ لتوه.

صديقي هذا شاب من شباب الإخوان، ووالده كذلك، وقد قضى والده السنوات الخمس الأخيرة في السجن، ليخرج بعد أن خرج مبارك من قصره، وأزاحه الله من على صدورنا.

لماذا بدأ عصر الخسائر إذن؟.. حتى أن صديقي قال : ما الذي يمكن أن نخسره مجدداً، لن ندخل السجون ولن نعاني من القمع، إذن فالعصر عصر مكاسب، والله أكبر ولله الحمد.

قلت، بل لا حول ولا قوة إلا بالله، السجن ليس خسارة على الإطلاق.. دعني أشرح لك.

عندما دخل أيمن نور إلى السجن في قضية تزوير، كنا جميعاً نعلم أنها قضية سياسية وأن الرجل يعاقب فقط على ترشحه للرئاسة أمام مبارك، السؤال هو : هل خسر نور فعلاً بسجنه؟.. للوهلة الأولى يمكن أن أقول أبداً، بل العكس تماماً..

تحول سجن أيمن نور إلى رصيد ضخم له عند البسطاء الذين فهموا اللعبة ببساطة، وأكتسبت قضيته مكانة دولية، حيث تحدث عنه أوباما ورؤساء أوروبا، والأدهى أن الرجل كان يكتب في الصحافة بشكل يومي مقالاً يقال أنه كان يهربه، وكانت تلك نكتة طبعاً أن يتمكن سجين من تهريب مقاله السياسي بشكل يومي، ثم ينشر في الصحف..

إذن، السجن والقمع هنا، كان سخيفاً من ناحية، لكنه كان من ناحية أخرى يصنع رصيداً للمعارض السجين المقموع.. لاحظت هنا تغير نظرات صديقي، وارتفاع حاجبيه.. وكأنه يريد أن يعترض..

قلت : أعرف ما تريد أن تقول، ما الذي جعل أيمن نور يصل لهذه الحالة إذن؟..

عندما خرج من السجن، استقبلته وسائل الإعلام استقبال بطولي، فعلى كل حال الرجل دفع ثمن موقفه.. ويستحق قدراً من الشهرة..

أيام قليلة وبدأ عصر خسارته، وستندهش حين تعرف كيف خسر هذا المحامي كل ما كسبه في سجنه.. في خناقة زوجية يقال أنها كانت عادية جداً، طلق نور زوجته جميلة إسماعيل. لم يكن نور ذكياً كفاية ليعلم أنه بينما كان داخل محبسه، كان الشعب يغزل حكايات رومانسية جميلة عن الحب الذي يجمع زوجين عارضا الرئيس، وعن الزوجة المخلصة التي تلف بلاد العالم تروج لقضية زوجها.. ولأن أبغض الحلال عند الله الطلاق.. فقد أيمن نصف رصيده.. ولم يكن في حاجة إلا إلى حادثة بسيطة أخرى ليفقد ما تبقى..

خرج أيمن على الصحف يقول أنه تعرض لاعتداء من بلطجية بعد أن أكد نيته الترشح مجدداً للرئاسة. في اليوم التالي كشفت بعض الصحف أن الإصابة التي يقول أيمن أنها نتيجة الضرب المبرح، هي في الواقع حرق نتيجة إساءة استخدام الـ"سيشوار" خلال عملية لزرع الشعر..

فقد أيمن ما تبقى من رصيد لأنه طلق زوجته وكان ينوي أن يزرع شعره.

لم يتذكر أحد أنه قضى في السجن سنوات، حتى الذين أعطوه أصواتهم في الانتخابات، أصبح من الصعب عليهم أن يثقوا في رجل مطلق يستخدم الـسيشوار.

أخذت رشفة من قهوتي، بينما كان صديقي مشغولاً بالتقليب في موبايله، لاحظ أنني أنتهيت من الحديث، نظر لي قائلاً : أنت عايز تقول إيه؟.

أخبرته أنني أريد أن أقول أولاً أن هذه قهوة سيئة جداً، وأن إدارة هذا الكافية سخيفة ولا تحرص على راحة الزبائن.. أما بخصوص موضوع الخسائر والمكاسب.. فالأمر سهل يا صديقي لو تعلم..

فما كان كان، وما لم يكن لم يكن، أفعل أو لا تفعل وأجب عن أسئلتك بنفسك..

لم تعد هناك فرصة للتستر وراء قمع نظام أو رقابة أمنية. عصر الخسائر بدأ لأن الرجل الحر مربوط من لسانه وأفعاله. لأن الفرعون مات ورحل، ولأن الشعب أصبح أكثر وعياً.

سألته، هل يعلم الإخوان – مثلاً - ما الذي تغير في مصر؟.. هل أدرك الإخوان أن حسني مبارك لم يعد موجوداً؟. الأدهى.. هل يدرك الإخوان خسائرهم..

يقال أن أسوأ ما في الدنيا، ألا يكون لديك شيئاً تخسره.. ويقال أيضاً.. ألا يكون لديك شيئاً تكسبه.

زمان، كان الإخوان يحاربون اليسار وكان النظام يوازن بينهما في المجتمع.. كان الإخوان أقصى يمين المجتمع، وكان اليسار أقصى يساره.

بعد يمين الإخوان نبتت قوى آخرى، السلف الذي لم يعد صالحاً بالضرورة، وألف مبروك عبود الزمر خرج من السجن.. أما يساراً فقابل يا صديقي ورحب بالضيوف الجدد، ليبرالين، أقباط، بهائيين.. هؤلاء الذين لم يعد لديهم حرج في التحرك سياسياَ، بعد أن أستوعبهم الميدان، وأرفع راسك فوق.. أنت مصري.

هذا بالطبع يحدث في لحظة لم يعد هناك نظاماً من الأساس يصنع نوعاً من التوازن، هنا وجد الإخوان أنفسهم في لحظة نادرة، لحظة التطوع الإجباري على الحساب على المشاريب.

السلف يتحركون بحرية، يفتشون عن كاميليا وعبير، تحرق الكنائس، فيما يعتقد البسطاء أن هذا من فعل المتدينين الأشرار، ولأنهم ليسوا خبراء في شئون الحركات الإسلامية.. يصفون الجميع بلفظة وحيدة سهلة وبسيطة.. "الإخوان"..

يا راجل، سائق التاكسي قال لي أن "أسامة بن لادن" من الإخوان، وأن الاحتمالات قوية أن يتولى "عصام العريان" قيادة "القاعدة" بعد أن يعود "أيمن الظواهري" من أفغانستان ويرشح نفسه في انتخابات مجلس الشعب، لأن أيمن – يا عيني – تعب من السفر ويريد أن يعود ويستقر في بلده..

من الناحية المقابلة، تطوع الإخوان أيضاً للحساب على مشاريب "نعم" في الاستفتاء، أقول لك على سر، تأسست الإخوان 1928، ومن ساعتها يا مؤمن لم يفصحوا عن رأيهم في أية انتخابات رئاسة أو تعديل دستوري.. كانوا دائماً يحسمون الأمر داخلياً ويخرجون على الإعلام بذات العبارة "نترك حرية الإختيار للأفراد"، علل إذن حرصهم في مارس الماضي على الحساب على مشاريب "نعم". وحشد الناس لها بفجاجة، واستخدام الدين بشكل مثالي، والوقوف أمام تيارات ليبرالية لم تكن لتصبح بهذا العداء معهم لو أن الإخوان ميعوا موقفهم كما اعتادوا، وهذه هي السياسة..

لكنه استعراض العضلات دفعهم للحساب على المشاريب، فيخرج شيخ سلفي يسميها "غزوة الصناديق"، ويصر سائق التاكسي أنها كانت أيضاً غزوة "إخوانية".

اقتربت منه هامساً وقلت : "بذمتك، هل تعتقد أن الانتخابات البرمانية سيتم تأجيلها فعلاً؟".. قال : "طبعاً لأ".. قلت : "وهل يعلم الإخوان بأن الانتخابات لن يتم تأجيلها؟"، قال : "بالتأكيد"..

صرخت في وجهه : "لماذا تتقدمون إذن وتعلنوا أنكم لن تشاركوا في المظاهرات، وهل طلب منكم أحد أن تشاركوا أساساً.. اسكتوا، قولوا أنكم تعبتم من إرهاق الثورة وقد اخترتم اليوم نفسه للسفر إلى الساحل الشمالي في معسكر ترفيهي يضم كل أعضاء الجماعة، اسهروا يوم الخميس سهرة طويلة جداً واستيقظوا عصر الجمعة والنوم سلطان، أفعلوا أي شيء، بعد أن تدركوا أن ما تبقى في جيوبكم لم يعد يسمح بالحساب على مزيد من المشاريب".

عصر الخسائر بدأ يا صديقي، كل يوم يخسر الإخوان عدد لا بأس به من البسطاء الذين يصوتون لهم، وكل يوم يكتشف هؤلاء البسطاء أن مصر فيها رجال محترمين لا ينتمون للإخوان، ويعملون لصالح البلد، ويقررون أن أصواتهم ستذهب لهم هذه المرة.

كل يوم يرى الشعب صورة أكثر وضوحاً، أن الإخوان ليسوا جزءاً من الحركة الوطنية، بل هم جماعة تبحث عن فرصة، وتستغل الوقت، تجري هنا وهناك تنشيء في مقرات وتطبع بيانات تقارن بين موقفها النبيل، وموقف "العلمانيون" أعداء الأمة.. والشعب.. أصبح مدركاً أن العدو الوحيد له رجل اسمه مبارك يرقد الآن في المستشفى في انتظار الموت أو المحاكمة.

الخسائر بدأت، والنتيجة الأخيرة فيما يبدو هي.. خشيت أن أقول، فما تبقى في جيبي قد لا يكفي للحساب على ما طلبنا.. تصنعت الإنشغال وقت له.. "بقولك إيه.. ما تحاسب إنت".. ورحلنا.

ليست هناك تعليقات: